هل تقترب إسرائيل من فرض التطبيع علينا بالقوة؟ (مقال بحثي)
عبدالعزيز محمد العنجري المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز ريكونسنس عضو نادي الصحافة الوطني في واشنطن
يأتي هذا المقال بالتزامن مع مرور عام على أحداث السابع من أكتوبر، ويهدف إلى التحذير من المخاطر التي قد تواجه الدول العربية الرافضة للتطبيع في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة. أقدم من خلاله رؤية لهذه التحديات والضغوط، مع إبراز أهمية التصدي لها بشكل استراتيجي وفعّال، بإذن الله.
في الماضي، كانت فكرة لجوء إسرائيل إلى القوة العسكرية أو الدبلوماسية لإجبار الدول الرافضة للتطبيع تبدو بعيدة المنال أو حتى مستحيلة. لكن مع التحولات الجيوسياسية الأخيرة وتغير طبيعة العلاقات الدولية، أصبح من الممكن تصور سيناريو تسعى فيه إسرائيل لاستغلال الظروف الإقليمية والدولية لفرض التطبيع، سواء بالقوة أو عبر الضغط السياسي والاقتصادي من خلال واشنطن.
في الواقع، لقد هيأت إسرائيل نفسها لهذه اللحظة منذ سنوات عبر جماعات الضغط والتشريعات داخل الحكومة الأمريكية، وهي الآن تسعى لجني ثمار جهودها الطويلة، إن وُجدت، وهو ما لا نتمناه.
ورغم أن هذه الفرضية واقعية اليوم، إلا أنها ليست بالضرورة قريبة الحدوث. كما أن تغيّر الظروف الإقليمية والدولية قد يعيد ترتيب الحسابات السياسية، مما يمنح الدول الرافضة للتطبيع فرصة أكبر للمناورة.
وفقًا لهذا السيناريو الافتراضي، فإن إسرائيل لا تكتفي بتفسير رفض الدول للتطبيع كسعي لتقويض وجودها، بل سعت أيضًا إلى تغيير مفهوم المقاطعة، لتصوره كعمل عدائي يهدد أمنها القومي. وبالتالي، إذا استمر هذا الرفض، قد تواجه الدول تهديدات غير مسبوقة من إسرائيل، بينما يغض الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، الطرف عن هذه التصرفات، مما يمنح إسرائيل غطاءً دولياً لتنفيذ مخططاتها.
لماذا أصبحت هذه الفرضية أقرب إلى الواقع الآن؟
1.التغير في التوازنات السياسية الدولية:
تمكن نتنياهو، بعد أحداث 7 أكتوبر، من القيام خلال فترة قصيرة بما لم تستطع حكومات إسرائيلية متعاقبة تحقيقه، من مجازر وخرق للقوانين الدولية، مع تجاوز الإجماع العالمي الرافض لهذه الممارسات. هذا الفشل الدولي كان نجاحًا له، حيث مكّنه من تفادي الانتقادات والهروب من العقاب، وفتح شهيته لمزيد من التصعيد. ومع الدعم المتزايد من اللوبيات الموالية لإسرائيل في واشنطن، وتمكنهم من مجلس النواب، أصبح من الصعب على الدول الغربية توجيه انتقادات حادة لإسرائيل حتى مع استمرارها في التصعيد العسكري والسياسي.
ومن بين النصوص القانونية التي تم تبنيها مؤخراً في الولايات المتحدة لدعم هذا التوجه، Section 1658 من قانون الدفاع الوطني لعام 2023، الذي تم تمديده في قانون الدفاع الوطني لعام 2024، ويهدف إلى تطوير استراتيجية دفاع جوي وصاروخي متكامل في الشرق الأوسط بالتعاون مع إسرائيل ودول الخليج المطبعة معها، في إطار مواجهة التهديد الإيراني .
2.التكتيكات الإسرائيلية الجديدة لفرض التطبيع:
تعمل إسرائيل الآن عبر ما يسمى “الحملة ذات الشقين”. الشق الأول يتمثل في تقديم الحوافز الاقتصادية والعسكرية للدول التي تطبع معها، مثل الوصول إلى برامج الأسلحة المتقدمة والشراكات الثنائية مع واشنطن. أما الشق الثاني فيتمثل في استخدام العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد الدول التي ترفض التطبيع، والتي تعتبر معرضة بشكل خاص لحملة تشويه قد تصل إلى اتهامات بمعاداة السامية في المؤسسات الدولية. وهذا يتعزز من خلال Section 1659 في قانون الدفاع الوطني، الذي خصص تمويلاً كبيراً لدعم وتطوير برامج الدفاع الصاروخي الإسرائيلية مثل “القبة الحديدية” وغيرها، ويهدف إلى إدماج هذه الأنظمة في الدفاع الإقليمي مع الدول المطبعة .
3.استخدام المنظمات الغربية لتشويه صورة الدول المعارضة:
التشريعات الأمريكية الأخيرة تدعم جهود المنظمات المؤيدة لإسرائيل في الكونغرس، حيث تم تقديم مشاريع قوانين مثل “قانون تقوية الإبلاغ عن الإجراءات ضد التطبيع مع إسرائيل”، الذي يلزم وزارة الخارجية الأمريكية بتقديم تقارير حول الدول العربية التي تمنع مواطنيها من التواصل مع الإسرائيليين. هذا النوع من القوانين يعزز الضغوط على الدول غير المطبعة، ويجعلها عرضة لعقوبات سياسية واقتصادية .
4.تحالفات الدفاع الإقليمي:
محاولات إسرائيل لدمج نفسها في هياكل الدفاع الإقليمية للشرق الأوسط، تحت غطاء التعاون ضد التهديد الإيراني، تعني أن الدول غير المطبعة قد تجد نفسها تحت ضغط أكبر. النصوص القانونية مثل Section 1658 وSection 1659 في قانون الدفاع الوطني تدعم هذه الجهود، حيث تشجع التعاون الدفاعي بين إسرائيل ودول الخليج، ما يزيد من عزلة الدول التي لا تزال ترفض التطبيع .
5. الضغط من الدول المطبعة على الرافضين للتطبيع:
الدول التي قامت أو تسعى للتطبيع ضمن نظام إقليمي متغير لا ترغب في الظهور بمظهر الخيانة أو الانفصال عن الإجماع العربي. بناءً على ذلك، قد تمارس بعض هذه الدول ضغطًا يتجسد في دعم سياسات التطبيع بقوة أكبر، أو تقليص الدعم للدول الرافضة له، مما يؤدي إلى عزلها دوليًا وإقليميًا، خصوصاً وأن عامل الوهن الاقتصادي، الذي تفاقم في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يزيد من فرص استغلال هذه الدول كوسيلة ضغط للتطبيع.
في ظل هذه التحولات المتسارعة، يمكن القول إن الصمت الدولي والتغيرات في العلاقات السياسية، بالإضافة إلى التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، هي عوامل تسهم في تمكين إسرائيل من فرض إرادتها على الدول غير المطبعة. ما كان يُعتبر احتمالًا بعيدًا أصبح اليوم سيناريو يمكن تصوره في المستقبل القريب.
وإذا استمرت الظروف الإقليمية والدولية كما هي، مع تزايد النفوذ الإسرائيلي في السياسات الأمريكية واستمرار تطبيع دول أخرى، فمن المحتمل أن تواجه الدول الرافضة للتطبيع ضغوطًا متزايدة خلال السنوات القليلة المقبلة، قد تكون في غضون سنتين إلى خمس سنوات. هذا السيناريو يعتمد على تطور هذه العوامل، خاصة في ظل غياب موقف قوي من المجتمع الدولي أو الدول العربية لدعم الرافضين للتطبيع.
قد تتخذ بعض الحكومات موقفًا حذرًا تجاه المقال، وهذا متوقع من الجهات الرسمية، خاصة إذا انتشرت الفرضيات المطروحة. نحن نثق في ثبات موقف الرافضين للتطبيع. ما نحتاج إلى التركيز عليه هو كيفية التصدي للجهود الإسرائيلية المستمرة لفرض التطبيع.
وختامًا، الوقت لم يفت بعد، ومازلنا نملك أوراق قوة يمكن استخدامها لمواجهة هذا السيناريو. ولكن، يجب التحرك بسرعة لتعزيز التحالفات وإعادة تقييم السياسات الخارجية، وضمان الحفاظ على استقلالية القرار السيادي.
لا تمتلك أي دولة بمفردها القدرة على تغيير مسار السياسة العالمية أو مواجهة الضغوط الدولية المتعلقة بالتطبيع، لكن يمكنها التأثير عبر مبادرات إقليمية ودولية مشتركة، حيث لم تعد هناك فرصة لدولة منفردة لتحقيق أهدافها دون التعاون مع الآخرين.
تعزيز التحالفات يمكن أن يتم من خلال تفعيل الدبلوماسية في المنظمات الدولية وتسليط الضوء على مخاطر التطبيع. دول مثل إسبانيا وكولومبيا تشارك مواقف مشابهة بشأن السيادة وحقوق الشعوب، ويمكن بناء جبهات إقليمية ودولية للتصدي للتوجهات الصهيونية. هذه التحركات قد لا توقف المسار الإسرائيلي، لكنها ستبطئه وتقلل من تأثيره في المنطقة.