الضفة الغربية تقاوم خطّة سموتريتش
"إذا اغتالني العدو، فإننا سنستمر، فالقضية لا تقف عند شخص". ... محمد جابر (أبو شجاع)،
قائد كتيبة جنين، قبل اغتياله بأسبوعين.
لا يمكن فهم الهجمة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية إلا على أنها الوجه الآخر وتكملة
لحرب الإبادة الصهيونية في قطاع غزّة، فالهدف تهجير الفلسطينيين ووأد النضال التحرّري
الفلسطيني في كل أرض فلسطين.
ما يجري في الضفة الغربية المحتلة تنفيذ ما يسمّى "خطة الحسم" التي صاغها وزير المالية
الحالي، بتسئليل سموتريتش، عام 2017، لتكون حلقة في تحقيق المشروع الصهيوني الذي
يشترط إلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية، ما يعني إعادة السيطرة العسكرية المطلقة على الضفة
الغربية، وفرض حكم المستوطنات على السكّان الفلسطينيين، وهو ما يتطلب القضاء على
المقاومة، إذ لا يرى سموتريتش أي دور لسلطة فلسطينية، ولا لـ"دولة فلسطينية" مهما كان
شكلها. في رأيه، هناك ضرورة قصوى للقضاء على فكرة قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية، حتى
لو كانت الدولة الفلسطينية "كينونة مجزأة منزوعة السلاح والسيادة"، فهي تمثل خطراً على بقاء
الدولة الإسرائيلية المنشودة وتمدّدها.
ما نشهده في الضفة غزو، وهو جزءٌ من كلٍّ يشمل، وسيشمل، بصورة أكثر حدّة، كل أرض
فلسطين التاريخية
لا يضيّع سموتريتش، وهو ليس الوحيد، وقته في تثبيت حكم أبارتهايد للسيطرة على الفلسطينيين،
بل يسعى إلى حلٍّ جذريٍّ يقضي على الهوية الفلسطينية والشعب الفلسطيني من خلال عمليات
ترويع عسكرية من عصابات المستوطنين. فالمشروع الصهيوني، كما يعتقد سموتريتش، وصل
إلى مرحلة الحسم، ولذا سمّى رؤيته "خطّة الحسم"، فمن وجهة نظره "الهوية الفلسطينية هي
نقيض المشروع الصهيوني. وعليه، لا يوجد مكان "للشعبين" على أرض "إسرائيل". ولذا رأينا
نتنياهو يسلم السيطرة الأمنية إلى إيتمار بن غفير، للإسراع في التصفية الإثنية للفلسطينيين بقصد
الهزيمة والطرد من بيوتهم ووطنهم، بل قال سموتريتش، وفقاً لتسريباتٍ من مكالمة هاتفية له،
نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في يونيو/ حزيران الماضي، إن إسرائيل ستبدأ خطوات
عملية لفرض واقع جديد على الأرض، ومن ثم تمرّر قرار ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل "بشكل
قانوني" في الكنيست، وهذا ما يفعله الجيش الإسرائيلي في الضفة منذ بدء هجمته العسكرية قبل
أسبوع.
اختار رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو، في غزّة، شنّ حرب إبادة على مرأى العالم ومسمعه، فلا
فرق بين سموتريتش ونتنياهو، فقد اقتربت في ذهنيهما ساعة الحسم، من ارتكاب جرائم قتل
جماعي سريع وبطيء، من قصف وتدمير وهدم وردم إلى تجويع ومنع دواء وإسعاف، ولجعل
قطاع غزّة غير قابل للعيش، ليحوّلوا القطاع إلى منطقة شبه غير مأهولة تحت سيطرة الجيش
الإسرائيلي، في تصفية عرقية وحشية وتهجير قسري مستمرّ، وفي مشاهد نكبة مستمرّة ومتجدّدة
للشعب الفلسطيني.
ما نشهده في الضفة غزو، وهو جزءٌ من كلٍّ يشمل، وسيشمل، بصورة أكثر حدّة، كل أرض
فلسطين التاريخية، من ضم للقدس الشرقية والاستيلاء التدريجي على المسجد الأقصى، وكتم
أنفاس حقيقي لأي صوتٍ في ما نسميها أرض 1948، فكما قال سموتريتش "لا مكان لشعبيْن"،
وجواز السفر الإسرائيلي الذي يحمله فلسطينيو الـ 48 لا يحميهم ولا يشفع لهم، خصوصاً أنهم قد
أعلنوا قولاً وفعلاً أنهم جزء من الشعب الفلسطيني.
يبدو أن لدى الاحتلال الصهيوني قائمة أسماء مطلوب تصفيتها، من مختلف التنظيمات
والمجموعات
الهجمة الصهيونية مستمرّة في كل فلسطين بأشكال مختلفة، ولذا يجب فهم عمليات الجيش
الإسرائيلي، أخيراً، وهي الأوسع والأعنف منذ الانتفاضة الثانية عام 2002، بأنها ممنهجة في
محاولة إطفاء جذوة المقاومة واغتيال قياداتها. وهي تستمر في شكل هجمة ترهيب وقتل ضمن
منهج التهجير والطرد، إذا ما استمرّ العالم بموقف المتفرّج، وإذا استمر شلل الدول العربية
وتواطؤ عدد منها، فاغتيال الشهيد محمد جابر (أبو شجاع)، الشاب المفعم ذكاءً وإرادة، قائد
طولكرم المقاومة، لم يكن بداية، إذ سبقه اغتيال عدة قيادات شابة لمجموعات أخرى، مثل إبراهيم
النابلسي، من "عرين الأسود" في نابلس. ولكن يبدو أن لدى الاحتلال الصهيوني قائمة أسماء
مطلوب تصفيتها، من مختلف التنظيمات والمجموعات، لذا لم تكد تمر 24 ساعة بعد استشهاد أبو
شجاع، حتى اغتيل وسام أيمن حازم أحد قادة كتائب الشهيد عز الدين القسّام في جنين، فاستهداف
القيادات الميدانية لتقويض تماسك المجموعات المقاومة ليس تكتيكاً صهيونياً جديداً، لكننا دخلنا
مرحلة تصفية للشعب الفلسطيني بأكمله. ولم تعد إسرائيل تحسب أي قيمةٍ لأيٍّ ردّ فعلٍ عالمي، بعد
أن استمرّ تدفق الأسلحة إليها، بالرغم من حديثها عن عملها على إعادة احتلال غزّة، فأصرّت
على إعلان حرب في الضفة الغربية، وعلى فرض تدريجي للصلاة اليهودية في باحات المسجد
الأقصى. السبب الآخر أنها فهمت أنها تواجه جيلاً جديداً من الشباب الفلسطيني، تحرّرَ من فكرة
التنسيق الأمني، ومن الركون لوهم الرفاه الاقتصادي وقروض البنوك ورواتب التمويل الأجنبي،
كما رأينا سابقاً في الانتفاضة الثانية التي شاركت فيها قوات الأمن الفلسطينية. الفرق أن الزعيم
ياسر عرفات انضم في حينه إلى الانتفاضة ودعمها، فيما السلطة الفلسطينية تحت رئاسة محمود
عبّاس تكافح للحفاظ على دور مرسوم لها، ولم تستيقظ بعد على حقيقة أن إسرائيل قرّرت أن دور
السلطة انتهى، وأنها أخذت زمام الأمور بيدها. عدا عن أن كوادر حركة فتح أو تياراً فيها تمرّدَ
ضد دور السلطة الأمني، كما شهدنا في نابلس وجنين، وقبل أسبوعين في طولكرم، وأيّ استمرار
للسلطة في سعيها للقيام بهذا الدور لن يرضي إسرائيل، بل ستزيد رقعة رفض السطوة الأمنية
للسلطة في سياق تنسيق أمني أو لإثبات نفسها لواشنطن وإسرائيل.
الفلسطينيون في حاجة إلى دعم من محيطهم وليس التواطؤ أو المزاودة، حتى لا نسمح
لسموتريتش بتنفيذ الفكرة النهائية كما يريد
لا نستطيع القول إن الضفة الغربية مستعدّة لانتفاضة ضد السلطة، فكل المجموعات المقاومة،
وبرغم صداماتها مع السلطة، أبت إلا أن تبقي الهدف هو العدو الصهيوني، إضافة إلى ما نراه من
انسجام بين أبناء التنظيمات المنخرطين في المجموعات التي ترفض الانجرار إلى اشتباكات
مسلحة بين الفصائل. ولنتذكّر أن "أبو شجاع" كان قائداً لكتيبة جنين التي تضمّ مناضلين من
حركات الجهاد الإسلامي وفتح وحماس، فهناك وعي وحكمة عند هؤلاء الشباب، تقنعهم بعدم
الابتعاد عن هدفهم النضالي.
في الوقت نفسه، التصعيد الصهيوني مخيف، وقلوبنا مع أهل الضفة الغربية كما هي مع أهل غزّة،
وليكن ما يحدُث تذكيراً بأن لا مكان للمزاودة على الشعب الصامد على أرض فلسطين.. هذه معركة
بقاء لنا وليس لهم فقط،، فلنؤدّ دورنا في محاربة التطبيع، وفي المقاطعة، فالفلسطينيون في حاجة
إلى دعم من محيطهم وليس التواطؤ أو المزاودة، حتى لا نسمح لسموتريتش بتنفيذ الفكرة النهائية
كما يريد.