تطوّر نوعي بأعمال المقاومة الفلسطينية في طولكرم وجنين: الاحتلال يفشل في فرض "الردع"
قوات الاحتلال تحاول فرض الردع باستهداف المقاومين واغتيالهم
لموقعي طولكرم وجنين دور هام في تنامي أعمال الماومة فيهما
الاحتلال يكثف القصف مع تصاعد استهداف آلياته بالعبوات الناسفة
كان من اللافت التطور النوعي الذي تنفذه تشكيلات المقاومة الفلسطينية وكتائبها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي
في طولكرم وجنين شمال الضفة الغربية، فيما تحاول قوات الاحتلال فرض الردع باستهداف المقاومين
واغتيالهم، لكن المقاومة تنمو مع كل عملية اغتيال يتم تنفيذها. ولجأت قوات الاحتلال إلى القصف من الجو بعد
تعرّض قواتها على الأرض لخسائر فادحة مؤخرا، بعد اعتماد المقاومة الفلسطينية على العبوات الناسفة محلية
الصنع شديدة الانفجار، فقد أقرّ الاحتلال بمقتل ضابطين وإصابة 17 آخرين في جنين وطولكرم، بعد استهدف
ناقلات الجند من نوع "نمر" بعبوات زرعت في طريقها.
قوات الاحتلال اقتحمت مدينة جنين أمس الجمعة، وحاصرت منزلا يبعد عشرات الأمتار عن معسكر تابع لجهاز
الأمن الوطني الفلسطيني المعروف بـ"حرش السعادة"، وقصف الاحتلال المنزل بقذائف "الأنيرجا"، ما أدى إلى
تدمير أجزاء كبيرة منه، ومن ثم احتراقه، واستشهاد الشاب همام أسعد حشاش واحتجاز الاحتلال لجثمانه،
واستشهاد شقيقه حارث الذي احترق جثمانه وتقطعت أشلاؤه.
ووفق مصدر طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإن الشهيد همام حشاش هو أحد عناصر
كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس وقد شارك رفقة الشهيد نضال العامر - ابن سرايا القدس - في
تنفيذ عملية التفجير المزدوج لناقلتي الجند، التي قتل فيها مسؤول وحدة قنص وأصيب 17 آخرون قبل نحو
أسبوع في جنين.
المقاومة الفلسطينية ومرحلة ما بعد السابع من أكتوبر
وبالتزامن مع حصار المنزل، قصفت طائرة استطلاع منزلا في مخيم جنين كان فيه عدد من المقاومين، ما أسفر
عن استشهاد أربعة مقاومين، أبرزهم الشهيد أحمد باسم العموري الذي أفرجت سلطات الاحتلال عنه من
سجونها قبل نحو شهرين، وهو شقيق الشهيد جميل العموري مؤسس كتيبة جنين الذي استشهد في 10
يونيو/حزيران 2021 ولا يزال الاحتلال يحتجز جثمانه. كما أسفر الهجوم عن استشهاد الكادر في كتائب القسام
في جنين ياسين أحمد العريدي، والشهيدين قصي هزوز وفؤاد الأشقر. وأطلق قناص الرصاص على المواطن
محمد محمود جبارين (54عاماً) خلال تواجده على سطح منزله في المخيم، ما أدى إلى استشهاده، ما رفع
حصيلة الشهداء في جنين إلى سبعة.
وفي طولكرم، وخلال 72 ساعة (من الأول حتى الثالث من الشهر الجاري) نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي 3 غارات
استهدف فيها مقاومين في مدينة طولكرم ومخيمي طولكرم ونور شمس للاجئين الفلسطينيين التابعين لها، ما
أدى إلى استشهاد أحد قادة كتيبة طولكرم المقاوم سعيد جابر، وأربعة مقاومين من الكتيبة: يزيد صاعد شافع،
ونمر أنور حمارشة، ومحمد ياسر شحادة، ومحمد حسن غنام، إضافة إلى ثلاثة شهداء من الأهالي، علما بأن
الشهيد محمد شحادة هو شقيق الشهيد ليث شحادة، وكذلك غنام له عم استشهد في الانتفاضة الثانية، وحمارشة
ارتقى أيضا شقيق له قبل فترة وجيزة.
وعن الشبان الأربعة الذين ارتقوا مؤخرا، فهم عناصر من كتيبة طولكرم التابعة لسرايا القدس التي تشكلت في
مخيم نور شمس، بعد استشهاد سيف أبو لبدة قبل نحو عامين في مخيم جنين. وانخرطت الكتيبة في عمليات
التصدي بداية لاقتحامات الاحتلال، ثم تطور العمل لتنفيذها عمليات إطلاق نار تجاه الحواجز العسكرية
ومعسكرات جيش الاحتلال وتجاه المستوطنات المقامة في مناطق التماس بين طولكرم والداخل المحتل، ومن ثم
زرع وتفجير عبوات ناسفة، وهذا شكّل نقلة نوعية في إثبات وجودها وتعاظم تأثيرها، خاصة بعد تفجير عبوة
أثناء مرور مركبة للمستوطنين قرب مستوطنة "حومش" بين نابلس وجنين قبل نحو عام، أسفرت عن إصابة
مستوطن بجراح خطيرة وتضرر المركبة بشكل كبير.
ووفق المصدر، فإن "الشهداء الأربعة عملوا على شكل (عقدة قتالية)، إذ كانوا ينفّذون مهامهم بشكل جماعي،
لكنهم اشتهروا بقدرتهم على زرع العبوات الناسفة، التي انفجرت إحداها في ناقلة جند قبل عدة أيام خلال عدوان
الاحتلال على مدينة طولكرم، ما أسفر عن مقتل ضابط كبير وإصابة آخر بجروح حرجة للغاية وتدمير المركبة،
وهي من نوع (نمر) بشكل كامل". وبعد انسحاب الاحتلال، عاود الشبان عملهم في زرع العبوات، وخلال قيامهم
بالتحرك وسط ساحة المخيم رصدتهم طائرة استطلاع إسرائيلية وقصفتهم بثلاثة صواريخ، ما أدى إلى
استشهادهم على الفور. ويؤكد المصدر "بالتالي نتحدث عن تراكمية لدى الأسر، فلا تكاد تجد عائلة إلا وبها
شهيد، فقد قدمت طولكرم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، 116 شهيدا، وهذا رقم كبير، وطاول
معظم العائلات تقريبا".
تطور نوعي بأعمال المقاومة الفلسطينية في طولكرم
ويقود الفعل المقاوم في طولكرم ومخيماتها عدّة تشكيلات، أبرزها كتيبة طولكرم التابعة لسرايا القدس الجهاد
الإسلامي، وكتائب شهداء الأقصى مجموعات الرد السريع، وكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس،
ومجموعات "جند الله". ويقول مصدر في المقاومة الفلسطينية من طولكرم لـ"العربي الجديد"، طلب عدم كشف
هويته، إن هذه التشكيلة بالمسميات المعروفة أو الجديدة تحظى بقبول بين الفئات المجتمعية المختلفة، وتحديدا
الشابة التي تلتحق بها بشكل متزايد، نظرا لغياب الأفق السياسي أولا. كما أن العدوان على غزة سرّع من تعاظم
وقوة هذه المجموعات، لكن العامل الحاسم هو العنف الشديد الذي يتعامل به الاحتلال مع الفلسطينيين عامة
والمناطق التي توجد بها كتائب للمقاومة، وهنا يجد سكانها أنفسهم منخرطين في الردّ بكل أشكاله".
ويشير المصدر إلى أن طولكرم لحقت بركب المقاومة الفلسطينية التي انطلقت في مخيم جنين والبلدة القديمة في
نابلس، وامتدت إلى مناطق جغرافية أوسع في الضفة والشمال تحديدا، وظهرت مجموعة الردّ السريع التي
أسسها الشهيد أمير أبو حليمة، ثم ظهرت للعلن كتائب القسام التي كان عناصرها يعملون في السر وضمن
المجموعات الفاعلة، لحساسية ظروفهم في الضفة.
موقع طولكرم الجغرافي
موقع طولكرم الجغرافي يلعب دورا هاما، مع تنامي أعمال المقاومة الفلسطينية فيها، حيث يقول الكاتب والمحلل
السياسي محمد القيق لـ"العربي الجديد": "إن الفعل المقاوم في طولكرم آخذ في التطور المتسارع، وموقعها
يلعب دورا كبيرا في هذا، فهي على التماس تماما مع الأراضي المحتلة عام 1948، ما أكسبها أهمية وتأثيرا
ميدانيا، إلى الحد الذي دفع بوزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش إلى زيارة مستوطنة (بات حيفر)، شمال
طولكرم التي تتعرض في الآونة الاخيرة لعمليات متزايدة من إطلاق النار والقريبة جدا من ضاحية شويكة التي
خرّجت الشهيدين القساميين أشرف نعالوة وتامر فقها". وكان سموتريتش قال: "إن الجيش قادر على جعل
طولكرم مثل غزة".
ووفق القيق، فإنه منذ لحظة تصريحات سموتريتش تكثفت عمليات جيش الاحتلال من خلال الاقتحامات الواسعة
والاغتيالات عبر الجو، وهذا يتوافق مع الرؤية الأمنية الإسرائيلية بمضاعفة القصف الجوي. ويشير القيق إلى
أن جيش الاحتلال يدرس إعادة استخدام المدرعات الثقيلة في الضفة، نظرا لقدرة العبوات محلية الصنع على
إلحاق أضرار فادحة بالآليات المستخدمة حاليا، خاصة ناقلة الجند المدرعة المعروفة بالنمر وتتسع لنحو 14
جنديا، هي صناعة أميركية بتحصين وتسليح إسرائيلي وتبلغ تكلفتها أكثر من ربع مليون دولار، ما وجه ضربة
قاصمة للصناعات العسكرية الإسرائيلية.
مقاومة شرسة في شمال الضفة
ويؤكد القيق أن قوات الاحتلال تواجه اليوم خلال اقتحاماتها اليومية لشمال الضفة المحتلة مقاومة عنيفة تزداد
قوة مع تطور وسائل المقاومة، في استمرارٍ لحالة نضالية بدأت قبل معركة طوفان الأقصى، وتعتبر الأكثر
شراسةً منذ نهاية انتفاضة الأقصى، وشكلت العبوات الناسفة السلاح الأكثر فتكاً في يد المقاومة الفلسطينية التي
تعمل على سلب الاحتلال حريته بالحركة في الضفة، وهي المعادلة التي حاول ترسيخها بعد عملية "السور
الواقي" عام 2002.
ويضيف القيق: "أظهرت الاقتحامات الأخيرة حجم الصعوبة التي يواجهها جيش الاحتلال في عملياته العدوانية،
مفندة رواية الاحتلال التي تدّعي قدرة الجيش على العمل في كل مكان بكل حرية وسهولة، حتى بات أي اقتحام
لمدن شمال الضفة الغربية يكلف هذا الجيش خسائر مادية في المعدات العسكرية، وخسائر بشرية في صفوف
جنوده، جراء العبوات الناسفة التي تصنعها المجموعات المقاومة هناك".
وبحسب ما نشره الإعلام العبري، فإن تكثيف القصف الجوي بالطائرات المسيرة جاء بعد تزايد استهداف آليات
الاحتلال بالعبوات الناسفة. وقالت صحيفة "يسرائيل هيوم: "تدرك قيادة الجيش أنها أمام معضلة، وأن
المقاومين في شمال الضفة يُراقبون أداء الجيش، ويُحسّنون من أدائهم، مستخدمين عبوات ناسفة أكبر حجمًا،
وأشد تأثيرًا، ما يجعلها تشكل خطرًا مميتًا على الجنود". ويستعين جيش الاحتلال بآليات ثقيلة من أجل الكشف
عن العبوات الناسفة، بالإضافة إلى قيامه بعمليات مسح لبيوت ومواقع، من أجل جمع الأسلحة والمتفجرات على
أنواعها. ووفق قناة "كان" العبرية، فإن جيش الاحتلال يستعين بجرافات مصفحة من نوع D9 لتجريف
الشوارع قبل اقتحام الآليات الأخرى، وذلك حتى تنفجر هذه العبوات بالجرافات، ولكن هذا لا يكفي أحياناً،
فالمقاومون يستخدمون طرقاً أكثر تطوراً لزرع العبوات، ما يسبب صعوبة في اكتشافها وتفجيرها قبل وصول
الآليات التي تحمل الجنود.