أصبحت المحاسبة مقرونة مع الحاسوب، ضمن تقنية مالية، جعلتها نظامًا محوسبًا سهلًا
المحاسبة الذكية بعد الدفترة والحوسبة
المحاسبة كونها علمًا من العلوم الاجتماعية تختلف عن العلوم الطبيعية كالكيمياء والأحياء، التي
تتسم عمومًا بثبات القوانين؛ فالمحاسبة فن تطبيقي وعلم اجتماعي يخضع إلى عوامل عدة، تسهم
في تطويرها وتغييرها لتوائم الحاجة منها، ومن هذه العوامل التطور التقني الذي طور منهج
المحاسبة مع الوقت من الدفترة إلى الحوسبة.
كما تتأثر المحاسبة بالذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من أن مبدأها الأساس واحد، فإن الأطر
والسياسات والإجراءات تتغير تبعًا لتلك التطورات التقنية على سبيل المثال لا الحصر.
تعتمد العلوم المالية أساس خدمة المؤسسة التي تنظم مثل تلك العلوم فيها، وذلك على أساس إطار
مفاهيمي يحكم اتجاهات العمل المؤسسي لتحقيق أهداف المؤسسة ورؤاها. يسمى ذلك الإطار
بالنظام، ولأن مادة ذلك النظام المعلومة متعددة المصادر، يمثل القسم المعني بالمعلومة المالية -
مثلًا- نظامًا للمعلومات المالية المتراكمة.
وتؤدي المحاسبة دورًا مهمًا في أي نظام معلومات مالي، إذ إنها المهنة التي تنظم المعلومات المالية
المتعلقة بالأحداث الاقتصادية كمدخلات للنظام، بانتظار المعالجة المالية، وصولًا إلى المعلومات
المالية الداعمة لقرارات المؤسسة المحلية والخارجية.
وللمحاسبة خصائص عدة شاملة لجوانب وأمور تتعلق بالفواتير والتقارير المالية والقرارات
الإستراتيجية، لتنظيم العمل المالي ضمن سجلات وتقارير ونماذج محوسبة أو ورقية.
المحاسبة والأقسام المتوازية
والمحاسبة متوازية مع أقسام أخرى كالتسويق والإنتاج والموارد البشرية والإدارة والمخازن
وخدمة العملاء، وغير ذلك من أقسام تتداخل معها تداخلًا حيويًا ضمن أنظمة فرعية، تصب نهايةً
في صالح العمل المؤسسي.
تطورت المحاسبة المستندة إلى الحاسب الآلي؛ ليصبح لدينا ما نسمّيه "نظام المعلومات
المحاسبي"، الذي يمثل الحاسوب فيه الأداة التقنية، التي بواسطتها تعالج بيانات المعاملات اليومية،
وتخزن المعلومات المحاسبية الناتجة عن المعالجة
وتُعدُّ المحاسبة علمًا تطبيقيًا داعمًا يعتمد على المعلومة المالية وينتجها دعمًا للقرار المالي في
التمويل، والإداري في الاستمرار، والاقتصادي في الترشيد، والتسويقي في الانتشار، والتقني في
المحاكاة، وغير ذلك.
ومن خصائص المحاسبة الحديثة أنها ذات طابع تقني، وعلى الرغم من أن المحاسبة التقليدية
أساسها التنظيم المستندي للمعلومات المالية قديمًا، واعتمد على السجلات والدفاتر التقليدية،
ومسْكها ضمن أسلوب ومنهج يعتمد على الإجراءات الروتينية، فإنه مع ثورة المعلومات
والاتصالات أصبحت المحاسبة مقرونة مع الحاسوب، ضمن تقنية مالية، جعلت للمحاسبة نظامًا
محوسبًا سهلاً، وجعلتها أكثر دقة لخدمة صاحب القرار والجمهور، في علاقات متداخلة من
الحسابات والتقارير والنماذج ودعم الصلاحيات وتوزيعها، إضافة إلى الأرشفة المستندية بأقل
النفقات، ما سهل التكامل بين أنظمة المال والأعمال.
التكامل في المحاسبة
هذا التكامل في المحاسبة يجعل العمل المحاسبي كاملًا متكاملاً في حلقة خاصة من الإجراءات
التقنية والروتينية؛ لضمان تدفق البيانات، وجاهزية المعلومات في النظام المحاسبي.
ومع اتجاه عالمنا بقوة – منذ نهاية القرن الماضي – نحو استخدام الحاسب الآلي وبرمجياته في
شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية كافة، نظرًا لأهميته البالغة في المعالجة السريعة
والحفظ الكبير للمعلومات، تطورت المحاسبة المستندة إلى الحاسب الآلي؛ ليصبح لدينا ما نسمّيه
"نظام المعلومات المحاسبي"، الذي يمثل الحاسوب فيه الأداة التقنية، التي بواسطتها تعالج بيانات
المعاملات اليومية، وتخزن المعلومات المحاسبية الناتجة عن المعالجة.
وتعرف المعلومات بأنها البيانات التي عولجت لتصبح أكثر نفعًا للمستقبل، وذات قيمة في الاستخدام
الحالي أو في اتخاذ قرارات مستقبلية. ويستخدم متخذ القرار المعلومات المحاسبية في حل أي
مشكلة بعد تطوير بدائل الحل، وتحديد درجات المخاطرة، والتحقق من كل بديل، ثم اختيار البديل
الأنسب، بعدّ هذا الاختيار عمليةَ اتخاذ قرار اقتصادي.
تبدأ الدورة المستندية المحاسبية بالحدث الاقتصادي التبادلي، ليُبنى عليها التدوين المحاسبي
بالمفهوم التقليدي، أو إدخال البيانات بالمفهوم التقني المستند إلى الحاسوب.
مخرجات نظام المعلوماتية المحاسبي
تعد مخرجات نظام المعلوماتية المحاسبي وثائق مثل الفواتير والشيكات والسندات وغيرها، أو قد
تكون تقارير مثل قائمة الدخل والميزانية والتدفقات، أو تقارير إدارية مثل التخطيط والرقابة
والتشغيل.
بعد تجهيز التقارير المالية، بعدّها مخرجات معلوماتية للمحاسبة يُستند إليها في التحليل المالي
ودراسة الجدوى الاقتصادية، وذلك بتقييم المشروع بعدّه دراسة لاحقة لا سابقة، تعتمد بالضرورة
على بيانات حقيقية لتقرير الاستمرار بالنشاط الاقتصادي.
مع ثورة الاتصالات السحابية توسع مفهوم المحاسبة المالية ليكون لحظيًا مرتبطًا بالتجارة
الإلكترونية؛ ويفضل البعض تسمية هذا النوع بالمحاسبة الإلكترونية أو الرقمية، لإمكانية الولوج
إلى النظام المحاسبي من أي مكان وفي أي وقت
المحاسبة المحوسبة، مثل المحاسبة القائمة على برمجية الجداول الإلكترونية (إكسل) بعدّه أهم
برمجية مفتوحة تستخدم لأغراض محاسبية مالية، بما فيها من بيئة عمل تقنية ومعادلات مالية
واقترانات خاصة بذلك، تمكّن من تصميم الحسابات الختامية، مثل قائمة الدخل؛ فيمكن بهذا البرنامج
تصميم مستندات القيد والقبض والصرف والفواتير، ويمكن أيضًا تنظيم الميزانية العمومية وقائمة
التدفقات النقدية، وخدمة عدد من القرارات الإدارية، التي يمكن اتخاذها بالاعتماد على الأشكال
الهندسية والرسوم البيانية التي تصف نتيجة الأعمال أو التوقعات المستقبلية التي تدعم قرارات
أصحاب القرار.
هناك إذن تطور تاريخي ملحوظ على المحاسبة المالية بوصفها حقلًا اقتصاديًا مهمًا، بدأ بالمحاسبة
التجارية التقليدية التي كانت إطارًا للدورة المستندية المبنية على نظام مالي يعتمد في طياته على
دفاتر ورقية؛ ومع ثورة المعلومات تطورت المحاسبة لتصبح طريقة تستند إلى الحاسوب الآلي
وتطبيقاته وبرمجياته؛ ليمثل نظام المعلومات المحاسبي إطارًا أوسع للمحاسبة، يربط بين المحاسبة
المحوسبة والحاسوب.
ومع ثورة الاتصالات السحابية توسع مفهوم المحاسبة المالية ليكون لحظيًا مرتبطًا بالتجارة
الإلكترونية؛ ويفضل البعض تسمية هذا النوع بالمحاسبة الإلكترونية أو الرقمية، لإمكانية الولوج
إلى النظام المحاسبي من أي مكان وفي أي وقت، لاستعراض المعلومات المحاسبية وإدارتها عبر
شبكة اتصالات مفتوحة.
التطور التقني والمحاسبة المالية
لم يتوقف التطور التقني عند هذا الحد، فمع التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي أصبح للمحاسبة
المالية بُعد أكثر حداثة وتقنية، ترتبط فيه المحاسبة بالذكاء الاصطناعي ليتكوّن مفهوم جديد يمكن
أن نطلق عليه مصطلح "المحاسبة الذكية" نسبة إلى الذكاء الاصطناعي؛ ليُطرح سؤال مهم: هل
تبقى وظيفة المحاسب مستقبلًا مع وجود الذكاء الاصطناعي؟
في موقع "مجتمع المحاسبين" على الإنترنت، وضمن مقال بعنوان: "تأثير الذكاء الاصطناعي
على المحاسبة"، جاء القول: "يساعد الذكاء الاصطناعي على تحسين الدقة في إعداد التقارير
المالية؛ فهو يمكن من التعرف إلى الأخطاء في الإدخالات اليدوية وتصحيحها بسرعة، ما يقلل من
الأخطاء والمخاطر المحتملة، وهذا يعني أن المحاسبين يمكنهم إنجاز المهام بسرعة أكبر وبدقة
أكثر، ما يوفر الوقت والموارد".
وتطرق موقع "دفترة" إلى هذا الموضوع في توصياته للمحاسبين بذكر أن تقنيات الذكاء
الاصطناعي لن تلغي دور المحاسب، فلا يمكن استبدال الحاسوب بأخلاقيات المهنة والتواصل
الإنساني بين البشر، لكن في الوقت ذاته يجب على المحاسبين التفاعل مع هذه التقنيات بالتدريب
المستمر.
إذن؛ تقنيات الذكاء الاصطناعي ليست بديلة، بل مساندة في كل المجالات بما فيها المحاسبة، فتؤول
أخطاء العمل الإجرائي مع الوقت إلى الصفر، بناءً على خوارزميات مبرمجة؛ ليتحول معها
المحاسب من كاتب أو مدخل بيانات إلى مقدم توصيات للإدارة، بناءً على مخرجات النظام المحاسبي
المتطور؛ بل ربما يصبح مساهمًا في اتخاذ القرارات الإستراتيجية على مستوى المؤسسة كلها.
الرئيسية 
البوابة 
