ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75783 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: صلاح الدين مؤسسة الاستخبارات الإسلامية الأربعاء 09 أكتوبر 2024, 3:57 pm | |
| |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75783 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: صلاح الدين مؤسسة الاستخبارات الإسلامية الأربعاء 09 أكتوبر 2024, 4:00 pm | |
| مكانة سامية كان "ديوان الخبر" (المديرية العامة للمخابرات) ذا أهمية عالية في الدولة الإسلامية لجسامة مهماته وحساسيتها، تماما كما هو شأن أجهزة المخابرات اليوم؛ ولذلك لُقّب بعض متولي هذا الجهاز بـ"خطير الدولة" كالحسين بن إبراهيم البغدادي (ت 552هـ/1158م)؛ طبقا للصفدي (ت 764هـ/1363م) في ‘الوافي بالوفيات‘، ومنبع خطورته هو أنه "خبير بكلّ ما يجب وعارف بما تقرّر"؛ حسب التعبير الجامع لابن الفُوَطي (ت 723هـ/1323م) في ‘مجمع الآداب‘.وكان الحُكّام يختارون لوظيفة "صاحب الخبر" -وهو مدير المخابرات العامة أو إحدى محطاتها الفرعية بمدينة ما- رجالا من أهل الثقة والثقافة والنباهة نظرا لمكانتهم الرفيعة بدوائر صناعة القرار؛ ولذا قال الخوارزمي إن الطبقة الأولى من "خواصّ المَلِك" تتضمن "صاحب البريد لأنه بمنزلة سمع الملك.. [فـ]ـيطلعه على مصالح المملكة ومفاسدها". ثم يضيف -مبينا حيوية هذه المؤسسة لاستقرار الدول- أن "من أدب الحرب تنفيذ (= إرسال) العيون والجواسيس وأصحاب الأخبار فإن لهم مكيدة عظيمة".ولذا نجد من بين الذين تولوا هذا المنصب علماء وأدباء مشاهير، بل وأحيانًا كانوا يجعلونه وراثةً في عوائلهم طلبا لاستقرار عمل هذا الجهاز الحساس لأمن الدولة والمجتمع. ومن هؤلاء المشاهير الأديب الحريري (ت 516هـ/1122م) صاحب ‘مقامات لحريري‘؛ فقد قال الأصبهاني (ت 597هـ/1200م) في ‘خريدة القصر‘: "ولم يزل الحريري صاحبَ الخبر بالبصرة في ديوان الخليفة، ووجدت هذا المنصب لأولاده إلى آخر العهد المُقْتفَوي"، أي عهد الخليفة المقتفي بالله (ت 566هـ/1171م). - اقتباس :
من مظاهر أهمية جهاز المخابرات عند السلاطين أنهم كانوا لا يولونه إلا أصحاب الثقافة والثقة، ولذا نجد من بين الذين تولوا هذه المؤسسة علماء وأدباء مشاهير، بل وأحيانًا كانوا يجعلونه وراثةً في عوائلهم طلبا لاستقرار عمل هذا الجهاز الحساس لأمن الدولة والمجتمع ومن دلائل أهميّة هذا المنصب ترقيةُ بعض مديريه إلى منصب رئاسة الوزارة؛ فقد ذكر الذهبيّ -في ‘تاريخ الإسلام‘- أن أبا نصر الكُنْدَريّ (ت 456هـ/1064م) اتصل بالسلطان طغرل بك السلجوقي (ت 455هـ/1063م)، فجعله "صاحبَ خَبَرِه" أي مديرا لمخابراته، ثم "استوزره (= عيّنه وزيرا) وله إحدى وثلاثون سنة..، ولقّبه الخليفة [العباسي]: ‘سيد الوزراء‘".وكان يُنظر إلى هذا الديوان باعتباره ضرورة أمنيّة لا يصحُّ التفريط فيها -ما دام منضبطا بحدود صلاحياته الشرعية- مهما كان دافعُ التفريط نبيلًا، وربما اعتبروا إهماله سببا في انهيار الدول. فالأصبهاني يحكي -في ‘تاريخ دولة آل سلجوق‘- قصة اغتيال فرقة الحشاشين للوزير نِظَام الملك (ت 485هـ/1092م) الذي بدأ إثرَه اختلالُ الدولة السلجوقية بالتقاتل الداخلي بين أمراء الأسرة الحاكمة.وقد ذَكَر أن ذلك الاغتيال لم يكن إلا "بسبب أنْ لم يكن للدولة ‘أصحاب أخبار‘، وكان الرسم في أيام الديلم (= البويهيون) -ومَن قَبلهم من الملوك- أنهم لم يُخْلوا جانبا من ‘صاحب خبر وبريد‘، فلم يَخْفَ عنهم أخبار الأداني والأقاصي وحال الطائع والعاصي".ثم يضيف أن سبب إهمال ذلك أن السلطان ألب أرسلان قال لنظام الملك: "لا حاجة بنا إلى صاحب خبر، فإن الدنيا لا تخلو كل بلد فيها من أصدقاء لنا وأعداء؛ فإذا نقل إلينا صاحب الخبر -وكان له غَرَضٌ (= مصلحة شخصية)- أخرج الصديقَ في صورة العدو، والعدوَّ في صورة الصديق. فأسقط السلطانُ هذا الرسم لأجل ما وقع له من الوهم، فلم يشعر إلا بظهور القوم (= الحشاشون) وقد استحكمت قواعدهم". والغريب في الأمر أن نظام الملك هذا عقد فصلا لطيفا في كتابه ‘سياست نامه‘ عن أهمية جهاز الاستخبارات ودوره في استقرار الدول!!وممن عُرفوا بإهمال الجهاز الاستخباريّ والتقليل من أهمية جهوده فعدّ مؤرخون ذلك من الأسباب البعيدة لإسقاط التتار الدولةَ العباسية سنة 656هـ/1258م؛ الخليفةُ الظاهر (ت 623هـ/1226م) الذي كان يرفض الاطلاع على التقارير الأمنية السرية التي تُرفع إليه، "فلما مات وجدوا.. في داره ألوف رقاع (= تقارير أمنية) كلها مختومة لم يفتحها، فقيل له أن يفتحها فقال: لا حاجة لنا فيها، كلها سعايات"! وفقا للذهبي في ‘تاريخ الإسلام‘. بين نهجين وما فعله الظاهر هذا كان نقيضا لما عُرف به أبوه الخليفة الناصر (ت 622هـ/1225م) من عناية بالغة بجهاز الاستخبارات وقراءة تقاريره يوميا كما يفعله اليوم رؤساء الدول الجادّون؛ ففي عهده نجد "أن حُرّاس الدروب كانت ترفع إلى الخليفة -في صبيحة كل يوم- ما يكون عندهم من أحوال الناس الصالحة والطالحة؛ فأمر [ابنُه وخليفتُه] الظاهرُ بتبطيل ذلك، وقال: أي فائدة في كشف أحوال الناس؟ فقيل له: إن تركت ذلك تفسد الرعية! فقال: نحن ندعو لهم بالإصلاح"؛ حسب ابن تَغْرِي بَرْدِي (ت 874هـ/م1469م) في ‘النجوم الزاهرة‘.إذا حاولنا تحديد المهمات التي كان جهاز "ديوان الخبر" يؤديها طوال القرون؛ فسنجدها أساسا واقعةً في أربعة اتجاهات: الأول: متابعة الأخبار المهمّة والأحوال العامة لأقاليم الدولة؛ الثاني: مراقبة كبار الموظفين لضمان استقامتهم والتأكد من صحة ولائهم؛ الثالث: ملاحقة المعارضين والمنتقدين والمحتجين والثائرين المحتملين؛ الرابع: جمع الأخبار عن العدوّ الخارجيّ. - اقتباس :
أبدع المسلمون في تتبع أخبار الأعداء لضمان الاستعداد المُسبق لخططهم، وفق ما يزودهم به "أصحاب الأخبار" من الجواسيس المندسين في صفوف الأعداء بساحات المعارك، أو القاطنين معهم في بلدانهم متخفّين في هيئة تجار أو أصحاب حِرَف، وأحيانا يكون هؤلاء الجواسيس من الأعداء أنفسهم كان "أصحاب الأخبار" يرصدون كافة الأحاديث والوقائع ثم يرسلونها إلى الجهة العليا المختصة، بغض النظر عن مدى أهميتها الأمنية أو العسكرية أو السياسية؛ حتى إن عَريب القرطبي (ت 369هـ/979م) ينقل لنا -في ‘صلة تاريخ الطبري‘- وثيقةً نادرةً لتقرير تامٍّ أرسله ‘صاحب خبر‘، ولا يحتوي معلومةً مهمّة بل قصّة غريبة عن بغلةٍ وَلدت مُهرةً!قال عَريب القرطبي: "ورد كتاب ‘صاحب البريد‘ بالدِّينَوَر (= مدينة تقع غربي إيران) يذكر أن بغلة هناك وضعت فلْوةً، ونسخة كتابه:… إلخ". ثم أورد نص التقرير متضمنا خبر البغلة بدقّة تامةّ، مع ذكر مصدره المباشر وتفاعلاته بين الناس؛ وهذا رغم طبيعة الخبر غير الحساسة، فكيف لو كان خبرًا له انعكاسات أمنية أو سياسية؟!أبدع المسلمون في تتبع أخبار الأعداء لضمان الاستعداد المُسبق لخططهم، وفق ما يزودهم به "أصحاب الأخبار" من الجواسيس المندسين في صفوف الأعداء بساحات المعارك، أو القاطنين معهم في بلدانهم متخفِّين في هيئة تجار أو أصحاب حِرَف، وأحيانا يكون هؤلاء الجواسيس من الأعداء أنفسهم، فيحقق المسلمون بتجنيدهم اختراقا أمنيا للجبهة المعادية. ولعلّ من أروع أنشطة المسلمين التجسسية على الأعداء ما نقلته كتب التاريخ من قصص اختراقهم الأمني العميق والنوعي للممالك الصليبية على ساحل الشام.فها هو المؤرخ أبو شامة المقدسي (ت 665هـ/1267م) يروي لنا قصة تجنيد مخابرات صلاح الدين الأيوبي (ت 589هـ /1193م) لامرأة صليبية مرموقة هي زوجة ملك أنطاكية الصليبي بوهيموند الثالث (ت 598هـ/1201م). ففي سبيل الحصول على معلومات خطيرة من مصدر صليبي رفيع المستوى؛ لم يتحرج هذا السلطان -المعروف بتدينه العميق- من تجنيد امرأة صليبية، بل نجده يبذل لها في سبيل ذلك الهدايا النفيسة، ويكرمها بإطلاق الأسرى من عائلتها طلبا لاستمرار مساعدتها الاستخباراتية لدولته.يقول أبو شامة في ‘كتاب الروضتين‘: "وكانت امرأة ابرنس (= أمير) أنطاكية تُعرف بدام (= مدام) ‘سبيل‘ (Sibylla توفيت بعد 584هـ/1188م) في موالاة السلطان [صلاح الدين] عينًا له على العدو، تهاديه وتناصحه وتُطلعه على أسرارهم، والسلطان يُكرمها لذلك ويُهدي لها أنفس الهدايا، فلما فَـتح (في سنة 584هـ/1188م) حصن برزية [قرب أنطاكية] وحصل في أسره هذه الجماعة (= أخت سبيل وأقاربها) وافترقت بهم أيدي المسلمين، تتبعهم السلطان وخلّصهم من الأسر وأنعم عليهم، وجهّزهم وسيّرهم إلى أنطاكية لأجل امرأة الابرنس، فشكرتْه [سبيل] على ذلك ودامت مودتُها ونفعُها للمسلمين"!! دفاع وتأصيل وبعد ذلك بنصف قرن؛ نجد حفيده ملك دمشق المعظَّم عيسى الأيوبي (ت 624هـ/1227م) -وقد كان فقيها على المذهب الحنفي- يكرر الأسلوب ذاته في تجنيد النساء الصليبيات، وتتفق معهن مخابراته على "شِفْرات" أمنية لتبليغ أخبار تحركات الجيش الصليبي، بل وتستعمل مخابراته إحداهنّ في إسقاط مساعد كبير لقائد هذا الجيش، ثم يتم استخدمه هو الآخر في توجيه العدوّ الوجهة التي يريدها قادة المسلمين!يقول سبط ابن الجوزي في ‘مرآة الزمان‘: "وكان [المعظَّم] في أيام الفَسْخ (= انتهاء الهدنة) مع الفرنج يرتِّب النِّيران على الجبال من باب نابُلُس إلى عكا، وعلى عكا جبلٌ قريب منها يقال له الكرمل، كان عليه المنوِّرون وبينهم وبين الجواسيس علاماتٌ، وكان له في عكا ‘أصحاب أخبار‘ وأكثرهم نساء الخيّالة [الفرنج]، وكانت طاقاتهن (= نوافذهن) في قبالة [جبل] الكرمل، فإذا عَزَمَ الفرنج على الغارة فتحت المرأة الطاقة، فإن كان يخرج مئة فارس أوْقَدَت المرأةُ شمعةً واحدةً، وإن كانوا مئتين [أوقدت] شمعتين، وإن كانوا يريدون قَصْدَ حوران وناحية دمشق أشارت إلى تلك النَّاحية، وكذا إلى نابُلُس؛ فكان [بذلك] قد ضيَّق على الفرنج الطرق إذا قصدوا جهة سَبَقَ إليها بعسكره، وكان يعطي النِّساء والجواسيس في كل فَسْخٍ جملةً كبيرة".ثم يورد سبط ابن الجوزي -وقد كان واعظا مشهورا- حوارا بينه وبين المعظَّم تكشف لنا تفاصيل هذا الاختراق المخابراتي وآلياته ومنافعه: "فقلتُ له في بعض الأيام: هذا إسرافٌ في بيوت الأموال! فقال: أنا أستفتيك، لمّا عَزَمَ الإنبرور (= الإمبراطور: ملك الألمان) على الخروج إلى الشَّام أراد أن ينزل عكا بغتةً ويسير إلى باب دمشق، فبعث فارسًا عظيمًا وقال له: أخفِ مجيئنا إلى البلاد لنغير بغتةً!وكان بعكا امرأة مستحسَنة فكتبتْ إليَّ تخبرني [بالأمر]، فبعثتُ لها ثيابًا ملونة وعنبرا ومقانع حرير، فلبستها واجتمعتْ بالفارس، فدُهش وقال: من أين هذا؟ فقالت: من عند صديقٍ لنا من المُسْلمين! فقال: مَنْ هو؟ فقالت: الكُرَيْدِي (= المعظّم الكردي النَّسَب)، فصلَّب (= رسم الصليب) على وجهه وقام فخرج من عندها، فما زالت تلك المرأة تتلطَّف بالفارس وأهاديه حتَّى صارت كُتُب الإنبرور تجيء إليه مختومةً فيبعثها إليَّ، وأقول له يكتب ما أُريد، فلو لم أدارِ عن المسلمين جاء الإنبرور بغتةً، وساق من أهل الشَّام ومواشيهم وأموالهم ما لا يُعَدُّ ولا يحصى، فأنا أفدي المسلمين بالشيء اليسير"!!وقصص استعمال النساء في المهام الاستخباريّة في التاريخ الإسلاميّ عديدة، سواء من قِبل المسلمين أو من عدوّهم. ولعلّ أقدمها قصة المرأة التي بعث معها الصحابيّ حاطب بن أبي بلتعة (ت 30هـ/652م) رسالة معلوماتية إلى قادة قريش.فقد روى البخاريّ -في صحيحه- أن النبي صل الله عليه وسلم لما اكتشف أمرها أرسل جماعة في أثرها بقيادة عليّ، فأدركوها وهددها علي -حين أنكرت الرسالة- قائلا: "لتُخْرِجِنَّ الكتابَ أو لنلقينَّ الثياب، فأخرجته من عِقاصها (= ضفائرها)، فأتينا به النبي فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة، يخبرهم ببعض أمر النبي". وفي هذا الحديث نرى عليًّا -على ورعه المعروف- لا تأخذه في تنفيذ مهمّته الأمنيّة لومة لائم! مهمات متعددة كان من أهمّ وظائف ‘صاحب الخبر‘ مراقبة كبار الموظفين من وزراء وولاة وقضاة وقادة عسكريين وأمنيين، بل وحتى من الجواسيس الآخرين أنفسهم كما كانت عادة والي العراق الأموي الحجّاج بن يوسف (ت 95هـ/715م)>فقد ذكر القاضي الأديب أبو الفرَج المُعافَى بن زكريا الجَريري النَّهْرَواني (ت 390هـ/1001م) -في ‘الجليس الصالح الكافي‘- أن الحجّاج أرسل الخطيبَ المفوّهَ الغضبانَ بن القَبَعْثَرَى الشيباني (ت بعد 84هـ/704م) "ليأتيه بخبر عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكِنْدي (الثائر على الأمويين المتوفى 85هـ/705م) وهو بكرمان (تقع اليوم وسط إيران)، وبعث عليه عَيْناً (= جاسوسا) -وكان كذلك يَفعلُ [مع رُسُله وجواسيسه]- فلما انتهى الغضبان إلى عبد الرحمن قال له: ما وراءك؟ قال: شَرٌّ! تغدَّ بالحجاج قبل أن يتعشَّى بك!….؛ فلما قدم الغضبان على الحجاج قال… له: أمَا إنك صاحب الكلمة التي بلغتني عنك حين قلت [لابن الأشعث]: تغدَّ بالحجاج قبل أن يتعشى بك؟ قال الغضبان: أما إنها -جعلني الله فداءك- لم تنفع مَنْ قِيلت له، ولا تضرُّ مَنْ قِيلت فيه، فأمر الحجاج به إلى السجن" فأودع فيه زمانا ثم أطلق سراحه!!وأما تجسس السلطة على موظفيها؛ فيذكر المؤرخ ابن الأثير (ت 630هـ/1232م) -في ‘الكامل‘- من نماذجه أن ملك تونس تميم بن المعزّ بن باديس الصنهاجيّ (ت 501هـ/1107م) "كان له في البلاد ‘أصحاب أخبار، يُجري عليهم أرزاقًا سنيّة، ليطالعوه بأحوال أصحابه لئلّا يظلموا الناس".ولذلك نجدُ ذوي الخبرة السياسية والأمنية ينصحون الأمراء بمراقبة كبار موظفيهم؛ فقد أوصى طاهرُ بن الحسين (ت /822م) -وكان من كبار قادة الخليفة المأمون وهو مؤسس الدولة الطاهرية بخراسان- ابنَه عبد الله بن طاهر (ت 230هـ/844م) حين ولّاه المأمون بعض البلاد؛ فقال له: "اجعلْ في كل كُورة (= منطقة) من عملك أمينًا يُخبرك أخبارَ عُمّالِك، ويكتبُ إليك بسِيَرِهم وأعمالهم، حتى كأنك مع كل عامل في عمله، معاينٌ لأموره كلها"؛ حسب ابن طيفور (ت 280هـ/894م) في ‘كتاب بغداد‘.ومن عجبٍ أن الحكام كانوا يرتبون مُخبراً أمنيا على الموظف، ثم يجعلون على هذا المخبر مخبرا آخر، ثم مخبرا ثالثًا عليهما جميعًا، وهو أدق ما يمكن تصوره فيما يُعرف اليوم بـ"الاستخبارات الإدارية" لمكافحة الفساد! فالمقريزي يذكر في ترجمة عبد الله بن دسومة (ت قبل 270هـ/884م) أن أحمد بن طولون (ت 270هـ/884م) أقامه "أمينا على أبي أيّوب أحمد بن محمد بن شجاع لمّا أقرّه على الخَرَاج (= وزارة المالية) من قِبله، وجعل نُعيمًا المعروف بـ‘أمين الذُّويب‘ عينًا عليهما"!! - اقتباس :
كان ‘أصحاب الأخبار‘ يراقبون نفقات كبار الموظفين ولا سيما القضاة منهم، فيقارنون بينها وبين مدخولاتهم لكشف فسادهم بالرشوة؛ فقد أورد ابن الجوزي -في ‘المنتظم‘- أن المأمون عاتب القاضي بشر بن الوليد في فساد زملائه من القضاة وكان ‘أصحاب الأخبار‘ يراقبون نفقات كبار الموظفين ولا سيما القضاة منهم، فيقارنون بينها وبين مدخولاتهم لكشف فسادهم بالرشوة؛ فقد أورد ابن الجوزي -في ‘المنتظم‘- أن المأمون عاتب القاضي بشر بن الوليد (ت 238هـ/852م) في فساد زملائه من القضاة؛ فخاطبه قائلا: "ولّينا رجلا -أشرتَ به علينا- قضاءَ الأُبُلّة (= اليوم منطقة العشار بالبصرة)، وأجرينا عليه ألف درهم (= اليوم 1200 ألف دولار أميركي تقريبا)، ولا له ضيعة ولا عقار ولا مال، فرجع ‘صاحب الخبر‘ بالناحية أن نفقته في الشهر أربعة آلاف درهم؛ فمن أين هذه الثلاثة آلاف درهم؟!". وقد تكرر هذا الأمر أيام المتوكل مع "صاحب الخَرَاج" بالأهواز عمر بن فرج الرخجي (ت نحو 240هـ/854م).ولم يكن يسلم من هذه المراقبة أحد حتى وليُّ عهد الخليفة! فالطبريّ يروي -في تاريخه- عن الشاعر المؤمل المحاربيّ (ت نحو 190هـ/806م) قصة جرت له مع المهديّ (ت 169هـ/785م) ووالده المنصور؛ يقول الشاعر: "قدمتُ عليه [أي: المهدي] الرّيّ وهو ولي عهد، فأمر لي بعشرين ألف درهم (= اليوم 25000 دولار تقريبا) لأبيات امتدحتُه بها، فكتب بذلك ‘صاحب البريد‘ (= موظف المخابرات) إلى المنصور..، فكتب إليه المنصور.. يلومه"؛ ثم قبض عليه واستردّ منه ستة عشر ألف درهم.كان ‘أصحاب الأخبار‘ يصرفون جهدًا عظيمًا في مراقبة العامّة والمعارضين، بما يكادُ يقتربُ -مع حفظ فروق الزمان والمكان والإمكان- مما تفعله المخابرات المعاصرة؛ بل إنه كان يشمل من يمدح المغضوبَ عليهم من السلطة حتى ولو بعد موتهم، فالذهبيّ يروي -في ‘تاريخ الإسلام‘- أنه لَمَّا صُلِبَ جَعْفَرٌ (بن يحيى البرمكي ت 190هـ/806م) وَقَفَ الرَّقَاشِيُّ الشَّاعِرُ وَأَنْشَأَ يَقُولُ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا خَــــوْفُ وَاشٍ ** وَعَـــيْنٍ لِلْخَــــلِيفَةِ لا تَـــنَامُ لَطُفْنَا حَوْلَ جِذْعِكَ وَاسْتَلَمْنَا ** كَمَا لِلنَّاسِ بِالْحَجَرِ اسْتِلامُ"!ومن عجائب الملاحقة الأمنية للمعارضين بعد وفاتهم ما حكاه ابن الجوزي -في ‘المنتظم‘- ضمن أحداث سنة 237هـ/852م؛ فقال إنه "في عيد الفطر من هذه السنة أمر (الخليفة) المتوكل (ت 247هـ/861م) بإنزال جثة [الثائر المصلوب الإمام] أحمد بن نصر الخزاعي (ت 231هـ/846م) ودفعه إِلى أوليائه..، فاجتمع العوام يتمسحون بجنازته وبخشبة رأسه؛ فكتب ‘صاحب البريد‘ بذلك، فنهى المتوكل عن اجتماع العامة". |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75783 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: صلاح الدين مؤسسة الاستخبارات الإسلامية الأربعاء 09 أكتوبر 2024, 4:02 pm | |
| |
|