سر استهداف المقاومة حيفا رئة الاقتصاد الإسرائيلي
استهدف حزب الله، مساء أمس الأحد، قاعدة تدريب لواء غولاني الواقعة جنوب مدينة حيفا، رئة
الاقتصاد الإسرائيلي، بطائرات مسيرة، في عملية نوعية ومركبة. ومنذ أيام، تتعرض حيفا لوابل من
صواريخ الحزب، وغداً قد يكون الهدف المحتمل للضربات هو ميناء حيفا الحيوي، أكبر وأخطر منافذ
إسرائيل البحرية، والذي يمثل بوابة الاحتلال الرئيسية التي تربط تجارته الخارجية بالعالم.
وفي حال حدوث ذلك السيناريو، فإن ذلك يهدد الأسواق الإسرائيلية وإمدادات السلع الأساسية للكيان
المحتل، بعد شل ميناء إيلات على البحر الأحمر، بسبب حصار جماعة الحوثي له منذ عام واستهداف
السفن المتجهة إليه، خاصة وأن ميناء حيفا يمر من خلاله نحو ثلث التجارة الخارجية للاحتلال من
تصدير واستيراد. وبعد الغد ربما يكون الهدف المحتمل لصواريخ الحزب هو مواقع إنتاج النفط
والغاز القريبة من حيفا، وتلك الواقعة في شرق البحر المتوسط، ومنها تمار وليڤياثان.
إذاً، ضربات صاروخية مكثفة لحيفا التي تحمل اسم إسرائيل الصغرى ورئتها الاقتصادية والتجارية،
ومن هنا يتساءل الكثيرون عن سر استهداف حزب الله تلك المدينة الساحلية والحيوية تحديداً، ولماذا
تكثيف الضربات الموجهة لها، ولماذا حظيت بالنصيب الأكبر من الهجمات الصاروخية التي شنها
الحزب في الأيام الماضية؟
بالطبع، هناك عوامل أمنية وجيوسياسية وراء تكثيف الهجمات الصاروخية ضد حيفا رئة الاقتصاد
الإسرائيلي، والتي أوقعت قتلى ومصابين بين صفوف جيش الاحتلال، منها مثلاً القرب الجغرافي من
لبنان، وضم حيفا قواعد عسكرية وبحرية واستخبارية مهمة للاحتلال ولغيره، حيث توجد بها قاعدة
أميركية وترسو على سواحلها قطع من الأسطول السادس الأميركي، كما بها مطار تأسس في العام
1936.
حيفا بها أحد أكبر وأهم مراكز التجارة البحرية داخل دولة الاحتلال، حيث تضم أكبر موانئ إسرائيل
الدولية الثلاثة الرئيسية، والتي تشمل ميناءي أشدود "عسقلان"، وإيلات المعطل
إضافة إلى مبررات أخرى كثيرة، منها أهمية مدينة حيفا الاستراتيجية والسكانية، حيث تعد ثالث أكبر
مدينة في فلسطين المحتلة من حيث عدد السكان بعد القدس وتل أبيب، ومحاولة المقاومة تكريس
معادلة "بيروت - حيفا"، والتي تقوم على وقف القصف الإسرائيلي على العاصمة اللبنانية بيروت،
مقابل عدم توجيه حزب الله صواريخ ومسيرات إلى مدينة حيفا.
لكن يظل العامل الاقتصادي مهماً جداً في تفسير سر تكثيف حزب الله ضرباته الصاروخية لمدينة
حيفا، فالمدينة بها أحد أكبر وأهم مراكز التجارة البحرية داخل دولة الاحتلال، حيث تضم أكبر موانئ
إسرائيل الدولية الثلاثة الرئيسية، والتي تشمل ميناءي أشدود "عسقلان"، وإيلات المعطل.
وتصنف حيفا على أنها قلعة صناعية كبرى، حيث تضم أكبر مركز صناعي في الدولة، وتساهم بشكل
كبير في النمو الاقتصادي وتقوية قطاع صناعة التقنية الفائقة وتكنولوجيا المعلومات الحيوي
بإسرائيل، وتعتبر المدينة من أهم المراكز لصناعة الطاقة والسلاح والأسمدة والأمونيا، كما أن بها
محطة كهرباء ضخمة.
ويوجد في حيفا ثاني أكبر مصفاة لتكرير النفط تقوم عليها صناعات كيميائية ضخمة، ومصانع كبرى
متخصصة في إنتاج المواد الكيميائية والنفط، وتنشط بها كثير من الصناعات وحركة التجارة من
خلال شبكة طرق وسكك حديد. وحيفا مركز نقل حيوي، مما يجعلها مدينة استراتيجية تؤثر على
اقتصاد إسرائيل بأكمله، كما أن لها ثقلاً تجارياً وسياحياً، حيث إنها تضم العديد من المعالم الدينية
والتاريخية والسياحية.
وحيفا ممون رئيسي للأسواق الإسرائيلية، حيث تشتهر بزراعة المحاصيل الغذائية مثل القمح
والشعير والعدس والحمضيات والخضروات، وتتميز بوفرة أشجار العنب والزيتون والتوت
واللوزيات التي تنمو على مرتفعات الكرمل، وهو ما يجعلها مخزناً حيوياً للحبوب داخل دولة
الاحتلال.
كما مثلت حيفا نقطة قوية للاحتلال وأسواقه وصناعته، ورئة حيوية لتجارته وصادراته طوال
سنوات، يمكن أن تتحول إلى نقطة ضعف في حال استمرار الحرب
من هنا تأتي أهمية حيفا الاقتصادية والاستراتيجية، وكيف أن تلقّيها ضربات موجعة بصواريخ حزب
الله قد يفقدها هذا الدور الحيوي، وإن الطائرات المسيرة قد تخرج ميناء حيفا الواقع على ساحل البحر
المتوسط من الخدمة، وهذا يسبب أزمة كبيرة لدولة الاحتلال واقتصادها وأسواقها وقطاعها الإنتاجي
والتصديري. وحتى في حال لجوء إسرائيل إلى موانئ دولة مجاورة فإن لهذا تكلفته العالية على
الاقتصاد والأسواق والمستهلك.
وكما مثلت حيفا نقطة قوية للاحتلال وأسواقه وصناعته، ورئة حيوية لتجارته الخارجية وصادراته
طوال السنوات الماضية، يمكن أن تتحول إلى نقطة ضعف في حال استمرار الحرب، وتكثيف حزب
الله ضرباته على المدينة التي تلقت مساء أمس "حدثاً صعباً وكارثياً ومزعجاً وإشكالياً بالنسبة إلى
الجيش الإسرائيلي"، وفق وصف صحيفة معاريف العبرية.