الشدة والحزم متى نستخدمها في العلاقة الزوجية ؟! د. جاسم المطوع
جاء يشكو من تمرد زوجته عليه وعدم احترامها كلامه وتقديرها رأيه، فلما استمعت لحديثه وتعرفت على صفاته اكتشفت أنه رجل طيب وكريم وحبيب جدا في تعامله مع زوجته، فلما انتهى من حديثه قال لي: ما رأيك ؟ فابتسمت وقلت له : هل تعلم أن المشكلة فيك وليست في زوجتك ؟
فاستغرب من كلامي، وقال : كيف ذلك ؟ قلت لانك طيب وكريم وحبيب جدا، وهذه الصفات نحن نشجعها ونوصي بها في العلاقة الزوجية، لكن الناس ليسوا سواء.
فبعض الناس ينفع معهم الطيب والرفق والبعض ينفع معه الحزم والشدة من غير ظلم أو عداوة، ثم ابتسمت وقلت له : فأنت كالليمون، فضحك، وقال : ماذا تقصد بهذا التشبيه ؟ قلت : في مثل معروف وهو حكمة في العلاقات الاجتماعية : (لا تكن كالعصا فتكسر ولا كالليمون فتعصر )، فقال : آه فهمت وهل تريدني أن أكون معها كالعصا ؟
قلت : لا .. لا عصا ولا ليمون، بل كن بينهما، فانطلق الرجل ورجع إلي بعد شهر واحد، وقال لي : إن كلامك صحيح وأنا مستغرب من ذلك، فعندما صرت شديدا وحازما معها استقامت وصارت تقدرني وتحترم قراراتي، قلت له : إذن استمر على ذلك فهي تريد أن تراك رجلا ولا يمنع أن تلين وتتلطف معها أحيانا حتى تحافظ على الحب والمودة بينكما.
قصة أخرى عشتها مع امرأة طيبة ولينة جدا وراقية في تعاملها مع زوجها، لكنها لم تجد مقابل ذلك احتراما وتقديرا، بل بالعكس وجدت اهمالا وتهميشا، وبعدما استمعت لقصتها كاملة وتعرفت على شخصية زوجها، قالت في ثنايا كلامها: لكني استغرب منه كيف أنه يسمع ويطيع أهله وأخواته وهم يعاملونه بعنف وقسوة؟! قلت لها : أنت وضعت اصبعك على الجرح فجربي أن تعامليه بشدة وحزم، قالت : لكني لم أتربى على ذلك ، قلت : جربي الحزم لمدة شهر فلن تخسري شيئا، فبدأت خوض التجربة وبعد شهر قالت لي : أنا مصدومة من النتيجة فقد صار زوجي يحترم قراراتي ويحسب لي ألف حساب وهو سعيد وراض بذلك، قلت لها : استمري على ذلك ولا تهملي الاستشارة، فالعرب تقول: (أول الحزم المشورة). لقد عشت مثل هذه القصص كثيرا ورأيت عجبا في تنوع الشخصيات البشرية ومهارات التعامل معها.
فبعض الناس يستحق اللين والرفق ويقدر هذا التعامل، والبعض لا يستقيم أمره إلا بالحزم والشدة مثل الحالات التي ذكرتها، لكننا نعتمد الرفق والطيبة كقاعدة أساسية في التعامل، ونستثني منها حسب كل حالة بعد دراستها.
ومن يتأمل سيرة رسولنا الكريم مع زوجاته يجد أنه كان رفيقا بهن، إلا أنه استخدم الحزم والشدة في بعض المواقف، خاصة في قصة طلب زيادة النفقة الزوجية عندما اجتمعت زوجاته - رضي الله عنهن - على كلمة واحدة بطلب الزيادة.
فكان موقف رسولنا الكريم (صلى اللع عليه وسلم) تجاه هذه المشكلة فيه حزم وشدة وتم تجاوز الموقف وانهاء المشكلة الزوجية بعد مرور شهر عليها.
فالشدة والحزم يقودان لنتائج ايجابية لو استخدمناهما في وقتهما الصحيح، وهما البديل الأفضل للعصبية والقسوة والفرق بينهما كبير.
فالحزم يعني (الشدة المدروسة) باتخاذ موقف صلب مع تقدير امكانات وقدرات الشخص الذي أمامنا.
فعندما نواجه مشكلة مع شخص ينبغي أن نتعامل معها بهدوء وحوار مع تصميمنا على قرارنا وتمسكنا به.
فالحزم ينتج عن دراية ووعي بهدف تغير موقف الشخص الذي أمامنا أو إعلانا منا عن رفض تصرفه، وغالبا ما ينجح الحزم خاصة إذا رافقه حب وعطف ورحمة.
أما القسوة فهي أخت العصبية والغضب وهي (شدة غير مدروسة) تجاه المشكلة التي أمامنا وغالبا تخرج الانفعالات من غير تفكير أو وعي ونظن أنها ستغير من أمامنا أو أنها ستعالج المشكلة.
وقد نرى تغيرا سريعا عندما نغضب، لكن لا نضمن أن يستمر التغيير بعد زوال موجة العصبية أو أن نضمن بقاء الحب في العلاقة وعدم تحولها للكراهية.
فالحزم يعني القوة في الموقف والحزم نصف التربية، وإذا كان قيل: إن (العصبية قليلها شر ) فنحن نقول: إن ( الحزم كثيره خير ). |