نوبل للسلام.. الاونروا.. والابادة في غزة
اسيا العتروس
قبل نحو عقدين من الزمن كنت في زيارة في اليابان شملت مدينة هيروشيما التي كانت مسرحا لاول
هجوم بالقنبلة الذرية في العالم و تسببت في مقتل وابادة مات الاف ضحايا تلك الهجمات التي
استخدمت فيها اسلحة مشبعة باليورانيوم والبلاتونيوم ولا يزال متحف هيروشيما الذي يعتبر مخبرا
مفتوحا لتخليد تلك الكارثة التي اعتقد العالم أنها لن تتكررو التي نصحواليوم على وقع استنساخها
في قطاع غزة ولكن بأكثر فظاعة و المسؤولية الاولى فيها قبل كيان الاحتلال هي للادارة الامريكية
التي قصفت هيروشيما والتي تواصل اليوم تزويد اسرائيل بكل انواع السلاح والقذائف و الصواريخ
واسلحة المحرمة دوليا لاقتراف جرائم الحرب التي تقترف اليوم تحت انظار العالم و تنقل مباشرة
على مختلف المواقع و القنوات و تذكرنا بسقوط و انهيار منظومة حقوق الانسان و فشل صناع
القرار في العالم .خلال تلك الزيارة التقيت احد الناجين من محرقة هيروشيما استاذ متقاعد كان قد
نجا باعجوبة من الهجوم و لم يكن تجاوز السابعة من عمره و حدثني عن فقدانه افراد من عائلته
تبخروا من المشهد و كيف ظل طوال أشهر ينام على بطنه مفترشا خشبتين حتى لا يلامس جسده
المحترق المفرش واعلمني ان الهجوم لم يبق على شيئ في دائرة القصف و انه لم يعد يوجد أي نبتة
أو شجرة و كان الجميع يعتقد أن أرض هيروشيما لن تشهد بعد ذلك زرعا…و بعد مضي سنوات
انتبه محدثي و من معه الى ظهور نباتات بين الصخور على ارض هيروشيما و أن ذلك كان مؤشرا
على واقع جديدة لتنطلق اليابان في تجاوز الكارثة..نستحضر هذه الحادثة و نحن نعيش على وقع
جائزة نوبل للسلام التي منحت هذا العام لمنظمة نيهون هيدانكيو اليابانية التي سبق ودعت الى حظر
الاسلحة النووية و حذرت من خطر اندلاع حرب نووية.. تقول لجنة نوبل خلال اعلان جائزة نوبل
السلام إن قصف المدينتين اليابانيتين بالقنبلة الذرية أفضى إلى “محظورات نووية”، لكن هذا الواقع
لم يتم احترامه … لسنا بصدد الانتقاص من اختيار لجنة نوبل للسلام لمنظمة يابانية بهذا التوجه
وهذا الوزن في رفض السلاح النووي والتهديدات المرتبطة به اليوم بعد الماسي التي عرفها اليابان
بعد الحرب العالمية الثانية وقناعتنا أن الجائزة تأخرت وكان أحرى أن تمنح قبل هذا العام الى منظمة
نيهون هيدانكيو وأن يكون ذلك مرتبطا بضرورة التأسيس لثقافة أكثر وعيا بمخاطر النووي
وأكثرقدرة على رفض تكرار ما حدث تحت أي ذريعة كان.
ربما كان هناك توقع أو بعض الامل أن تحظى وكالة اونروا وكالة غوث و تشغيل الاجئين في الشرق
الاوسط بهذا التكريم لعدة اسباب لعل اهمها الدور الذي قامت و تقوم به الوكالة في المنطقة
لتوفيرأبسط الاحتياجات لملايين الاجئين الفلسطينيين داخل وخارج فلسطين علما و ان الوكالة ارتبط
وجودها بعودة الاجئين و هو ما لم يحدث , و أما السبب الثاني فيتعلق بما تعرضت له الوكالة و
اعوانها من اعتداءات ومن تنكيل وترهيب ومن استهداف ممنهج لطواقمها في سيارات الاسعاف و
المستشفيات والمخيمات كل ذلك لمنع وصول المساعدات الى اصحابها والامعان في تجويع
المحاصرين المنكوبين وهو ما يعتبر من اركان جريمة الابادة الجماعية كما تم اقرارها في اتفاقية
منع جريمة الابادة الجماعية و المعاقبة عليها منذ ديسمبر 1946 و التي تعني التدمير الكلي او
الجزئي لجماعة قومية أو اثنية او عنصرية …
والاكيد ان في تفاصيل ما ورد في الاتفاقية ينسحب على ما يجري علبى قطاع غزة حيث ترتكب كل
انواع جرائم الحرب بتمويل من الحلفاء في الغرب و بدعم عسكري غير مسبوق … وبعد ان
تجاوزت حكومة مجرم الحرب ناتنياهو كل الخطوط الحمر و لم يعد بامكان الحكومات الغربية مسايرة
ما يتعرض له اهالي غزة و الاف المحاصرين في مخيم جباليا لم تجد ادارة بايدن سوى توجيه انذار
لحكومة ناتنياهو بالتوقف عن الممارسات التي يقوم بها في غضون شهر وهو تحذيراقرب الى
محاولة تخديرالعقول و الايهام بغضب الادارة الامريكية التي تمنح كيان الاحتلال شهرا لمواصلة ما
يجري من ابادة و بالتالي تجنب أي موقف صارم قبل انتهاء الانتخابات الامريكية.
والامر ذاته ينسحب على موقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي وجد نفسه مجبرا على تذكير
ناتنياهو بان اسرائيل نشأت من رحم الامم المتحدة و لا يمكنها انكار قراراتها و هي مسألة أثارت
حنق ناتنياهو الذي بلغ درجة من المكابرة و الاستعلاء و التوحش ازاء كل ما يمكن ان يكون عازلا
او مانعا أمام استمرار جرائمه الدموية الى درجة انه طالب بابعاد قوات اليونيفيل من جنوب لبنان و
طالب بعزل الامين العام للامم المتحدة بسبب تصريحاته و مواقفه الرافضة لممارساته …
كل العالم يدرك خطورة جرائم الاحتلال و يرفضها و يرفض استخدام هذا اليان للاسلحة المحركة
دولة و يرفض استخام الروبوتات في عمليات التدمير والقتل واتباع سياسة التجويع والتهجير…و
بعد مضي اكثر من عام على كل تلك الجرائم ليس هناك دولة من الدول الاعضاء في مجلس الامن با
في ذلك روسيا و الصين و فرنسا و بريطانيا فضلا عن امريكل مستعدة للمضي قدم في فرض
عقوبات على هذا الكيان و عزله و منع وصول السلاح اليه و ليس هناك بلد بين كل هذه الدول يمكن
ان يتجرأ على عزل هذا الكيان كما حدث مع نظام الميز العنصري في جنوب افريقيا …
جاء ذلك فيما واصل الجيش الاسرائيلي غاراته وقصفه العنيف على مختلف أنحاء غزة، حيث قتل ما
لا يقل عن 14 فلسطينيا وأصيب أكثر من 40 آخرين بينهم نساء واطفال، في قصف إسرائيلي على
ساحة مستشفى ومركز توزيع مساعدات وسط قطاع غزة وشماله. وقال المكتب الإعلامي الحكومي
في غزة في بيان أمس إن مسيرة إسرائيلية استهدفت ساحة مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير
البلح وسط القطاع…
المجتمع الدولي لا يمكن ان يتنصل من المسؤولية و هو شريك فيما يجري وهو يتسبب بالموت
البطيء وأيضا القتل اليومي المباشر الذي يمارسه الاحتلال…
كاتبة تونسية