بين البندقية والأفكار الأوسلوية
لا يمكن للصحافة الإسرائيلية إلا أن تحتفل بمقال ينتقد حماس لما يزعم أنها جرت غزة إليه من دمار وشهداء ، وبرغم تصريح الكاتب الفلسطيني بأنه يحب حماس وأنه معجب بأدائها في الميدان إلا أنه يجعل ذلك ذريعة لانتقادها الذي يؤكد أنه جائز وغير ممنوع .
ومع تأكيدنا على أن حماس حركة مقاومة راشدة إلا أن عاقلا لا يزعم أن انتقادها محظور ، فإنّ زعْم ذلك يخرجها عن نطاق بشريتها ، لكن شتان بين هذا الاعتقاد ومن يتخذه مقدمة لتشريح أدائها على وجه يظهر اجتهادها على أنه كارثة حلت بالفلسطينيين والمنطقة برمتها ، ولا أدري كيف يناقَش هؤلاء وقد غفلوا عن تاريخ حركات التحرر في العالم كله ، وفصلوا المقاومة عن السياسة عن الأمن عن فاتورة لا يضن بدفعها إلا قاعد لا يعرف أصول المقاومة ومنطلقاتها .
حق للصحافة الصهيونية أن تفرح بالكتاب “العقلانيين” الذين ينظرون إلى المعركة على أنها لعبة شطرنج على رقعة مخملية ، ولئن كانت لعبة الشطرنج محرّكة لعقل إدارة المواجهة مفتِّحة لمغاليق الحلول فيها فإنها تجعل الوزير والملك في يد اللاعب ، وهما على أرض المعركة لا يصلحان إلا حرّيْن ولا يليق بهما إلا أن يقودا ولا يعرفا لغة ال “الكش” ، ولعل هذا يغيب عن ثقافة أهل الهوى الذين ينطلقون من مبدأ سكّن تسلم ، وهو في أصله ضعف في اللغة يضاف إليه هنا فقر في العلم بإستراتيجيات المواجهة والصراع حتى وإن كنت تقاتل على موقع بسطة خضروات تصيب منها بعض الدراهم ، فكيف يكون الحال إذا كان قتالا لتحرير أرض واسترداد حق سليب ؟!
إن السعي إلى ما يريده هؤلاء من “نضال” غير ذي شوكة هو إعادة لنا إلى مربع أوسلو الذي تطرب له دولة الاحتلال ، فهو وحده الذي لا يقتل في الميدان لكنه موت حقيقي لكرامة الأمة كما أثبت الواقع ، وموت لاقتصادها وسيادتها ، وعمل بالمجان عند السجان مقابل فتة من خبز ممزوجة بالسم الناقع القاتل على كل حال .
إنني أدعو كل من يدين المقاومة بزعم أنها من جلبت الدمار -وهذا بالمناسبة هو تصريح الصهاينة قبل أي أحد- أدعو من عنده أي حل غير سبيل طوفان الأقصى أن يتقدم به ، بشرط أن يحدث الهزيمة والخيبة والخلاف الداخلي الصهيوني ، وتشريد الصهاينة الذين تحولوا لأول مرة إلى نازحين بفعل الطوفان ، وأدان العالم كله جرائمهم ومذابحهم . لقد حرك الطوفان الماءَ الراكد منذ عقود في محيط التخاذل العالمي تجاه قضيتنا العادلة ، فهل عند منتقديه بديل يفعل ما فعل ؟!
أما أن تعود فتحدثني عن سلام الشجعان ، وإكمال ما بدأه أجدادنا ، والحل العادل والدائم والشامل ، وقراري٢٤٢ و٣٣٨ وغيرهما من أرقام صنمية ضرّت ولم تنفع ، فتلك أطلال أم كلثوم التي طواها الزمان وما عاد ذو مروءة ولا ذو كرامة يحب أن يعود إليها ، وقد جُرِّبت فما كانت إلا سرابا ، أو جُحرا في بطنه أفعى قاتلة ، ولا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين .