[rtl]
محطات في سيرة[/rtl]
حسن نصر الله... محطات وتحولات 3 عقود من زعامة حزب الله
لم يتردّد الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب مجزرة بشعة لم تعرف حصيلتها حتى اليوم، بعدما عمد إلى محو مجمع سكني بأكمله في الضاحية الجنوبية لبيروت واستخدام أكثر من 80 قنبلة، متوسّط وزن كل واحدة منها نحو طن واحد من المواد المتفجرة، وبينها قنابل خارقة للتحصينات، من أجل اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أمس الجمعة، ليفتتح بذلك فصلاً جديداً من عدوانه الذي بدأه في غزة قبل أن ينقله إلى لبنان.
وإذا كان اغتيال حسن نصر الله الذي قاد الحزب على مدى أكثر من 32 عاماً، قد خلّف صدمةً واسعةً في لبنان، خصوصاً بين أنصاره الذين علت أصوات بكائهم في الشوارع وسُمعت في أحياء واسعة من بيروت وباقي المناطق، فإن الترقّب يسود لتداعيات "الزلزال"، كما وصفه كثر، إذ إن اغتيال الأمين العام الثالث لحزب الله أتى في لحظة حرجة من العدوان على لبنان وتصعيد الاحتلال حربه وخططه لـ"اجتثاث" حزب الله كما بدا يتردد على ألسنة مسؤوليه، ليكون الحزب أمام واحدة من أدق مراحله منذ تأسيسه، إذ يتعرض منذ أسابيع، وضمن خطة تبدو ممنهجة، لتصفية قيادته، سواء من الصف الأول أو الثاني، مع توالي الاغتيالات الإسرائيلية. ونصر الله، الذي تسلّم الأمانة العامة للحزب بعد اغتيال الاحتلال عباس الموسوي، في عام 1992، وكان وقتها في الحادية والثلاثين من عمره، وأصبح الرمز المعروف للحزب وشكل الصراع مع إسرائيل إلى حد كبير زعامته، لم يكن مجرد قائد عادي لحزب لبناني، بل كان له حضور على امتداد ساحات الوطن العربي، خصوصاً مع تحول الحزب إلى قوة كبيرة ذات نفوذ إقليمي، مدعوماً من إيران، التي شكّلت منذ الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979 نظرته السياسية، على غرار جيل كامل من الشباب اللبنانيين. لكن الالتفاف الداخلي حول الحزب وأمينه العام حتى عام 2000 مع الخروج الإسرائيلي من لبنان، واعتباره رأس الحربة في مواجهة الاحتلال، ثم صموده في حرب لـ33 يوماً ضد إسرائيل عام 2006، انقلب إلى انقسام داخلي حيال حزب الله، لا سيما عقب أحداث السابع من مايو/ أيار 2008 عندما استباح عناصر الحزب العاصمة بيروت وعدداً من المناطق بذريعة "عدم السماح بالمس بشبكة اتصالات المقاومة"، ليشكل التلويح بسلاح الحزب في الداخل إحدى أدوات الضغط المتكررة لتحصيل مكاسب، بحسب اتهامات معارضيه.
جدل حول حسن نصر الله
وسرعان ما انتقل الجدل حول حسن نصر الله والذي وُلد في حي الكرنتينا في بيروت في 31 أغسطس/ آب 1960، ليصبح عربياً وإقليمياً حوله، بعد موقفه من الثورات العربية، ولا سيما في سورية حيث عادى الحراك الاحتجاجي وتدخّل إلى جانب نظام بشار الأسد لمنع سقوطه، متخذاً من "محاربة التكفيريين" و"حماية المقامات" ذرائع لتبرير انحيازه ضد الانتفاضة الشعبية، ثم تمدّد للقيام بأدوار في العراق وإلى جانب الحوثيين في اليمن بمواجهة السعودية. كل ذلك أفقد الحزب وأمينه العام الإجماع الذي كان حوله كقوة مقاومة ضد الاحتلال، وجعله في مواجهة مع قوى إقليمية متعددة، قبل أن يعيد موقفه المساند لغزة عقب "طوفان الأقصى" وفتح جبهة في جنوب لبنان في اليوم التالي وتمسّكه بربط جبهة غزة ولبنان إليه بعضاً من شعبيته التي فُقدت عربياً. - اقتباس :
ستحدد عملية اغتيال نصر الله الكثير في مستقبل المنطقة خصوصاً إذا ما توسع رد إيران والحوثيين على هذا الاغتيال
وعلى الرغم من أن حسن نصر الله وهو واحد من تسعة أبناء لأسرة نزحت من بلدة البازورية في جنوب البلاد ليشكل القتال ضد إسرائيل أحد عناوين نشأته، ليس أول زعيم لحزب الله يجرى اغتياله، إلا أن هذا الحدث سيحدّد الكثير في مستقبل المنطقة، خصوصاً إذا ما توسع رد إيران والحوثيين على هذا الاغتيال.
ونعى حزب الله اليوم السبت حسن نصر الله بعد 32 سنة من تسلّمه قيادة الحزب. وسيذكر حسن نصر الله من قبل مناصري الحزب على أنه الرجل الذي وقف في وجه إسرائيل، والتي لطالما قضى الليالي قبل توليه منصبه مع مقاتلي الجبهة الأمامية ضدها وتحدّى الولايات المتحدة. أما في نظر خصومه، فهو أحد "الوكلاء" الذين تستخدمهم إيران في المنطقة. وعاد نفوذه للتصاعد مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ دخل حزب الله على خط المعركة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إسناداً للمقاومة في قطاع غزة. وقال حسن نصر الله في خطاب ألقاه في الأول من أغسطس/ آب الماضي خلال جنازة القائد العسكري في الحزب فؤاد شكر الذي اغتيل في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت: "إننا أمام معركة كبرى". وتعهّد الأمين العام لحزب الله، خلال خطاب في 19 سبتمبر/ أيلول الحالي ردّاً على تفجير الاحتلال أجهزة الاتصالات، بمعاقبة إسرائيل. وقال: "هذا حساب سيأتي، طبيعته وحجمه وكيف وأين؟ هذا بالتأكيد ما سنحتفظ به لأنفسنا وفي أضيق دائرة حتى في أنفسنا". ولم يوجه أية كلمة منذ ذلك الحين. في غضون ذلك، صعدت قوات الاحتلال من هجماتها بشكل كبير، واغتالت عدداً من كبار قادة الحزب، وشنّت عدواناً واسعاً على لبنان، ما أسفر عن سقوط آلاف الشهداء والجرحى. ويقول عارفوه وخبراء تابعوه إن حسن نصر الله كان يتمتع بذكاء حادّ ومعرفة واسعة، لا سيما في الشؤون الدينية والسياسية. وهو خطيب مفوّه ومتحدّث فصيح قادر على التحدث لوقت طويل من دون أن يتردّد أو يتلعثم. وفي أوساط مناصريه، يتمتّع بهالة كبيرة. وينادونه بالسيد نسبة إلى نسبه المتحدّر من سلالة النبي محمد، أو أبو هادي نسبة لنجله الأكبر الذي استُشهد عام 1997 خلال معارك مع قوات الاحتلال. أما خصومه فينتقدون لهجة التحدّي التي يتكلّم بها والتي تقترن غالباً برفع سبّابته اليمنى، ويعتبرونها ترهيباً للداخل اللبناني. - اقتباس :
أصبح نصر الله شخصية مثيرة للانقسام بشكل متزايد في لبنان والعالم العربي مع اتساع منطقة عمليات حزب الله لتمتد إلى سورية وخارجها
وخلال تسلمه قيادة الحزب انسحبت قوات الاحتلال من جنوب لبنان في عام 2000، منهيةً احتلالاً استمر 18 عاماً. وأعلن نصر الله "النصر الإلهي" في عام 2006، بعد أن خاض حزب الله حرباً استمرت 33 يوماً مع إسرائيل، وحظي باحترام العديد من العرب الذين شبّوا وهم يرون إسرائيل تُلحق الهزيمة بجيوش عربية. وفي السنوات التي أعقبت حرب 2006، سار نصر الله على حبل مشدود فيما يتعلق بدخول صراع جديد مع إسرائيل، فقام الحزب بتخزين الصواريخ لتشكيل "توازن الرعب" الرادع في صراع مدروس بعناية بين التهديد والتهديد المضاد. وبات حزب الله يمتلك أسلحة دقيقة متطورة يؤكد أنها قادرة على أن توجه ضربات موجعة لإسرائيل. وقال نصر الله إن حزبه يضمّ 100 ألف مقاتل. كذلك، يملك الحزب مؤسسات تربوية واجتماعية وصحية تؤمن خدمات لأنصاره وتحصّن شعبيته. ولدى نصر الله سجل حافل من إطلاق التهديدات للأعداء. فمع تصاعد التوترات الإقليمية بعد بدء العدوان على غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وجّه نصر الله تحذيراً غير مباشر للسفن الحربية الأميركية في البحر المتوسط، قائلاً لهم: "أساطيلكم التي تهددوننا بها، لقد أعددنا لها عدتها أيضاً". وكان قد تعهّد في عام 2020 بأن يغادر الجنود الأميركيون المنطقة في نعوش بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيّرة أميركية في بغداد.
داخلياً، اشتبك حزب الله مع خصومه. وفي عام 2008، اتهم نصر الله الحكومة اللبنانية بإعلان الحرب من خلال سعيها لحظر شبكة الاتصالات الداخلية للحزب. وتوعد وقتها "بقطع اليد" التي تحاول تفكيكها. وأدى ذلك إلى اندلاع مواجهات مع مسلحين في بيروت. ونفى نصر الله بشكل قاطع أي ضلوع لحزب الله في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، بعد أن وجّهت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة اتهامات إلى أربعة من أعضاء الحزب. وندد بالمحكمة، التي دانت ثلاثة منهم غيابياً في 2020 بتهمة الاغتيال، واعتبرها أداة تستخدمها القوى المعادية لحزب الله. ومنذ عام 2006، لم يتعدّ ظهور نصر الله علناً أصابع اليد الواحدة، مثل تلك التي فاجأ فيها الآلاف من أنصاره في عام 2011، خلال مسيرة عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومشى بينهم لدقائق قليلة، قبل أن يعود ليخطب فيهم عبر شاشة عملاقة ويقول إن حزبه "يزداد تسليحاً وتدريباً يوماً بعد يوم"، و"المقاومة ستبقى وتستمر" في وجه إسرائيل.
امتداد عمليات الحزب لسورية
وأصبح نصر الله شخصية مثيرة للانقسام بشكل متزايد في لبنان والعالم العربي مع اتساع منطقة عمليات حزب الله لتمتد إلى سورية وخارجها. وبينما صوّر نصر الله مشاركة الحزب في حرب سورية، حيث قاتل لدعم بشار الأسد، على أنها حملة ضد المتشددين، اتهم منتقدو الحزب بأنه أصبح جزءاً من صراع طائفي إقليمي. وفي الداخل، قال منتقدو نصر الله إن مغامرات حزب الله الإقليمية كبّدت لبنان ثمناً باهظاً، ما دفع دول الخليج التي كانت صديقة للبنان إلى تجنّب البلاد. وعبّر نصر الله عن معارضته الشديدة للسعودية بشأن تدخلها العسكري ضد الحوثيين في اليمن. وفي أعقاب هجوم على منشآت نفط سعودية في عام 2019، أعلن نصر الله أن السعودية والإمارات يجب أن توقفا حرب اليمن لحماية نفسيهما. وقال، في رسالة موجّهة إلى الرياض: "لا تراهنوا على الحرب ضد إيران لأنها ستدمّركم". وبعد سنوات من المواجهات مع أطراف أخرى، عاد حزب الله، بعد السابع من أكتوبر الماضي، للتركيز على الحرب ضد إسرائيل. وقال نصر الله في كلمته في الأول من أغسطس/ آب الماضي: "نحن ندفع ثمن إسنادنا لجبهة غزة وللشعب الفلسطيني وتبنينا القضية الفلسطينية وحماية المقدسات".
يذكر أن نصر الله تلقّى العلوم الدينية لمدة ثلاث سنوات في حوزات النجف قبل طرده في عام 1978 عندما قمع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين نشطاء شيعة. وانخرط في النشاط السياسي واكتسب خبرة في صفوف "أفواج المقاومة اللبنانية" (حركة أمل)، لكنه انفصل عنها مع العديد من زملائه في عام 1982 وشارك في تأسيس حزب الله، إذ تولى مسؤوليات شملت تعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية. وتدرج في المهام وصولاً إلى الأمانة العامة. متزوّج من فاطمة ياسين ولهما خمسة أبناء. وسبق أن حاولت إسرائيل في مناسبات عدة اغتيال نصر الله خلال النزاعات المسلحة، لكن هذه المحاولات لم تنجح. وأدرجت وزارة الخارجية الأميركية نصر الله على "قائمة الإرهابيين الدوليين" عام 1995، وعرضت مكافأة مالية تصل إلى عشرة ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى تحديد مكانه أو اعتقاله.