“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر

يوم 11 ديسمبر/ كانون الأول 1960، هو يوم محفور بذاكرة كل جزائري، فقد شهد مظاهرات وتحركات شعبية كانت الشرارة الأولى التي أدت إلى تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وقد قمعت السلطات الفرنسية هذه المظاهرات بوحشيّة مما أدّى إلى سقوط العديد من القتلى في صفوف المدنيين.
يسلط فيلم “الجزائر.. أيام الاستقلال” على الفترة التي سبقت التحرير وخروج المستعمر وعمليات الفدائيين الذين كانوا السبب الرئيسي في إخراج المحتل الجزائري.

وهذا الفيلم هو جزء من سلسلة “ذكريات ملونة” التي أنتجتها الجزيرة الوثائقية، وتعتمد على إعادة ترميم وتلوين أرشيف يروي أحداثا مهمة، من خلال أشخاص عايشوا مراحل زمنية وأحداثا مهمة في العالم العربي بين عشرينيات وستينيات القرن الماضي قبل أن يتوفر الأرشيف الملون.

“كانت حياتنا جحيما”.. يوم ثار الشعب على فرنسا

تروي الجزائرية شعابة حفيظة (مواليد 1944) وهي تشاهد لقطات أرشيفية للفترة الأخيرة للاحتلال الفرنسي، كيف ضحّى الشعب من أجل الجزائر التي كانت تتكالب عليها الأمم، واستشهد مئات آلاف الناس بين أعوام 1954-1962 لتحرير البلاد.
“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%A3%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D9%81-1681983192

“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%A3%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D9%81-1681983192

صور أرشيفية من الجزائر العاصمة منتصف القرن العشرين
خسرت شعابة شقيقها شهيدا خلال ثورة الجزائر، وتقول متحدثة عن تلك الأيام: لم نكن نسمع أي تغريدة أو احتفال، وإذا كانت ضرورية فتكون للشهداء فقط، أما الأعراس وحفلات الزفاف فكانت صامتة، كلنا كنا سواسية، وكان همنا جميعا هو التخلص من الاحتلال، لأننا عشنا معه حياة صعبة جدا، وكانت حياتنا جحيما، ولم تكن للجزائري قيمة، وأعطانا ربنا القوة والعزيمة لمواجهته، ولم نكن نخاف من أعوانه وأمنه.
لم نكن نتكلم اللغة العربية بشكل سليم، لأن المستعمر كان يحاربها ويروج للثقافة الفرانكفونية، وكنا نذهب إلى المسجد ونقرأ القرآن من اللوح ونكتبه على اللوح أيضا.

ألوان الجزائر.. ثياب المقاتل الخضراء تواجه المحتل

تقول فايزة رياش الباحثة في التراث الجزائري: هذه مدينة الجزائر بزرقة بحرها وبياض بيوتها ومنازلها، فعندما استعمرت فرنسا الجزائر هدمت كل القصبة السفلى (المدينة القديمة) وأعادت بنائها على الطراز الأوروبي، وخلال فترة الاستعمار كانت كل عائلة تجهز ملابسها واحتياجاتها من النسيج.
“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-1681983184

“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-1681983184

صورة ملونة لأطفال الكتاب في الجزائر يدرسون القرآن
وفي تلوين النسيج كانت تستخدم مواد طبيعية كالمغرى الحمراء والصفراء والبنية، والمغرى هي مادة طينية توجد في الطبيعة، وكانت تلون الملابس التقليدية، إضافة إلى حجر النيلة الذي كان يطحن ويستخدم في صباغة الملابس.
تقول فايزة رياش: لا يمكن أن ننسى دور الحايك (لباس تقليدي يشبه البرقع) خلال فترة الاستعمار، وكان بعض المجاهدين يتخفون تحت الحايك لتهريب السلاح والمؤنة وأمور أخرى.
“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%B2%D9%8A-1681983159

“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%B2%D9%8A-1681983159

الحايك لباس تقليدي جزائري يشبه البرقع
التحق الجنود الجزائريون بالجبال، وكانوا يرتدون اللون الأخضر الداكن الذي يعكس اخضرار الجبال الجزائرية الشامخة، وكانت قوات مكافحة الشغب الفرنسية -التي كانت تقمع المظاهرات- ترتدي الزي الأزرق أو الرملي الفاتح وخوذة حديدية.

نساء المقاومة.. زغاريد وأعلام أرهقت أمن المستعمر

بعد ترميم اللقطات الأرشيفية وتلوينها تلقائيا وبدقة نعرضها مجددا على شعابة حفيظة التي تشاهدها مع حفيديها، وتقول إن الألوان جميلة جدا والملابس كانت مميزة، وتفاعلت شعابة مع اللقطات الملونة التي أعادتها إلى الوراء عشرات السنين.
“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-1681983165

“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-1681983165

معالم في مدينة الجزائر منتصف القرن العشرين يتم تلوينها حديثا
وتقول: سموها الجزائر البيضاء لأن معظم مبانيها ومنازلها صبغت باللون الأبيض، وفي الليل تبدو مضيئة، فقد كبرنا والاحتلال جاثم على صدورنا، إذ كان يعمل والدي في إحدى مقاهي العاصمة، والحوار الوحيد الذي كان يدور في المقاهي بين الرجال هو الثورة ومستقبل البلاد والتخلص من الاستعمار، وكان المجاهدون بعد كل عملية أو قتل لمستعمر يخبئون الأسلحة في صناديق الخضار، وكنا نخفي السلاح عن أعين المستعمرين ونعطيها -أنا وأختي- للفدائيين الذين كانوا يوجدون في الجبال.
كان الناس يتعلمون العربية ويقبلون على كسر الاحتلال اللغوي الذي فرضه المستعمر على ألسنتهم ودراستهم، تقول شعابة: كانت الدراسة وقتها بالفرنسية، ولم نكن نعرف العربية بتاتا، وكنت من اللاتي لا يعرفن العربية، بينما كان المقاومون في الجبال يتعلمون العربية.
“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%AC%D9%86%D8%AF-1681983154

“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%AC%D9%86%D8%AF-1681983154

جنود الاستعمار الفرنسي يصطفون في شوارع الجزائر
وتروي قصة من مظاهر التعاون بين المجاهدين ونساء الحي قائلة: في 11 ديسمبر/ كانون الأول (1960) كان هناك اتصال بين والدتي والمجاهدين وقالوا لها: خيطي علم الجزائر وانشريه في الخارج، وعندما نعطيك الإشارة أخرجي النسوة، وأطلقوا العنان للزغاريد، واحملوا الأعلام الجزائرية لتشتيت رجال الأمن الذين لن يتحملوا الأصوات ولا رؤية العلم الجزائري، وقد حاولوا قمع المظاهرات وسحب الأعلام منا، وحاول أحد عناصر الأمن اللحاق بي لسحب العلم مني، ولكنني نجحت في الفرار بعد أن دخلت في أحد الأزقة، ولم أعطه العلم. وأنا أعتبر أن أحداث 11 ديسمبر/ كانون الأول كانت مفتاح النصر.

“أول عرس بعد الحرب عرسي”.. فجيعة وفرح واستقلال

تتحدث شعابة حفيظة عن استشهاد أخيها مصطفى، قائلة: خلال الهدنة وتوقف إطلاق النار، ذهبنا نحن والكثير من الجزائريين إلى الجبل، وكان الفدائيون بانتظارنا، وعندما وصلنا جاء المسؤول إلينا، وقال لوالدتي إن ابنك مصطفى شهيد، والله يرحم الشهداء، وأجابته والدتي بكل رباطة جأش: الله يرحم الشهداء. كنت صغيرة وأحب أخي مصطفى كثيرا، لأنه كان حنونا ويعاملنا بلطف، وبدأتُ بالبكاء بعد أن سمعت خبر استشهاده، غير أن والدتي تدخلت وقالت لي اصمتي وافخري.. فأخوك شهيد.
“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%B4%D9%87%D9%8A%D8%AF-1681983127

“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%B4%D9%87%D9%8A%D8%AF-1681983127

شعابة تتلقى خبر استشهاد أخيها مصطفى في الحرب ضد المحتل الفرنسي
لكن جميع الأحزان والنكبات انتهت بسقوط المستعمر وارتفاع العلم الجزائري في المحافل الدولية. تقول شعابة: لقد رأينا الهم والمرض كما رأينا الفرحة الكبرى عندما ارتفع العلم الجزائري في الأمم المتحدة وبين أعلام دول العالم بفضل الله عز وجل، ثم بفضل الفدائيين والرجال الذين ضحوا بأنفسهم.
“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%AD%D9%81%D9%84-1681983172

“أيام الاستقلال”.. المظاهرات التي سبقت تحرير الجزائر %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%AD%D9%81%D9%84-1681983172

جزائريات يرقصن فرحا وطربا بعد اندحار المحتل ونيل الاستقلال
بدأت الأفراح بعد توقف الحرب، وكان أول الأفراح عرس شعابة، ثم تلاه الاستقلال الرسمي. تقول متحدثة عن ذلك: كان أول عرس بعد توقيف الحرب عرسي، وبعد العرس بـ15 يوما حصلنا على استقلالنا، واحتفلنا به على مدى أيام ليلا ونهارا، وكنا أحرارا وكانت فرحتنا عارمة وعامة، ولم ينغصها بعد ذلك أي شيء، فقد خرج الشعب كله للاحتفال، لأنه كان يعلم قيمة بلاده.

» عمليات بيع ضخمة في إسرائيل سبقت طوفان الأقصى بـ5 أيام..
» حرب تحرير واستقلال الجزائر
» فلم جزائري البطل المجهول عن تحرير الجزائر le heros inconnu
» خطبة صلاة الجمعة التي ألقيت بعد تحرير بيت المقدس من الاحتلال..
» ما المفاجأة التي يجهزها اون لترامب بأول أيام حكمه؟