الجد.. الأب الأكبر !؟غالباً ما يتدخّل الأجداد في تربية أحفادهم فلذات أكبادهم، لشعورهم بالمسؤولية تجاههم، وبأنهم الأقرب إليهم عاطفياً بعد والديهم، فهم يشكلون استمراريةً جينيةً وملاذاً هانئاً لهم في خريف العمر. يستأنسون بهم ويشغلون أنفسهم بتوفير كل ما من شأنه أن يسعدهم، ليثبتوا من خلال ذلك أن التقاعد الوظيفي لا يعني تقاعداً أسرياً، الا ان بعض الاهالي لا يرغبوا في تدخل الاجداد في تربية الاحفاد.
وجود الجد والجدة في المجتمع العربي عامل استقرار للاسرة و يعد رمزا لترابط افرادها وامتدادا للعائلة وصونا لوحدتها. والى سنوات قريبة كانت الفتاة في بعض المجتمعات العربية تترك قبل بلوغها سن الرشد تحت الرعاية الكاملة لجدتها الى ان تصل الى سن الزواج بقصد ان تكتسب شيئا من خبرات الجدة المحنكة، ولكن لا يبدو في الوقت الراهن ان كل الاراء ترحب بانفراد الجدة بتربية الاطفال خاصة عندما لا تكون مهيأة للقيام بهذه المهمة خوفا من الطريقة التي تتبعها، والتي قد يظن البعض انها تفسد من صلابة الابناء عند مواجهتهم للحياة العصرية.
من هنا تبدأ المشكلة
تقول منى. س، وهي ام لاربعة اطفال: «المشكلة تبدأ حين يتجاوز دور الجدة أو الجد الحب والرعاية ورواية الحكايات الفولكلورية التي تكسبه موروثا ثقافيا غنيا، إلى التدليل المبالغ فيه، والسكوت عن أخطائه الفادحة. وقد يكون السبب الخوف على الطفل من العقاب، لمعرفتهم بقسوة الأب واحتمال تعرضه للضرب المبرح مثلا، أو فقط من باب الرغبة في الحفاظ على محبته مهما كلف الأمر حتى يُقبل على زيارتهما دائما والبقاء معهما اطول فترة ممكنة. بعبارة أخرى، فالمحبة الزائدة قد تكون رشوة عاطفية، قد لا يعيها الأجداد لكنهم يفسرون تصرفاتهم أنها تنطلق من شعورهم بأن أعز من الولد ولد الولد».
وتضيف منى: «لذا، نجدهم حريصين على متابعة شؤون أحفادهم وعلى تلبية متطلّباتهم كافة، متجاوزين بذلك أحياناً بعض الممنوعات التي يكون الأهل قد قاموا بفرضها على أطفالهم، ومتناسين خصوصية واستقلالية الأسرة الصغيرة الناشئة، ومحاولين فرض أسلوبهم الخاص في التربية لقناعتهم بأنّه الأسلوب الأفضل والأمثل، ولأنّ الأبناء في نظرهم، لا يزالون يفتقرون إلى الخبرة التي يتمتعون بها!
نرفض التدخل
ولعلّ الأجداد الذين يعيشون بعيداً عن أحفادهم هم الأشدّ تعبيراً عن عاطفتهم، تقول «سامية. ح» وهي ام لخمسة اطفال، اننا نغيب طوال السنة عن اهالينا بسبب تواجدنا في دبي للعمل، وعندما نعود الى عمان يلجأون إلى مد الطفل بكم كبير من الحب ومن التدليل المفرط في أقصر مدة ممكنة، في حين نجد أولئك الذين يتشاركون المسكن نفسه مع أحفادهم، أكثر تناغماً وانسجاماً مع أسلوب الوالدين التربوي، فهم بمثابة الشركاء الحقيقيين في تنشئة الأطفال وتربيتهم».
تضيف سامية: «حين نكون انا وزوجي بعيدين عن اهلي واهله لم نعتد على النصائح والتدخلات، لذلك نجد صعوبة في ان يتدخل احد في تربيتنا لاطفالنا، ولكننا نعرف ان تدخلهم لا يأتي الا من باب المحبة والخوف، ولكن حتى الاطفال اليوم يختلفون عن اطفال السابق، اليوم نتيجة تعرضهم لوسائل كثيرة تعمل على زيادة قوة شخصيتهم اصبحوا يرفضون حتى تدخل الاهل بهم!».
سلبيات وإيجابيات
تقول الاخصائية التربوية مروة صلاح: «يلعب الأجداد بوجه عام، دوراً إيجابياً في تربية الأحفاد، فهم يشكّلون مصادر حب إضافية بالنسبة للطفل. لكنّ التناقض في وجهات النظر وأساليب التربية بينهم وبين الوالدين، بالإضافة إلى المبالغة في التدليل والإفراط في الحماية وهما ما يشير إلى وجود نقص عاطفي لدى الأجداد، يؤدي إلى انعكاسات عدّة على حياة الطفل، مثل إرباك في تنفيذ خطّة الوالدين التربوية، لا سيّما إذا كان الإحتكاك مع الأجداد يومياً، ما يسبّب خللاً في منظومة القيم التي يجدر بالطفل اتباعها. إذ يولّد التضارب في التعليمات وتناقضها، ضياعاً وعدم وضوح في ما يجب عليه فعله وما يجب تجنّبه».
وتضيف صلاح: «بالاضافة الى التأخّر في نموّ عامل الضبط والتوجيه الذاتي لدى الطفل، فيصبح بحاجة دائمة إلى من يصدر إليه التعليمات والإرشادات حول كيفيّة تصرفه الذي يأتي غالباً إما إرضاءً للآخر أو تجنباً للعقاب، في حين أنه يجب أن ينمّ عن منظومة قيم ثابتة لا لبس فيها أو تضارب، وعن نظام تربوي منسجم ومتناغم، وعن شخصيّة قادرة على الإستقلالية، وبناء شخصيّة غير ناضجة، تتلقى الآوامر والنواهي من جهات عدّة ومتناقضة. وقد يجد الطفل في ذلك، بالإضافة إلى عامل تواطؤ الأجداد معه أحياناً في التستّر على خطأ ارتكبه أو في حمايتهم له أو في حصوله على ما يريد بغض النظر عن موافقة الأهل، مخرجاً ومفراً من الضوابط والقيم التي يحرص الأبوان على فرضها في إطار المنزل، مما يدفعه لاحقاً إلى التصرف بالخفاء بدون مراجعة أبويه أو الوقوف عند رأيهما».
توزيع الأدوار
وتبين صلاح: «ومن أجل إتمام عملية تربية الأطفال وتنشئتهم بنجاح، لا بدّ من التنسيق بين الرؤية التربوية للوالدين وبين تلك التي تخص الأجداد، بحيث يقتصر دور الجد أو الجدة، في حال غياب الوالدين على المساعدة والإشراف والرعاية. كما يمكن للأهل الإستفادة من خبرة وحكمة الأجداد، والحرص على إبراز التقدير والاحترام لما بذلوه من جهد وتضحيات. بالمقابل، يجدر بالجدّين إفساح المجال أمام أبنائهما للقيام بواجباتهم تجاه الأسرة الجديدة الناشئة، والحفاظ على استقلاليتها واحترام خصوصيتها. ولعل الحوار الهادئ والنقاش المتّزن هما الطريق الأمثل للتوصّل إلى خطة تربوية سليمة بعيداً عن التناقضات والتباينات، مع التشديد على إيجابيات التنسيق بين الطرفين والتناغم فيما بينهما، لما فيه مصلحة الطفل».