حرب تحرير واستقلال الجزائر
اندلاع الثورة الجزائرية..العمل العسكري
المعلق: كان يوم الخامس من تموز/ يوليو عام 1830 يوما احتلت فيه فرنسا الجزائر المستقلة رافضة دفع ديونها المتراكمة، تاريخ أعلن بداية مسيرة طويلة، مصادرة أراض وتهجير لبناء مستعمرات فرنسية، موجات مقاومة متعددة امتدت على طول الأراضي الجزائرية، مسيرة دفعت بالشعب الجزائري إلى الشارع للمطالبة باستقلال بلاده عشية الحرب العالمية الثانية، قمع عنيف من قبل الشرطة الفرنسية وانتفاضة متجددة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1954 يوم اندلاع الثورة الجزائرية.
هواري بو مدين: أنا مناضل ثوري.. فقط، مناضل ثوري!!
أحمد بن بيلا: لا يوجد على الأرض قوة لإيقافنا، لا توجد قوة على الأرض توقف الحركة الثورية التي أعلناها هنا!!
المعلق: لا شيء سيوقف حركتنا الثورة التي بدأناها، هكذا قال يومها أحمد بن بيلا، تلك الثورة التي اندلعت في فجر الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1954 وعبر عنها بيان جبهة التحرير الوطني وكان من أبرز ما جاء فيه "الهدف الاستقلال الوطني، الأهداف الداخلية تجميع وتنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائري لتصفية النظام الاستعماري، الأهداف الخارجية تدويل القضية الجزائرية، وسائل الكفاح انسجام مع المبادئ الثورية واعتبار من الأوضاع الداخلية والخارجية فإننا سنواصل الكفاح بجميع الوسائل حتى تحقيق هدفنا، فتح مفاوضات مع الممثلين المفوضين من طرف الشعب الجزائري على أسس الاعتراف بالسيادة الجزائرية، وحدة لا تتجزأ، أيها الجزائري إننا ندعوك لتبارك هذه الوثيقة وواجب هو أن تنضم لإنقاذ بلدك والعمل على أن نسترجع له حريته، إن جبهة التحرير الوطني هي جبهتك وانتصارها هو انتصارك". دعونا نتابع ما حصل تلك الليلة على الأراضي الجزائرية فلقد شهدت خمس مناطق تحركات منظمة للمقاومة الجزائرية، كلمة السر خالد وعقبة، إذاً شهدت خمس مناطق جزائرية ثلاثين عملية هجومية ضد أهداف فرنسية في مدن وقرى عدة على النحو التالي: المنطقة الأولى الأوراس بقيادة مصطفى بن بوالعيد، المنطقة الثانية الشمال القسنطيني بقيادة ديدوش مراد، المنطقة الثالثة القبائل بقيادة كارين بلقاسم، المنطقة الرابعة الوسط بقيادة رابح بيطاط، والمنطقة الخامسة الغرب الوهراني بقيادة العربي بن مهيدي.
العربي الزبيري/ كاتب ومؤرخ: فالمقاومة في الجزائر المقاومة المسلحة -وأؤكد على ذلك- ظلت متواصلة في أماكن مختلفة صحيح غير منظمة كما ينبغي صحيح غير مدعومة كما ينبغي ولكنها مقاومة، مقاومة مسلحة وكان الهدف منها هو تحرير البلاد أو جزء من البلاد.
بنجامين ستورا/ مؤرخ فرنسي: الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 تاريخ مهم جدا، على مدى فترات طويلة كانت هناك ثورات مقيدة في بعض القرى والمناطق غير أن هذه المرة كان هدف أولئك الذين صنعوا هذا الحدث هو إعطاء انطباع بوجود ثورة منظمة في كل البلاد، كان هذا هو الحدث في الواقع.
المعلق: كيف نظرت فرنسا إلى هذه الثورة وكيف وثقت أحداثها؟ سؤال يجيب عنه في وثيقة سرية تقرير عسكري حول الأوضاع في شمال إفريقيا صادر في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر عام 1954 "لا زلنا لا نعرف العدد الفعلي لهم لكن التقييم يتم وفق ما يجري من عمليات على الساحة وبفضل ردود أفعالنا تم حصل المخاطر التي تهدد مجمل أرجاء الجزائر لكن هذا التهديد لم ينته طالما لم نقض نهائيا على الخصوم، كما أن الأعمال الإرهابية لم تتوقف ومن المتوقع أن تتضاعف". يبدو مما جاء في هذا التقرير العسكري أن فرنسا كانت على دراية وافية بأن أحداث تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1954 ليست مجرد تحرك بسيط وأنه من المتوقع أن تتضاعف أعمال المقاومة.
بنجامين ستورا: كان يجب تغيير الواقع واللجوء إلى الكفاح المسلح ولكن هذه الخطوة كانت تحمل المجازفة بإعطاء الأفضلية للعنف وللكفاح المسلح على حساب المبادئ الديمقراطية غير أنه كان الثمن الذي وجب دفعه للتاريخ لأن التاريخ يكتب هذا، التاريخ لا يكتب وفق برامج نظرية كبيرة منجزة بشكل مسبق، التاريخ كان هو عملية التحرر من السيطرة لأنه كان يجب فعلا التحرر منها.
العربي الزبيري: ما دام الاتفاق حاصل حول الجوهر فأصبح من السهل جدا أنك تكون الأجيال التي تشارك في ثورات تندلع ربما لا يقتنع بانطلاقتها الجميع ولكنها تجمع كل الناس في أساسها، ففي ليلة أول نوفمبر 1954 كان بيان أول نوفمبر حوصلة ذكية لأدبيات الحركة الوطنية، جميع أطراف الحركة الوطنية.
المعلق: كتب بيان الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر التاريخ وأصبح بمثابة دستور الثورة ومرجعها الأول، باختصار اتبعت جبهة التحرير ثلاثة خطوط عريضة، تطوير وسائل الكفاح وخصوصا التسلح، تدويل القضية الجزائرية، المفاوضات مع الجانب الفرنسي على أساس السيادة الجزائرية.
بنجامين ستورا: كان الشغل الشاغل هو قضية السلاح، لقد تم الانتقال من حركة سياسية وطنية كانت تتبنى إستراتيجية المفاوضات والمظاهرات والاحتجاجات إلى مرحلة البحث عن الأسلحة والمواجهة العنيفة في السنوات من 1955 وحتى 1960، هنا لا يجب التغاضي عن السياق التاريخي لأنه عندما نقوم بالتأريخ فإنه يجب أن نقوم بوضع الأحداث في سياقها، كان هناك نظام استعماري وكان هناك أيضا ما كان يحدث في تلك الفترة في قارات أخرى بعيدا عن العالم العربي، في أميركا اللاتينية مع الثورة الكوبية التي لجأت إلى الكفاح المسلح في الفترة نفسها، بلد آخر نشير إليه هنا دخل في نظام مواجهات عنيفة هو فييتنام.
المعلق: في مسألة تطوير وسائل الكفاح والتسلح نستند إلى وثيقة من أرشيف الخارجية الفرنسية وهي عبارة عن تقرير شامل بعنوان "حول التدخل المصري في إفريقيا الشمالية" بتاريخ 20 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1956 "اعترضت القوات الفرنسية في شهر كانون الثاني/ يناير عام 1955 قافلة في جنوب قفصة -تونس- محملة بالذخائر ومتوجهة إلى الأوراس وقد أكدت التحقيقات أن مصر مصدر هذه الذخائر وأنها آتية من هيئة رسمية، كما تم تفتيش اليخت المصري آتوس الذي كان قادما من الإسكندرية يقوده جنود مصريون بلباسهم العسكري الرسمي وعلى متنه مائة طن من السلاح ولولا ضبط هذا اليخت لما كنا علمنا بتدفق هذا الكم من السلاح من مصر إلى الثوار".
سيلفي تينو/ مسؤولة الأبحاث في المركز الوطني للبحوث العلمية CNRS: الأسباب التي دفعت الدول إلى مساندة جبهة التحرير الوطني بما في ذلك عسكريا هي في رأيي أسباب سياسية إن لم تكن أيديولوجية، ففي ما يتعلق بعبد الناصر كان الدافع رغبته في بسط سياسة تشمل كل الدول العربية وأن يكون هو زعيم القضية العربية، ومع ذلك لا يمكن تحليل الأمر على أنه نزاع حرب باردة وتلك كانت نظرة فرنسية خاطئة للأمور فالاتحاد السوفياتي لم يدعم بخاصة جبهة التحرير الوطني فالجبهة حصلت على دعم الولايات المتحدة الأميركية وهو الأمر الذي أزعج الفرنسيين، كما أن الصين لعبت دورا بارزا في مساندة جبهة التحرير الوطني.
عثمان السعدي/ سفير سابق ونائب في البرلمان الجزائري: العرب قدموا المال قدموا السلاح للثورة وغنوا لأحداث الثورة الجزائرية، جميلة بوحريد مثلا كانت توجد ثانوية بسوريا اسمها ليسيه جان دارك خرج الطلبة وكسروا تمثال جان دارك ورفعوا لوحة جان دارك ووضعوا مكانها ثانوية أو مدرسة جميل بوحريد، فإذاً العرب تفاعلوا مع الثورة وانفعلوا معها وأيدوها.
المعلق: كيفية الحصول على الأسلحة كانت من أكبر الصعوبات التي واجهت جبهة التحرير الوطنية إذ مارست فرنسا شتى أنواع الضغوطات لصد محاولات التسليح لكن الجبهة تمكنت من الحصول على غنائم المعارض كما أنها نجحت أيضا بجلب الأسلحة برا وبحرا، باختصار تم نقل الأسلحة في المرحلة الأولى من مصر بحرا عبر ليبيا وفي المرحلة الثانية من مصر أيضا عبر ليبيا وتونس والمغرب، وكانت الشحنات التي تصل إلى ليبيا تكمل طريقها إلى تونس لتصل إلى قسنطينة ثم تنقل بواسطة الجمال إلى الأوراس، ومن المغرب كانت الشحنات تصل إلى مناطق وهران والقبائل، هذا ما حصل مع اليخت انتصار واليخت دينا واليخت غود هوب كما تمكن بن بيلا وعبد الكريم بلقاسم من تهريب ألف قطعة سلاح من إسبانيا إلى المغرب.
العربي الزبيري: لكن الفضل يبقى للمصريين أنهم احتضنوا الثورة، كانت الأسلحة تأتي إلى هناك ويغمضون أعينهم رغم المصالح التي كانت تربطهم مع فرنسا وفرنسا كانت تطلب مرات عديدة من الحكومة المصرية أن توقف النشاط الجزائري في القاهرة في مختلف أنحاء مصر.
المعلق: ولكن ومع تزايد العمليات العسكرية لوحدات جيش التحرير وتزويد الثوار بالسلاح عن طريق الحدود الغربية والشرقية وبهدف عزل الثورة عن تونس والمغرب سعت فرنسا إلى غلق الحدود فقامت ببناء خطين من الأسلاك الشائكة المكهربة سميا بخطي موريس وشارل وقد بدأ العمل على بنائهما في آب/ أغسطس من العام 1956، ولم تكتف فرنسا بمحاربة التسليح الجزائري عبر البحر والبر ففي 22 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1956 قام سلاح الجو الفرنسي بعملية قرصنة لإحدى طائرات الخطوط الجوية المغربية المتوجهة من المغرب إلى تونس.
بنجامين ستورا: الطائرة التي كانت تقل أهم زعماء الثورة الجزائرية بوضياف، آيت أحمد، بن بيلا وغيرهم كانت متوجهة من الرباط إلى تونس واعترضها الطيران الفرنسي وهي العملية التي أشاعت الفوضى داخل التيار الوطني الجزائري لأنه كانت هناك حسابات سياسية مهمة.
المعلق: تم اعتقال أحمد بن بيلا، محمد حيدر، محمد بوضياف، حسين آيت أحمد ومصطفى الأشقر وقبعوا جميعهم في السجون الفرنسية حتى توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في إيفيان يوم 19 آذار/ مارس عام 1962، وكي نفهم ردة الفعل التي أحدثتها عملية القرصنة الجوية هذه نقلب في صفحات الوثيقة التي أرسلها رئيس البعثة الفرنسية الدائمة لدى منظمة الأمم المتحدة إلى وزير الخارجية بينو في 23 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1956 "البيان الصادر عن المجموعة الإفريقية الآسيوية والذي وصف الفعل الفرنسي بأنه عمل استبدادي سيؤدي إلى تعكير إضافي للسلام وإلى زعزعة الأمن في شمال إفريقيا وسيعيق الطريق للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزائر وتحقيق طموحات الشعب الجزائري، إن ردود الفعل الأولية ليست في صالح فرنسا"، إذاً ردود الفعل الأولية ليست في صالح فرنسا ولكن دعونا ننتقل قليلا إلى مصر بعد أسبوع من اختطاف الطائرة الأميركية.
جمال عبد الناصر: قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية. باسم الأمة رئيس الجمهورية مادة 1: تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية]
بنجامين ستورا: مساندة الثوار الجزائريين بالنسبة لعبد الناصر هي تعزيز لمكانته بين القوى الغربية، وهذا الأمر كان بطبيعة الحال ضربة موجعة فمنذ اللحظة التي استحوذ فيها على السلطة معه برنامج سياسي لتأميم قناة السويس كان طبيعيا أن يصطدم بمعارضة القوى الموجودة آنذاك والتي كانت تبرز في مقدمة الأحداث وهي عموما القوى الفرنسية والبريطانية وخصوصا البريطانيين الذين احتلوا مصر وكانوا يطمعون في إبقاء سيطرتهم على قناة السويس، لذا كانت الفرصة مناسبة من خلال مساندة الجزائريين لتوجيه ضربة ليس فقط للفرنسيين ولكن للبريطانيين أيضا، هذا ما أدركه الفرنسيون والبريطانيون عندما حاولوا توجيه ضربة توقف عبد الناصر عبر عملية السويس في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول 1956 أثناء الحرب الجزائرية.
سيلفي تينو: في اعتقادي أن الملفت للنظر لدى السلطات العامة للحكومات الفرنسية هو أنهم لم يتقبلوا وجود حس وطني جزائري ورغبة الجزائريين في الاستقلال، لقد كانوا يرفضون الاعتراف بذلك، بالنسبة لهم فإن حركة الجزائريين كان يتم التحكم بها من الخارج لأنهم كانوا يرفضون رؤية ما يحدث أساسا في داخل الجزائر، إذاً دعم عملية السويس كان الهدف منها إضعاف عبد الناصر والتخلص منه وفي اعتقادهم أن ذلك كان سيؤدي ربما إلى إنهاء الحركة الجزائرية.
المعلق: من أجل توضيح الأسباب التي تقف وراء توتر العلاقات بين مصر وفرنسا في تلك الآونة نتوقف مجددا عند وثيقة حول التدخل المصري في إفريقيا الشمالية وهي بتاريخ 20 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1956 "إن تدريب الجيش المصري للمتمردين توقف في نهاية نيسان/ أبريل وعاد في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر عام 1955 مع الإشارة إلى ارتفاع عدد الجزائريين في مجال التدريب من مائة في شهر شباط/ فبراير عام 1956 إلى 170 في بداية شهر آب/ أغسطس حتى وصلت أعدادهم إلى مائتين في شهر تشرين الأول/ أكتوبر".