بدأ الأب يفقد أعصابه فقد مرت خمس دقائق على ندائه لإبنه أحمد وهو لم يظهر بعد
حتى انفجرت قنبلة صوتية مدوية هزت أركان البيت باسم "أحممممممد"
ثم غمغم في غضب هذا الولد سيصيبني بالجنون،
مما جعل أحمد يركض وهو يردد.
حاضر يا أبي أنا قادم.
وقف بين يدي أبيه ورأسه منحني نحو الأرض
طفل نحيف ذو شعر أشعث وعينان كبيرتان وسط وجه صغير تظهر عليه ملامح البراءة.
الأب بملامح غاضبة لماذا عندما أنادي عليك تتأخر في القدوم ؟
أحمد بصوت خافت: كنت مشغولاً بلعبتي الجديدة.
هل تريدني أن أكسرها لتحضر في الحين
لا لا يا أبي في المرة القادمة سأحضر عندما تناديني.
الأب : حسناً..
اذهب إلى البقالة وأحضر ما كتب هنا وهو يعطيه ورقة صغيرة .
أمسك أحمد الورقة ووضعها في جيبه
ثم اعطاه الأب ورقة نقدية من فئة المائة درهم التي ظل ممسكاً بها في يده،
دخل غرفته لتغير ملابسه ثم انطلق كسيارة نفاثة .
كان يحب أن يجد البقالة مزدحمة ليستمتع بالنظر إلى أشكال الحلويات والبسكويت بشتى أنواعه وألوانه.
وعندما حان دوره أدخل يده في جيبه وسحب ورقة الحاجيات وأعطاها للبقال
وأثناء تجهيز التاجر لطلباته تذكر الورقة النقدية فشعر بنبضة قوية كان سببها شعوره أنه فقدها في الطريق. إنقلب كل ذلك الشغف والحيوية إلى يأس وخوف وظل نبضه يتسارع،
أفرغ جيبوه كلها دون جدوى.
تغيم وجهه وتجمد اللعاب في حلقه فاختنق صوته .
سأله البقال مابك؟
فرد وهو يفكر في هول العقاب لقد فقدت المال.
رد عليه الرجل : عد من حيث أتيت، قد تجدها في الطريق.
خرج من البقالة وهو مطأطأ الرأس، مكسور العزيمة، فاقدٌ للأمل يجر ذيل الاستسلام للعقاب.
فكر في حل لنيل عقاب أخف
فقال: إذا أخبرت أبي الحقيقة لن يصدقني وسأعاقب على الكذب وعلى تضيعي للورقة النقدية،
إذاً سأخبره أنني أُعجبت بأكلة كانت معروضة على زجاج أحد المطاعم
وبدون وعي مني دخلت إلى المطعم فطلبتها.
هو يعلم أنني أحب الأكل كثيراً وسيكون العقاب خفيفاً.
كان الأب في إنتظاره
وعند دخول الابن تفاجأ بعيونه بارزة نحوه
والسؤال المنتظر طُرح بخشونة
وكان كل حرف يخرج من بين شفتاي الأب بمثابة رصاصة تخترق نفسيته المستنزفة
وقد كان تركيزه على حفظ الكذبة جيداً وإلقائها بطريقة توحي أنها الحقيقة،
جعله يسرع في الجواب وهو مغمض العينين.
لكن الأب فاجأه بالكلمة المعتادة يا طويل الأنف يا كذاب.
لا إنها الحقيقة يا أبي، أرجوك صدقني.
كيف لي أن أصدقك وأنت لم تأخد المال معك تركته على سريرك!!
لا أفهم لماذا تكذب؟
رغم أن الأمر كان بسيطاً، قول الحقيقة كان سهلاً .
هنا انفجر أحمد بالبكاء وهو يقول خلت أنني أضعت الورقة النقدية أثناء الطريق
لقد خفت أن أقول الحقيقة ولن تصدقني وكذبت لتجنب عقاب شديد .
جلس الأب وهو يفكر تفكير عميقاً
قال لنفسه: يا للهول كان الخوف من البداية هو ما يدفعه إلى الكذب.
وهكذا يطور الطفل ألية دفاع تتمثل في الكذب والخداع؛ لحماية نفسه ومصالحه.
الخوف هو معلم الكذب ،
وإذا أردت طفلاً لا يكذب عليك أن لا تكون مصدر خوف بالنسبة له .