هيئة الأمم وعالمية النفاق
ابراهيم العجلوني
لا تخرج الدبلوماسية الغربية اليوم عن مقتضى قول المحسن بن علي التنوخي:
إلقَ العدوّ بوجه لا قطوبَ به
يكاد يقطر من ماء البشاشات
فأحزم الناس من يلقى اعاديه
في جسم حقد وثوب من مودّات
ولو أن اهل السياسات في عالمنا هذا مضوا في توافقهم على هذا النهج في اخفاء العداوات والاحقاد واظهار المودّات والبشاشات, واستمرت الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس امنها في ألعابها الخطيرة التي قوامها الباطنية والتربص, وهرع زعماء الشعوب على آثار من يتولون كبر ذلك من اصحاب القوى الظاهرة في الارض, فإن من تحصيل الحاصل ان يكون «النفاق» هو الملمح الرئيس في العلاقات الدولية الى آخر القرن الحادي والعشرين, وربما الى ما وراء ذلك, ومعنى هذا بأوجز الكلام أن المعاهدات الدولية والمواثيق التي يوقع عليها صباح يومنا هذا ستكون عند المساء امراً منسياً, وأنه لا امانة ولا صدق ولا وفاء بعهد. وإن لنا ان نتصور مصير ابنائنا واحفادنا نحن وشعوب الارض قاطبة في ضوء تفاقم هذه الخصيصة وما يمكن أن يكون من عقابيلها.
إن آية «المنافق» فيما جاء في الاثر الشريف أنه: اذا حدّث كذب, واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان, وهذه كلها اليوم خصائص دبلوماسية بامتياز.
إن واقع الجمعية العامة للامم المتحدة وواقع كثير من الهيئات الدولية أشبه بشيء بما قرأناه عن ذلك الامبراطور الذي توافق افراد حاشيته والمقربون منه على خداعه, فأقنعوه بشتى ضروب الاقناع, بعد أن عرّوه من ملابسه, بأن يرتدي أثواباً فضفاضة, أخذوا يتغنّون بجمالها, فيقول أحدهم إن هذه الياقة فاخرة, ويقول آخر إن هذه الاكمام مُعجبة, ويقول ثالث إنه مسحور بأزرار «ثوب الامبراطور» الذهبية, وهكذا توالت الشهادات عليه حتى صار في يقين راسخ, وهو العاري, من أنه يلبس أجمل الاثواب.
ثم إنهم تواطأوا مع جمهور عريض في مسرح واسع (هو المعادل الموضوعي لعالمنا الذي تحكمه هيئة الامم) حتى يضمنوا تصفيقاً حاراً لثوب الامبراطور الجديد الذي تهادى الى منصته عارياً وهو يحسب أنه رافل مكتس وافر المهابة والتبجيل.
مواطأة عامة كثيرة الاسباب كان يمكن أن تصل الى أبعد ما تصل اليه المواطآت من نتائج, لولا أن طفلاً بريئاً صاح من بين الجمهور وهو يضحك: «انظروا إن الامبراطور عارٍ», وكانت تلك هي خاتمة الحكاية.
إن من لا يرى عُري الجمعية العامة للأمم المتحدة واتساع مسافة الخلف بين أقوالها وأعمالها (ولا سيما ما مرد عليه من مجلس أمنها) وما تبلوه الامم والشعوب (ولا سيما العربية والاسلامية) من ذلك, هو أحد اثنين: إما متواطئ - بأسبابه - أو جاهل من هذا الهمج الهامج الذي يملأ المكان. وكلاهما عدو وظالم لنفسه مُبين.