هذا سبب مشاكلنا الأكبر
لو تأمّلنا حولنا، وأمعنا عقلنا لوجدنا أنّ سبب جلّ مشاكلنا في الحياة أخبرنا به اللّه في كتابه محكم التّنزيل في مئة وأربعة وعشرين موضعا. شيء في خائه خسران، وواوه وجل ووهن، وفائه فراق الأمل، وفقر التقدّم، وفقد الشّغف، إنّه الخوف.
منّا من يخاف الفقر، ومنّا من يخاف الغدر، أو الفشل، أو الفقد. والخائف لا يستمتع بلحظته، فهو يخشى فقدانها، يظلّ متأهّبًا ينتظر كارثة محتّمة نمت في خياله.
الخائف يتجنّب المبادرة، ويكتفي بالكلام، أو يلوذ بالفرار والصّمت.
الخائف تتكوّم خيباته على ظهره، وتسقط أوراق أحلامه باهتة أمام عينيه.
وكثيرة هي الآيات القرآنيّة التّي تتكلّم عن توقّع الأمر، والخوف منه قبل حدوثه، منها: "وإن خفتم ألّا تقسطوا في اليتامى"، "وإن خفتم ألّا تعدلوا"، "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا"،
"واللّاتي تخافون نشوزهنّ"، "وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله"، "وإمّا تخافنّ من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء".
كما أنّ أكثر ما ذكر عن الخوف في القرآن مقرون بلا النّاهية أو النّافية؛ لأنّ أيّ خوف ليس بخوف من اللّه إنّما هو خوف من الشّيطان كما قال عزّ جلاله: "إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه".
"إنّما النّجوى من الشّيطان ليحزن الذين آمنوا".
والخوف طبيعة في الإنسان في أمور حاصلة في الدّنيا، قال تعالى: "خلق الإنسان هلوعا إذا مسّه الشّر جزوعا، وإذا مسّه الخير منوعا"، والجزع مرتبة ثانية من الخوف، لكن الإنسان مراتب: الكافر، والمشرك، والمسلم، والمؤمن، ودرجة خوفه تعتمد على رتبته في الإيمان.
فلمّا ألقى سيدنا موسى عصاه ورآها حيّة تسعى فخاف منها، قال الله عزّ وجلّ: "خذها ولا تخف "، وفي موضع آخر: "أقبل ولا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون" ولمّا خاف سيّدنا موسى وهارون من فرعون قالا: "ربّنا إنّا نخاف أن يفرط علينا، وأن يطغى قال لا تخافا إنّني معكما أسمع وأرى". ولمّا أوجس في نفسه خيفة موسى من السّحرة طمأنه الله: "فألقاها فإذا هي حيّة تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى"، " قلنا لا تخف إنّك أنت الأعلى" ولمّا أدركه فرعون بجنوده قال عزّ وجلّ: "فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا لا تخاف دركًا ولا تخشى".
يعلم الله أنّ أمّ موسى عليه السّلام ستخاف عليه من أن يقتله فرعون فيقول لها: "فإن خفت عليه فألقيه في اليمّ، ولا تخافي ولا تحزني، إنّا رادّوه إليك، وجاعلوه من المرسلين".
ولما أتت الملائكة الذين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط لوطًا ساءه وأحزنه مجيئهم خوفًا عليهم من خبث قومه، فقد جاءته الملائكة في شكل رجال، وقومه يأتون الرّجال شهوة من دون النّساء، فقالت له الملائكة: لا تخف، فلن يصل إليك قومك بسوء، ولا تحزن على ما أخبرناك من إهلاكهم، إنا منقذوك وأهلك من الهلاك، إلّا امرأتك كانت من الباقين الهالكين، فسنهلكها معهم.
"وقالوا لا تخف ولا تحزن إنّا منجّوك وأهلك إلّا امرأتك كانت من الغابرين"، وكذلك النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لمّا كان مع أبي بكر في الغار، فأصابه الخوف أن يراهما أحد من كفّار قريش، طمأن الرّسول عليه السّلام صاحبه، وجعل الله الملائكة تبسط أجنحتها على مدخل الغار فلا يراهما أحد. "إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا".
فاللّه يطمئن عباده وأولياءه دائمًا، ويحصّنهم من الخوف. قال تعالى:
"إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألّا تخافوا ولا تحزنوا".
"فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
"ألا إنّ أولياءالله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
حتّى الجنّ لمّا آمنوا قالوا: "فمن يؤمن بربّه فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا".
والحقائق العلمية تثبت أنّ الخوف ترتفع معه مستويات الجلوكوز في الدم، وخلايا الدم البيضاء، وحين يصبح مزمنا يتلف القلب والأوعية الدمويّة، ويضعف مناعة الجسم، ممّا يسبّب له الكثير من الأمراض.
ولا شكّ أن للخوف تأثير على المدى البعيد كالإصابة ببعض الاضطرابات النفسيّة مثل الانطواء والاكتئاب.
كما أنّه يضعف مهاراتنا الحياتيّة، إذ يؤثّر على طريقة تنظيم وإدارة العواطف نتيجة خلل في العمليّات التي تحدث في الدّماغ، مما يؤدي إلى كثير من المشاكل في التّفكير والسلوكيّات غير المناسبة واتّخاذ القرارات بشكل سلبيّ وغير مدروس، كما يجعلنا عرضة لردود الفعل العنيفة والمشاعر القويّة.
فلنتوكّل على الله في كلّ أمورنا، وندرك أنّ في كلّ أقداره خير،
وأنّ الخوف الوحيد الذي علينا أن نخافه هو الخوف من الله حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا. "ولمن خاف مقام ربّه جنتان".
ومن خاف الله أخاف الله منه كلّ شيء. وطمأن قلبه، ووقاه من الأمراض النّفسيّة والجسديّة.