عودة ترامب.. ماذا تخبرنا عن "أميركا الجديدة"؟
(1)
"الرب سوف يحمي هذه البلاد، لذلك سوف تفوز كامالا بالرئاسة"، كانت هذه إجابة سيدة أميركية من أصول أفريقية تعمل بمبنى إداري في قلب العاصمة الأميركية واشنطن، وعلى بُعد أقل من 500 متر من مبنى الكونغرس الأميركي (الكابيتول هيل)، وذلك حين سألتُها يوم الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري عن توقعاتها بشأن نتيجة الانتخابات.
ولكن على ما يبدو أن الرب لم يستجب لتوقعاتها وفاز المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب. فبعد ساعات قليلة من حديثي معها، كانت النتائج الأولية للانتخابات تظهر تقدّم ترامب في كافة الولايات السبع المتأرجحة على منافسته ومرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالي جو بايدن.
(2)
قبل أسبوعين من الانتخابات الأميركية وضعت منشورًا على صفحتي في الفيسبوك مفاده أن ثمة شعورًا لديّ بفوز ترامب بالرئاسة، رغم أن معظم استطلاعات الرأي كانت تعطي الأفضلية لكامالا هاريس.
لم يكن هذا تنجيمًا أو رجمًا بالغيب، بل قراءة في تحولات المجتمع الأميركي الذي أعيش فيه منذ أكثر من عقد ونصف العقد. أقطن في منطقة "فيرفاكس" شمال ولاية فرجينيا، التي تحولت إلى اللون الأزرق، أي باتت ولاية ديمقراطية، منذ انتخابات عام 2008، حين قلبها الرئيس السابق باراك أوباما لصالح الديمقراطيين بعد أن كانت تصوّت لعقود لصالح الجمهوريين.
ولكن على بُعد عشر دقائق جنوبًا حيث أسكن، إذا قدت سيارتك فسوف تجد نفسك داخل ما نسميه "ترامب لاند"، أي أرض ترامب، حيث تنتشر صورته وصورة نائبه "جي دي فانس" على أسوار المنازل والسيارات. هذه هي الحقيقة الاجتماعية والسياسية الجديدة التي يرفض الديمقراطيون، وخاصة التقدميين، الاعتراف بها.
(3)
إذا كان فوز ترامب في 2016 صدفة أو أمرًا طارئًا، فعودته الآن للبيت الأبيض، أصبحت هي "العادي" الجديد "the new normal" في أميركا. فوز ترامب بهذه القوة، حيث فاز بأغلبية المجمع الانتخابي، وكذلك بالتصويت الشعبي، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها مرشح جمهوري بالتصويت الشعبي منذ عشرين عامًا، هو رسالة كاشفة وليست منشئة، عن التحولات الجوهرية والعميقة التي مرت بها أميركا على مدار العقدين الأخيرين.
وهي تحولات قرع جرسها قبل عقدين من الزمن عالم السياسة الأميركي المعروف والبروفيسور الراحل "صمويل هنتنغتون" في كتاب له صدر عام 2005 بعنوان "من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية لأميركا" (Who Are We? The Challenges to America’s National Identity). في كتابه، اعتبر هنتنغتون أن التدفق المستمر للمهاجرين، خاصة من أصول لاتينية، يهدد بتقسيم المجتمع الأميركي إلى ثقافتين ولغتين وشعبين، في حين كان يرى أن أميركا هي "دولة أوروبية بروتستانتية بيضاء".
بعد ثلاث سنوات من نشر كتاب هنتنغتون، سوف تتخلق حركة صغيرة في أحشاء الحزب الجمهوري، سماها البعض بحركة "حزب الشاي" "Tea Party"، تقف على يمين الحزب، وتحركها هواجس ثقافية وهوياتية وعنصرية، تغذت وقتها على انتخاب أول أميركي من أصول أفريقية، وهو الرئيس السابق باراك أوباما، كي يصبح رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية.
وبدلًا من الاحتفاء والاحتفال بوصول "الحلم الأميركي" إلى كافة فئات وأطياف وأعراق الشعب الأميركي، كان انتخاب أوباما بمثابة "القادح" الذي أشعل شرارة ثورة صامتة سوف يستغلها بعد أقل من عقد، ترامب من أجل إيقاظ الشعور "المجتمعي" الكامن بالتفوق العرقي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي للأغلبية البيضاء على ما عداها.
(4)
بعد أقل من عقد، وكرد فعل على تلك "المضغة" التي تخلَّقت داخل الحزب الجمهوري واتجهت باتجاه أقصى اليمين سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا، تخلَّقت حركة أخرى، ولكن على الطرف النقيض، داخل أحشاء الحزب الديمقراطي، يسمّيها البعض بـ"التقدمية".
وهي حركة أو تيار سعى، ولا يزال، إلى توسيع مفاهيم الاندماج والانفتاح بكافة أشكاله الثقافية والهوياتية والجندرية دون قيود دينية أو أخلاقية.
وفي الوقت الذي لا تجد فيه هذه الحركة من يقودها، فإن ترامب كان في المقابل يرعى تلك المضغة "الجنينية" داخل الحزب الجمهوري، ويحولها إلى حركة سياسية واجتماعية وثقافية باتت تعرف بـ"الترامبية"، وهي خليط من اليمين الشعبوي والانعزالية والعنصرية والعداء للمهاجرين والإسلاموفوبيا.
وقد نجح ترامب بتحديه للمؤسسة التقليدية الحاكمة في أميركا، وهو القادم للسلطة من خارجها، في أن ينقل هذه الحركة من الهامش المجتمعي إلى المتن السياسي. بكلمات أخرى، نجح ترامب طيلة العقد الماضي في تحويل "الترامبية" من تيار قد يبدو "استثنائيًا" ومناقضًا "للحلم الأميركي" في صورته التقليدية، إلى اعتباره تيارًا "طبيعيًا" و"عاديًا" في المجتمع الأميركي.
واللافت – على ما يبدو – أن وجود ترامب على الساحة السياسية طيلة السنوات الأربع الماضية رغم هزيمته في الانتخابات أمام جو بايدن عام 2020، قد ساعد في عملية "التطبيع النفسي" و"الاعتياد الشعبي" على "الترامبية"، وهو ما جسدته بوضوح نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي اكتسح فيها ترامب كامالا هاريس، خاصة في الولايات المتأرجحة الثلاث داخل "حزام الصدأ" أو الحزام الأزرق، كما يسمى، وهي في العادة أقرب للديمقراطيين، وهي ولايات: بنسلفانيا، وميشيغان، وويسكونسن.
(5)
قطعًا هناك الكثير ليُقال عن الأخطاء الفادحة للديمقراطيين خلال هذه الجولة الانتخابية، والتي كلفتهم البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، وربما النواب أيضًا، سواء ما تعلق الأمر بتأخر بايدن في الانسحاب من السباق الرئاسي، أو بعملية الانقلاب التي قادها ضده "سدنة" الحزب الديمقراطي أمثال نانسي بيلوسي وباراك أوباما وهيلاري كلينتون، لصالح هاريس، التي ترشحت بالصدفة وبطريقة غير ديمقراطية.
أو لتورطه وتواطُئِه هو ومعه هاريس في دعم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ورفض هاريس مجرد إعطاء وعود للعرب والمسلمين، والكتل الشبابية الرافضة للإبادة، بوقف الحرب وفرض حظر على بيع السلاح لإسرائيل إذا تم انتخابها دون أن ينفي هذا ذكاء وجرأة ترامب في اختراق القاعدة الانتخابية التقليدية للحزب الديمقراطي، سواء ما بين الأفارقة الأميركيين أو اللاتينيين أو قطاعات من العرب والمسلمين خاصة في ولاية ميشيغان، وإقناعهم بالتصويت له.
حيث قدّم ترامب نفسه لهذه الفئات بصيغتين: الأولى، والمعتادة، صيغة "الضحية" – ضحية الدولة العميقة والديمقراطيين والإعلام الليبرالي – والثانية هي صيغة أنه "حامل لواء التغيير" الذي يدافع عن حقوق الطبقة العاملة والأقليات والمهمشين، والتي كانت تقليديًا واحدة من أهم الأدوات التعبوية الانتخابية للحزب الديمقراطي.
وأخيرًا، فإن صعود ترامب وعودته للسلطة مرة أخرى، رغم ما يتعرض له من محاكمات واتهامات جنائية لم يتعرض لها رئيس أميركي من قبل، هو جزء من تيار عالمي يزداد ويتصاعد طيلة السنوات الماضية، وهو تيار اليمين الشعبوي، الذي وصل للسلطة في أكثر من بلد وقارة، سواء في أوروبا أو آسيا أو أميركا اللاتينية أو الشرق الأوسط. وهو صعود يجعل "الاستثناء الأميركي" يبدو كما لو كان، هذه المرَّة، أمرًا عاديًا.
وحتى يتدخل "الرب" كي ينقذ أميركا، وذلك كما تمنّت تلك السيدة التي التقيتها قبل أيام في العاصمة واشنطن، سيكون عليها، وعلى الديمقراطيين، والعالم أن يتكيف ويتعايش مع "أميركا الجديدة"، التي سوف يقودها الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة دونالد ترامب طيلة السنوات الأربع القادمة.
8 سياسات سيتعامل بها ترامب مع الملف الفلسطيني
إن شخصية ترامب النرجسية، المسكونة بالرغبة في الإنجاز، والمحكومة بعقلية التاجر "الجشع" المندفع، والتي تنظر للمشروع الصهيوني من خلال خلفيات دينية "مسيحية إنجيلية" بالإضافة إلى المصالح الإستراتيجية الأميركية في سياقها الإمبريالي، ستشكل دعمًا كبيرًا لنتنياهو وسياسته؛ غير أنها بسبب سلوكها الذي لا يمكن التنبؤ به، وبراغماتيتها قد تشكل عنصرًا ضاغطًا على منظومة الحكم الإسرائيلي فيما قد تراه تعارضًا في الأولويات أو القدرة على تحقيق المنجزات.
شخصية ترامب
ترامب الذي انتخب الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة، سيدخل بثقة إلى البيت الأبيض بعد أن ضمنَ فوزًا مريحًا في المقاعد اللازمة لانتخابه، وفرقًا كبيرًا في أعداد المصوتين لصالحه على مستوى الولايات المتحدة (نحو خمسة ملايين صوت)، وتبدلًا لصالحه في مجلسي النواب والشيوخ. وهذا سيُعزِّز قدرته على المضي في برنامجه وطموحاته، وتجاوز آثار خسارته في الانتخابات السابقة في 2020.
تبدو قراءة شخصية ترامب أمرًا مهمًا في توجيه السياسة الأميركية للسنوات القادمة، بالرغم من البناء المؤسسي القوي لمنظومة الدولة؛ لأن هذه الشخصية تسعى بطبيعتها لفرض نفسها ورؤيتها ولا تعبأ كثيرًا بالعمل المؤسسي.
وقراءتنا لشخصيته تستفيد من استخلاصنا لسلوكه السياسي وتجربته في الحكم (2016-2020)، ومما كُتب ونُشر عنه، مثل دراسة البروفيسور دان مارك آدمز "حالة دونالد ترامب الغريبة: دراسة نفسية"، وكتاب "الخوف" الذي ألّفه بوب وودوارد حول شخصية ترامب.. وغيرها، وفيما يلي أبرز معالم شخصيته:
1- النرجسية
حيث ثمة شبه إجماع على أنه شخص نرجسي، يعشق نفسه "كأعظم شيء جميل في الكون"، ويعتقد بمثاليته، وأنه يعرف كل شيء ويفهم كل شيء، وأنه الشخصية "المنقذة" لأميركا، وأنه منتصر دائمًا، ولا يعترف بالفشل.
2- لا يمكن التنبؤ بسلوكه unpredictable
شخصيته لا تستند إلى بنية فكرية منظمة واضحة، توجهه بشكل موضوعي نحو اتخاذ القرار، ويتميز بالاندفاع، بل وحتى التَّهور في العلاقات الخارجية؛ ويبني عددًا من توجهاته بناءً على قراءات غير مكتملة، وتستند إلى معلومات وانطباعات خاطئة.
وهو ما دفع، مثلًا، شخصية يهودية صهيونية أميركية مؤثرة كالملياردير حاييم سابان لدعم كامالا هاريس؛ لأنه يخشى أن يُغيّر سلوكه في أي لحظة، ولأنه بحسب رأي سابان يكره نتنياهو، وكرهه لنتنياهو قد يتحول إلى انتقام.
3- شخصية التاجر
الذي يتسم بالسلوك البراغماتي، الخاضع لحسابات الربح والخسارة، والذي يستخدم أوراق القوة التي لديه للابتزاز، و"عصر" الخصوم وحتى الأصدقاء، ولا يبالي بلعب دور "الفهلوي النذل الجشع" لتحقيق أهدافه. ولأنه بالفعل يدير أعمالًا تجارية، ويملك ثروة تزيد عن ستة مليارات دولار، فإن ذلك يزيد من ثقته بنفسه وقناعاته بقدراته.
4- المسيحية الإنجيلية
تلعب الميول الدينية لترامب – خصوصًا تلك المتعلقة بالنبوءات لدى الجماعات المسيحية الإنجيلية، حول تجمع اليهود في فلسطين، ونزول المسيح عليه السلام، ومعركة هرمجدون والعهد الألفي السعيد – دورًا مهمًا في صناعة توجهاته في دعم "إسرائيل" ومشاريعها في المنطقة، دون الاكتراث بمبادئ حقوق الإنسان، وحقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحلّ الدولتين، وغيرها.
وهو يستند في جانب كبير من شعبيته إلى المسيحيين الإنجيليين، الذين يشكلون قوة كبيرة في الحزب الجمهوري.
5- شخصية مسكونة بالإنجاز
وهي شخصية ترى في نفسها شخصية تاريخية، قادرة على الحسم واتّخاذ القرارات، ولا يهمها كثيرًا رضا الآخرين أو غضبهم، ما دامت قد رأت أنّ ما تفعله هو الصحيح. وهو ما دفعه سابقًا لاتّخاذ قرار بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بالضم الإسرائيلي للجولان، ومحاولة فرض خطة "صفقة القرن".
6- شخصية "تأزيم"
هذه الشخصية بطبعها، بناء على النقاط السابقة، شخصية تصنع الأزمات، وتدير الأزمات، وتعيش مع الأزمات، و"تقامر" وتلعب سياسة "حافة الهاوية"، وتحاول فرض إرادتها وتوسيع نفوذها على الآخرين؛ وهي وإن كانت قادرة أحيانًا على تحقيق ما تريد، إلا أنّها قد تثير "أعشاش الدبابير" عليها؛ وهو ما قد يتسبب في إفشالها أو إعاقة أدائها، لأن هناك العديد من القوى التي ترفض هكذا عقلية، وتملك أيضًا من الإمكانات والقوة والإرادة ما يمكنها من مواجهته.
التعامل المتوقع مع الملف الفلسطيني
بناء على تجربة ترامب السياسية، وعلى معرفة طبيعته الشخصية، وعلى التوجهات العامة للحزب الجمهوري والقاعدة الشعبية لترامب، فإنّه من المتوقع أن تكون أبرز معالم تعامل ترامب مع الملف الفلسطيني كما يلي:
1- الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان
أبدى ترامب رغبته أكثر من مرة في أن ينهي نتنياهو حربه على غزة قبل بدء ولاية ترامب الرئاسية في 20 يناير/ كانون الثاني 2025. غير أنّه إنْ وجد أنّ نتنياهو ما زال غارقًا في مستنقع الحرب، فإنه قد يحاول تقديم دعم مضاعف وغطاء أقوى لنتنياهو لإنهاء الحرب بالسرعة الممكنة؛ وقد يستمر على ذلك بعضَ الوقت (ربما أشهرًا)؛ ولكنه إذا وجد أنه لا جدوى من الاستمرار في الحرب، وأنّ المقاومة صامدة وفعالة، فإنه تجنبًا لمزيد من استنزاف الاقتصاد الأميركي، والمزيد من الاستنزاف والإنهاك العسكري والاقتصادي والبشري الإسرائيلي، قد يمارس ضغطًا أكبر على نتنياهو لوقف الحرب.
وهو الأمر نفسه الذي سيفعله في الحرب الإسرائيلية على لبنان. ولأنه يمثل قمة التطرف الأميركي الداعم للاحتلال الإسرائيلي، فإنه سيكون في وضعٍ أفضل لممارسة ضغوطه، وسيصعب جدًا أن يزايد عليه أحد في موقفه تجاه "إسرائيل".
2- مزيد من تهويد الأقصى والقدس
سيوفر ترامب غطاء أكبر وأوسع لنتنياهو وتحالفه للمضي قدمًا في برامج تهويد الأقصى والقدس؛ وهو ما سيزيد حالة الاحتقان، والغضب في البيئات الشعبية العربية والإسلامية.
3- سيسعى ترامب لاسترضاء نتنياهو وتحالفه
و"تعويضه" خصوصًا في حال وقف الحرب على غزة، من خلال توفير الغطاء لضمّ مناطق واسعة من الضفة الغربية، وخصوصًا مناطق "ج" التي تشكل 60% من مساحة الضفة، ومضاعفة الضغوط على أهل الضفة الغربية، وإيجاد بيئات طاردة لإجبارهم على الخروج من الضفة. وهو ما يتوافق مع خطط الصهيونية الدينية والمسارات المعلنة وغير المعلنة لليكود، كما يتوافق مع تطلّعات المسيحية الإنجيلية.
وهذا سيلغي عمليًا مسار التسوية السلمية بشكلها المعروف، وسيحاول ترتيب الأمور لإنهاء السلطة الفلسطينية في شكلها الحالي، والسعي لإنشاء كانتونات ومعازل للفلسطينيين داخل الضفة الغربية.
وهو ما يعني في الوقت نفسه اصطناع بيئة متفجرة في الضفة، وحالة اصطدام مع الأردن، الذي يخشى من تدفق نحو مليونَي فلسطيني؛ بسبب هذه الخطط، كما يخشى من برامج التوطين، ومشاريع الوطن البديل في الأردن، وهذا سيضع أيضًا معاهدة التطبيع (وادي عربة) على المحك، كما سيضاعف الضغوط الشعبية الأردنية لإلغاء المعاهدة، ودعم المقاومة.
4- سيدفع ترامب بمزيد من الجهود لمحاولة القضاء على حماس وتيار المقاومة
ونزع أسلحة حماس في قطاع غزة، ومنعها من حكمه بشكل مباشر أو غير مباشر، وفرض المعايير الإسرائيلية الأميركية عليه، لما يعرف باليوم التالي للحرب في القطاع.
5- سيتناغم ترامب مع نتنياهو في سعيه لفرض نظام أمني جديد في المنطقة
(كما أعلن في أكتوبر/ تشرين الأول 2024) وهو ما يعني مزيدًا من الضغوط على دول المنطقة، خصوصًا في البيئة الإستراتيجية المحيطة بفلسطين المحتلة، للاستجابة للمعايير الإسرائيلية في التعامل مع شعوبها؛ بما في ذلك محاربة تيارات "الإسلام السياسي" والتيارات الداعمة للمقاومة المسلحة؛ بل ومحاربة مظاهر التديُّن والالتزام الإسلامي، وخنق ما تبقى من هوامش الحريات. وهذه وصفة جاهزة لصدام الحكومات مع شعوبها.
6- سيمارس ترامب مزيدًا من الضغوط على إيران
وخصوصًا في الجانب الاقتصادي ومحاولة عزلها وعزل "محور المقاومة" وإضعافه ومنعه من تقديم الدعم الفعال للمقاومة في فلسطين.
7- سيحاول ترامب الضغط على السعودية للتطبيع مع "إسرائيل"
من خلال عملية مقايضة لتحسين شروط حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، وتضخيم بعض المكاسب الشكلية أو فارغة المحتوى، أو الوعود التي يستطيع الطرف الإسرائيلي تجاوزها وتفسيرها على هواه.
8- سيدعم ترامب توجهات الحكومة الإسرائيلية ضد الأونروا
واعتبارها "كيانًا إرهابيًا"، وسيسعى إلى شطبها وإلغائها على المستوى الدولي.
خلاصة:
ما سبق يعني أن ترامب، خصوصًا في المرحلة الأولى من ولايته، قد يتسبّب بمزيد من تأزيم الأمور ليس تجاه الملف الفلسطيني فقط، وإنما تجاه البيئة الإقليمية بشكل عام.
وقد تؤدي ضغوطه على الأنظمة العربية إلى مزيد من مظاهر خضوعها للهيمنة الإسرائيلية الغربية، وهو ما سيدفع إلى مزيد من بيئات الإحباط والغضب لدى الشعوب العربية، وما قد يُسرِّع بإيجاد بيئات مشابهة لتلك التي سبقت "الربيع العربي".
أما الخيار الآخر لدى الأنظمة، فهو عدم الخضوع للإرادة الأميركية، خصوصًا فيما ترى أنه عناصر مهددة للأمن القومي أو عناصر تفجير مجتمعي، مثل مشاريع ضم الضفة وتهجير الفلسطينيين منها ومن قطاع غزة، ومشاريع التوطين والوطن البديل، وبالتالي رفع سقف الحريات وانتهاج مسارات أكثر دعمًا للمقاومة وأقل التزامًا بالتطبيع.
ثم إن صمود المقاومة واستمرار أدائها القوي والفعال في غزة والضفة ولبنان، واليمن والعراق، وتوسيع الدعم الإيراني لها، سيزيد حالة الاستنزاف الإسرائيلي والأميركي. وهذا سيجعل ترامب أمام خيارين صعبين: إما الدخول في حرب إقليمية، والوقوع في حالة استنزاف عسكري واقتصادي أميركي لا يرغبها، وإما دفع الطرف الإسرائيلي للانكفاء، والقبول بحلول أكثر واقعية، والتراجع عن الأهداف التي لا يمكن تحقيقها، والنزول على عدد من شروط المقاومة ولو مرحليًا.
وهذا يعني، وهو الأهم، أن استمرار المقاومة بشكلها الفعال، سيلعب دورًا حاسمًا في إفشال رؤية ترامب لإدارة الملف الفلسطيني، كما يلعب دورًا جوهريًا كخط دفاع أول عن المنطقة ومنع إدخالها في "العصر الإسرائيلي".