منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75529
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Empty
مُساهمةموضوع: راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”    راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Emptyالخميس 11 يوليو 2024, 4:31 am

راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  P_31136y74t1


راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان” الذي أقسم على إبادة المسلمين والأتراك
في مثل هذه الأيام من سنة 1995 كانت قرية سربرنيتسا الواقعة في أقصى شرق البوسنة على موعد مع ما أسمته الأمم المتحدة أسوأ عملية إبادة جماعية بعد الحرب العالمية الثانية، كان ضحيتها 8300 شخص من أطفال ورجال المسلمين البشناق على يد القوات الصربية وقائدهم راتكو ملاديتش أو “جزار البلقان” كما يطلق عليه، وذلك بسبب الفظاعات التي ارتكبها خلال قيادة قوات صرب البوسنة في حق المسلمين بهدف تطهير منطقة وادي نهر درينا؛ أي الجزء الشرقي للبوسنة المحاذي لصربيا والمحيط بنهر درينا، بشكل كامل من المسلمين.
ومن مفارقات التاريخ أن قرية سربرنيتسا كانت تعتبر من المناطق الآمنة المنزوعة السلاح والخاضعة لحماية الأمم المتحدة، كل هذا لم يمنعها من أن تتحول لمقبرة للآلاف من المسلمين، تنفيذا لتعليمات الجنرال ملاديتش، الذي كان يصرخ في وجه جنوده بضرورة تطهير المنطقة من المسلمين وبأي ثمن، وكان الثمن هو مجزرة بشعة، تصفها صحيفة غارديان البريطانية بأنها جريمة لا تضاهيها سوى جرائم النازية.





وإذا كانت الكثير من تفاصيل حرب البوسنة معروفة فإن ما يهمنا هنا هو البحث في شخصية راتكو ملاديتش وتاريخه وكيف كان يبرر لنفسه قيادة أبشع عملية تطهير عرقي في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف كان كُره المسلمين والأتراك خصوصا وقود حملته العنصرية.
ورغم إدانته من طرف محكمة الجنايات الدولية بالسجن المؤبد مدى الحياة، فإن الرجل مازال مصرا على أن ما قام به هو من أجل خدمة بلاده، كما تكشف وقائع اعتقاله بعد 15 عاما من انتهاء الحرب، تواطأً من مسؤولين في بلاده وأيضا من بعض القوى الدولية، لترك الرجل حرا دون عقاب.

طفولة من الكراهية ضد “الأتراك”

ولد راتكو ملاديتش في قريد نائية اسمها بوزينوفسي في الجنوب الشرقي للبوسنة خلال الحرب العالمية الثانية، لوالد من القوميين اليوغسلافيين المتعصبين، وهو أيضا قائد عسكري قتل في إحدى المعارك على يد الحركة الفاشية المتطرفة أوستاشا التي كانت تحظى بدعم من النازية وارتكبت مجازر عديدة ضد من قاوم الاحتلال النازي والفاشي وقتلوا مئات الآلاف من الصرب والغجر ومختلف الأقليات، وتطالب بتأسيس كرواتيا الكبرى المكونة من عنصر كرواتي نقي من خلال اللجوء إلى التطهير العرقي.



ومن الغريب أن العنصرية والتطرف اللذين كانا السبب في قتل والد ملاديتش جعلته يتيم الأب وهو يبلغ من العمر سنتين فقط، لم تدفعه للابتعاد عن أفكار التطهير العرقي، بل على العكس نشأ في بيئة من الكراهية ضد الألمان والكروات والمسلمين، وترسخت هذه الأفكار في عقل ملاديتش عندما اضطر للالتحاق بالأكاديمية العسكرية وهو في سن الـ15، بعد أن خاب أمله في دراسة الطب بسبب الحالة المادية الصعبة لأسرته.
وبسرعة تأقلم مع محيطه العسكري وأصبح مزهوا بارتداء زي القوات اليوغوسلافية، كما حاز على لقب “أتيلا” الملك الذي عاش في القرن الخامس وأسس إمبراطورية شاسعة في روسيا وأوروبا وكانت عاصمتها هنغاريا حاليا، وهو تشبيه مرده -حسب عدد من الذين عاشوا مع ملاديتش- إلى التشابه بين الشخصيتين من حيث العجرفة والغطرسة وحب الحرب.

إجرام.. بشكل مؤسسي

وقد تكرست هذه الصفات مع مرور الزمن عند الجنرال الصربي وسببت له العديد من المشاكل حتى داخل المؤسسة العسكرية المعروفة بالانضباط، حيث حُرم من الترقية في العديد من المرات بسبب سوء سلوكه، وبلغت المشاعر القومية عند ملاديتش ذروتها مع الانهيار الذي شهدته يوغوسلافيا بعد وفاة زعيمها تيتو، ففي تلك الفترة طفت النزعات القومية على السطح ومعها عاد التعصب العرقي لملاديتش الذي رأى أن الفرصة مواتية للانتقام لوالده وإظهار حجم كراهيته للمسلمين الذين كانوا يمثلون بالنسبة له امتدادا للأتراك ووجب التخلص منهم.
ومع بداية الحرب سنة 1991 كُلف بتنظيم وقيادة الحركة الصربية الانفصالية، ومَن أفضل منه يمكن أن يدافع عن هذا المشروع وهو المحمل بكل الأفكار المتطرفة لصالح الصرب. وبالفعل لم يدخر جهدا من أجل إحياء فكرة صربيا الكبرى، يدفعه إحساس بالمظلومية وبأن شعبه قد تعرض للكثير من الحيف وحان وقت استرجاع هيبة الصرب والانتقام من كل من ساهم في مأساة شعبه.



وقد عبرت هذه الطاقة من الحقد عن نفسها من خلال العمليات العسكرية البشعة ضد كل مخالف لحركة الانفصال، وكان دائما ما يبرر بشاعة أعماله بأن “الصرب كانوا يشعرون وكأنهم حيوانات في المسلخ وحان وقت استرجاع هيبتهم”.
ولشحذ همة جنوده كان يردد على مسامعهم “أينما وجد قبر لصربي فهي أرض صربية”، ويضيف بأن “الجيش الصربي هو الجيش الأفضل في أوروبا ولا يشبه حفاة الأقدام في الصومال”، وهو شعار يعكس رغبة الرجل ومنذ البداية في تنفيذ عملية تطهير عرقي ضد كل ما لا يحمل العرق الصربي، وكان ألذ أعدائه هم المسلمون الذين يعدون الحلقة الأضعف في الصراع.

“أنت مسلم.. إذن ستموت”

وأمام الهوس الذي أظهره ملاديتش بفكرة صربيا الكبرى والتعصب لعرقه، لم يجد الرئيس الصربي سلوبودان ميلوزوفيتش أفضل من ملاديتش ليسلمه سنة 1992 قيادة القوات الصربية في البوسنة، ورقي إلى رتبة عماد في مايو/أيار من السنة نفسها بعد شهر واحد فقط من إعلان جمهورية البوسنة استقلالها وانفصالها عن الاتحاد اليوغسلافي، حيث قام ملاديتش وقواته بمحاصرة العاصمة سراييفو وقام بقصفها عدة مرات بالمدفعية الثقيلة، فضلا عن تعرض سكانها للقنص العشوائي.
ووجد الجنرال السفاح الظروف مواتية للاستفادة من تفكك الجيش اليوغوسلافي وشكل جيشا بعتاد قوي هو الذي مكنه من القيام بحملته العسكرية ضد البوسنة، ومكنه عامل المباغتة من السيطرة على 70% من الأراضي خلال ثلاثة أشهر.
راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Gettyimages-635937045القائد “راتكو ملاديتش” أو ما يُعرف بـ”جزار البلقان” الذي قتل 8300 شخص من أطفال ورجال المسلمين
وتقول صحيفة لوفيغارو الفرنسية، إن ملاديتش تحول لمهندس أسوأ حملة تطهير عرقي في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وتضيف أنه كان يأمر قواته بإعدام وتعذيب واغتصاب عشرات الآلاف من الناس والسبب هو أنهم ليسوا صربا، وكان يقسم دائما أن يمحي أثر الحضارة الإسلامية من البوسنة حتى تصبح الأرض كلها لصربيا، وكان هذا القسم يلهب حماس جنوده المتعطشين للدم ويدفعهم لارتكاب جرائم أبشع في حق المدنيين من المسلمين.
ومن بين ما رصدته المخابرات البوسنية خلال حصار الصرب لسراييفو هو توجيهه الأوامر لجنوده بإطلاق النار الكثيف “أطلقوا النار يجب أن نجعلهم مجانين”، هكذا كان يردد الجنرال وهو في عز حملته التطهيرية ضد سراييفو المعروفة بتنوعها الثقافي والعرقي، وهو ما يتعارض مع فكرة النقاء العرقي التي كان يؤمن بها ويسعى إليها.

“حان وقت الانتقام من الأتراك”

في سنة 1993 تم ضم مدينة سربرنيتسا للمناطق الآمنة الخاضعة لحماية قوات القبعات الزرقاء التابعة للأمم المتحدة، وبثت الأخيرة عبر مكبرات الصوت رسائل الأمان لسكان المدينة وحماية المدنيين، وكان من بين شروط ضم سربرنيتسا هو أن يسلم المسلمون في المدينة أسلحتهم، تحت مبرر عدم استثارة الصرب وزيادة التوتر.
ورغم كل التنازلات التي قدمها المسلمون، لم تشفع لهم في وقف زحف قوات ملاديتش التي كان يرى في هذه المدينة عقبة أمام حلمه الأسود في تطهير المنطقة. وبعد حصار ممنهج للمدينة، أعطى الجنرال الأمر لقواته لاقتحامها وإعدام كل الرجال، معلنا انتصاره ومرددا ببهجة “حانت ساعة الانتقام من الأتراك”.



وتخلد لقطات الكاميرا نظرته الباردة والمحتقرة للأطفال الذين تم اعتقالهم وهو يربت على أكتافهم قبل اقتيادهم للإعدام، وكانت الحصيلة مقتل 8000 في واحدة من أسوأ مجازر التطهير العرقي في العصر الحديث.
ولم يجد ملاديتش أي غضاضة في تبرير جرائمه، فالدول حسب منطقه الدموي تولد من القبور، والحدود ترسم بالدم، وكان يعتز بمجازره لأنها حسب أفكاره المريضة جاءت خدمة لوطنه وشعبه، والمثير أن جزءا من مواطنيه مازالوا يؤمنون بهذا الرجل ويرى فيه القائد العسكري العظيم.
ومن الأمثلة على ذلك المقابلة الهاتفية التي أجرتها معه الإذاعة الصربية بعد إدانته بالسجن المؤبد، ففي نهاية هذه المقابلة لم يخف المذيع الصربي تأثره وختم المقابلة بعبارة “شكرا على كل شيء جنرال”، وهي عبارة تخفي نظرة العديد من أبناء بلده، فحتى داخل الجيش كان يحظى بالاحترام وظل يتقاضى راتبه لغاية سنة 2006، ويرى فيه عدد من القادة العسكريين بطلا مغوارا، ولعل هذا ما وفر له حماية خاصة مكنته من الفرار من العدالة الدولية لـ15 سنة.

عسكري انتصر بالغدر

وخلال الجلسات الأولى لمحاكمة ملاديتش بعد اعتقاله سنة 2011، ظهر العسكري العجوز معتدا بنفسه وصاح في هيئة المحكمة “أنا راتكو ملاديتش قائد عسكري، العالم كله يعرفني ويعرف من أكون”، غرور الرجل الذي ليس له حدود واقتناعه بكونه عسكريا لا يشق له غبار تنفيه الأحداث التي تورط فيها، فكان يحقق نصره إما بتقديم وعود كاذبة بالأمان ثم الفتك بمن استأمنه أو الاستقواء على المستضعفين.
ودفعه غروره لاعتقال المئات من قوات القبعات الزرقاء التابعة للأمم المتحدة، والإمعان في إهانتهم عبر ربطهم بأعمدة أمام عدسات الكاميرات القنوات العالمية ويصرح بعدها بأن “حلف الشمال الأطلسي هو منظمة إجرامية والأمم المتحدة تغص بالزنوج”.
ومن الشهادات العسكرية المهمة في حق ملاديتش هو ما جاء على لسان رسيم دليتش القائد العام للقوات البوسنية سابقا، فيقول هذا العسكري إنه “إذا كان هدف ملاديتش هو احتلال البوسنة من خلال الاعتماد على منهجية التطهير العرقي والقتل والاغتصاب، فقد نجح جزئيا في ذلك، لكن من السهل أن تكون قائدا عسكريا عندما يكون لديك كل هذا التفوق في العتاد والجنود، ملاديتش لم يقاتل أبدا ضد جيش حقيقي، ومن وجهة نظر عسكرية فحتى الحرب فيها بعض المبادئ الإنسانية، وهو كان قائدا عسكريا فاشلا لأنه انتهك كل القواعد العسكرية في الاشتباك”.
فإذا كان ملاديتش عسكريا فاشلا، ما الذي يجعل عددا من مواطنيه يخلدون اسمه ويقدورنه، وهو ما يؤكده الصحفي البريطاني إد فوليامي الذي غطى مجزرة سربرنيتسا وكان من بين الصحفيين الذين واجهوا مالديتش خلال محاكمته، ويقول الصحفي في مقال في صحيفة غارديان إن الجنرال مازال محبوبا في المناطق التي تم تهجير أهلها لصالح الصرب، ويقول صاحب كتاب “حياة طويلة للحرب.. البوسنة – الاعتقاد”، إن الحياة في البوسنة تعيش على وقع استقطاب شديد، كل طرف يحاول الانعزال عن الآخر ومشاعر الكراهية في تزايد مستمر، ويؤكد أن ملاديتش يمكن أن يعيش مرتاحا في محبسه بعد أن “أتم مهمته في زرع شجرة الكراهية والعنصرية التي يصعب اقتلاعها”، وهذه خلاصة مفزعة تجعل من جريمة ملاديتش عابرة للعصور.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75529
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Empty
مُساهمةموضوع: رد: راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”    راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Emptyالخميس 11 يوليو 2024, 4:36 am

“مُحاكمة ملاديتش”.. العدالة لضحايا جزّار البوسنة ولو بعد حين
مُحاكَمة الجنرال الصربي راتكو ملاديتش الملقب بـ”جزّار البوسنة” والمسؤول عن المجازر الرهيبة المرتكبة ضد مسلمي البوسنة إبّان ما صار يُعرف بـ”حرب البلقان”؛ طالت سنوات، لكنها في النهاية حققت العدالة وأعادت الاعتبار إلى الضحايا وأحلّت السكينة في قلوب أحبتهم، فالمحكمة وبكل رمزيتها ودلالاتها القيمية شكلت علامة بارزة في تاريخ المحاكم الدولية.
ولتوثيق مجريات هذه المحاكمة تطلّب من صُنّاع الوثائقي البريطاني النرويجي المشترك المعنون “مُحاكَمة راتكو ملاديتش” ملاحقة مراحلها والقيام بفحص أبرز نقاط الاختلاف الجوهرية بين فريقي “الادّعاء” و”الدفاع”. وهي مهمة تطلبت من المخرجيْن هنري سينجر وروب ميلر المشاركة كمراقبين في مهام تقصّي حقيقة ما جرى في البوسنة من فظاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان وكرامته، كما اشترطت المشاركة أيضا مرافقة تحركات المسؤولين المكلفين فتح ملفات التحقيق الجنائي من جديد.





جهد سينمائي كبير أعاد دون قصد فتح جروح الناجين من المجازر، والعودة بذاكرتهم وذاكرة أهالي الضحايا إلى الوراء؛ إلى ماض كان لا بدّ من تقليب صفحاته تجاوبا مع مسار مُحاكمة أُريد لها أن تُنهي فصلا من المظالم.

صور المذابح.. ودلالات الأرقام

يعرض الوثائقي في مُفتتحه مَشاهد مصورة من حرب البلقان ليقرب فظاعتها إلى المتفرج، ويُشعره بأهوال ما تعرّض له الناس الأبرياء خلالها، ومعها يُثبّت بعض الأرقام الدالة على أهمية المحكمة وخطورة التهم الموجهة إلى الجنرال الصربي ومن معه.
يُعيد التذكير بأن عشرين عاما قد فصلت بين عقد أولى جلسات مُحاكمة الجنرال ملاديتش في لاهاي وبين اندلاع حرب البلقان التي راح ضحيتها أكثر من 130 ألف إنسان، وهُجّر خلالها قرابة 4 ملايين مواطن من ديارهم.
راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Mhkm15أهالي الضحايا الذين لم يتسنّ لهم وقتها معرفة ما جرى لأحبتهم يرافقون فريق الادعاء العام لجمع الأدلة
استمرت أعمال المحكمة الدولية مدة 530 يوما استُدعي إليها قرابة 600 شاهد، وخلالها جمع الادعاء العام عشرات الآلاف من أدلة الإثبات، ووجهت إلى المتهم الرئيسي فيها 11 تهمة من بينها ارتكاب جرائم إبادة بشرية، ومجازر جماعية وتصفيات عرقية، وكانت مجزرة سربرينيتسا التي قتل فيها أكثر من 7000 مسلم بوسني من بين أكثر الدعاوى المعروضة أمامها.

سجالات الادعاء العام والدفاع

ستظل كاميرات الوثائقي وطيلة زمنه (99 دقيقة) تتنقل بين الأماكن والدول وفق تصاعد سجالات الادعاء العام وفريق الدفاع عن المتهم، كل طرف يقدم ما عنده، ولمعاينة ما يجمعه الفريقان من أدلة يضطر الوثائقي إلى المشاركة المباشرة في تفاصيلها.
مرافقة مؤلمة كونها تُعيد صور ما جرى بوضوح أكبر، وهذه المرة بوجود أهالي الضحايا الذين لم يتسنّ لهم وقتها معرفة ما جرى لأحبتهم. وبالنسبة للطرف الثاني/الدفاع، فالتقرب الحاصل يعني لهم فضح ما حاولوا نكرانه طيلة أكثر من عقدين من الزمن.

تاريخ “الجزّار البشري”

يلجأ الوثائقي إلى وسيلة ديناميكية يحافظ بها على موضوعيته وعلى حرصه ليكون شاهدا على مُجريات محكمة أريد لها أن تكون علامة بارزة في تاريخ العدالة، ولمعرفة شخصية المتهم الرئيسي وتقديم تفاصيل أكثر عن تكوينه المهني والنفسي؛ يجمع صُناع الوثائقي مادة أرشيفية فيلمية مذهلة في دلالاتها وشدة ارتباطها بالتهم الموجهة إلى المتهمين الأساسيين فيها.
راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  The-trial-of-ratko-mladich-frontline-documentary_0في تسجيلات نادرة يظهر الجنرال متباهيا بصربيته وقناعته الكلية بأن صرب البوسنة هم السكان الأصليون للبوسنة
لم يُسَلم راتكو ملاديتش نفسه إلى المحكمة مباشرة بعد انتهاء حرب البلقان ولا أثناءها، بل ظل مختفيا لمدة 11 عاما، وبعد إلقاء القبض عليه نُقل إلى محكمة لاهاي، ليواجه هناك تهما طالما حاول نكرانها، ويحاول في المحكمة الفريق المكلف الدفاع عنه تبرئته من مسؤولية الجرائم التي ارتكبها خلال سنوات حرب البلقان.


وفي تسجيلات نادرة يظهر الجنرال فيها متباهيا بصربيته وقناعته الكلية بأن صرب البوسنة هم السكان الأصليون للبوسنة، أما البقية فهم هجين “عثماني”، فبعد تقسيم يوغسلافيا رفض استقلال مسلمي البوسنة وأصرّ على إبقائهم ضمن الجمهورية السابقة، وأسس لهذه المهمة جيشا صربيا أطلق عليه اسم “الجيش الجمهوري الصربي”، فهذا الكيان العسكري والميليشياوي هو من سيقوم بإشعال الحرب ومحاولة إبادة بقية الأعراق والأجناس.

حين يحاكم الناجون جزّارهم

في العام 1992 قرر راتكو ملاديتش طرد الكروات والبوسنيين من أراضيهم عبر عملية عسكرية مدروسة بدأت بتهجير العوائل من بيوتها وقراها، فإستراتيجيته تبدأ بالتهجير وتنتهي بتصفية الرجال والصبيان عن بكرة أبيهم.
لم يتخيّل “جزّار البوسنة” أن الناجين من مجازره سيأتون إلى المحكمة ويدلون بشهادات تدينه وتكشف دوره، فالحرص على جمع وثائق مصورة عن كل شاهد رئيسي هي من بين أهم ما يميز اشتغال الوثائقي المبهر، فقد حرص على توثيق الشهادات وإرفاقها بملفات تتضمن مواد فيلمية عن كل شاهد مهم فيها، وبذلك الجمع حافظ الوثائقي على مصداقيته وقوة حضوره كشاهد محايد.
راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Mhkm11صورة مُعلقة تجمع كافة صور من قُتل على يد جزّار البوسنة من البوسنيين
ومن بين الشهود شاب بوسني يتذكر ويسرد أمام المحكمة تفاصيل اللحظات الأولى لهجوم الجيش الصربي على مسجد كان والده حينها يصلي فيه، فتفاصيل ما يذكره الشاب تُدمي القلب وتعزز حقيقة الدور الذي قامت به قوات الجنرال.
وفي المقابل اتخذ الدفاع إستراتيجية اعتمدت على إخلاء مسؤولية الجنرال الشخصية عمّا حصل بالفعل، وهي نقطة دفاع محورية لو تمكنوا من إقناع القضاة بها لانتقل مسار القضية برمتها إلى مستوى آخر يكون فيه المتهم طرفا غير مشارك مباشرة بالجريمة، وإحالة الذنب على بعض من قادة قواته وجنودهم.

مقابر جماعية.. تنقيب على المجازر

تشكل المقابر الجماعية واحدة من الأدلة الداعمة للادعاء العام. ولإثبات وقوع المجازر ودفن ضحاياها في حُفَر طمسا للحقيقة يُصرّ فريق الادعاء على الحفر ثانية والبحث عن الجثث في المناطق القريبة من سربرينيتسا، في عمليات تفتيش وتنقيب مضنية لكنها موفقة، فقد توصل البحث إلى مواقع دُفن تحتها مدنيون أغلبيتهم أُعدموا برصاص أطلقه جنود ملاديتش على رؤوسهم من الخلف.
راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Mhkm_6المقابر الجماعية تشكل واحدة من الأدلة الداعمة للادعاء العام في وقوع المجازر
وحصل الفريق على تسجيل نادر يظهر فيه أسير بوسني يُجبَر على منادة ولده المختبئ في الأحراش، والذي ما أن يظهر بعد اطمئنانه حتى يتقدم من خلف والده جنود صرب يقومون بقتله وقتل ولده معا.
مشهد تقشعر له الأبدان ومع ذلك حاول الدفاع إحالة الأمر وتفسيره كسلوك انتقامي ورد فعل على ما قام به البوسنيون المسلمون من أعمال ضد أجدادهم. التعكز على التاريخ لم ينفع الدفاع كثيرا، بل استغله الادعاء لتأكيد الدوافع المبطنة للقتل والتهجير.

أمهات ثكالى وناجيات مُعذبات

محاولات دعم أدلة الإدانة ونقضها من قبل الدفاع يفتحان طيلة زمن المحاكمة فضاءات جديدة يمكن من خلالها رؤية التناقض الحادّ بين الأطراف المتصارعة، وتثبت حقيقة أن الناجين هم الطرف الدائم التألم الذي تزداد مواجعه على واقع ما تفرزه السجالات من معطيات وبراهين.
راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Gettyimages-877423264_wide-474a954d276e8cb5391357916b9746408a103cbd-s800-c85الناجيات المسلمات والأمهات الثكالى كل واحدة منهن تقريبا فقدت زوجا أو ولدا
يظهر الألم جليا على النساء خاصة، فالناجيات المسلمات لم ينجين من وجع الخسارات الكبيرة، فكل واحدة منهن تقريبا فقدت زوجا أو ولدا.
الأم الثكلى عنوان بارز في مسار الوثائقي، فاستدعاؤهن واستجوابهن يعيد ويسترجع صدى ماضٍ مؤلم، وأحزان لم تنته. جروح تُفتح، لكن الرغبة في تحقيق العدالة يعينهن على تحمل ما يحرق قلوبهن الكسيرة، فكل شهادة مدعومة بالعيّنات المكتشفة تثبت ضلوع ومسؤولية الجنرال، وتعطي أيضا أملا لكثيرين بالعثور على أحبة مفقودين ولو بعد حين.

تعاطف مع البطل القومي

يوثق “محاكمة راتكو ملاديتش” لحظة تَعرّف كثير من العوائل المسلمة على أقارب لهم اختفوا خلال الحرب، فالتعرف على مصائر مجهولة يفتح نوافذ على المشهد التراجيدي، ويجلي حقائق مجهولة عمّا جرى للمسلمين في البوسنة بمنظور سينمائي واسع محايد، مثل الاختفاء الطويل لملاديتش.
راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Mhkm_mldytsh2“محاكمة راتكو ملاديتش” تُوثق لحظة تَعرّف كثير من العوائل المسلمة على أقارب لهم اختفوا خلال الحرب
فعل يفسر جانبا من خفايا الصراع في البلقان، راح الوثائقي لرصده إلى القرية التي ولد فيها، وذلك في يوم احتفالي ظهر أولاده فيه مع والدتهم. كلامهم يفسر الانحياز القومي والإثني للصرب، ويفسر سرّ بقاء رجل مطلوب إلى العالم كله بعيدا عن الأنظار لعدة سنوات، فالجنرال بالنسبة إليهم بطل قومي، والتعاطف معه ليس قليلا، والانحياز إلى أفكاره ما زال قويا.
شهدت “معارك” المحاكمة منعطف استدارة حادة في صالح فريق الادعاء، يتمثل في فشل الدفاع في الحصول على شهود مستعدين للحضور للمحكمة وتقديم شهادة تعزز من فكرة أن الجنرال لم يساهم في القتل مباشرة، فمع كل ما قدمه الوثائقي من مشاهد وحوارات تؤكد شعبيته بين الصرب البوسنيين، فإن قناعة أغلبية منهم بأن ما جرى لا يمكن إنكاره بشهادة شخصية مهزوزة، ومع ذلك أصرّ فريق الادعاء على عدم ترك أي ثغرة يمكن للدفاع النفاذ منها.

الموت في كل مكان

لم يكتفِ المدعي العام بالذي عثر عليه من أدلة ومقابر جماعية، بل راح يُنقّب عن المزيد منها في أماكن أخرى غير معروفة للعالم. مناطق إبادة مكتشفة حديثا تعزز من قناعة القضاة بالدور الذي لعبه الجنرال بنفسه فيها.
راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Mhkm7مقابر جماعية في قرية سربرينيتسا التي يُضاف اسمها إلى أسماء المناطق المنكوبة
وطلب الفريق من المحكمة إذنا بالحفر والبحث تحت حطام منجم حديد قديم في قرية توماسيشتا التي سيُضاف اسمها إلى أسماء المناطق المنكوبة، فالجثث التي تم العثور عليها لم تنحصر بالرجال فحسب، بل تعود لأطفال ونساء تم قتلهم ودفن بعضهم أحياء تحت تلال قريبة من المناجم، كما قاد توسيع البحث إلى اكتشاف مقابر جماعية متناثرة في المكان نفسه.

المرافعة النهاية

مزودا بآلاف الأدلة وشهادات شخصية لا يطالها الشك، تَقدّم فريق الادعاء إلى المحكمة بمرافعته النهاية، أما الدفاع فتحجج بمرض المتهم كسبا للوقت، لكن ذلك التكتيك لم ينفعهم، فحتى انسحاب موكلهم من الجلسة الأخيرة بحجة تعرضه لنوبات قلبية لم يؤجل سير عملها، ولم يعطل النطق بالحكم النهائي المسنود على مجموعة تهم موجهة ضد ملاديتش، من بينها إعطاؤه الأوامر والمشاركة في أعمال إبادة جماعية وتصفية عرقية وتهجير وتعذيب الملايين، وذلك بعد ثبوت تورطه بها حكمت عليه المحكمة الدولية المُقامة بإشراف الأمم المتحدة بالسجن مدى الحياة.
راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”  Mjkm_mlddytsh4فريق الادعاء يتقدم إلى المحكمة بمرافعته النهائية مزودا بآلاف الأدلة والشهادات الشخصية التي تُدين ملاديتش
لم يخفِ الناجون وأهالي الضحايا فرحتهم بالقرار مقابل خيبة أمل الدفاع، ففي النهاية ورغم الأحزان والخسارات المريرة حققت العدالة لهم مطلبهم، وزجت بـ”جزّار البوسنة” في غياهب السجون مدى الحياة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
راتكو ملاديتش.. “جزّار البلقان”
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عبر البوسنة.. تاريخ في البلقان يلد حاضرا في فلسطين
» يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس
» الحرب الصليبية المنسية.. يوم أُبيد المسلمون في البلقان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: شخصيات :: شخصيات سياسيه :: سيرة ذاتية-
انتقل الى: