منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قصيدة البردة للإمام البوصيري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قصيدة البردة للإمام البوصيري Empty
مُساهمةموضوع: قصيدة البردة للإمام البوصيري   قصيدة البردة للإمام البوصيري Emptyالأحد 10 نوفمبر 2013, 9:52 pm




ريـــم عـلــى الـقــاع بـيــن الــبــان والـعـلــم


أحــل سـفــك دمـــي فـــي الأشـهــر الـحــرم


رمــــى الـقـضــاء بـعـيـنــي جـــــؤذر أســـــدا


يـــا سـاكــن الـقــاع أدرك ســاكــن الأجــــم


لـــمـــا رنــــــا حـدثـتــنــي الــنــفــس قــائــلــة


يــا ويــح جنـبـك بالسـهـم المصـيـب رمــي
 
جحـدتـهـا وكـتـمــت الـسـهــم فــــي كــبــدي


جــــرح الأحــبــة عــنــدي غــيـــر ذي ألـــــم


رزقـت أسمـح مـا فـي الـنـاس مــن خـلـق
 
إذا رزقـــت الـتـمـاس الـعــذر فـــي الـشـيــم
 
يــــا لائــمــي فــــي هــــواه والــهــوى قــــدر


لـــو شـفــك الـوجــد لـــم تـعــذل ولـــم تــلــم


لـــقــــد أنــلــتـــك أذنـــــــا غــــيــــر واعــــيــــة


ورب مـنـتــصــت والــقــلــب فــــــي صـــمـــم


يــا نـاعـس الـطـرف لا ذقــت الـهـوى أبــدا


أسهـرت مضـنـاك فــي حـفـظ الـهـوى فـنـم


أفــديـــك إلــفـــا ولا آلـــــو الـخــيــال فــــــدى
 
أغـــــراك بـالـبـخــل مـــــن أغـــــراه بـالــكــرم


ســــرى فــصــادف جــرحــا دامــيـــا فــأســـا
 
ورب فــضـــل عـــلـــى الــعــشــاق لـلـحــلــم


مـــــن الـمــوائــس بـــانـــا بــالــربــى وقـــنـــا


الـلاعـبــات بــروحـــي الـسـافـحــات دمـــــي
 
الــســافــرات كــأمــثــال الـــبـــدور ضـــحـــى


يغـرن شمـس الضحـى بالحـلـي والعـصـم
 
الـــقـــاتـــلات بـــأجـــفـــان بــــهـــــا ســــقـــــم
 
ولـلـمــنــيــة أســــبـــــاب مـــــــــن الـــســـقـــم


الــعـــاثـــرات بــألـــبـــاب الــــرجــــال ومـــــــــا
 
أقـلــن مـــن عــثــرات الــــدل فــــي الــرســم
 
الـمـضـرمــات خـــــدودا أســفـــرت وجـــلـــت


عـــــن فـتــنــة تـســلــم الأكــبـــاد لــلــضــرم


الــحــامــلات لــــــواء الــحــســن مـخـتـلــفــا


أشـكــالــه وهـــــو فــــــرد غـــيـــر مـنـقــســم


مــــن كـــــل بـيــضــاء أو ســمـــراء زيـنــتــا


لـلـعـيـن والـحـســن فــــي الآرام كـالـعـصــم


يـرعــن للـبـصـر الـسـامـي ومــــن عــجــب


إذا أشــــــرن أســـــــرن الــلــيـــث بـالــغــنــم


وضـعــت خــــدي وقـسـمــت الــفــؤاد ربــــي


يـرتـعــن فــــي كــنــس مــنــه وفـــــي أكـــــم


يــــا بــنــت ذي الـلــبــد الـمـحـمــى جـانــبــه


ألـقـاك فــي الـغـاب أم ألـقـاك فـــي الأطـــم


مـــا كــنــت أعــلــم حــتــى عــــن مـسـكـنـه


أن الـمــنــى والـمـنـايــا مـــضـــرب الــخــيــم


مـن أنبـت الغصـن مــن صمصـامـة ذكــر


وأخـــــرج الــريـــم مـــــن ضـرغــامــة قـــــرم


بـيـنـي وبـيـنـك مـــن سـمــر الـقـنـا حــجــب


ومــثــلــهــا عــــفــــة عــــذريــــة الـــعـــصـــم


لـم أغـش مغـنـاك إلا فــي غـضـون كــرى


مــغــنـــاك أبـــعــــد لـلـمـشــتــاق مـــــــن إرم


يــــا نــفــس دنــيــاك تـخـفــى كــــل مـبـكـيـة


وإن بـــــدا لـــــك مـنــهــا حــســـن مـبـتـســم


فــضــي بـتـقــواك فــاهــا كـلـمــا ضـحــكــت


كـــمـــا يـــفـــض أذى الــرقــشــاء بــالــثـــرم


مـخـطـوبـة مــنــذ كــــان الــنــاس خـاطــبــة


مـــن أول الـدهــر لــــم تــرمــل ولــــم تــئــم


يـفـنـى الــزمــان ويـبـقــى مــــن إسـاءتـهــا


جـــــرح بـــــآدم يـبــكــي مـــنـــه فــــــي الأدم


لا تــحــفـــلـــي بــجــنـــاهـــا أو جــنــايــتــهـــا


الـمــوت بـالـزهــر مــثــل الــمــوت بـالـفـحـم


كــــــم نـــائـــم لا يـــراهـــا وهــــــي ســـاهـــرة


لــــــولا الأمـــانـــي والأحــــــلام لــــــم يـــنــــم


طـــــورا تــمـــدك فــــــي نــعــمــى وعــافــيــة


وتـــــارة فـــــي قــــــرار الـــبـــؤس والـــوصـــم


كــــم ضـلـلـتـك ومــــن تـحــجــب بـصـيـرتــه


إن يــلــق صــابــا يــــرد أو عـلـقـمـا يــســم


يــــــا ويــلــتــاه لـنـفــســي راعـــهـــا ودهــــــا


مـســودة الـصـحـف فـــي مبـيـضـة الـلـمــم


ركضـتـهـا فـــي مـريــع المعـصـيـات ومــــا


أخــــذت مــــن حـمـيــة الـطـاعــات لـلـتـخـم


هــامـــت عــلـــى أثـــــر الــلـــذات تـطـلـبـهــا


والنـفـس إن يدعـهـا داعـــي الـصـبـا تـهــم


صــــــلاح أمـــــــرك لـــلأخــــلاق مــرجــعـــه


فـــقــــوم الــنــفـــس بـــالأخــــلاق تـســتــقــم


والنـفـس مــن خـيـرهـا فـــي خـيــر عـافـيـة


والـنـفـس مـــن شـرهــا فـــي مـرتــع وخــــم


تـطـغــى إذا مـكــنــت مـــــن لـــــذة وهـــــوى


طـغـي الـجـيـاد إذا عـضــت عـلــى الـشـكـم


إن جـــل ذنـبــي عـــن الـغـفـران لـــي أمـــل


فــــي الله يجـعـلـنـي فــــي خــيــر مـعـتـصـم


ألـقــى رجــائــي إذا عــــز الـمـجـيـر عــلــى


مــفــرج الــكــرب فــــي الــداريـــن والـغــمــم


إذا خــفــضـــت جـــنــــاح الـــــــذل أســــألــــه


عـــز الشـفـاعـة لـــم أســـأل ســـوى أمــــم


وإن تـــــقـــــدم ذو تـــــقــــــوى بــصـــالـــحـــة


قـــدمــــت بـــيــــن يـــديــــه عـــبــــرة الـــنــــدم


لــزمـــت بـــــاب أمــيـــر الأنــبــيــاء ومــــــن


يــمــســـك بـمــفــتــاح بـــــــاب الله يــغــتــنــم


فــــكــــل فــــضــــل وإحــــســــان وعــــارفـــــة


مــــــا بـــيــــن مـســتــلــم مـــنــــه ومــلــتـــزم


عـلـقــت مــــن مــدحــه حــبــلا أعــــز بـــــه


فــــي يــــوم لا عــــز بـالأنـســاب والـلــحــم


يــــزري قـريـضــي زهــيـــرا حــيـــن أمــدحـــه


ولا يــقـــاس إلـــــى جـــــودي لـــــدى هـــــرم


مــحــمـــد صــــفــــوة الــــبــــاري ورحــمـــتـــه


وبـغــيــة الله مـــــن خــلـــق ومـــــن نــســـم


وصـاحـب الـحـوض يــوم الـرســل سـائـلـة


مـتــى الـــورود وجـبـريــل الأمــيــن ظــمــي


ســـنــــاؤه وســـنــــاه الــشــمـــس طــالـــعـــة


فـالـجـرم فـــي فـلــك والـضــوء فـــي عــلــم


قــــد أخــطــأ الـنــجــم مـــــا نــالـــت أبــوتـــه


مـــن ســـؤدد بــــاذخ فــــي مـظـهــر ســنــم


نـمــوا إلــيــه فــــزادوا فــــي الــــورى شــرفــا


ورب أصــــل لــفــرع فــــي الـفـخــار نــمــي


حـــــواه فـــــي سـبــحــات الـطــهــر قـبـلـهــم


نــــوران قــامــا مــقــام الـصــلــب والــرحـــم


لـــــمـــــا رآه بـــحـــيــــرا قـــــــــــال نـــعــــرفــــه


بــمــا حـفـظـنـا مــــن الأســمـــاء والـســيــم


سـائـل حـــراء وروح الـقــدس هـــل عـلـمـا


مـــصـــون ســــــر عــــــن الإدراك مـنـكــتــم


كـــــم جـيــئــة وذهــــــاب شـــرفـــت بــهــمــا


بـطـحـاء مـكــة فــــي الإصــبــاح والـغـســم


وحــــشــــة لابــــــــن عــــبــــد الله بـيـنــهــمــا


أشهـى مــن الأنــس بالأحـسـاب والحـشـم


يـسـامــر الــوحــي فـيــهــا قــبـــل مـهـبـطــه


ومــــن يـبـشــر بـسـيـمــى الـخــيــر يـتــســم


لمـا دعـا الصحـب يستسـقـون مــن ظـمـإ


فــاضــت يــــداه مـــــن الـتـسـنـيـم بـالـسـنــم


وظــلــلــتــه فــــصــــارت تــســتــظـــل بـــــــــه


غـــمـــامـــة جــذبــتــهـــا خــــيـــــرة الـــــديـــــم


مــــحــــبــــة لــــــرســـــــول الله أشــــربــــهـــــا


قـعــائــد الــديـــر والـرهــبــان فـــــي الـقــمــم


إن الـشـمــائــل إن رقـــــــت يـــكــــاد بـــهــــا


يــغــرى الــمـــاد ويــغـــرى كـــــل ذي نــســـم


ونـــــــودي اقــــــــرأ تــعـــالـــى الله قــائــلــهــا


لـــم تـتـصـل قـبــل مـــن قـيـلــت لــــه بــفــم


هـــــنـــــاك أذن لــلـــرحـــمـــن فـــامــــتــــلأت


أســمـــاع مــكـــة مـــــن قــدســيــة الــنــغــم


فـــلا تـســل عـــن قـريــش كـيــف حيـرتـهـا


وكــيــف نـفـرتـهـا فـــــي الـســهــل والـعــلــم


تـسـاءلـواعــن عـظــيــم قـــــد ألــــــم بـــهـــم


رمــــــى الـمـشــايــخ والـــولــــدان بـالــلــمــم


يـاجـاهـلـيـن عــلـــى الـــهـــادي ودعـــوتـــه


هـــل تجـهـلـون مــكــان الــصــادق الـعـلــم


لـقـبـتـمـوه أمــيـــن الـــقـــوم فــــــي صـــغـــر


ومــــــا الأمـــيـــن عـــلـــى قــــــول بـمـتــهــم


فـــــاق الــبـــدور وفـــــاق الأنـبــيــاء فــكـــم


بالخلـق والخلـق مـن حسـن ومــن عـظـم


جـــــاء الـنـبـيــون بـــالآيـــات فـانـصــرمــت


وجــئــتــنــا بــحــكــيـــم غــــيـــــر مـــنـــصـــرم


آيـــاتـــه كــلــمــا طـــــــال الـــمــــدى جـــــــدد


يــزيــنــهــن جــــــــلال الـــعـــتـــق والــــقـــــدم


يـــكـــاد فـــــــي لــفــظـــة مـــنــــه مــشــرفـــة


يـوصــيــك بـالــحــق والــتــقــوى وبــالــرحــم


يـا أفصـح الناطقـيـن الـضـاد قاطبة حـديـثك 


الــشـــهـــد عــــنــــد الــــذائــــق الـــفـــهـــم


حـلـيــت مــــن عــطــل جــيــد الـبـيــان بـــــه


فــــي كــــل مـنـتـثـر فــــي حــســن مـنـتـظـم


بـــكــــل قــــــــول كــــريــــم أنــــــــت قــائـــلـــه


تـحي الـقـلوب وتـحـي مـــيـــت الــهـــمـــم


ســـــــرت بــشــائـــر بــالــهـــادي ومـــولــــده


في الشرق والغرب مسرىالنور في الظلم


تخـطـفـت مــهــج الـطـاغـيـن مــــن عــــرب


وطــيــرت أنــفــس الـبـاغـيـن مــــن عــجـــم


ريـعـت لـهــا شـــرف الإيـــوان فانـصـدعـت


مــن صـدمـة الـحـق لا مــن صدمـةالـقـدم


أتــيــت والــنــاس فــوضــى لا تــمــر بــهـــم


إلا عــلــى صــنــم قــــد هــــام فــــي صــنــم


والأرض مـــمـــلـــوءة جـــــــــورا مـــســـخـــرة


لــكـــل طـاغــيــة فـــــي الــخــلــق مـحـتــكــم


مـسـيـطـرالـفـرس يــبــغـــي فـــــــي رعــيــتـــه


وقـيــصــرالــروم مــــــــن كــبـــرأصـــم عــــــــم


يـــعـــذبـــان عــــبـــــاد الله فـــــــــي شـــــبـــــه


ويــذبــحـــان كــــمــــا ضــحـــيـــت بــالــغــنــم


والــخــلــق يــفــتــك أقـــواهــــم بـأضـعـفــهــم


كـالـلـيــث بـالـبـهــم أو كـالــحــوت بـالـبــلــم


أســرى بـــــك الله لـــيـــلا إذ مــلائــكــه


والرسـل فـي المسجدالأقـصـى عـلـى قــدم


لــمـــا خـــطـــرت بــــــه الــتــفــوا بـسـيــدهــم


كـالـشـهـب بـالــبــدر أو كـالـجـنــد بـالـعـلــم


صــلـــى وراءك مـنــهــم كـــــل ذي خـــطـــر


ومــــــــن يــــفـــــز بــحــبــيـــب الله يـــأتـــمـــم


جـبــت الـسـمـاوات أو مـــا فـوقـهــن بــهــم


عـــــلـــــى مـــــنــــــورة دريـــــــــــة الـــلــــجــــم


ركــوبــة لــــك مــــن عــــز ومــــن شـــــرف


لا فـــي الـجـيـاد ولا فـــي الأيــنــق الــرســم


مـشـيــئــة الــخــالــق الـــبـــاري وصـنــعــتــه


وقـــــــدرة الله فــــــــوق الــــشــــك والــتـــهـــم


حــتـــى بـلــغــت ســمـــاء لا يــطـــار لـــهـــا


عــلــى جــنــاح ولا يـســعــى عــلـــى قـــــدم


وقــــيــــل كــــــــل نــــبــــي عــــنــــد رتـــبـــتـــه


ويـــــا مـحــمــد هـــــذا الـــعـــرش فـاسـتــلــم


خــطــطــت لــلــديــن والــدنــيــا عـلـومـهـمــا


يـــا قـــارئ الـلــوح بـــل يـــا لامـــس الـقـلـم


أحـــطـــت بـيـنـهـمــا بــالــســر وانـكــشــفــت


لــــك الـخـزائــن مــــن عــلــم ومــــن حــكــم


وضـاعـف الـقـرب مــا قـلــدت مـــن مـنــن


بــــلا عـــــداد ومـــــا طــوقـــت مـــــن نــعـــم


سـل عصبـة الشـرك حـول الغـار سائـمـة


لــــــولا مـــطـــاردة الـمـخــتــار لــــــم تـــســـم


هــــل أبــصــروا الأثـرالـوضــاء أم سـمـعــوا


هــمــس التـسـابـيـح والــقــرآن مــــن أمــــم


وهـــــل تـمــثــل نــســـج الـعـنـكـبـوت لـــهـــم


كـالـغــاب والـحـائـمـات والــزغــب كـالـرخــم


فـــــأدبـــــروا وجــــــــــوه الأرض تــلــعــنــهـــم


كـبــاطــل مـــــن جـــــلال الــحـــق مــنــهــزم


لـــــولا يـــــد الله بـالـجـاريــن مــــــا ســلــمــا


وعـيـنــه حــــول ركــــن الــديــن لــــم يــقـــم


تــــــواريـــــــا بــــجــــنـــــاح الله واســــتـــــتـــــرا


ومـــــــن يـــضــــم جـــنــــاح الله لا يــــضــــم


يـــا أحـمــد الـخـيـر لــــي جــــاه بتسـمـيـتـي


وكــيــف لا يـتـسـامـى بـالــرســول ســمـــي


الــمــادحـــون وأربـــــــاب الـــهــــوى تــــبــــع


لـصـاحــب الــبـــردة الـفـيـحــاء ذي الــقـــدم


مـديـحــه فــيـــك حـــــب خــالـــص وهـــــوى


وصـــادق الـحــب يـمـلــي صــــادق الـكـلــم


الله يــــشــــهــــد أنــــــــــــي لا أعــــــارضــــــه


مــن ذا يـعـارض صــوب الـعـارض الـعـرم


وإنــمـــا أنـــــا بــعـــض الـغـابـطـيـن ومــــــن


يــغـــبـــط ولــــيـــــك لا يــــذمـــــم ولا يــــلـــــم


هـــــذا مــقـــام مـــــن الـرحــمــن مـقـتــبــس


تـــرمــــي مـهــابــتــه ســحـــبـــان بــالــبــكــم


الـبــدر دونـــك فـــي حـســن وفـــي شـــرف


والـبـحـر دونــــك فــــي خــيــر وفــــي كــــرم


شـــــم الـجــبــال إذا طـاولـتـهــا انـخـفـضــت


والأنــجــم الــزهــر مـــــا واسـمـتـهــا تــســـم


والـلــيــث دونــــــك بـــأســـا عـــنـــد وثــبــتــه


إذا مشـيـت إلـــى شـاكــي الـســلاح كـمــي


تــهــفـــو إلـــيــــك وإن أدمــــيــــت حــبــتــهــا


فــــي الــحـــرب أفــئـــدة الأبــطـــال والـبــهــم


مــــحــــبـــــة الله ألــــقـــــاهـــــا وهـــيـــبــــتــــه


عـلــى ابــــن آمــنــة فــــي كــــل مـصـطــدم


كـــأن وجـهــك تـحــت الـنـقـع بــــدر دجــــى


يـــضــــيء مـلـتـثــمــا أو غـــيــــر مــلــتــثــم


بــــــــدر تــطـــلـــع فــــــــي بــــــــدر فــغـــرتـــه


كــغـــرة الـنــصــر تـجــلــو داجــــــي الــظــلــم


ذكـــــرت بـالـيـتــم فـــــي الــقـــرآن تــكــرمــة


وقـيـمــة الـلـؤلــؤ الـمـكـنـون فـــــي الـيــتــم


الله قــــســــم بــــيــــن الــــنــــاس رزقــــهـــــم


وأنــــــت خـــيـــرت فــــــي الأرزاق والــقــســم


إن قلـت فـي الأمـر لا أو قـلـت فـيـه نـعـم


فــخــيـــرة الله فـــــــي لا مــــنــــك أو نــــعــــم


أخـــوك عـيـســى دعــــا مـيـتــا فــقــام لــــه


وأنـــــت أحــيــيــت أجـــيـــالا مــــــن الـــزمـــم


والـجـهــل مــــوت فـــــإن أوتــيـــت مـعــجــزة


فابعـث مـن الجهـل أو فابعـث مـن الرجـم


قــالــوا غــــزوت ورســــل الله مـــــا بـعــثــوا


لــقــتـــل نـــفــــس ولاجـــــــاؤوا لــســفـــك دم


جـــهـــل وتـضـلــيــل أحــــــلام وسـفــســطــة


فـتـحــت بـالـسـيـف بــعــد الـفــتــح بـالـقـلــم


لـمــا أتـــى لــــك عــفــوا كــــل ذي حــســب


تــكــفـــل الــســيـــف بـالــجــهــال والــعـــمـــم


والــشــر إن تـلـقــه بـالـخـيـر ضــقــت بـــــه


ذرعـــــــا وإن تــلــقـــه بــالــشـــر يــنــحــســم


ســــل المسـيـحـيـة الــغــراء كـــــم شــربـــت


بـالـصـاب مـــن شــهــوات الـظـالــم الـغـلــم


طـــريـــدة الـــشـــرك يــؤذيــهــا ويـوســعــهــا


فـــي كــــل حــيــن قــتــالا ســاطــع الــحــدم


لــــــولا حـــمـــاة لـــهـــا هـــبـــوا لـنـصـرتــهــا


بالـسـيـف مـــا انتـفـعـت بـالـرفـق والــرحــم


لـــــولا مــكـــان لـعـيـســى عــنـــد مـرســلــه


وحــرمـــة وجــبـــت لــلـــروح فــــــي الـــقـــدم


لـسـمـر الـبــدن الـطـهـر الـشـريــف عــلــى


لـوحـيـن لـــم يـخــش مــؤذيــه ولــــم يــجــم


جــــل الـمـسـيــح وذاق الـصــلــب شـانــئــه


إن الــعــقــاب بـــقــــدر الـــذنــــب والـــجــــرم


أخــــــو الــنــبـــي وروح الله فـــــــي نـــتــــزل


فـــوق الـسـمـاء ودون الـعــرش مـحـتـتـرم


عـلـمـتـهـم كـــــل شـــــيء يـجـهـلــون بـــــه


حــتــى الـقـتــال ومــــا فــيــه مــــن الــذمـــم


دعــوتــهـــم لــجــهـــاد فــــيــــه ســــؤددهــــم


والــحــرب أس نــظــام الكـتـتـتـون والأمــــم


لـــــولاه لـــــم نـــــر لــلـــدولات فـــــي زمـــــن


مــا طــال مـــن عـمــد أو قـــر مـــن دهـــم


تـــلـــك الــشــواهــد تـــتــــرى كـــــــل آونـــــــة


في الأعصر الغر لا فـي الأعصـر الدهـم


بـالأمـس مـالـت عــروش واعتـلـت ســـرر


لــــولا الـقـذائــف لــــم تـثــلــم ولـــــم تــصـــم


أشــيــاع عـيـســى أعــــدوا كــــل قـاصــمــة


ولـــــم نــعـــد ســــــوى حــــــالات مـنـقــصــم


مهـمـا دعـيـت إلــى الهيـجـاء قـمــت لـهــا


تـــرمـــي بـــأســـد ويـــرمــــي الله بــالــرجـــم


عـــلـــى لـــوائـــك مــنــهـــم كـــــــل مـنــتــقــم


لله مــســتــقـــتـــل فــــــــــــي الله مــــعــــتــــزم


مــــســــبــــح لــــلــــقــــاء الله مــــضــــطـــــرم


شـوقــا عـلــى سـابــخ كـالـبـرق مـضـطـرم


لـوصــادف الــدهــر يـبـغــي نـقـلــة فــرمــى


بـعـزمــه فــــي رحــــال الــدهــر لـــــم يـــــرم


بـيـض مفالـيـل مــن فـعـل الـحــروب بـهــم


مـــــن أســيـــف الله لا الـهـنــديــة الـــخـــذم


كـــم فـــي الـتــراب إذا فـتـشـت عـــن رجـــل


مـن مـات بالعـهـد أو مــن مــات بالقـسـم


لـــولا مـواهــب فـــي بـعــض الأنــــام لــمــا


تــفــاوت الــنــاس فـــــي الأقـــــدار والـقــيــم


شـريــعــة لـــــك فـــجـــرت الــعــقــول بـــهـــا


عــــن زاخـــــر بـصــنــوف الـعــلــم مـلـتـطــم


يــلــوح حــــول ســنـــا الـتـوحـيــد جـوهــرهــا


كـالـحـلـي لـلـسـيـف أو كـالـوشــي لـلـعـلــم


غــــراء حــامــت عـلـيـهـا أنــفـــس ونــهـــى


ومـــن يـجــد سـلـسـلا مـــن حـكـمـة يــحــم


نـــور السـبـيـل يــســاس الـعـالـمـون بــهــا


تــكــفــلــت بــشـــبـــاب الــــدهــــر والــــهــــرم


يـجــري الـزمــان وأحـكــام الــزمــان عــلــى


حـكــم لـهــا نــافــذ فــــي الـخـلــق مـرتـســم


لـمــا اعـتـلـت دولــــة الإســــلام واتـسـعــت


مــشـــت مـمـالـكــه فـــــي نــورهـــا الـتــمــم


وعـــلـــمـــت أمـــــــــة بــالــقـــفـــر نـــــازلـــــة


رعــــي الـقـيـاصـر بــعــد الــشـــاء والـنــعــم


كـــم شـيــد المصـلـحـون العـامـلـون بــهــا


فـي الشـرق والـغـرب ملـكـا بــاذخ العـظـم


لـلـعـلـم والــعــدل والـتـمـديـن مــــا عــزمـــوا


مـــن الأمـــور ومـــا شــــدوا مــــن الــحــزم


ســرعـــان مـــــا فـتــحــوا الـدنــيــا لـمـلـتـهـم


وأنـهـلـوا الـنــاس مـــن سلسـالـهـا الـشـبـم


ســاروا عليـهـا هــداة الـنـاس فـهــي بـهــم


إلــــى الــفــلاح طــريـــق واضـــــح الـعــظــم


لا يــهــدم الــدهــر ركــنـــا شـــــاد عـدلــهــم


وحـــائـــط الــبــغــي إن تـلــمــســه يــنــهـــدم


نـالــوا الـسـعـادة فـــي الـداريــن واجتـمـعـوا


عــلــى عـمـيــم مــــن الــرضــوان مـقـتـسـم


دع عــنــك رومـــــا وآثـيــنــا ومـــــا حــوتـــا


كــــــل الـيـواقــيــت فــــــي بـــغـــداد والـــتـــوم


وخـــــــل كـــســــرى وإيـــوانــــا يـــــــدل بــــــــه


هــــــوى عـــلـــى أثــــــر الــنــيــران والأيـــــــم


واتــــرك رعـمـسـيـس إن الـمـلــك مـظــهــره


فـي نهضـة الـعـدل لا فــي نهـضـة الـهـرم


دار الــشــرائـــع رومـــــــا كــلــمـــا ذكـــــــرت


دار الــســـلام لــهـــا ألــقـــت يـــــد الــســلــم


مــــــا ضـارعـتــهــا بــيــانــا عـــنـــد مــلــتــأم


ولا حـكـتــهــا قـــضـــاء عـــنــــد مـخــتــصــم


ولا احـتــوت فــــي طــــراز مــــن قـيـاصـرهـا


عـــلـــى رشـــيــــد ومـــأمــــون ومـعــتــصــم


مـــــــن الـــذيــــن إذا ســــــــارت كـتـائــبــهــم


تـــصـــرفـــوا بــــحـــــدود الأرض والـــتـــخــــم


ويـجــلــســون إلــــــــى عــــلــــم ومــعـــرفـــة


فــــــلا يـــدانـــون فــــــي عـــقـــل ولا فـــهـــم


يـطــأطــئ الـعـلــمــاء الـــهـــام إن نــبــســوا


مـن هيـبـة العـلـم لا مــن هيـبـة iiالحـكـم


ويـمـطـرون فــمــا بــــالأرض مــــن مــحــل


ولا بـمـن بــات فـــوق الأرض مـــن عـــدم


خـــلائــــف الله جـــلــــوا عــــــــن مــــوازنــــة


فـــــلا تـقـيــســن أمــــــلاك الــــــورى بـــهـــم


مــــن فــــي الـبـريــة كـالــفــاروق مـعــدلــة


وكـابــن عـبــد الـعـزيـز الـخـاشـع الـحـشــم


وكـــالإمــــام إذا مـــــــا فـــــــض مــزدحــمـــا


بـمــدمــع فـــــي مــآقـــي الــقـــوم مــزدحـــم


الــزاخــر الــعــذب فــــي عــلـــم وفـــــي أدب


والناصـرالـنـدب فــــي حــــرب وفــــي ســلــم


أو كــابـــن عــفـــان والــقـــرآن فـــــي يـــــده


يحنـوعـلـيـه كــمــا تـحـنــو عــلـــى الـفــطــم


ويـــجـــمــــع الآي تــرتــيـــبـــا ويــنــظــمــهـــا


عــقــدا بـجــيــد الـلـيـالــي غــيـــر مـنـفـصــم


جـرحــان فـــي كـبــد الإســـلام مـــا الـتـأمـا


جــــرح الـشـهـيـد وجــــرح بـالـكـتـاب دمــــي


ومـــــــا بــــــــلاء أبــــــــي بــــكــــر بــمــتــهــم


بــعــد الـجــلائــل فـــــي الأفــعـــال والــخـــدم


بالـحـزم والـعـزم حــاط الـديـن فـــي مـحــن


أضــلـــت الـحــلــم مـــــن كــهـــل ومـحـتــلــم


وحــــدن بـالـراشــد الــفــاروق عــــن رشــــد


فـــي الـمــوت وهـــو يـقـيـن غـيــر مـنـبـهـم


يــــجـــــادل الــــقـــــوم مـــســـتـــلا مـــهـــنـــده


فــي أعـظـم الـرسـل قــدرا كـيــف لـــم يـــدم


لا تــعــذلــوه إذا طـــــــاف الـــذهــــول بـــــــه


مــات الحبـيـب فـضـل الـصـب عـــن رغـــم


يــــا رب صــــل وســلــم مــــا أردت عــلـــى


نــزيـــل عــرشـــك خــيـــر الــرســـل كــلــهــم


مـــحـــي الـلـيــالــي صـــــــلاة لا يـقـطـعــهــا


إلا بـــدمـــع مــــــن الإشـــفـــاق مـنــســجــم


مـسـبـحــا لـــــك جــنـــح الـلــيــل مـحـتــمــلا


ضــرا مـــن الـسـهـد أو ضـــرا مـــن الـــورم


رضـــيــــة نــفــســـه لا تـشــتــكــي ســـأمــــا


ومــا مــع الـحـب إن أخلـصـت مــن ســأم


وصــــــل ربــــــي عـــلـــى آل لــــــه نـــخــــب


جـعــلــت فـيــهــم لـــــواء الـبــيــت والــحـــرم


بـيــض الـوجــوه وجــــه الــدهــر ذو حــلــك


شـــم الأنـــوف وأنــــف الـحـادثــات حــمــى


وأهــــــد خـــيـــر صـــــــلاة مـــنــــك أربـــعــــة


فــي الـصـحـب صحبـتـهـم مـرعـيـة الـحــرم


الــراكــبــيــن إذا نــــــــادى الــنـــبـــي بــــهـــــم


مـاهــال مـــن جـلــل واشــتــد مــــن عــمــم


الـصــابــريــن ونــــفــــس الأرض واجــــفــــة


الـضـاحـكـيـن إلــــــى الأخـــطـــار والــقــحــم


يـــــارب هــبـــت شــعـــوب مــــــن مـنـيـتـهــا


واسـتـيـقـظـت أمـــــم مـــــن رقـــــدة الـــعـــدم


ســعـــد ونــحـــس ومــلـــك أنـــــت مــالــكــه


تــديـــل مـــــن نــعـــم فـــيـــه ومــــــن نـــقـــم


رأى قـــــضـــــاؤك فـــيـــنــــا رأي حــكــمـــتـــه


أكـــــرم بـوجــهــك مـــــن قـــــاض ومـنـتـقــم


فـالـطـف لأجــــل رســــول العـالـمـيـن بــنــا


ولا تـــــــزد قــــومــــه خــســـفـــا ولا تــــســــم


يـــا رب أحـسـنــت بــــدء المسـلـمـيـن بــــه


فـتـمــم الـفـضــل وامــنــح حــســن مـخـتـتـم






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قصيدة البردة للإمام البوصيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة البردة للإمام البوصيري   قصيدة البردة للإمام البوصيري Emptyالأحد 10 نوفمبر 2013, 9:53 pm


 محمد بن سعيد بن حماد بن تحسن بن أبي سرور بن حيان بن عبدالله بن ملاك الصنهاجي، البوصيري المصري المكني بأبي عبدالله، والملقب بشرف الدين. 
ولد يوم الثلاثاء سنة 208 بقرية دلاص ،وكانت أمه من دلاص وأبوه من بوصير، ولذلك، اشتهر بالبوصيري نسبة لمكان ولادته. 
- لقد نشأ في أسرة فقيرة، لذلك اضطر إلى السعي لطلب الرزق منذ صغره 
كانت صوفياً تلقى ذلك عن أبي العباس المرسي الذي خلف أبا الحسن الشاذلي في طريقته، وقد درس التصوف وآدابه وأسراره على شيخه أبي العباس الذي كانت تربطه به علاقة الحب. 
ومات في سنة خمس وتسعين وستمائة بالمارستان " المستشفى" المنصوري من القاهرة.


يقال عن سبب تسمية هذه القصيدة "بالبردة" لأن المرض كان قد أشتد على البوصيري، وفي إحدى المرات عندما كان نائماً رأى النبي "صل الله عليه وسلم" وقد غطاه ببردته - عباءته – فأصبح وقد شفي مما هو فيه، وسميت هذه القصيدة أيضاً بالبرأة، والميمية لأنها تختتم قافيتها بحرف "الميم"، وفي هذه القصيدة يجمع كل أدواته الشعرية ويجمع همته لمدح خير خلق الله "محمد" صل الله عليه وسلم، وقد شرح وعارض هذه القصيدة العديد من الشعراء.


ويبدأ البوصيري "البردة" بالأبيات التالية:




أمِــــنْ تَــذَكُّــرِ جِــيـران بِـــذِي iiسَــلَـمٍ
مَـزَجْـتَ دَمْـعـاً جَــرَى مِـنْ مُـقْلَةٍ iiبِـدَمِ
أمْ هَـبَّـتْ الـريـحُ مِــنْ تِـلْـقاءِ iiكـاظِمَةٍ
وأوْمَضَ البَرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فــمــا لِـعَـيْـنَيْكَ إنْ قُــلْـتَ iiاكْـفُـفـاهَمَتا
وَمـــا لِـقَـلْـبِكَ إنْ قُـلْـتَ اسْـتَـفِقْ يَـهِـمِ
أَيَـحْـسَـبُ الــصَّـبُّ أنَّ الــحُـبَّ iiمُـنْـكتِمٌ
مـــا بَــيْـنَ مُـنْـسَجِمٍ مـنـهُ iiومُـضْـطَرِمِ
لـولاَ الـهَوَى لَـمْ تُـرِقْ دَمْعَاً عَلَى iiطَلَلٍ
ولا أَرِقْــــتَ لِــذِكِــرِ الــبَــانِ iiوالـعَـلَـمِ
فـكـيـفَ تُـنْـكِرُ حُـبّـاً بـعـدَ مــا iiشَـهِـدَتْ
بـــهِ عـلـيـكَ عــدولُ الـدَّمْـعِ iiوَالـسَّـقَمِ
وَأَثْـبَـتَ الـوجِـدُ خَـطَّـيْ عَـبْـرَةِ وضَـنىً
مِــثْـلَ الـبَـهـارِ عَــلَـى خَـدَّيْـكَ وَالـعَـنَمِ
نَـعَمْ سَـرَى طَـيفُ مَـنْ أهـوَى iiفَأَرَّقَنِي
والــحُــبُّ يَــعْـتَـرِضُ الــلَّـذاتِ بــالألَـمِ




ويستمر في مدح الرسول الكريم "صل الله عليه وسلم" في نفس القصيدة قائلاً:
مُــحَـمَّـدُ سَــيِّـدَ الـكَـوْنَـيْنِ والـثَّـقَـلَيْنِ
والـفَـرِيقَيْنِ مِــنْ عُـرْبٍ ومِـنْ iiعَـجَمِ
نَـبِـيُّـنَـا الآمِـــرُ الـنَّـاهِـي فـــلاَ iiأَحَـــدٌ
أبَّـــرَّ فِـــي قَـــوْلِ لا مِــنْـهُ وَلا iiنَــعَـمِ
هُــوَ الـحَـبيبُ الـذي تُـرْجَى شَـفَاعَتُهُ
لِــكـلِّ هَـــوْلٍ مِــنَ الأهــوالِ iiمُـقْـتَحَمِ
دَعــا إلــى اللهِ فـالـمُسْتَمْسِكُونَ iiبِــهِ
مُـسْـتَـمْسِكُونَ بِـحَـبْلٍ غـيـرِ مُـنْـفَصِمِ
فــاقَ الـنَّـبِيِّينَ فـي خَـلْقٍ وفـي iiخُـلُقٍ
وَلَـــمْ يُــدانُـوهُ فـــي عِــلْـمٍ وَلا iiكَــرَمِ
وَكـلُّـهُـمْ مِـــنْ رَسُــولِ اللهِ iiمُـلْـتَمِسٌ
غَـرْفاً مِـنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ iiالدِّيَمِ
ووَاقِـــفُــونَ لَـــدَيْــهِ عــنــدَ iiحَــدِّهِــمِ
مِـنْ نُـقْطَة العِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَمِ
فــهْـوَ الـــذي تَــمَّ مـعـناهُ iiوصُـورَتُـه
ثــمَّ اصْـطَـفَاهُ حَـبـيباً بــارِىءُ الـنَّسَمِ
مُــنَـزَّهٌ عَــنْ شَـرِيـكٍ فــي iiمـحـاسِنِهِ
فَـجَـوْهَرُ الـحُـسْنِ فـيه غـيرُ iiمُـنْقَسِمِ
دَعْ مــا ادَّعَـتْهُ الـنَّصارَى فـي نَـبيِّهِمِ
وَاحْـكُمْ بـما شْـئْتَ مَدْحاً فيهِ iiواحْتَكِمِ
وانْسُبْ إلى ذانه ما شئْتَ مِنْ شَرَفٍ
وَانْـسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ iiعِظَمِ
فـــإنَّ فَـضْـلَ رســولِ الله لـيـسَ iiلــهُ
حَــــدُّ فــيُـعْـرِبَ عــنــه نــاطِـقٌ بِــفَـمِ




أجاد البوصيري الخط، وتعلم قواعد هذا الفن على يد إبراهيم بن أبي عبدالله المصري وكان واحداً ممن اشتهروا بتجويد الخط في مصر، شغل البوصيري عدد من الوظائف في القاهرة والأقاليم، فعمل في صناعة الكتب خلال فترة شبابه، ثم عمل ككاتب للحسابات بمدينة بلبيس بالشرقية، ووقعت بعض المصادمات بينه وبين المستخدمين المحيطين به فضاق بهم وبأخلاقهم فنظم عدد من القصائد هجاهم فيها وذكر فيها عيوبهم مما قاله: 






ثَـكِـلْتُ طـوائِـفَ iiالـمُـسْتَخْدَمِينا
فَــلَـمْ أَرَ فِـيـهـمُ رَجُـــلاً أَمِـيـنـا
فَـخُـذْ أَخْـبَـارَهُمْ مَـنِّـي iiشِـفـاهاً
وَأنْــظِـرْنـي لأُخْــبِـرُكَ iiالـيَـقِـينا
فَـقَـدْ عَـاشَـرْتُهُمْ وَلَـبِـثْتُ iiفِـيهمْ
مَعَ التَّجْرِيبِ مِنْ عُمْرِي سِنينا
حَـوَتْ بُـلْبُيْسُ طـائِفَةً iiلُـصُوصاً
عَــدَلْـتُ بِــوَاحِـدٍ مِـنْـهُمْ iiمِـئِـينا
فُـرَيْـجِي والـصَّـفِيَّ iiوَصـاحِـبَيْهِ
أبَــا يَـقْطُونَ والـنَّشْوَ iiالـسَّمِينا
فَـكُـتَّـابُ الـشَّـمالِ هُــمُ جَـمِـيعاً
فــلا صَـحِـبَتْ شِـمالُهُمُ الـيَمِينا
وَقَـدْ سَرقُوا الْغِلالَ وما iiعَلِمْنا
كـما سَرَقَتْ بَنُو سَيْفِ الجُرُونا




غادر بعد ذلك البوصيري الشرقية إلى القاهرة، وافتتح كتاباً لتعليم الأطفال ثم مالبث أن غادره إلى الإسكندرية، وظل بها حتى أخر حياته، وبها تعرف على الشيخ أبا العباس المرسي، وتتلمذ على يديه وأقبل على طريقته الصوفية، وظل بالإسكندرية حتى وفاته.




المدح النبوي
أنكب البوصيري على قراءة السيرة النبوية الشريفة، ومعرفة أخبار ومواقف في حياة الرسول الكريم 
"صل الله عليه وسلم"، ثم انطلق ينشد العديد من القصائد المميزة التي تجلى فيها حبه للرسول 
وبالإضافة لقصيدته الشهيرة "البردة" قدم القصيدة الهمزية التي لا تقل روعة عن "البردة" ويقول فيها:






كــيـف تــرقَـى رُقِــيَّـك iiالأَنـبـياءُ
يــا سـمـاءً مــا طـاوَلَتْها سـماءُ
لَـمْ يُـساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ iiحالَ
ســنــاً مِــنــك دونَــهـم iiوسَــنـاءُ
إنّــمـا مَـثَّـلُـوا صِـفـاتِـك iiلـلـناس
كــمــا مــثَّــلَ الــنـجـومَ الــمــاءُ
أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَصدُرُ
إلا عــــن ضــوئِــكَ iiالأَضــــواءُ
لـكَ ذاتُ العلومِ من عالِمِ iiالغَيبِ
ومــــنـــهـــا لآدمَ الأَســـــمــــاءُ
لم تَزَلْ في ضمائرِ الكونِ iiتُختَارُ
لــــــــك الأُمــــهـــاتُ الأَبـــــــاءُ
مـا مـضتْ فَـترةٌ مـن الرُّسْلِ iiإِلّا
بَــشَّـرَتْ قـومَـهـا بِـــكَ الأَنـبـياءُ
تـتـباهَى بِــكَ الـعـصورُ iiوَتَـسْمو
بِــــكَ عــلْـيـاءٌ بــعـدَهـا عـلـيـاءُ
وَبَــــدا لــلـوُجُـودِ مــنــك كــريـمٌ
مــــن كــريــمٍ آبَــــاؤُه كُــرمــاءُ
نَــسَـبٌ تَـحـسِـبُ الــعُـلا iiبِــحُـلاهُ
قَــلَّـدَتْـهَـا نـجـومـهَـا الْــجَــوزاءُ
حــبــذا عِــقْــدُ سُــــؤْدُدٍ وَفَــخَـارٍ
أنـــتَ فــيـه الـيـتيمةُ الـعـصماءُ
وُمُـحَيّاً كـالشَّمس مـنكَ مُـضِيءٌ
أسْــفَــرَت عــنـه لـيـلـةٌ iiغَـــرّاءُ
لـيـلةُ الـمـولدِ الـذي كَـان لـلدِّينِ
ســـــرورٌ بــيــومِـهِ iiوازْدِهــــاءُ
وتـوالَتْ بُـشْرَى الهواتفِ أن iiقدْ
وُلِــدَ الـمـصطفى وحُــقّ iiالـهَناءُ
وتَـدَاعَـى إيــوانُ كِـسْرَى ولَـوْلا
آيـــةٌ مِـنـكَ مــا تَـدَاعَـى iiالـبـناءُ
وغَـــدَا كـــلُّ بــيـتِ نـــارٍ وفــيـهِ
كُــرْبَـةٌ مِـــنْ خُـمـودِهـا وَبـــلاءُ




وعارض قصيدة "بانت سعاد" لكعب بن زهير فقال البوصيري في قصيدته:
إلـى مـتى أنـتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ
وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ
فِي كلِّ يَوْمٍ تُرَجِّي أن تتوب غدا
وَعَقدُ عَزمِكَ بالتَّسوِيفِ مَحْلُولُ




كما قدم بائياته الثلاثة والتي قال في إحداها:


وقَــفَــتْ بِــجــاهِ الـمـصـطـفى آمــالُـه
فــــكـــأَنـــه بـــذنـــوبـــه iiيَـــتَـــقَـــرَّبُ
وَبَـــــدا لـــــه أنَّ الـــوُقُــوفَ iiبِــبـابِـهِ
بــــابٌ لِــغُـفْـرانِ الــذُّنــوبِ iiمُــجَــرَّبُ
صــلَّــى عــلـيـه الــلَّـهُ إنَّ مَـطـامِـعي
فـــي جُــودِهِ قــد غــارَ مـنـها أشـعَـبُ
لِــــم لا يــغــارُ وقــــد رآنــــي دونَـــه
أدركْــتُ مِــنْ خَـيْرِ الـوَرَى مـا أطـلُبُ
مـــــاذا أخــــافُ إذا وَقَــفْــتُ iiبِــبـابِـهِ
وصَـحـائِـفي سُـــودٌ ورأْسِــيَ iiأشْـيَـبُ
والمصطَفى الماحي الذي يمحو الذي
يُحْصِي الرقيبُ على المُسيء iiوَيَكْتُبُ






توفى البوصيري بالإسكندرية عام 1296م – 696هـ، وقد ترك إرثاً قيماً للأجيال اللاحقة تمثلت في عدد كبير من قصائده والتي ضمها ديوانه الشعري، بالإضافة لقصيدة البردة أو "الكواكب الدرية في مدح خير البرية"، والقصيدة "المضرية في الصلاة على خير البرية"، والقصيدة "الهمزية"، و"المحمدية"، ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان: "المخرج والمردود على النصارى واليهود".



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قصيدة البردة للإمام البوصيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة البردة للإمام البوصيري   قصيدة البردة للإمام البوصيري Emptyالأحد 10 نوفمبر 2013, 9:55 pm




قصيدة البردة للإمام البوصيري
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
أمن تذكــــــر جيــــــرانٍ بذى ســــــلم مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــــدم
َمْ هبَّــــت الريـــــحُ مِنْ تلقاءِ كاظمــةٍ وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتـــــــــــــــا وما لقلبك إن قلت استفق يهـــــــــم
أيحسب الصب أن الحب منكتـــــــــــم ما بين منسجم منه ومضطــــــــرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـــــللٍ ولا أرقت لذكر البانِ والعلــــــــــمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شـــــــــــــهدت به عليك عدول الدمع والســـــــــقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضــــــــنى مثل البهار على خديك والعنــــــــم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقنـــــــي والحب يعترض اللذات بالألــــــــمِ
يا لائمي في الهوى العذري معـــــذرة مني إليك ولو أنصفت لم تلــــــــــمِ
عدتك حالي لا سري بمســــــــــــــتتر عن الوشاة ولا دائي بمنحســـــــــم
محضتني النصح لكن لست أســـــمعهُ إن المحب عن العذال في صــــــممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عـــــذلي والشيب أبعد في نصح عن التهـــتـمِ
 
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظــــــــــــــت من جهلها بنذير الشيب والهــــرم
ولا أعدت من الفعل الجميل قــــــــــرى ضيف ألم برأسي غير محتشــــــم
لو كنت أعلم أني ما أوقــــــــــــــــــــره كتمت سراً بدا لي منه بالكتــــــــمِ
من لي برِّ جماحٍ من غوايتهـــــــــــــــا كما يردُّ جماح الخيلِ باللُّجـــــــــُم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتهــــــــــا إن الطعام يقوي شهوة النَّهـــــــــم
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ علــــى حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطــــم
فاصرف هواها وحاذر أن توليــــــــــه إن الهوى ما تولى يصم أو يصـــــم
وراعها وهي في الأعمالِ ســــــــائمةٌ وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلــــــــــــــــــة من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع فرب مخمصةٍ شر من التخـــــــــــم
واستفرغ الدمع من عين قد امتـــلأت من المحارم والزم حمية النـــــــدمِ
وخالف النفس والشيطان واعصهمــا وإن هما محضاك النصح فاتَّهِـــــم
ولا تطع منهما خصماً ولا حكمـــــــــاً فأنت تعرف كيد الخصم والحكـــــم
أستغفر الله من قولٍ بلا عمـــــــــــــلٍ لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقــــــــــُم
أمْرتُك الخير لكن ما ائتمرت بــــــــــه وما اســـــتقمت فما قولى لك استقمِ
ولا تزودت قبل الموت نافلــــــــــــــةً ولم أصل سوى فرض ولم اصـــــم
 
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلــــــــــى أن اشتكت قدماه الضر مــــــن ورم
وشدَّ من سغب أحشاءه وطــــــــــوى تحت الحجارة كشحاً متـــــرف الأدم
وراودته الجبال الشم من ذهــــــــــبٍ عن نفسه فأراها أيما شـــــــــــــــمم
وأكدت زهده فيها ضرورتـــــــــــــــه إن الضرورة لا تعدو على العصــــم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة مـــن لولاه لم تخرج الدنيا من العـــــــــدمِ
محمد ســـــــــــــــيد الكونين والثقليـ ن والفريقين من عرب ومن عجـــــمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحـــــــــــــــــدٌ أبر في قولِ لا منه ولا نعـــــــــــــــــم
هو الحبيب الذي ترجى شــــــــفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحـــــــــــــــم
دعا إلى الله فالمستسكون بــــــــــــه مستمسكون بحبلٍ غير منفصـــــــــــم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلــــــــُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــــــرم
وكلهم من رسول الله ملتمـــــــــــسٌ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديـــــمِ
وواقفون لديه عند حدهـــــــــــــــــم من نقطة العلم أو من شكلة الحكـــــم
فهو الذي تـ ــــــم معناه وصورتـــــــه ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النســــــــــــم
منزهٌ عن شريكٍ في محاســـــــــــنه فجوهر الحسن فيه غير منقســـــــــم
دع ما ادعثه النصارى في نبيهـــــم واحكم بماشئت مدحاً فيه واحتكــــــم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شــرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظــــم
فإن فضل رسول الله ليس لـــــــــــه حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفــــــــــــــــــم
لو ناسبت قدره آياته عظمـــــــــــــاً أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمــم
لم يمتحنا بما تعيا العقول بــــــــــــه حرصاً علينا فلم نرْتب ولم نهــــــــمِ
أعيا الورى فهم معناه فليس يـــــرى في القرب والبعد فيه غير منفحـــــم
كالشمس تظهر للعينين من بعُـــــــدٍ صغيرةً وتكل الطرف من أمـــــــــــم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقتــــــــــه قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحلــــــــــــــمِ
فمبلغ العلم فيه أنه بشـــــــــــــــــــرٌ وأنه خير خلق الله كلهــــــــــــــــــمِ
وكل آيٍ أتى الرسل الكرام بهـــــــــا فإنما اتصلت من نوره بهـــــــــــــم
فإنه شمس فضلٍ هم كواكبهـــــــــــا يظهرن أنوارها للناس في الظلـــــم
أكرم بخلق نبيّ زانه خلــــــــــــــــقٌ بالحسن مشتمل بالبشر متســـــــــم
كالزهر في ترفٍ والبدر في شــــرفٍ والبحر في كرمٍ والدهر في همــــــم
كانه وهو فردٌ من جلالتـــــــــــــــــه في عسكر حين تلقاه وفي حشــــــم
كأنما اللؤلؤ المكنون فى صـــــــدفٍ من معدني منطق منه ومبتســــــــم
لا طيب يعدل تُرباً ضم أعظمــــــــــهُ طوبى لمنتشقٍ منه وملتثــــــــــــــمِ
 
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
أبان موالده عن طيب عنصـــــــــره يا طيب مبتدأ منه ومختتــــــــــــــم
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهـــــــــــــم قد أنذروا بحلول البؤْس والنقـــــــم
وبات إيوان كسرى وهو منصــــدعٌ كشمل أصحاب كسرى غير ملتئـــم
والنار خامدة الأنفاس من أســــــفٍ عليه والنهر ساهي العين من سـدم
وساءَ ساوة أن غاضت بحيرتهـــــا ورُد واردها بالغيظ حين ظمــــــــي
كأن بالنار ما بالماء من بــــــــــــلل حزناً وبالماء ما بالنار من ضــــرمِ
والجن تهتف والأنوار ساطعـــــــــةٌ والحق يظهر من معنى ومن كلــــم
عموا وصموا فإعلان البشائر لـــــم تسمع وبارقة الإنذار لم تُشــــــــــَم
من بعد ما أخبره الأقوام كاهِنُهُـــــــمْ بأن دينهم المعوجَّ لم يقــــــــــــــــمِ
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهـب منقضةٍ وفق ما في الأرض من صنم
حتى غدا عن طريق الوحى منهــزمٌ من الشياطين يقفو إثر منـــــــــهزم
كأنهم هرباً أبطال أبرهــــــــــــــــــةٍ أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمـى
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهمــــــــــــــا نبذ المسبِّح من أحشاءِ ملتقـــــــــــم
 
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
جاءت لدعوته الأشجار ســــــاجدة تمشى إليه على ساقٍ بلا قــــــــــدم
كأنَّما سطرت سطراً لما كتــــــــــبت فروعها من بديع الخطِّ في اللقـــــم
مثل الغمامة أنَّى سار سائـــــــــــرة تقيه حر وطيسٍ للهجير حَـــــــــــم
أقسمت بالقمر المنشق إن لــــــــــه من قلبه نسبةً مبرورة القســــــــــمِ
وما حوى الغار من خير ومن كــرم وكل طرفٍ من الكفار عنه عــــــــم
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما وهم يقولون ما بالغار مــــــــن أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت علــى خير البرية لم تنسج ولم تحــــــــــم
وقاية الله أغنت عن مضاعفـــــــــةٍ من الدروع وعن عالٍ من الأطـــــُم
ما سامنى الدهر ضيماً واستجرت به إلا ونلت جواراً منه لم يضـــــــــــم
ولا التمست غنى الدارين من يــــده إلا استلمت الندى من خير مســـتلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إن لـــــــه قلباً إذا نامت العينان لم ينــــــــــــم
وذاك حين بلوغٍ من نبوتــــــــــــــه فليس ينكر فيه حال محتلـــــــــــــم
تبارك الله ما وحيٌ بمكتســــــــــــبٍ ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهـــــــــــــــم
كم أبرأت وصباً باللمس راحتــــــــه وأطلقت أرباً من ربقة اللمـــــــــــم
وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوتـــــــــه حتى حكت غرة في الأعصر الدهـم
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بهـــــا سيبٌ من اليم أو سيلٌ من العــــرمِ
 
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
دعني ووصفي آيات له ظهـــــــرت ظهور نار القرى ليلاً على علـــــم
فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظــــــــــمٌ وليس ينقص قدراً غير منتظــــــم
فما تطاول آمال المديح إلــــــــــــى ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيـــــم
آيات حق من الرحمن محدثــــــــــةٌ قديمةٌ صفة الموصوف بالقــــــدم
لم تقترن بزمانٍ وهي تخبرنــــــــــا عن المعادِ وعن عادٍ وعــــن إِرَم
دامت لدينا ففاقت كلَّ معجــــــــــزةٍ من النبيين إذ جاءت ولم تـــــــدمِ
محكّماتٌ فما تبقين من شبــــــــــــهٍ لذى شقاقٍ وما تبغين من حكــــم
ما حوربت قط إلا عاد من حَـــــــرَبٍ أعدى الأعادي إليها ملقي الســلمِ
ردَّتْ بلاغتها دعوى معارضهــــــــا ردَّ الغيور يد الجاني عن الحـــرم
لها معانٍ كموج البحر في مــــــــددٍ وفوق جوهره في الحسن والقيـمِ
فما تعدُّ ولا تحصى عجائبهــــــــــــا ولا تسام على الإكثار بالســـــــأمِ
قرَّتْ بها عين قاريها فقلت لـــــــــه لقد ظفرت بحبل الله فاعتصـــــــم
إن تتلها خيفةً من حر نار لظـــــــى أطفأت حر لظى من وردها الشــم
كأنها الحوض تبيض الوجوه بـــــه من العصاة وقد جاؤوه كالحمـــــم
وكالصراط وكالميزان معدلـــــــــــةً فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن لحسودٍ راح ينكرهــــــــــا تجاهلاً وهو عين الحاذق الفهـــــم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماءِ من ســــــقم
 
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
يا خير من يمم العافون ســــــــاحته سعياً وفوق متون الأينق الرســــم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبــــــــــرٍ ومن هو النعمةُ العظمى لمغتنـــــم
سريت من حرمٍ ليلاً إلى حــــــــــرمٍ كما سرى البدر في داجٍ من الظـلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلــــــــــةً من قاب قوسين لم تدرك ولم تــرم
وقدمتك جميع الأنبياء بهـــــــــــــــا والرسل تقديم مخدومٍ على خـــــدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهــــــم في مركب كنت فيه صاحب العلــــم
حتى إذا لم تدع شأواً لمســـــــــتبقٍ من الدنوِّ ولا مرقى لمســــــــــــتنم
خفضت كل مقامٍ بالإضـــــــــــافة إذ نوديت بالرفع مثل المفردِ العلــــــم
كيما تفوز بوصلٍ أي مســـــــــــتترٍ عن العيون وسرٍ أي مكتتــــــــــــم
فحزت كل فخارٍ غير مشـــــــــــتركٍ وجزت كل مقامٍ غير مزدحــــــــــم
وجل مقدار ما وليت من رتــــــــــبٍ وعز إدراك ما أوليت من نعــــــــمِ
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنـــــــا من العناية ركناً غير منهــــــــــدم
لما دعا الله داعينا لطاعتــــــــــــــه بأكرم الرسل كنا أكرم الأمــــــــــم
 
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
راعت قلوب العدا أنباء بعثتــــــــــه كنبأة أجفلت غفلا من الغنــــــــــمِ
ما زال يلقاهمُ في كل معتـــــــــــركٍ حتى حكوا بالقنا لحماً على وضـم
ودوا الفرار فكادوا يغبطون بــــــــه أشلاءَ شالت مع العقبان والرخــم
تمضي الليالي ولا يدرون عدتهـــــا ما لم تكن من ليالي الأشهر الحُرُم
كأنما الدين ضيفٌ حل ســــــــاحتهم بكل قرمٍ إلى لحم العدا قــــــــــــرم
يجر بحر خميسٍ فوق ســــــــــابحةٍ يرمى بموجٍ من الأبطال ملتطـــــم
من كل منتدب لله محتســـــــــــــــبٍ يسطو بمستأصلٍ للكفر مصــــطلمِ
حتى غدت ملة الإسلام وهي بهــــم من بعد غربتها موصولة الرحـــم
مكفولةً أبداً منهم بخــــــــــــــير أبٍ وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئـــــــــــمِ
هم الجبال فسل عنهم مصادمهــــــم ماذا رأى منهم في كل مصــــطدم
وسل حنيناً وسل بدراً وسل أُحـــــداً فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمراً بعد ما وردت من العدا كل مسودٍ من اللمـــــــمِ
والكاتبين بسمر الخط ما تركـــــــت أقلامهم حرف جسمٍ غير منعجــمِ
شاكي السلاح لهم سيما تميزهــــــم والورد يمتاز بالسيما عن الســلم
تهدى إليك رياح النصر نشرهـــــــم فتحسب الزهر في الأكمام كل كــم
كأنهم في ظهور الخيل نبت ربـــــــاً من شدة الحَزْمِ لا من شدة الحُزُم
طارت قلوب العدا من بأسهم فرقـــاً فما تفرق بين الْبَهْمِ وألْبُهــــــــــُمِ
ومن تكن برسول الله نصــــــــــرته إن تلقه الأسد فى آجامها تجــــــمِ
ولن ترى من وليٍ غير منتصـــــــرٍ به ولا من عدوّ غير منفصــــــــم
أحل أمته في حرز ملتـــــــــــــــــــه كالليث حل مع الأشبال في أجـــــم
كم جدلت كلمات الله من جــــــــــدلٍ فيه وكم خصم البرهان من خصـم
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجــــــــــزةً في الجاهلية والتأديب في اليتـــــم
 
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
خدمته بمديحٍ استقيل بـــــــــــــــــه ذنوب عمرٍ مضى في الشعر والخدم
إذ قلداني ما تخشي عواقبـــــــــــــه كأنَّني بهما هديٌ من النعـــــــــــــم
أطعت غي الصبا في الحالتين ومـــا حصلت إلا على الآثام والنــــــــــدم
فياخسارة نفسٍ في تجارتهــــــــــــا لم تشتر الدين بالدنيا ولم تســـــــم
ومن يبع آجلاً منه بعاجلـــــــــــــــهِ يَبِنْ له الْغَبْنُ في بيعٍ وفي ســــــلمِ
إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقـــــــض من النبي ولا حبلي بمنصـــــــــرم
فإن لي ذمةً منه بتســــــــــــــــميتي محمداً وهو أوفى الخلق بالذمـــم
إن لم يكن في معادي آخذاً بيــــــدى فضلاً وإلا فقل يا زلة القــــــــــــدمِ
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمــــــه أو يرجع الجار منه غير محتــــرمِ
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحــــــــــــه وجدته لخلاصي خير ملتـــــــــــزم
ولن يفوت الغنى منه يداً تربــــــــت إن الحيا ينبت الأزهار في الأكـــــم
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفــــت يدا زهيرٍ بما أثنى على هــــــــــرمِ
 
يــــارب بالمصطفى بلغ مقاصدنـــا واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ بــــــه سواك عند حلول الحادث العمـــــم
ولن يضيق رسول الله جاهك بــــــي إذا الكريم تحلَّى باسم منتقــــــــــم
فإن من جودك الدنيا وضرتهـــــــــا ومن علومك علم اللوح والقلـــــم
يا نفس لا تقنطي من زلةٍ عظمـــــت إن الكبائر في الغفران كاللمـــــــــم
لعل رحمة ربي حين يقســـــــــــمها تأتي على حسب العصيان في القسم
يارب واجعل رجائي غير منعكـــسٍ لديك واجعل حسابي غير منخــــرم
والطف بعبدك في الدارين إن لـــــه صبراً متى تدعه الأهوال ينهــــــزم
وائذن لسحب صلاةٍ منك دائمــــــــةٍ على النبي بمنهلٍ ومنســـــــــــــجم
ما رنّحت عذبات البان ريح صـــــبا وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمــــرٍ وعن عليٍ وعن عثمان ذي الكــرم
والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهــــــم أهل التقى والنقا والحلم والكـــــرمِ
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصـــــــدنا واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهي لكل المسلميـــــــن بمــــا يتلوه في المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيتـــــه في طيبـــــــةٍ حرمٌ واسمُهُ قسمٌ من أعظــــــم القســــم
وهذه بُــــردةُ المُختــــار قد خُتمــــت والحمد لله في بــــدء وفي ختـــــم
أبياتها قـــــد أتت ستيــــن مع مائــــةٍ           فرِّج بها كربنا يا واسع الكــــــــرم





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قصيدة البردة للإمام البوصيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة البردة للإمام البوصيري   قصيدة البردة للإمام البوصيري Emptyالأحد 10 نوفمبر 2013, 10:03 pm

ضلالات البوصيري في نهج البردة ....
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ،، ثم أما بعد ..

إخواني في الله ،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني هذه الجمع الطيب من الأدلة وهذه الدراسة منقولة من أخ جزاه الله خيرا على ما فعل ،، 
وأسأل الله أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا ،،
يقول :
احذر من قصيدة نهج البردة للبوصيري ......؟ 
ففيها من مخالفات العقيدة و مخالفات السنة و القرآن الكريم الكثير و البوصيري هذا الرجل المتصوف غير العالم قد ألفها و بها من الاخطاء الكثير و انني قد اوردت هذه الدراسة الخاصة عن البوصيري و بردته و الاخطاء الفادحة فيها نقلا عن عدة مواقع و عن بعض الكتب التي كتبها كتاب وعلماء اجلاء و اترككم مع الدراسة 
من كتاب قوا دح عقدية في بردة البوصيري
د . عبد العزيز محمد آل عبد اللطيف

التعريف بالامام البوصيري 
وأما عن التعريف بصاحب البردة فهو : محمد بن سعيد البوصيري نسبة إلى بلدته أبو صير بين الفيوم وبني سويف بمصر ، ولد سنة 608هـ ، واشتغل بالتصوُّف ، وعمل كاتباً مع قلة معرفته بصناعة الكتابة ، ويظهر من ترجمته وأشعاره أن الناظم لم يكن عالماً فقيهاً ، كما لم يكن عابداً صالحاً ؛ حيث كان ممقوتاً عند أهـل زمانه لإطلاق لسانه في الناس بكل قبيح ، كما أنه كثير السؤال للناس ، ولذا كان يقف مع ذوي السلطان مؤيداً لهم سواء كانوا على الحق أم على الباطل . 
ونافح البوصيري عن الطريقة الشاذلية التي التزم بها ، فأنشد أشعاراً في الالتزام بآدابها ، كما كانت له أشعار بذيئة يشكو من حال زوجه التي يعجز عن إشباع شهوتها ! 
توفي البوصيري سنة 695هـ وله ديوان شعر مطبوع [9] 


التعريف بالبردة:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد : 

فإن ميمية البوصيري - المعروفة بالبردة - من أشهر المدائح النبوية وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً ، ولذا تنافس أكثر من مائه شاعر في معارضتها ، فضلاً عن المشطِّرين والمخمِّسين والمسبِّعين ، كما أقبل آخرون على شرحها وتدريسها ، وقد تجاوزت شروحها المكتوبة خمسين شرحاً ، فيها ما هو محلى بماء الذهب ! وصار الناس يتدارسونها في البيوت والمساجد كالقرآن . 

يقول الدكتور زكي مبارك : وأما أثرها في الدرس ، فيتمثل في تلك العناية التي كان يوجهها العلماء الأزهريون إلى عقد الدروس في يومي الخميس والجمعة لدراسة حاشية الباجوري على البردة ، وهي دروس كانت تتلقاها جماهير من الطلاب ، وانما كانوا يتخيرون يومي الخميس والجمعة ، لأن مثل هذا الدرس لم يكن من المقررات فكانوا يتخيرون له أوقات الفراغ [1] . 

وقد أطلق البوصيري على هذه القصيدة البردة من باب المحاكاة والمشاكلة للقصيدة الشهيرة لكعب بن زهير - رضي الله عنه - في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقد اشتهر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى كعباً بردته حين أنشد القصيدة - إن صح ذلك - [2] فقد ادعى البوصيري - في منامه - أن النبي -صل الله عليه وسلم- ألقى عليه بردة حين أنشده القصيدة ! ! 

وقد سمى البوصيري هذه القصيدة أيضاً بـ " الكواكب الدرية في مدح خير البرية " [3] . كما أن لهذه البردة اسماً آخر هو البرأة ؛ لأن البوصيري كما يزعمون برئ بها من علته ، وقد سميت كذلك بقصيدة الشدائد ؛ وذلك لأنها - في زعمهم - تقرأ لتفريج الشدائد وتيسير كل أمر عسير . 

وقد زعم بعض شراحها أن لكل بيت من أبياتها فائدة ؛ فبعضها أمان من الفقر ، وبعضها أمان من الطاعون [4] . 

يقول محمد سيد كيلاني - أثناء حديثه عن المخالفات الشرعية في شأن البردة : " ولم يكتف بعض المسلمين بما اخترعوا من قصص حول البردة ، بل وضعوا لقراءتها شروطاً لم يوضع مثلها لقراءة القرآن ، منها : 
التوضؤ ، واستقبال القبلة ، والدقة في تصحيح ألفاظها وإعرابها ، وأن يكون القارئ عالماً بمعانيها ، إلى غير ذلك . 
ولا شك في أن هذا كله من اختراع الصوفية الذين أرادوا احتكار قراءتها 
للناس ، وقد ظهرت منهم فئة عرفت بقراء البردة ، كانت تُستدعى في الجنائز والأفراح ، نظير أجر معين [5] 

مناسبتها 
وأما عن مناسبة تأليفها فكما قال ناظمها : كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ثم اتفق بعد ذلك أن أصابني خِلْط فالج أبطل نصفي ، ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة ، فعملتها ، واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني ، وكررت إنشادها ، وبكيت ودعوت ، وتوسلت ونمت ، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فمسح على وجهي بيده المباركة ، وألقى عليّ بردة ، فانتبهت ووجدت فيّ نهضة ؛ فقمت وخرجت من بيتي ، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً ، فلقيني بعض الفقراء ، فقال لي : أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقلت : أيّها ؟ فقال : التي أنشأتها في مرضك ، وذكر أولّها ، وقال : والله لقد سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فرأيت رسول الله - صل الله عليه وسلم - ، يتمايل وأعجبته ، وألقى على من أنشدها بردة ، فأعطيته إياها ، وذكر الفقير ذلك ، وشاع المنام [6] . 

ففي هذه الحادثة تلبّس البوصيري بجملة من المزالق والمآخذ ، فهو يستشفع ويتقرب إلى الله - تعالى - بشرك وابتداع وغلو واعتداء - كما سيأتي موضحاً إن شاء الله - .

ثم ادعى أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أن يبيّن نعته ؛ فإن من رأى النبي - صل الله عليه وسلم - حسب صفاته المعلومة فقد رآه ، فإن الشيطان لا يتمثل به - كما ثبت في الحديث - . 

ثم ادعى أن النبي في - صلى الله عليه وسلم - مسح على وجهه وألقى عليه بردة ، فعوفي من هذا الفالج ، فتحققت العافية بعد المنام دون نيل البردة ! ثم التقى البوصيري - في عالم اليقظة - بأحد المتصوفة وأخبره بسماع القصيدة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تمايل إعجاباً بالقصيدة ، وهذا يذكّرنا بحديث مكذوب بأن النبي - صل الله عليه وسلم - تواجد عند سماع أبيات حتى سقطت البردة عن منكبيه وقال : ليس بكريم من لم يتواجد 
عند ذكر المحبوب . 

قال شيخ الإسلام : إن هذا الحديث كذب بإجماع العارفين بسيرة رسول الله - صل الله عليه وسلم- وسنته وأحواله [7] . 

وأما عن استجابة دعاء البوصيري مع ما في قصيدته من الطوامَّ ، فربما كان لاضطراره وعظم فاقته وشدة إلحاحه السبب في استجابة دعائه . 

يقول شيخ الإسلام : ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة أن الرجل منهم قد يكون مضطراً ضرورة لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له ، لصدق توجهه إلى الله ، وان كان تحري الدعاء عند الوثن شركاً ، ولو استجيب له على يد المتوسل به ، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته ، فإنه يعاقب على ذلك ويهوي به في النار إذا لم يعفُ الله عنه ، فكم من عبد دعا دعاء غير مباح ، فقضيت حاجته في ذلك الدعاء ، وكان سبب هلاكه في الدنيا والآخرة [8] . 




أبيات مخالفة في البردة :

نقلاً من كتاب"معلومات مهمة عن الدين"

للشيخ محمد جميل زينوا


هذه القصيدة للشاعر البوصيري مشهورة بين الناس ولا سيما بين الصوفيين.

ولو تدبرنا معناها لرأينا فيها مخالفات للقرآن الكريم وسنة الرسول صل الله عليه وسلم !

يقول في قصيدته:


1- يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به * * * سواك عند حلول الحادث العمم 

يستغيث الشاعر بالرسول صل الله عليه وسلم ويقول له: لا أجد من ألتجئ إليه عند نزول الشدائد العامة إلا أنت، وهذا من الشرك الأكبر الذي يُخلد صاحبه في النار إن لم يتب منه، لقوله تعالى: 

** ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين } [ يونس: 106].( أي المشركين ) لأن الشرك ظلم عظيم.
وقوله صل الله عليه وسلم:** من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار } رواه البخاري.
( الند: المثيل ).


2- فإن من جودك الدنيا وضرتها * * * ومن علومك علم اللوح والقلم 


وهذا تكذيب للقرآن الذي يقول الله فيه: ** وإن لنا للآخرة والأولى } فالدنيا والآخرة هي من الله ومن خلْقِهِ، وليست من جود الرسول صلى الله عليه وسلم وخلقه، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم ما في اللوح المحفوظ، إذ لا يعلم ما فيه إلا الله وحده، وهذا إطراء ومبالغة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم حتى جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول وأنه يعلم الغيب الذي في اللوح المحفوظ بل إن ما في اللوح من علمه وقد نهانا الرسول صل الله عليه وسلم عن الإطراء فقال: ** لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله } رواه البخاري.


3- ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به * * * إلا ونلت جواراً منه لم يُضَم 


يقول: ما أصابني مرض أو همٌّ وطلبت منه الشفاء أو تفريج الهم إلا شفاني وفرَّج همي.

والقرآن يحكي عن إبراهيم عليه السلام قوله عن الله عز وجل: ** وإذا مرضتُ فهو يشفين } [الشعراء: 80]. 

والله تعالى يقول: ** وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } [الأنعام: 17].

والرسول صل الله عليه وسلم يقول: ** إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله } رواه الترمذي وقال حسن صحيح.


4- فإن لي منه ذمة بتسميتي محمداً * * * وهو أوفى الخلق بالذمم 


يقول الشاعر: إن لي عهداً عند الرسول أن يدخلني الجنة، لأن اسمي محمداً، ومن أين له هذا العهد ؟

ونحن نعلم أن كثيراً من الفاسقين والشيوعيين من المسلمين اسمه محمد، فهل التسمية بمحمد مُبرر لدخولهم الجنة ؟ والرسول صل الله عليه وسلم قال لبنته فاطمة رضي الله عنها:** سليني من مالي ما شِئْتِ، لا أُغني عنك من الله شيئاً } رواه البخاري.


5- لعل رحمة ربي حين يقسمها * * * تأتي على حسب العصيان في القسم


وهذا غير صحيح، فلو كانت الرحمة تأتي قسمتها على قدر المعاصي كما قال الشاعر لكان على المسلم أن يزيد في المعاصي حتى يأخذ من الرحمة أكثر، وهذا لا يقوله مسلم 

ولا عاقل ولأنه مخالف قول الله تعالى: ** إن رحمت الله قريب من المحسنين } [الأعراف:56] .

والله تعالى يقول: ** ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } [الأعراف: 156].


6- وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من * * * لولاه لم تخرج الدنيا من العدم


الشاعر يقول لولا محمد صل الله عليه وسلم لما خُلقت الدنيا، والله يكذبه ويقول: ** وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [الذاريات: 56].
وحتى محمد صل الله عليه وسلم خُلق للعبادة وللدعوة إليها يقول الله تعالى: ** وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين } [الحجر: 99].


7- أقسمت بالقمر المنشق إن له * * * من قلبه نسبة مبرورة القسم 

الشاعر يقسم ويحلف بالقمر والرسول صل الله عليه وسلم يقول: ** من حلف بغير الله فقد أشرك } حديث صحيح رواه أحمد.

ثم يقول الشاعر يخاطب الرسول قائلاً: 


8- لو ناسبتْ قدرَه آياتُه عِظَماَ * * * أحيا اسمه حين يُدعى دَارِسَ الرِمَمِ


ومعناه: لو ناسبتْ معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم قدره في العِظَم، لكان الميت الذي أصبح بالياً يحيا وينهض بذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبما أنه لم يحدث هذا فالله لم يُعط الرسول صلى الله عليه وسلم حقه من المعجزات، فكأنه اعتراض على الله حيث لم يعط رسول الله صل الله عليه وسلم حقه!! 

وهذا كذب وافتراء على الله، فالله تعالى أعطى كل نبي المعجزات المناسبة له، فمثلاً أعطى عيسى عليه السلام معجزة إبراء الأعمى والأبرص وإحياء الموت، وأعطى لسيدنا محمد صل الله عليه وسلم معجزة القرآن الكريم، وتكثير الماء والطعام وانشِقاق القمر وغيرها.
ومن العجيب أن بعض الناس يقولون: إن هذه القصيدة تسمى بالبردة وبالبُرأة، لأن صاحبها كما يزعمون مرض فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعطاه جبته فلبسها فبرىء من مرضه - وهذا كذب وافتراء- حتى يرفعوا من شأن هذه القصيدة، إذ كيف يرضى الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام المخالف للقرآن ولهديه صل الله عليه وسلم وفيه شرك صريح.

علماً بأن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:ما شاء الله وشِئْتَ، فقال له الرسول صل الله عليه وسلم : ** أجعلتني لله نداً ؟ قل ما شاء الله وحده } رواه النسائي بسند جيد.
والند: المثل والشريك.
فاحذر يا أخي المسلم من قراءة هذه القصيدة وأمثالها المخالفة للقرآن، وهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، والعجيب أن في بعض بلاد المسلمين من يُشَيع بها موتاهم إلى القبور، فيضمون إلى هذه الضلالات بدعة أخرى حيث أمر رسول الله صل الله عليه وسلم بالصمت عند تشييع الجنائز ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


9- وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من * * * لولاه لم تُخرج الدنيا من العدم 


ولا يخفى ما في عَجُز هذا البيت من الغلو الشنيع في حق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث زعم البوصيري أن هذه الدنيا لم توجد إلا لأجله -صل الله عليه وسلم- وقد قال - سبحانه : " ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات : 56] ، وربما عوّل أولئك الصوفية على الخبر الموضوع : لولاك لما خلقت الأفلاك [10] . 


10- فاق النبيين في خَلق وفي خُلُق * * * ولم يدانوه في علم ولا كرم 
11-وكلهم من رسول الله ملتمس * * * غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم 


أي أن جميع الأنبياء السابقين قد نالوا والتمسوا من خاتم الأنبياء والرسل محمد -صل الله عليه وسلم- فالسابق استفاد من اللاحق ! 

فتأمل ذلك وقارن بينه وبين مقالات زنادقة الصوفية كالحلاج القائل : إن للنبي نوراً أزلياً قديماً كان قبل أنه يوجد العالم ، ومنه استمد كل علم وعرفان ؛ حيث أمدّ الأنبياء السابقين عليه .. 

وكذا مقالة ابن عربي الطائي أن كل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي يأخذ من مشكاة خاتم النبيين [11] . 


12-دع ما ادعته النصارى في نبيهم * * * واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم 

يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - منتقداً هذا البيت : ومن المعلوم أن أنواع الغلو كثيرة ، والشرك بحر لا ساحل له ، ولا ينحصر في قول النصارى ؛ لأن الأمم أشركوا قبلهم بعبادة الأوثان وأهل الجاهلية كذلك ، وليس فيهم من قال في إلهه ما قالت النصارى في المسيح - غالباً - : إنه الله ، أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة ، بل كلهم معترفون أن آلهتهم ملك لله ، لكن عبدوها معه لاعتقادهم أنها تشفع لهم أو تنفعهم فيحتج الجهلة المفتونون بهذه الأبيات على أن قوله في منظومته : دع ما ادعته النصارى في نبيهم مَخْلَصٌ من الغلو بهذا البيت ، وهو قد فتح ببيته هذا باب الغلو والشرك لاعتقاده بجهله أن الغلو مقصور على هذه الأقوال الثلاثة [12] . 

لقد وقع البوصيري وأمثاله من الغلاة في لبس ومغالطة لمعنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- : لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله [13] ، فزعموا أن الإطراء المنهي عنه في هذا الحديث هو الإطراء المماثل لإطراء النصارى ابن مريم وما عدا ذلك فهو سائغ مقبول ، مع أن آخر الحديث يردّ قولهم ؛ فإن قوله - عليه الصلاة والسلام - : إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله تقرير للوسطية تجاه رسول الله -صل الله عليه وسلم- ، فهو عبد لا يُعبد ، ورسول لا يُكذب ، والمبالغة في مدحه تؤول إلى ما وقع فيه 
النصارى من الغلو في عيسى - عليه السلام - ، وبهذا يُعلم أن حرف الكاف في قوله -صل الله عليه وسلم- : كما أطرت هي كاف التعليل ، أي كما بالغت النصارى [14] . 

ويقول ابن الجوزي - في شرحه لهذا الحديث - : لا يلزم من النهي عن الشيء وقوعه ؛ لأنَّا لا نعلم أحداً ادعى في نبينا ما ادعته النصارى في عيسى - عليه السلام - وإنما سبب النهي فيما لم يظهر ما وقع في حديث معاذ بن جبل لما استأذن في السجود له فامتنع ونهاه ؛ فكأنه خشي أن يبالغ غيره بما هو فوق ذلك فبادر إلى النهي تأكيداً للأمر [15] . 


13- لو ناسبت قدره آياته عِظماً * * * أحيا اسمه حين يُدعى دارس الرمم 


يقول بعض شرّاح هذه القصيدة : لو ناسبت آياته ومعجزاته عظم قدره عند الله - تعالى - وكل قربه وزلفاه عنده لكان من جملة تلك الآيات أن يحيي الله العظام الرفات ببركة اسمه وحرمة ذكره [16] . 

يقول الشيخ محمود شكري الآلوسي منكراً هذا البيت : ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغلو ؛ فإن من جملة آياته -صلى الله عليه وسلم- القرآن العظيم الشأن ؛ وكيف يحل لمسلم أن يقول : إن القرآن لا يناسب قدر النبي -صل الله عليه وسلم- ، بل هو منحط عن قدره ثم إن اسم الله الأعظم وسائر أسمائه الحسنى إذا ذكرها الذاكر لها تحيي دارس الرمم ؟ [17] . 


14- لا طيب يعدل ترباً ضم أعظمه * * * طوبى لمنتشق منه وملتثم 


فقد جعل البوصيري التراب الذي دفنت فيه عظام رسول الله -صل الله عليه وسلم- أطيب وأفضل مكان ، وأن الجنة والدرجات العلا لمن استنشق هذا التراب أو قبَّله ، وفي ذلك من الغلو والإفراط الذي يؤول إلى الشرك البواح ، فضلاً عن الابتداع والإحداث في دين الله - تعالى - . 

قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : واتفق الأئمة على أنه لا يمس قبر النبي - صل الله عليه وسلم- ولا يقبله ، وهذا كله محافظة على التوحيد [18] . 


15- أقسمتُ بالقمر المنشق إنّ له * * * من قلبه نسبةً مبرورة القسم 


ومن المعلوم أن الحلف بغير الله - تعالى - من الشرك الأصغر ؛ فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله - صل الله عليه وسلم - قال : من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك [19] . 

وقال ابن عبد البر - رحمه الله - : لا يجوز الحلف بغير الله - عز وجل - 
في شيء من الأشياء ولا على حال من الأحوال ، وهذا أمر مجتمع عليه ... إلى أن قال : أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها ، لا يجوز الحلف بها لأحد [20] . 


16- ولا التمست غنى الدارين من يده * * * إلا استلمت الندى من خير مستلم 


فجعل البوصيري غنى الدارين مُلتَمساً من يد النبي -صل الله عليه وسلم- ، مع أن الله - عز وجل - قال : " ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ " [النحل : 53] ، وقال - سبحانه - : " فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ " [العنكبوت : 17] ، وقال - تعالى - : " قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ " [يونس : 31] ، " قُلِ ادْعُوا الَذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ الله لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ " [سبأ : 22] . 

وأمر الله نبيه محمداً -صل الله عليه وسلم- أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة المذكورة في قوله - تعالى - : " قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ ولا أَعْلَمُ الغَيْبَ ولا أَقُولُ لَكُمْ إنِّي مَلَكٌ إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ " [الأنعام : 50] . 


17- فإن لي ذمة منه بتسميتي * * * محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم 


وهذا تخرُّص وكذب ؛ فهل صارت له ذمة عند رسول الله -صل الله عليه وسلم- لمجرد أن اسمه موافق لاسمه ؟ ! فما أكثر الزنادقة والمنافقين في هذه الأمة قديماً وحديثاً الذين يتسمون بمحمد ! 

و يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - تعقيباً على هذا البيت : قوله : فإن لي ذمة ... إلى آخره كذب على الله وعلى رسوله -صل الله عليه وسلم- فليس بينه وبين اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة ، لا بمجرد الاشتراك في الاسم مع الشرك [21] .

فالاتفاق في الاسم لا ينفع إلا بالموافقة في الدين واتباع السنة [22] . 


18-إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي * * * فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم 


والشاعر في هذا البيت ينزل الرسول منزلة رب العالمين ؛ إذ مضمونه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المسؤول لكشف أعظم الشدائد في اليوم الآخر ، فانظر إلى قول الشاعر ، وانظر في قوله - تعالى - لنبيه -صل الله عليه وسلم- : " قُلْ إنِّي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " [الزمر : 13] . 

ويزعم بعض المتعصبين للقصيدة أن مراد البوصيري طلب الشفاعة ؛ فلو صح ذلك فالمحذور بحاله ، لما تقرر أن طلب الشفاعة من الأموات شرك بدليل قوله - تعالى - : " ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ ولا يَنفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ ولا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " [يونس : 18] ، فسمى الله - تعالى - اتخاذ الشفعاء شركاً [23] .


19- يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به * * * سواك عند حلول الحادث العمم 


يقول الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - تعقيباً على هذا البيت - : 

فتأمل ما في هذا البيت من الشرك : 

منها : أنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الحوادث إلا النبي -صل الله عليه وسلم- ، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له ، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو .

ومنها : أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه ، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله ، وذلك هو الشرك في الإلهية [24] . 

وانتقد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد ابن عبد الوهاب هذا البيت قائلاً : فعظم البوصيري النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يسخطه ويحزنه ؛ فقد اشتد نكيره -صل الله عليه وسلم- عما هو دون ذلك كما لا يخفى على من له بصيرة في دينه ؛ فقصر هذا الشاعر لياذه على المخلوق دون الخالق الذي لا يستحقه سواه ؛ فإن اللياذ عبادة كالعياذ ، وقد ذكر الله عن مؤمني الجن أنهم أنكروا استعاذة الإنس بهم بقوله : " وأَنَّهُ **انَ رِجَالٌ مِّنَ الإنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً " [الجن : 6] ، أي طغياناً ، واللياذ يكون لطلب الخير ، والعياذ لدفع الشر ، فهو سواء في الطلب والهرب [25] . 

وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله - عن هذا البيت : فانظر كيف نفى كل ملاذ ما عدا عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ، وغفل عن ذكر ربه ورب رسول الله -صل الله عليه وسلم- . إنا لله وإنا إليه راجعون [26] . 


20- ولن يضيق رسول الله جاهك بي * * * إذا الكريم تحلى باسم منتقم 


قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : سؤاله منه أن يشفع له في قوله : ولن يضيق رسول الله ... إلخ ، هذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوهم وهو الجاه والشفاعة عند الله ، وذلك هو الشرك ، وأيضاً فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله فلا معنى لطلبها من غيره ؛ فإن الله - تعالى - هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداءاً [27] .


21- فإن من جودك الدنيا وضرتها * * * ومن علومك علم اللوح والقلم 


فجعل الدنيا والآخرة من عطاء النبي -صلى الله عليه وسلم - وإفضاله ، والجود هو العطاء والإفضال ؛ فمعنى الكلام : أن الدنيا والآخرة له -صل الله عليه وسلم- ، والله - سبحانه وتعالى - يقول : " وإنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ والأُولَى " [الليل : 13] [28] . 

وقوله : ومن علومك علم اللوح والقلم . في غاية السقوط والبطلان ؛ فإن مضمون مقالته أن الرسول -صل الله عليه وسلم- يعلم الغيب ، وقد قال - سبحانه - : " قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ " [النمل : 65] وقال - عز وجل - : " وعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ ويَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ والْبَحْرِ ومَا تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا ولا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ إلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ " [الأنعام : 59] ، والآيات في هذا كثيرة معلومة [29]. 

وأخيراً أدعو كل مسلم عَلِقَ بهذه القصيدة وولع بها أن يشتغل بما ينفع ؛ فإن حق النبي -صل الله عليه وسلم- إنما يكون بتصديقه فيما أخبر ، واتباعه فيما شرع ، ومحبته دون إفراط أو تفريط ، وأن يشتغلوا بسماع القرآن والسنة والتفقه فيهما ؛ فإن البوصيري وأضرابه استبدلوا إنشاد وسماع هذه القصائد بسماع القرآن والعلم النافع ، فوقعوا في مخالفات ظاهرة ومآخذ فاحشة . 

وإن كان لا بد من قصائد ففي المدائح النبوية التي أنشدها شعراء الصحابة - رضي الله عنهم- كحسان وكعب بن زهير ما يغني ويكفي . 

اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛ إنك حميد مجيد . 


1) المدائح النبوية ، ص 199 .
(2) يقول ابن كثير - رحمه الله - في البداية والنهاية (4 /373) : ورد في بعض الروايات أن رسول الله -صل الله عليه وسلم- أعطاه بردته حن أنشده القصيدة وهذا من الأمور المشهورة جداً ، ولكن لم أر ذلك في شيء ، من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه ؛ فالله أعلم .
(3) انظر مقدمة محقق ديوان البوصيري ، ص 29 .
(4) انظر المدائح النبوية لزكي مبارك ، ص 197 .
(5) مقدمة ديوان البوصيري ، ص 29 ، 30 .
(6) فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي ، 2/258 .
(7) مجموع الفتاوى ، 11 /598 .
(Cool اقتضاء الصراط المستقيم ، 2/692 ، 693 ، باختصار .
(9) انظر ترجمته في مقدمة ديوان البوصيري ، تحقيق محمد سيد كيلاني ، ص 5 - 44 ، وللمحقق كتاب آخر بعنوان : البوصيري دراسة ونقد .
(10) انظر : الصنعاني في موضوعاته ، ص 46 ح (78) ، والسلسلة والموضوعة للألباني ، 1/299 ، ح (282) .
(11) انظر تفصيل ذلك في كتاب محبة الرسول -صل الله عليه وسلم- لعبد الرؤوف عثمان ، ص 169 - 196 .
(12) الدرر السنية ، 9/81 ، وانظر 9/48 ، وانظر : صيانة الإنسان للسهسواني (تعليق محمد رشيد رضا) ، ص 88 .
(13) أخرجه البخاري ، ح /3445 .
(14) انظر القول المفيد ، 1 /376 ، ومفاهيمنا لصالح آل الشيخ ، ص 236 ، ومحبة الرسول لعبد الرؤوف عثمان ، ص 208 .
(15) فتح الباري ، 12 /149 .
(16) غاية الأماني للآلوسي ، 2 /349 .
(17) غاية الأماني للآلوسي ، 2/ 350 ، باختصار وانظر الدر النضيد لابن حمدان ، ص 136 .
(18) الرد على الأخنائي ، ص 41 .
(19) رواه أحمد ، ح /4509 ، والترمذي ، ح / 1534 .
(20) التمهيد ، 14/366 ، 367 .
(21) تيسير العزيز الحميد ، ص 22 .
(22) انظر الدرر السنية ، 9 /51 .
(23) انظر الدرر السنية ، 9/49 ، 82 ، 271 .
(24) تيسير العزيز الحميد ، ص 219 ، 220 .
(25) الدرر السنية ، 9/ 80 ، وانظر 9/49 ، 84 ، 193 ، ومنهاج التأسيس والتقديس لعبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ، ص 212 .
(26) الدر النضيد ، ص 26 .
(27) تيسير العزيز الحميد ، ص 220 ، وانظر الدرر السنية ، 9/52 .
(28) انظر الدرر السنية ، 49 ، 50 ، 81 ، 82 ، 85 ، 268 .
(29) انظر الدرر السنية ، 9/50 ، 62 ، 81 ، 82 ، 268 ، 277 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قصيدة البردة للإمام البوصيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة البردة للإمام البوصيري   قصيدة البردة للإمام البوصيري Emptyالأحد 10 نوفمبر 2013, 10:16 pm



بين البردة للبوصيري ونهج البردة لأحمد شوقي
  دعوة الحق


[ltr]119 العدد[/ltr]
[ltr]
من قصائد شوقي ذات الشهرة الواسعة والمعروفة على نطاق واسع قصيدة "نهج البردة" التي يقول في اولها : [/ltr]
ريم على القاع بين البان والعلم
      احل سفك دمي في الاشهر الحرم
ومعلوم ان شوقي كان قد عارض بهذه القصيدة قصيدة البردة للامام البوصيري التي يقول في اولها
امن تذكر جيران بذي سلم
     مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
والمعارضة في الشعر معناها كما لا يخفى ان يقرا شاعر قصيدة معينة لشاعر ءاخر فيعجب بها ثم ينظم قصيدة اخرى على وزنها وقافيتها وفي موضوعها في الغالب.
وبعض الشعراء لا يقصدون من وراء ذلك الى اكثر من اظهار براعتهم في النظم وقدرتهم على مسايرة الشعراء السابقين لهم والنسج على منوالهم.
وفي هذه الحالة فان المعارضة قد تكتسي صبغة التكلف ويظهر فيها التقليد وتنعدم فيها الاصالة وغالبا ما يعجز الشاعر المعارض عن ان ياتي بقصيدة في قوة القصيدة التي يعارضها ويحاول النسج على منوالها وحتى عندما تسعفه مقدرته اللغوية فان الاحساس والانفعال وهما عنصران اساسيان في الشعر يكونان دون المستوى المطلوب اذ لم يكن منعدمين بالمرة.
لكن بعض الشعراء الاخرين على العكس من ذلك يعمدون لمعارضة بعض القصائد لشعراء ءاخرين لانهم انفعلوا بها كثيرا وبلغ منهم ذلك ان اصبحوا يعيشون في نفس الاجواء التي اوحت بها الى الحد الذي يدفعهم للتعبير عن ذوات نفوسهم فتنطلق القصيدة على لسان الواحد منهم من وزن القصيدة التي يعارضها وعلى قافيتها وفي نفس موضوعها في الغالب
وقد يبدو هنا ايضا تاثر الشاعر اللاحق بالشاعر السابق ولكنه تاثر لا يخل بقيمه عمله الادبي ولا ينقص منه ما دامت الاصالة متوفرة والطابع الشخصي للشاعر المعارض واضحا.
وقد كان شوقي رحمه الله من هذا الصنف الاخير كان يقرا لفحول الشعراء السابقين عليه باعجاب كبير وتاثر بالغ وتستهويه قصيدة معينة فيقف عندها ويطيل الوقوف ويكثر من ترديدها حتى تتتشربها نفسه وينفعل بها كيانه فاذا هو ينطلق بقصيدة اخرى على وزنها وقافيتها وفي مثل قوتها ان لم نقفها في بعض الاحيان.
وهكذا عارض شوقي قصيدة ابن زيدون المشهورة التي يقول فيها
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
     شوقا اليكم ولا جفت ماقينا
بقصيدته التي يقول في اولها
يا نائح الطلح اشباه عوادينا 
     ناسى لواديك ام نشجى لوادينا
وعارض قصيدة البحتري في رثاء ايواء كسرى التي يقول في اولها
صنت نفسي عما يدنس نفسي
     وترفعت عن جدي كل جبس
بقصيدته التي يقول في اولها
اختلاف النهار والليل ينسى
     ذكراني الصبا وايام انسى
وعارض قصيدة ابي نواس التي يقول فيها
حامل الهوى تعب
     يستخفه الطرب
بقصيدته التي يقول في اولها
حف كاسها الحبب
     فهي فضة ذهب
الى غير ذلك من القصائد الكثيرة بل والموشحات التي عارضها شوقي فاتى من عنده بقصائد في مستواها وفي نفس روعتها وجمالها.
وقد كان من القصائد التي اعجب بها شوقي كثيرا وجرب شاعريته في معارضتها القصيدة الهمزية للامام البصيري التي يقول في اولها
كيف ترقى رقيك الانبياء 
     يا سماء ما طاولتها سماء
وقد عارضها شوقي بقصيدته المعروفة التي يقول في اولها
ولد الهدى فالكائنات ضياء
     وفم الزمان تبسم وثناء
وكذلك قصيدة البردة التي نتخذها مع معارضة شوقي لها مدارا لهذا الحديث وقد تقدمت الاشارة اليهما في بداية هذا الكلام.
والامام البوصيري هو الشيخ شرف الدين ابو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد بن محسن بن عبد الله بن صنهاج بن هلال البوصيري نسبة الى بوصير بالصعيد المصري.
وقد ولد الامام البوصيري في اوائل القرن السابع الهجري سنة ثمان وستمائة وتوفي سنة اربع وتسعين وستمائة أي عاش اثنين وثمانين سنة.
وكان سبب نظمه لقصيدة البردة انه مرض مرضا طويلا واصيب بالشلل وعجز الاطباء عن علاجه وبلغ به الالم منتهاه فاتجه بقلبه كله الى الله واكثر من ذكر رسول الله صل الله عليه وسلم.
وفي غمرة هذا الجو الديني العظيم وهذا الانفعال النفسي الغامر نظم هذه القصيدة يمدح فيها الرسول ويثني عليه ويمجده ويذكر صفاته واخلاقه وعظيم مزاياه.
ويقال انه بعد ان اتم نظم هذه القصيدة راى صل الله عليه وسلم في منامه يمسح عليه بيده الكريمة ويلفه في بردته فلما افاق من نومه وجد نفسه سليما معافى ومن ثم سميت هذه القصيدة باسم البردة أي بردة النبي التي رءاه البوصيري يلفه بها في منامه.
ومهما يكن فاننا لا نجد في قصيدة البردة للبوصيري اية اشارة لذلك حتى في الاقسام الاخيرة منها التي يناجي فيها الله او يتوسل اليه برسوله وان كنا نجد في البيت قبل الاخير منها ينص على تسميتها بالبردة وذلك حيث يقول
وهذه بردة المختار قد ختمت
     والحمد لله في بدء وفي ختم
على ان البعض لا ينظر بارتياح الى تسمية هذه القصيدة باسم البردة ويرى ان هذا الاسم يجب ان يظل مقصورا على قصيدة كعب بن زهير التي مدح بها الرسول صل الله عليه وسلم والتي  يقول في اولها
بانت سعاد فقلبي مثبول
     منيم اثرها لم يجز مكبول
والتي يقول فيها
ان الرسول لنور يستضاء به
     مهتد من سيوف الله مسلول
ومعلوم ان الرسول صل الله عليه وسلم طرب لهذه القصيدة وانه خلع بردته على كعب بن زهير وكان ذلك حقيقة لا خيالا وعيانا لا مناما فكانت هذه القصيدة عند هؤلاء احق ان تسمى وحدها بالبردة الا يطلق هذا الاسم على قصيدة اخرى غيرها.
ومهما يكن فقد اشتهرت قصيدة الامام البويصري هذه باسم البردة حتى كاد هذا الاسم يصبح علما عليها.
تقع قصيدة البردة للامام البوصيري في مائة وسبعة وستين بيتا بداها بالتسبيب على العادة التقليدية المتبعة ثم تخلص من ذلك الى التحذير من هوى النفس ثم الى مدح ال رسول صل الله عليه وسلم والاشادة بمعجزاته وعلى راسها القرءان الكريم بطبيعة الحال وختمها بمناجاة الله والتوسل اليه.
وكل ذلك في احكام ومتانة ربط بحيث لا تكاد تحس الانتقال من جزء من اجزاء القصيدة الى جزء ءاخر غيره.
وليس ذلك فيما نرى راجعا فقط الى براعة الشاعر في التخلص من موضوع الى موضوع بل انه يعود الى وحدة الشعور الذي ينتظم القصيدة كلها من اولها الى ءاخرها فيجعلها منها سبيكة واحدة بالرغم من تعدد اقسامها واغراضها.
ورغم ان هذه القصيدة معروفة جدا وتكاد تكون على كمل لسان فاننا لا نرى باسا من ان نورد هنا مقاطع مختلفة منها
يقول الامام البوصيري
لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل
     ولا ارقت لذكر البان والعلم
فكيف تنكر حاب بعدما شهدت
     به يعود عليك عدول الدمع والسقم
يالائمي في الهوى العذري معذرة
     مني اليك ولو انصفت لم تلم
عدتك حالي لا سري بمستنتر
     عن الوشاة ولا دائي بمنجم
محضتني النصح لكن لست اسمعه
     ان المحب عن العذال في صمم
ويقول متحدثا عن نفسه
فان امارتي بالسوء ما اتعظت
     من جهلها بنذير الشيب والهرم
من لي يرد جماح من غوايتها
     كما يرد جماح الخيل باللجم 
والنفس كالطفل ان تهمله شب على
     حب الرضاع وان تفطمه ينفطم
ويقول في مدح الرسول
دع ما ادعته النصارى
     واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
وانسب الى ذاته ما شلت من شرف
     وانسب الى قدره ما شئت من عظم
فان فضل رسول الله ليس له 
     حد فيعرب عنه ناطق بفم
فمبلغ العلم فيه انه بشر
     وانه خير خلق الله كلهم 
ويقول في المناجاة والتوسل
ان ات ذنبا فما عهدي بمنتقص
     من النبي ولا حبلي بمنصرم
فان لي ذمة مني بتسميتي
     محمدا وهو اوفى الخلق بالذمم
ومنذ الزمت افكاري مدائحه 
     وجدته لخلاصي خير ملتزم
ولم ارد زهرة الدنيا التي اقتطفت
     بدا زهير بما انني على هرم




يتبع 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قصيدة البردة للإمام البوصيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة البردة للإمام البوصيري   قصيدة البردة للإمام البوصيري Emptyالأحد 10 نوفمبر 2013, 10:18 pm

تابع
بين البردة للبوصيري ونهج البردة لأحمد شوقي




وننتقل الان الى قصيدة شوقي التي قالها في معارضة قصيدة البردة للبوصيري وسماها "نهج البردة" وهو اسم يدل على مبلغ تادب شوقي وتواضعه فهو لا يعارض قصيدة البردة وانما يقول قصيدة على نهجها كانه يقتفي خطاها وينظر اليها علة انها الاصل الذي لا يجاري ولا يعارض وانما يريد ان يسير على نهجه ويقتفي اثره ويستوحيه ويتتبع خطاه.
ويصرح شوقي في قصيدته نهج البردة بكل ذلك فهو يذكر (صاحب البردة) فيقر له بالفضل والسبق ويعلن انه وهو ينشد هذه القصيدة لا يعارضه لانه فوق مستوى المعارضة وانما هو يغبطه على ما سبق اليه من الفضل وذلك حيث يقول شوقي مخاطبا الرسول صل الله عليه وسلم
المادحون وارباب الهوى تبع
     لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم
مديحه فيك حب خالص وهوى
     وصادق الحب يملي صادق الكلم
الله يشهد اني لا اعارضه
     من ذا يعارض صوب العارض العرم
وانما انا بعض الغابطين ومن
     يغبط وليك لا تذمم ولا يلم
تقع قصيدة نهج البردة لشوقي في مائة وواحد وتسعين بيتا وهي تدل على نفس طويل في الشعر كان يتمتع به شوقي وقد امدته في هذه القصيدة شاعريته الخصبة واحساسه الديني العميق كما يبدو انه عاش زمنا طويلا في قصيدة البردة للبويصري فتشربتها نفسه واندمج في معانيها واخيلتها وصورها وجوها الديني.
ورغم ما هو واضح من ان شوقي كان في هذه القصيدة هو شوقي بكل قوته وبكل شاعريته وبكل قدرته على التصرف في المعاني وتوليدها زابتكارها واخضاعها للقوالب الشعرية فان اثر البويصري ظل واضحا بصورة او باخرى في نهج البردة لشوقي كمت سيبدو لنا بعد حين.
وكما بدا البوصيري قصيدته بالنسيب فقد بدا شوقي قصيدته بالنسيب ايضا وقد استغرق ذلك من نهج البردة اربعة وعشرين بيتا نذكر كنموذج لها الابيات التالية :
ريم على القاع بين البان والعلم
     احل سفك دمي في الاشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر اسدا
     يا ساكن القاع ادرك ساكن الاجم
لما رمى حدثتتني التفس قائلة
     يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي
جحدتها وكتمت السهم في كبدي 
     جرح الاحبة عندي غير ذي الم
رزقت اسمح ما في الناس من خلق
     اذا رزقت التماس العذر في النسيم
يا لائمي في هواه والهوى قدر
     ولو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم
لقد انلتك اذنا غير واعية
     ورب منتصب والقلب في صمم 
يا ناعس الطرف لا ذقت الهوى ابدا
     اسهرت مضناك في حفظ الهوى فنسم
الى ءاخر الابيات الاربعة والعشرين التي خصصها شوقي للنسيب في قصيدته هذه.
ونلاحظ من الابيات التي قدمناها كنموذج لهذا القسم عدة ملاحظات
اولاها : انها جاءت في اخليتها ملائمة لموضوع القصيدة ونهجها وجوها وطبيعتها التاريخية فالغزل فيها غزل قديم لا يكاد يمت بصلة الى طابع العصر الذي نعيش فيه وانما يمت بصلة قوية الى حياة البداوة التي تطبع الشعر العربي القديم فهو يذكر الريم والقاع والبان والاسد والجؤذر والاجم وما الى ذلك مما اضفى على القصيدة لونا بدويا خالصا لعل شوقي قد اختاره عن قصد او لعله تاثر فيه بالقصيدة التي يعارضها وهي قصيدة البردة للامام البوصيري.
ثانيا : نلاحظ ان شوقي قد جرته هنا ايضا طبيعته المبالة الى شعر الحكمة فنحن نجده في كل قصائده او جلها يطلق بين الحين والحين بيتا من الشعر يضمنه حكمة من حكمه وذلك كقوله هنا : 
رزقت اسمح ما في الناس من خلق
     اذا رزقت التماس العذر في الشيم
وننتقل الان الى القسم الثاني من قصيدة نهج البردة وهو الذي يتخذه شوقي توظئة وتمهيدا للدخول في الغرض المقصود منها وهو مدح الرسول صلى الله عايه وسلم والثناء عليه.
في هذا القسم يتحدث شوقي عن الدنيا او عن الحياة منددا بتفاهتها وبالمتكالبين عليها الغافلين بها عن تقوى الله وعمل الخير والسعي لما فيه نفع الناس عامة.
ينتقل شوقي الى هذا القسم من قصيدته انتقالا مفاجئئا وبدون تمهيد او ربط له بما قبله فيقول : 
يا نفس دنياك كل مبكية
     وان بدا لك منها حسن مبتسم
ثم يقول
يا وليتاه لنفسي راعها ودهي
     مسودة الصحف في مبيضة اللمم
ركضتها في مربع المعصيات وما
     اخذت من حمية الطاعات للتخم
صلاح امرك اللاخلاق مرجعه
     فقوم النفس بالاخلاق تستقم
والنفس من خيرها في خير عافية
     والنفس من شرها في مرتع وخك
تطغى اذا مكنت من لذة وهوى
     طغي الجياد اذا عضت على الشكم
ان جل ذنبي عن الغفران لي امل
     في الله يجعلني في خير معتصم
وان تقدم ذو تقوى بصالحة
     قدمت بين يديه عبرة الندم
ويقول بعد هذا البيت مباشرة
لزمت باب امير الانبياء ومن
     يمسك بمفتاح باب الله يغتنم
وهكذا ينتقل من القسم الثاني الذي يتحدث فيه عن الحياة ويحذر نفسه من اشراكها ويغريها بالطاعة الى القسم الثالث والاخير والمقصود بالذات وهو مدح الرسول صل الله عليه وسلم.
يستغرق هذا القسم من القصيدة مائة وثمانية واربعين بيتا من الشعر الجيد المتناهي في الجودة المعبر عما تكنه نفوس المسلمين جميعا من محبة للرسول وتعظيم لشانه واجلال لقدره مع دعوة في نفس الوقت الى الاقتداء به واتخاذه مثلا عاليا في تقواه واخلاقه وشيمه وحسن سياسته.
ويتمالك شوقي الاعجاب بقصيدته هذه الى مدح الرسول بل يحس انه كلما تصدى لمدحه واتاه التوفيق ونال السبق فيقول مغبرا عن ذلك : 
يزري قريض زهيرا حين امدحه
     ولا يقاس الى جودي لدي هرم
واية غرابة في ذلك وشوقي هو شوقي والممدوح هو الرسول ودوافع المدح لا تتعلق باي غرض دنيوي وانما هو الايمان الصادق والمحبة الخالصة ورجاء الثواب من عند الله.
وبما ان المقام لا يتسع هنا لايراد هذا القسم كله من نهج البردة وبما ان الاختيار منه من الصعوبة بمكان كبير لانه كله جيد فلنكتف بان نورد بعض ابياته كنموذج فقط لا على انها المختارة او الاحسن.
يقول شوقي
ونودي "اقرا" تعالى الله قائلها
     لم تتصل قبل من قيلت له بفم
هناك اذن للرحمان فامتلات 
     اسماع مكة من قدسية النغم 
فلا تسل عن قريش كيف حيرتها
     وكيف نفرتها في السهل والعلم
تساءلوا عن عظيم قد الم بهم
     رمى المشايخ والولدان باللمم 
يا جاهلين على الهادي ودعوته
     هل تجهلون مكان الصادق العلم؟
لقبتموه امين القوم في صغر
     وما الامين على قول بمتهم
سرت بتائر بالهادي ومولده
     في الشرق والغرب مسرى النور في الظلم
تخطفت مهج الطاغين من عرب
     وطيرت انفس الباعثين من عجم
اتيت والناس صرعى لا تمر بهم
     الا على صنم قد هام في صنم
والارض مملوءة جورا مسخرة
     لكل طاغبة في الخلق محتكم
والخلق بفتك اقواهم باضعفهم
     كالليث بالبهم او كالحوت بالبلم
وبمضي شوقي الى ان يختم قصيدته بالدعاء للمسلمين ان يقبل الله عثرتهم وان يعود بهم الى سالف مجدهم وعزتهم فيقول : 
يا رب هب شعوب من منيتها
     واستيقظت امم من رقدة العدم
سعد ونحس وملك انت مالكه
     تديل من نعم فيه ومن نقم
راى فضلوك فينا راي حكمته
     اكرم بوجهك من قاض ومنتقم
فالطف لاجل رسول العالمين بنا
     ولا تزد قومه خسفا ولا تسم
يارب احسنت بدء المسلمين به
     فتمم الفضل وامنح حسن مختتم
تلك لمحات خاطفة عن البردة للبوصيري وعن نهج البردة لشوقي وكلاهما قد بلغ الغاية وقد راينا شوقي يعترف للبوصيري بفضل السبق ويصرح انه لا يعارضه لانه يراه في بردته فوق مستوى المعارضة وانما هو يغبطه على ما سبق اليه من الفضل وما اوتيه من التوفيق ولا لوم اليه على الانسان ان يغبط في مثل هذا المقام كما اشار شوقي الى ذلك.
واذا كان من الانصاف للحقيقة ان تعترف لشوقي بانه هو ايضا ابدع واجاد في نهج البردة وانه لم يقصر عن شاو البوصيري ولا تخلف عن مستواه فان من الانصاف للحقيقة ايضا ان نقول ان ءاتار البردة واضحة في نهج البردة وضوحا لا تخطئه العين ليس ذلك فقط في الروح العامة التي تنتظم القصيدتين معا وانما ايضا في بعض الصور التعبيرية والاخيلة الادبية بل ان الامر يتعدى ذلك احيانا الى المفردات والتراكيب كما قد يتضح من الامثلة التالية : 
يقول البوصيري
يا لائمي في الهوى العذري معذرة
     مني اليك ولو انصفت لم تلم
محضتني النصح لكن لست اسمعه
     ان المحب عن العذال في صمم
ويقول شوقي في نفس المعنى
يا لائمي في هواه والهوى قدر
     لو شفك الوجد لم تعذل ولم تسل
لقد انلتك اذنا غير واعية
     ورب منتصت والغلب في صمم
ويدعونا البصيري الى ان نلزم "حمية الندم" فيقول
واستفرغ الدمع من عين قد امتلات
     من المحارم والزم حمية الندم
ولعل هذا الاستعمال اللغوي يعجب شوقي ولا يستطيع ان يلفت من اساره فيحدثنا عن نفسه قائلا : 
ركضتها في مريع المعصيات وما
     اخذت من حمية الطاعات للتخم
ويتحدث البوصيري عن نفسه فيقول
من لي برد جماح من غوايتها
     كما يرد جماح الخيل باللجم
أما شوقي فيقول عن النفس ايضا : 
تطغى اذا مكنت من لذة وهوى
      طغي الجياد اذا عضت على الشكم
ويقول البوصيري ذاكرا زهير بن ابي سلمى ومدحه لهرم بن سنان
ولم ارد زهرة الدنيا التي اقتطفت
     بدا زهير بما اثنى على هرم
ويقول شوقي متحدثا عن شعره في مدح الرسول : 
يزري قريضي زهيرا حين امدحه
     ولا يقاس الى جودته لدي هرم
واذا راينا شوقي يدعو الرسول صل الله عليه وسلم باسم (احمد) ويذكر انه يعتز بانه هو ايضا اسمه احمد فيقول
يا احمد الخير لي جاه بتسميتي
     وكيف لا يتسامى بالرسول سمي
فيجب ان نذكر قول البوصيري واسمه كما سلف هو (محمد)
فان لي ذمة منه بتسميتي 
     محمدا وهو اوفى الخلق بالذمم
والامثلة كثيرة ومحاولة استقصائها تخرج بنا عن القصد ولعل فيما قدمناه كفاية
واذا كان لذلك من دلالة فهو ان شوقي رغم قوة عارضته الشعرية واصالته التي لا سبيل الى الشك فيها لم يستطع وهو ينشد نهج البردة ان ينحذر من تاثير البردة او يلفت من اسارها لانه فيما قد عاش فيها طويلا وتملاها كثيرا وتشبع بها وجدانه وكيانه وانطبع بها لسانه فظهرت نتيجة لكل ذلك ءاثارها في عمله على نحو لا يقلل من قيمة هذا العمل ابدا لانه بالرغم من كل ذلك لا يفتقر الى الاصالة وصدق الانفعال وقوة الاحساس.
ورحم الله شوقي م ا كان ابره وهو يقول : 
المادحون وارباب الهوى تبع
     لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم
مديحه فيك خالص وهوى
     وصادق الحب يملي صادق الكلم
الله يشهد اني لا اعارضه 
     من ذا يعارض صوب العارض العرم
وانما انا بعض الغابطين ومن
     يغبط وليك لا يذمم ولا يلم
     


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قصيدة البردة للإمام البوصيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة البردة للإمام البوصيري   قصيدة البردة للإمام البوصيري Emptyالأحد 10 نوفمبر 2013, 10:23 pm


هذه قصيدة( نهج البردة) الشهيرة للأمير أحمد شوقي :

ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ" "أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا" "يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً" "يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي" "جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ" "إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ" "لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
لَقَد أَنَلتُكَ أُذنًا غَيرَ واعِيَةٍ" "وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ
يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى أَبَدًا" "أَسهَرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهَوى فَنَمِ
أَفديكَ إِلفًا وَلا آلو الخَيالَ فِدًى" "أَغراكَ باِلبُخلِ مَن أَغراهُ بِالكَرَمِ
سَرى فَصادَفَ جُرحًا دامِيًا فَأَسا" "وَرُبَّ فَضلٍ عَلى العُشّاقِ لِلحُلُمِ
مَنِ المَوائِسُ بانًا بِالرُبى وَقَنًا" "اللاعِباتُ بِروحي السافِحاتُ دَمي
السافِراتُ كَأَمثالِ البُدورِ ضُحًى" "يُغِرنَ شَمسَ الضُحى بِالحَليِ وَالعِصَمِ
القاتِلاتُ بِأَجفانٍ بِها سَقَمٌ" "وَلِلمَنِيَّةِ أَسبابٌ مِنَ السَقَمِ
العاثِراتُ بِأَلبابِ الرِجالِ وَما" "أُقِلنَ مِن عَثَراتِ الدَلِّ في الرَسَمِ
المُضرِماتُ خُدودًا أَسفَرَتْ وَجَلَتْ" "عَن فِتنَةٍ تُسلِمُ الأَكبادَ لِلضَرَمِ
الحامِلاتُ لِواءَ الحُسنِ مُختَلِفًا" "أَشكالُهُ وَهوَ فَردٌ غَيرُ مُنقَسِمِ
مِن كُلِّ بَيضاءَ أَو سَمراءَ زُيِّنَتا" "لِلعَينِ وَالحُسنُ في الآرامِ كَالعُصُمِ
يُرَعنَ لِلبَصَرِ السامي وَمِن عَجَبٍ" "إِذا أَشَرنَ أَسَرنَ اللَيثَ بِالعَنَمِ
وَضَعتُ خَدّي وَقَسَّمتُ الفُؤادَ رُبًى" "يَرتَعنَ في كُنُسٍ مِنهُ وَفي أَكَمِ
يا بِنتَ ذي اللَبَدِ المُحَميِّ جانِبُهُ" "أَلقاكِ في الغابِ أَم أَلقاكِ في الأُطُمِ
ما كُنتُ أَعلَمُ حَتّى عَنَّ مَسكَنُهُ" "أَنَّ المُنى وَالمَنايا مَضرِبُ الخِيَمِ
مَن أَنبَتَ الغُصنَ مِن صَمصامَةٍ ذَكَرٍ" "وَأَخرَجَ الريمَ مِن ضِرغامَةٍ قَرِمِ
بَيني وَبَينُكِ مِن سُمرِ القَنا حُجُبٌ" "وَمِثلُها عِفَّةٌ عُذرِيَّةُ العِصَمِ
لَم أَغشَ مَغناكِ إِلا في غُضونِ كِرًى" "مَغناكَ أَبعَدُ لِلمُشتاقِ مِن إِرَمِ
يا نَفسُ دُنياكِ تُخفى كُلَّ مُبكِيَةٍ" "وَإِن بَدا لَكِ مِنها حُسنُ مُبتَسَمِ
فُضّي بِتَقواكِ فاهًا كُلَّما ضَحِكَتْ" "كَما يَفُضُّ أَذى الرَقشاءِ بِالثَرَمِ
مَخطوبَةٌ مُنذُ كانَ الناسُ خاطِبَةٌ" "مِن أَوَّلِ الدَهرِ لَم تُرمِل وَلَم تَئَمِ
يَفنى الزَمانُ وَيَبقى مِن إِساءَتِها" "جُرحٌ بِآدَمَ يَبكي مِنهُ في الأَدَمِ
لا تَحفَلي بِجَناها أَو جِنايَتِها" "المَوتُ بِالزَهرِ مِثلُ المَوتِ بِالفَحَمِ
كَم نائِمٍ لا يَراها وَهيَ ساهِرَةٌ" "لَولا الأَمانِيُّ وَالأَحلامُ لَم يَنَمِ
طَورًا تَمُدُّكَ في نُعمى وَعافِيَةٍ" "وَتارَةً في قَرارِ البُؤسِ وَالوَصَمِ
كَم ضَلَّلَتكَ وَمَن تُحجَب بَصيرَتُهُ" "إِن يَلقَ صابا يَرِد أَو عَلقَمًا يَسُمُ
يا وَيلَتاهُ لِنَفسي راعَها وَدَها" "مُسوَدَّةُ الصُحفِ في مُبيَضَّةِ اللَمَمِ
رَكَضتُها في مَريعِ المَعصِياتِ وَما" "أَخَذتُ مِن حِميَةِ الطاعاتِ لِلتُخَمِ
هامَت عَلى أَثَرِ اللَذّاتِ تَطلُبُها" "وَالنَفسُ إِن يَدعُها داعي الصِبا تَهِمِ
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ" "فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ
وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ" "وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ
تَطغى إِذا مُكِّنَت مِن لَذَّةٍ وَهَوًى" "طَغيَ الجِيادِ إِذا عَضَّت عَلى الشُكُمِ
إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ" "في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصِمِ
أَلقى رَجائي إِذا عَزَّ المُجيرُ عَلى" "مُفَرِّجِ الكَرَبِ في الدارَينِ وَالغَمَمِ
إِذا خَفَضتُ جَناحَ الذُلِّ أَسأَلُهُ" "عِزَّ الشَفاعَةِ لَم أَسأَل سِوى أُمَمِ
وَإِن تَقَدَّمَ ذو تَقوى بِصالِحَةٍ" "قَدَّمتُ بَينَ يَدَيهِ عَبرَةَ النَدَمِ
لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ وَمَن" "يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللهِ يَغتَنِمِ
فَكُلُّ فَضلٍ وَإِحسانٍ وَعارِفَةٍ" "ما بَينَ مُستَلِمٍ مِنهُ وَمُلتَزِمِ
عَلَّقتُ مِن مَدحِهِ حَبلاً أُعَزُّ بِهِ" "في يَومِ لا عِزَّ بِالأَنسابِ وَاللُّحَمِ
يُزري قَريضي زُهَيرًا حينَ أَمدَحُهُ" "وَلا يُقاسُ إِلى جودي لَدى هَرِمِ
مُحَمَّدٌ صَفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ" "وَبُغيَةُ اللهِ مِن خَلقٍ وَمِن نَسَمِ
وَصاحِبُ الحَوضِ يَومَ الرُسلِ سائِلَةٌ" "مَتى الوُرودُ وَجِبريلُ الأَمينُ ظَمي
سَناؤُهُ وَسَناهُ الشَمسُ طالِعَةً" "فَالجِرمُ في فَلَكٍ وَالضَوءُ في عَلَمِ
قَد أَخطَأَ النَجمَ ما نالَت أُبُوَّتُهُ" "مِن سُؤدُدٍ باذِخٍ في مَظهَرٍ سَنِمِ
نُموا إِلَيهِ فَزادوا في الوَرى شَرَفًا" "وَرُبَّ أَصلٍ لِفَرعٍ في الفَخارِ نُمي
حَواهُ في سُبُحاتِ الطُهرِ قَبلَهُمُ" "نورانِ قاما مَقامَ الصُلبِ وَالرَحِمِ
لَمّا رَآهُ بَحيرًا قالَ نَعرِفُهُ" "بِما حَفِظنا مِنَ الأَسماءِ وَالسِيَمِ
سائِل حِراءَ وَروحَ القُدسِ هَل عَلِما" "مَصونَ سِرٍّ عَنِ الإِدراكِ مُنكَتِمِ
كَم جَيئَةٍ وَذَهابٍ شُرِّفَتْ بِهِما" "بَطحاءُ مَكَّةَ في الإِصباحِ وَالغَسَمِ
وَوَحشَةٍ لِاِبنِ عَبدِ اللَهِ بينَهُما" "أَشهى مِنَ الأُنسِ بِالأَحسابِ وَالحَشَمِ
يُسامِرُ الوَحيَ فيها قَبلَ مَهبِطِهِ" "وَمَن يُبَشِّر بِسيمى الخَيرِ يَتَّسِمِ
لَمّا دَعا الصَحبُ يَستَسقونَ مِن ظَمَإٍ" "فاضَت يَداهُ مِنَ التَسنيمِ بِالسَنَمِ
وَظَلَّلَتهُ فَصارَت تَستَظِلُّ بِهِ" "غَمامَةٌ جَذَبَتها خيرَةُ الدِيَمِ
مَحَبَّةٌ لِرَسولِ اللَهِ أُشرِبَها" "قَعائِدُ الدَيرِ وَالرُهبانُ في القِمَمِ
إِنَّ الشَمائِلَ إِن رَقَّت يَكادُ بِها" "يُغرى الجَمادُ وَيُغرى كُلُّ ذي نَسَمِ
وَنودِيَ اِقرَأ تَعالى اللهُ قائِلُها" "لَم تَتَّصِل قَبلَ مَن قيلَت لَهُ بِفَمِ
هُناكَ أَذَّنَ لِلرَحَمَنِ فَاِمتَلأَتْ" "أَسماعُ مَكَّةَ مِن قُدسِيَّةِ النَغَمِ
فَلا تَسَل عَن قُرَيشٍ كَيفَ حَيرَتُها" "وَكَيفَ نُفرَتُها في السَهلِ وَالعَلَمِ
تَساءَلوا عَن عَظيمٍ قَد أَلَمَّ بِهِمْ" "رَمى المَشايِخَ وَالوِلدانِ بِاللَمَمِ
يا جاهِلينَ عَلى الهادي وَدَعوَتِهِ" "هَل تَجهَلونَ مَكانَ الصادِقِ العَلَمِ
لَقَّبتُموهُ أَمينَ القَومِ في صِغَرٍ" "وَما الأَمينُ عَلى قَولٍ بِمُتَّهَمِ
فاقَ البُدورَ وَفاقَ الأَنبِياءَ فَكَمْ" "بِالخُلقِ وَالخَلقِ مِن حُسنٍ وَمِن عِظَمِ
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ" "وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ" "يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ" "يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتَقوى وَبِالرَحِمِ
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً" "حَديثُكَ الشَهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
حَلَّيتَ مِن عَطَلٍ جِيدَ البَيانِ بِهِ" "في كُلِّ مُنتَثِرٍ في حُسنِ مُنتَظِمِ
بِكُلِّ قَولٍ كَريمٍ أَنتَ قائِلُهُ" "تُحيِ القُلوبَ وَتُحيِ مَيِّتَ الهِمَمِ
سَرَت بَشائِرُ باِلهادي وَمَولِدِهِ" "في الشَرقِ وَالغَربِ مَسرى النورِ في الظُلَمِ
تَخَطَّفَتْ مُهَجَ الطاغينَ مِن عَرَبٍ" "وَطَيَّرَت أَنفُسَ الباغينَ مِن عُجُمِ
ريعَت لَها شَرَفُ الإيوانِ فَاِنصَدَعَتْ" "مِن صَدمَةِ الحَقِّ لا مِن صَدمَةِ القُدُمِ
أَتَيتَ وَالناسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِمْ" "إِلا عَلى صَنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ
وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَورًا مُسَخَّرَةٌ" "لِكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ
مُسَيطِرُ الفُرسِ يَبغي في رَعِيَّتِهِ" "وَقَيصَرُ الرومِ مِن كِبرٍ أَصَمُّ عَمِ
يُعَذِّبانِ عِبادَ اللَهِ في شُبَهٍ" "وَيَذبَحانِ كَما ضَحَّيتَ بِالغَنَمِ
وَالخَلقُ يَفتِكُ أَقواهُمْ بِأَضعَفِهِمْ" "كَاللَيثِ بِالبَهْمِ أَو كَالحوتِ بِالبَلَمِ
أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَلائِكُهُ" "وَالرُسلُ في المَسجِدِ الأَقصى عَلى قَدَمِ
لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِمْ" "كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ
صَلّى وَراءَكَ مِنهُمْ كُلُّ ذي خَطَرٍ" "وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللهِ يَأتَمِمِ
جُبتَ السَماواتِ أَو ما فَوقَهُنَّ بِهِمْ" "عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُجُمِ
رَكوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ" "لا في الجِيادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ
مَشيئَةُ الخالِقِ الباري وَصَنعَتُهُ" "وَقُدرَةُ اللهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها" "عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ
وَقيلَ كُلُّ نَبِيٍّ عِندَ رُتبَتِهِ" "وَيا مُحَمَّدُ هَذا العَرشُ فَاستَلِمِ
خَطَطتَ لِلدينِ وَالدُنيا عُلومَهُما" "يا قارِئَ اللَوحِ بَل يا لامِسَ القَلَمِ
أَحَطتَ بَينَهُما بِالسِرِّ وَانكَشَفَت" "لَكَ الخَزائِنُ مِن عِلمٍ وَمِن حِكَمِ
وَضاعَفَ القُربُ ما قُلِّدتَ مِن مِنَنٍ" "بِلا عِدادٍ وَما طُوِّقتَ مِن نِعَمِ
سَل عُصبَةَ الشِركِ حَولَ الغارِ سائِمَةً" "لَولا مُطارَدَةُ المُختارِ لَم تُسَمَ
هَل أَبصَروا الأَثَرَ الوَضّاءَ أَم سَمِعوا" "هَمسَ التَسابيحِ وَالقُرآنِ مِن أُمَمِ
وَهَل تَمَثَّلَ نَسجُ العَنكَبوتِ لَهُمْ" "كَالغابِ وَالحائِماتُ الزُغْبُ كَالرُخَمِ
فَأَدبَروا وَوُجوهُ الأَرضِ تَلعَنُهُمْ" "كَباطِلٍ مِن جَلالِ الحَقِّ مُنهَزِمِ
لَولا يَدُ اللهِ بِالجارَينِ ما سَلِما" "وَعَينُهُ حَولَ رُكنِ الدينِ لَم يَقُمِ
تَوارَيا بِجَناحِ اللهِ وَاستَتَرا" "وَمَن يَضُمُّ جَناحُ اللهِ لا يُضَمِ
يا أَحمَدَ الخَيرِ لي جاهٌ بِتَسمِيَتي" "وَكَيفَ لا يَتَسامى بِالرَسولِ سَمي
المادِحونَ وَأَربابُ الهَوى تَبَعٌ" "لِصاحِبِ البُردَةِ الفَيحاءِ ذي القَدَمِ
مَديحُهُ فيكَ حُبٌّ خالِصٌ وَهَوًى" "وَصادِقُ الحُبِّ يُملي صادِقَ الكَلَمِ
اللهُ يَشهَدُ أَنّي لا أُعارِضُهُ" "من ذا يُعارِضُ صَوبَ العارِضِ العَرِمِ
وَإِنَّما أَنا بَعضُ الغابِطينَ وَمَنْ" "يَغبِط وَلِيَّكَ لا يُذمَم وَلا يُلَمِ
هَذا مَقامٌ مِنَ الرَحمَنِ مُقتَبَسٌ" "تَرمي مَهابَتُهُ سَحبانَ بِالبَكَمِ
البَدرُ دونَكَ في حُسنٍ وَفي شَرَفٍ" "وَالبَحرُ دونَكَ في خَيرٍ وَفي كَرَمِ
شُمُّ الجِبالِ إِذا طاوَلتَها انخَفَضَتْ" "وَالأَنجُمُ الزُهرُ ما واسَمتَها تَسِمِ
وَاللَيثُ دونَكَ بَأسًا عِندَ وَثبَتِهِ" "إِذا مَشَيتَ إِلى شاكي السِلاحِ كَمي
تَهفو إِلَيكَ وَإِن أَدمَيتَ حَبَّتَها" "في الحَربِ أَفئِدَةُ الأَبطالِ وَالبُهَمِ
مَحَبَّةُ اللَهِ أَلقاها وَهَيبَتُهُ" "عَلى اِبنِ آمِنَةٍ في كُلِّ مُصطَدَمِ
كَأَنَّ وَجهَكَ تَحتَ النَقعِ بَدرُ دُجًى" "يُضيءُ مُلتَثِمًا أَو غَيرَ مُلتَثِمِ
بَدرٌ تَطَلَّعَ في بَدرٍ فَغُرَّتُهُ" "كَغُرَّةِ النَصرِ تَجلو داجِيَ الظُلَمِ
ذُكِرتَ بِاليُتمِ في القُرآنِ تَكرِمَةً" "وَقيمَةُ اللُؤلُؤِ المَكنونِ في اليُتُمِ
اللهُ قَسَّمَ بَينَ الناسِ رِزقَهُمُ" "وَأَنتَ خُيِّرتَ في الأَرزاقِ وَالقِسَمِ
إِن قُلتَ في الأَمرِ «لا» أَو قُلتَ فيهِ «نَعَم»" "فَخيرَةُ اللهِ في «لا» مِنكَ أَو «نَعَمِ»
أَخوكَ عيسى دَعا مَيتًا فَقامَ لَهُ" "وَأَنتَ أَحيَيتَ أَجيالاً مِنَ الزَّمَمِ
وَالجَهلُ مَوتٌ فَإِن أوتيتَ مُعجِزَةً" "فَابعَث مِنَ الجَهلِ أَو فَابعَث مِنَ الرَجَمِ
قالوا غَزَوتَ وَرُسلُ اللَهِ ما بُعِثوا" "لِقَتلِ نَفسٍ وَلا جاؤوا لِسَفكِ دَمِ
جَهلٌ وَتَضليلُ أَحلامٍ وَسَفسَطَةٌ" "فَتَحتَ بِالسَيفِ بَعدَ الفَتحِ بِالقَلَمِ
لَمّا أَتى لَكَ عَفوًا كُلُّ ذي حَسَبٍ" "تَكَفَّلَ السَيفُ بِالجُهّالِ وَالعَمَمِ
وَالشَرُّ إِن تَلقَهُ بِالخَيرِ ضِقتَ بِهِ" "ذَرعًا وَإِن تَلقَهُ بِالشَرِّ يَنحَسِمِ
سَلِ المَسيحِيَّةَ الغَرّاءَ كَم شَرِبَتْ" "بِالصابِ مِن شَهَواتِ الظالِمِ الغَلِمِ
طَريدَةُ الشِركِ يُؤذيها وَيوسِعُها" "في كُلِّ حينٍ قِتالاً ساطِعَ الحَدَمِ
لَولا حُماةٌ لَها هَبّوا لِنُصرَتِها" "بِالسَيفِ ما انتَفَعَت بِالرِفقِ وَالرُحَمِ
لَولا مَكانٌ لِعيسى عِندَ مُرسِلِهِ" "وَحُرمَةٌ وَجَبَت لِلروحِ في القِدَمِ
لَسُمِّرَ البَدَنُ الطُهْرُ الشَريفُ عَلى" "لَوحَينِ لَم يَخشَ مُؤذيهِ وَلَم يَجِمِ
جَلَّ المَسيحُ وَذاقَ الصَلبَ شانِئُهُ" "إِنَّ العِقابَ بِقَدرِ الذَنبِ وَالجُرُمِ
أَخو النَبِيِّ وَروحُ اللهِ في نُزُلٍ" "فَوقَ السَماءِ وَدونَ العَرشِ مُحتَرَمِ
عَلَّمتَهُمْ كُلَّ شَيءٍ يَجهَلونَ بِهِ" "حَتّى القِتالَ وَما فيهِ مِنَ الذِّمَمِ
دَعَوتَهُمْ لِجِهادٍ فيهِ سُؤدُدُهُمْ" "وَالحَربُ أُسُّ نِظامِ الكَونِ وَالأُمَمِ
لَولاهُ لَم نَرَ لِلدَولاتِ في زَمَنٍ" "ما طالَ مِن عُمُدٍ أَو قَرَّ مِن دُهُمِ
تِلكَ الشَواهِدُ تَترى كُلَّ آوِنَةٍ" "في الأَعصُرِ الغُرِّ لا في الأَعصُرِ الدُهُمِ
بِالأَمسِ مالَت عُروشٌ وَاعتَلَتْ سُرُرٌ" "لَولا القَذائِفُ لَم تَثلَمْ وَلَم تَصُمِ
أَشياعُ عيسى أَعَدّوا كُلَّ قاصِمَةٍ" "وَلَم نُعِدَّ سِوى حالاتِ مُنقَصِمِ
مَهما دُعيتَ إِلى الهَيجاءِ قُمتَ لَها" "تَرمي بِأُسْدٍ وَيَرمي اللهُ بِالرُجُمِ
عَلى لِوائِكَ مِنهُم كُلُّ مُنتَقِمٍ" "للهِ مُستَقتِلٍ في اللهِ مُعتَزِمِ
مُسَبِّحٍ لِلِقاءِ اللهِ مُضطَرِمٍ" "شَوقًا عَلى سابِخٍ كَالبَرقِ مُضطَرِمِ
لَو صادَفَ الدَهرَ يَبغي نَقلَةً فَرَمى" "بِعَزمِهِ في رِحالِ الدَهرِ لَم يَرِمِ
بيضٌ مَفاليلُ مِن فِعلِ الحُروبِ بِهِمْ" "مِن أَسيُفِ اللهِ لا الهِندِيَّةُ الخُذُمُ
كَم في التُرابِ إِذا فَتَّشتَ عَن رَجُلٍ" "مَن ماتَ بِالعَهدِ أَو مَن ماتَ بِالقَسَمِ
لَولا مَواهِبُ في بَعضِ الأَنامِ لَما" "تَفاوَتَ الناسُ في الأَقدارِ وَالقِيَمِ
شَريعَةٌ لَكَ فَجَّرتَ العُقولَ بِها" "عَن زاخِرٍ بِصُنوفِ العِلمِ مُلتَطِمِ
يَلوحُ حَولَ سَنا التَوحيدِ جَوهَرُها" "كَالحَليِ لِلسَيفِ أَو كَالوَشيِ لِلعَلَمِ
غَرّاءُ حامَتْ عَلَيها أَنفُسٌ وَنُهًى" "وَمَن يَجِد سَلسَلاً مِن حِكمَةٍ يَحُمِ
نورُ السَبيلِ يُساسُ العالَمونَ بِها" "تَكَفَّلَتْ بِشَبابِ الدَهرِ وَالهَرَمِ
يَجري الزَمانُ وَأَحكامُ الزَمانِ عَلى" "حُكمٍ لَها نافِذٍ في الخَلقِ مُرتَسِمِ
لَمّا اعتَلَت دَولَةُ الإِسلامِ وَاتَّسَعَتْ" "مَشَتْ مَمالِكُهُ في نورِها التَّمَمِ
وَعَلَّمَتْ أُمَّةً بِالقَفرِ نازِلَةً" "رَعيَ القَياصِرِ بَعدَ الشاءِ وَالنَعَمِ
كَم شَيَّدَ المُصلِحونَ العامِلونَ بِها" "في الشَرقِ وَالغَربِ مُلكًا باذِخَ العِظَمِ
لِلعِلمِ وَالعَدلِ وَالتَمدينِ ما عَزَموا" "مِنَ الأُمورِ وَما شَدّوا مِنَ الحُزُمِ
سُرعانَ ما فَتَحوا الدُنيا لِمِلَّتِهِمْ" "وَأَنهَلوا الناسَ مِن سَلسالِها الشَبِمِ
ساروا عَلَيها هُداةَ الناسِ فَهيَ بِهِمْ" "إِلى الفَلاحِ طَريقٌ واضِحُ العَظَمِ
لا يَهدِمُ الدَهرُ رُكنًا شادَ عَدلَهُمُ" "وَحائِطُ البَغيِ إِن تَلمَسهُ يَنهَدِمِ
نالوا السَعادَةَ في الدارَينِ وَاِجتَمَعوا" "عَلى عَميمٍ مِنَ الرُضوانِ مُقتَسَمِ
دَع عَنكَ روما وَآثينا وَما حَوَتا" "كُلُّ اليَواقيتِ في بَغدادَ وَالتُوَمِ
وَخَلِّ كِسرى وَإيوانًا يَدِلُّ بِهِ" "هَوى عَلى أَثَرِ النيرانِ وَالأَيُمِ
وَاترُك رَعمَسيسَ إِنَّ المُلكَ مَظهَرُهُ" "في نَهضَةِ العَدلِ لا في نَهضَةِ الهَرَمِ
دارُ الشَرائِعِ روما كُلَّما ذُكِرَتْ" "دارُ السَلامِ لَها أَلقَتْ يَدَ السَلَمِ
ما ضارَعَتها بَيانًا عِندَ مُلتَأَمٍ" "وَلا حَكَتها قَضاءً عِندَ مُختَصَمِ 



وَلا احتَوَت في طِرازٍ مِن قَياصِرِها" "عَلى رَشيدٍ وَمَأمونٍ وَمُعتَصِمِ
مَنِ الَّذينَ إِذا سارَت كَتائِبُهُمْ" "تَصَرَّفوا بِحُدودِ الأَرضِ وَالتُخَمِ
وَيَجلِسونَ إِلى عِلمٍ وَمَعرِفَةٍ" "فَلا يُدانَونَ في عَقلٍ وَلا فَهَمِ
يُطَأطِئُ العُلَماءُ الهامَ إِن نَبَسوا" "مِن هَيبَةِ العِلمِ لا مِن هَيبَةِ الحُكُمِ
وَيُمطَرونَ فَما بِالأَرضِ مِن مَحَلٍ" "وَلا بِمَن باتَ فَوقَ الأَرضِ مِن عُدُمِ
خَلائِفُ اللهِ جَلّوا عَن مُوازَنَةٍ" "فَلا تَقيسَنَّ أَملاكَ الوَرى بِهِمِ
مَن في البَرِيَّةِ كَالفاروقِ مَعدَلَةً" "وَكَابنِ عَبدِ العَزيزِ الخاشِعِ الحَشِمِ
وَكَالإِمامِ إِذا ما فَضَّ مُزدَحِمًا" "بِمَدمَعٍ في مَآقي القَومِ مُزدَحِمِ
الزاخِرُ العَذبُ في عِلمٍ وَفي أَدَبٍ" "وَالناصِرُ النَدبُ في حَربٍ وَفي سَلَمِ
أَو كَابنِ عَفّانَ وَالقُرآنُ في يَدِهِ" "يَحنو عَلَيهِ كَما تَحنو عَلى الفُطُمِ
وَيَجمَعُ الآيَ تَرتيبًا وَيَنظُمُها" "عِقدًا بِجيدِ اللَيالي غَيرَ مُنفَصِمِ
جُرحانِ في كَبِدِ الإِسلامِ ما اِلتَأَما" "جُرحُ الشَهيدِ وَجُرحٌ بِالكِتابِ دَمي
وَما بَلاءُ أَبي بَكرٍ بِمُتَّهَمٍ" "بَعدَ الجَلائِلِ في الأَفعالِ وَالخِدَمِ
بِالحَزمِ وَالعَزمِ حاطَ الدينَ في مِحَنٍ" "أَضَلَّتِ الحُلمَ مِن كَهلٍ وَمُحتَلِمِ
وَحِدنَ بِالراشِدِ الفاروقِ عَن رُشدٍ" "في المَوتِ وَهوَ يَقينٌ غَيرُ مُنبَهِمِ
يُجادِلُ القَومَ مُستَلًّا مُهَنَّدَهُ" "في أَعظَمِ الرُسلِ قَدرًا كَيفَ لَم يَدُمِ
لا تَعذُلوهُ إِذا طافَ الذُهولُ بِهِ" "ماتَ الحَبيبُ فَضَلَّ الصَبُّ عَن رَغَمِ
يا رَبِّ صَلِّ وَسَلِّم ما أَرَدتَ عَلى" "نَزيلِ عَرشِكَ خَيرِ الرُسلِ كُلِّهِمِ
مُحيِ اللَيالي صَلاةً لا يُقَطِّعُها" "إِلا بِدَمعٍ مِنَ الإِشفاقِ مُنسَجِمِ
مُسَبِّحًا لَكَ جُنحَ اللَيلِ مُحتَمِلاً" "ضُرًّا مِنَ السُهدِ أَو ضُرًّا مِنَ الوَرَمِ
رَضِيَّةٌ نَفسُهُ لا تَشتَكي سَأَمًا" "وَما مَعَ الحُبِّ إِن أَخلَصتَ مِن سَأَمِ
وَصَلِّ رَبّي عَلى آلٍ لَهُ نُخَبٍ" "جَعَلتَ فيهِم لِواءَ البَيتِ وَالحَرَمِ
بيضُ الوُجوهِ وَوَجهُ الدَهرِ ذو حَلَكٍ" "شُمُّ الأُنوفِ وَأَنفُ الحادِثاتِ حَمى
وَأَهدِ خَيرَ صَلاةٍ مِنكَ أَربَعَةً" "في الصَحبِ صُحبَتُهُم مَرعِيَّةُ الحُرَمِ
الراكِبينَ إِذا نادى النَبِيُّ بِهِمْ" "ما هالَ مِن جَلَلٍ وَاشتَدَّ مِن عَمَمِ
الصابِرينَ وَنَفسُ الأَرضِ واجِفَةٌ" "الضاحِكينَ إِلى الأَخطارِ وَالقُحَمِ
يا رَبِّ هَبَّتْ شُعوبٌ مِن مَنِيَّتِها" "وَاستَيقَظَت أُمَمٌ مِن رَقدَةِ العَدَمِ
سَعدٌ وَنَحسٌ وَمُلكٌ أَنتَ مالِكُهُ" "تُديلُ مِن نِعَمٍ فيهِ وَمِن نِقَمِ
رَأى قَضاؤُكَ فينا رَأيَ حِكمَتِهِ" "أَكرِم بِوَجهِكَ مِن قاضٍ وَمُنتَقِمِ
فَالطُف لأَجلِ رَسولِ العالَمينَ بِنا" "وَلا تَزِد قَومَهُ خَسفًا وَلا تُسِمِ
يا رَبِّ أَحسَنتَ بَدءَ المُسلِمينَ بِهِ" "فَتَمِّمِ الفَضلَ وَاِمنَح حُسنَ مُختَتَمِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قصيدة البردة للإمام البوصيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة البردة للإمام البوصيري   قصيدة البردة للإمام البوصيري Emptyالأحد 10 نوفمبر 2013, 10:44 pm


  شرح وتعليق " نهج البردة "
 لأمير الشعراء أحمد شوقي
- لـ ضياء الدين ظاظا - الجزء الأول




[b]ما من شك أن علاقة الإسلام بالأدب وثيقة للغاية . لأنه دين سماوي أكمل ما قبله ونسخ ما سبقه ،وارتضاه الله تعالى لعباده خاتماً للأديان ،وأنهى برسوله الرسالات ،وهو إلى هذا الدين الذي اعتمد على المعجزة الأدبية الكبرى القرآن الكريم ،وكان مبلغ رسالته عليه الصلاة والسلام أعلى قومه مرتبة في درجة البيان ، ثم إن القرآن والحديث النبوي كانا الباعث والحافز على وضع كثير من العلوم ، في صدارتها العلوم الأدبية واللغوية ،ومن هنا توثقت العلاقات بين الإسلام والأدب ،وما زالت تزداد وثاقه على مر الأيام.
أمنية طال مداها،وحلمٌ امتد زمنه ،لأن أقرأ(مدائح شوقي)يوماً قراءة متأمل متأن،لا قراءة عابر سبيل،أو مجرد متلقَّ فحسب،فكان لها وقع متميز بين مجموعات شعرنا العربي القديم في عراقته وأصالته.
وهكذا يمكن أن نقف معه عند فنه الأصيل في مزاج رائع ودقيق بين شاعر الحضارة العربية الاسلامية بميراثها الطويل،وبين شاعر الحياة الجديدة بمقاييسها العلمية المتجددة المتطورة،فإذا يبعث القديم احتراماً له واجلالاً،واعجاباً به ، ووعياً،ليضيف اليه ما يجدّده شبابه،ويعيد اليه مجده،فلا يستسلم للشيب مع الأيام بقدر ما تزدهر لديه لغته وصوره،فكان البعث لديه-على حد تعبير الدكتور هيكل في مقدمة الشوقيات(وسيلة من وسائل التجديد،كما أنه وسيلة لاتصال الماضي بالحاضر).
وشوقي-رحمه الله-ليس بحاجة الى مثل هذه المقدمة من حيث التعريف به،أو بشوقياته،فقد عرَّفَ بهذا أو ذاك كبار دارسيه،كما عرَّفَ هو بنفسه من خلال ابداعه وعلامات تميزه وتفرده وإمارته للشعر في العصر الحديث.
وفي هذه الدراسة الموجزة التي أقدمها مظهر من مظاهر الصلات بين الإسلام والأدب ،ومظهر من مظاهر تأثير الإسلام فيما يتصل بالأدب من موضوعات وصور وأفكار،وقد اخترت قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي نهج البردة الذائعة الصيت لأنه أكبر شعراء العصر الحديث تناولاً لموضوعات دينية ، وفي شعره الإسلامي جوانب جديرة بالدراسة ،وحسبك أن يُعجبَ بها شيخ الأزهر آنذاك،مُحدّث العصر الشيخ سليم البشري فينهض لشرحها وبيانها ،وهي من أبدع شعره قوة في النَظم وصدقاً في العاطفة،وجمالاً في التصوير،وتجديداً في الموضوع،وأن يُعنى بالتقدمة لها والدفاع عن نهجها الكاتب الكبير الأستاذ محمد المويلحي بك-رحمه الله-ثم تخَرج للناس كتاباً وسيطاً،وأثراً قائماً بنفسه،يستقل بالقنية والدرس.
وكلتا القصيدتين(نهج البردة "والهمزية النبوية" ولد الهدى)ذائعة الصيت،شائعة الرواية،حتى ما يكاد يتحدث المتحدثون عن شعره دون أن يذكروهما مع مطولاته البارعات.
إن لشوقي تراثاً ضخماً في حضارة الإسلام ،وأثراً خالداً في تاريخ العرب ،وذِكراً راسخاً على مر الزمن في أحداث وادي النيل منذ العصور السحيقة .ويعجز إنسان بمفرده أن يَفي بناحية من نواحي أدبه في العرض والبحث والتحليل .وله جولات في رفع ألوية الإسلام وفي تمجيد الخلافة كرمز للإسلام والمناداة بالجامعة الإسلامية والحض على وحدة العرب _ ونادى بالشورى والاشتراكية وهما من دعائم المجتمع الإسلامي ،وكان يرى أنه لا بد من الأخذ بالاشتراكية على وتيرة الزكاة في الشريعة الغراء ، يقول في الهمزية:
الاشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم والغلواء
شوقي أول من استخدم كلمة الاشتراكية قبل الشيوعية الملحدة. 
وقد تناول نواحي متعددة للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ورجالاتها كتاريخ مصر القديم والحديث وتاريخ العرب وحياة الرسول صل الله عليه وسلم وعظمة الدين الإسلامي وسماحته واتساع أفقه ومرونته ووحدة الإسلام والعرب والجامعة الإسلامية. .ولشوقي روائع في الشعر والنثر في و صف وتمجيد الحضارات الإسلامية ديناً ودنيا وفي مدح الرسول الأعظم وذكر مناقبه وجهاده مع الصحابة في نشر الدعوة وفي سماحة الإسلام وديمقراطيته وفي عرضه لشتى الأديان في سماحة تامة ،وان مظهر شوقي في معيشته على الطريقة الغربية وتعلّمه في فرنسا وحياة القصور والبذخ الذي رشف من كؤوسه لم يُضعِف من تعلقه بالإسلام ووحدة المسلمين والإعجاب بتاريخ العرب وبعظمة الرسول وضخامة رسالته ،وكان حفياً بدينه منذ شبابه،وما زال به حَفياً إلى نهاية حياته ،لأن شعره الديني ساير حياته كلها.والمظاهر الدالة على تدينه كثيرة،حسبنا أن نمثل بعضها .
فقد جاء في كتاب التفتازاني ( ذكريات عن شوقي وحافظ ) وهو من خلصاء (شوقي) :عرفت شوقي عرفان الجار الوثيق ،ثم عرفان الشاعر المفرد ثم عرفان الرجل العظيم ،ولشوقي من هذه الصفحات نواح يجهلها الناس ، فما كل من كان يسكن ( خط الحنفي )كان يعرف شوقي ، كما أسكنه.
كان شوقي يسكن في دار أبيه في المطرية(خط الحنفي)وهي التي انتهت إليها كل الثروة الضئيلة الباقية عن أجداده،فكان أول أمره يرى من تمام سعادته أنه لا يجيئه الجابي أو صاحب المُلك(أي الدار)في آخر كل شهر لمطالبته بكراء البيت!وهذه الدار القديمة لا تزال قائمة وراء مسجد الشيخ صالح أبي حديد في خط الحنفي،ويبعد ما بينهما وبين ما أنشأه هو كرمةابن هانىء في المطرية ،تتلوها الكرمات الثلاث في الجيزة،الى عش البلبل في طريق الاهرام.وكان بجوار تلك الدار القديمة رجل من أهل الثروة واليسار ومن أرباب الفضل الصحيح والوقار التام هو المرحوم حسين باشا شاهين رزقه الله بثلاث بنات هن عنوان الصيانة والأدب والكمال.وكان الشباب الذهبي من (أبناء الذوات)الذين ذهبت ثروتهم بفعلهم أو بفعل آبائهم الأقربين يتهافتون عليه،فيتأبى ويعتذر.وشاء الله أن يفوز ذلك الماجد المفضال بمصاهرة ثلاثة من أفضل الناشئة المصرية أحدهم:أحمد شوقي،والثاني أحمد بك عمر المهندس البارع النزيه المستقيم،وثالث الثلاثة السّري المرحوم يعقوب حلمي بك.هكذا أنعم الله على شوقي بالزوجة الصالحة بكل معنى الكلمة،فاستراح من متاعب الحياة البيتية،ومن متاعب العيشة المادية. 
وفي ظلال قبة شمس الدين الحنفي رضي الله عنه ، ولد شوقي،ونشأ ،وتزوج وهو نفحة من نفحات السلطان أبي محمود ،يعرفها من عرف شيئاً من أسرار أهل الحقيقة والشهود .ألِفنا منذ نشأنا أن نشهد (الحضرة ) التي يقيمها الإخوان المتصوفة في ساحة السلطان فجر كل يوم ،وقلّما انقطعنا عن شهود هذه الحضرة حتى في أشد أيام الشتاء قسوة ، فإذا انبلج الصبح وأديّنا الفريضة وساهمنا في مجلس الذكر وتَلونا حزب البر لأبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه ، زرنا ضريح السلطان الحنفي ، وانصرفنا بعد ذلك إلى بيوتنا لنتهيأ بعد تناول الإفطار للعمل ، كلْ كما يسر له، كذلك كانت عادة غالبية أهل خط السلطان الحنفي من شباب ورجال ، ولا تزال عاداتهم إلى الآن ،ولو أن الأيام تناولتها بالأنقاض تبعاً لتقلباتها .هذا هو شوقي( باشا) ،كما كنا نسميه ، هذا شاعر الأمير ،هذا الروح الملهم يتوق لضريح السلطان الحنفي يسأل الله المغفرة ، والستر في الدنيا والآخرة ،ويدعو لأهله وولده ،ثم يوزع الصدقة في غير مَنّ ولا ذلّ على اللاجئين إلى ساحة السلطان من الفقراء والمعوزين ،وكم هو حريص أمير الشعراء على هذا النوع من الصدقة والأسلوب من النسك. 
يمرض شوقي ويلزم سريره ،فإذا برسله تَفِدْ إلى دار صهره أمير الإحسان المرحوم حسين باشا شاهين ، بأن يكلف المرحوم سيدنا الشيخ حسن سرحان كبير فقهاء الدائرة وأحد مؤذني مسجد السلطان توسلاً بالعزيز الرحيم أن يعفو عن شوقي.
وكنتُ أحسب في أول الأمر ، أن هذا الطلب موجّه من حَرَمِهِ المصون إلى دائرة أبيها رحمه الله ،لأنها معروفة بيننا جميعَاً نحن ( أهل الحنفي) بسلامة الأيمان وحسن العقيدة ،والإجلال المحصن للسلطان الحنفي ،ولكن المرحوم حسين باشا شاهين لقي ربه راضياً مرضياً وسيدنا الشيخ الجليل حسن سرحان كبير فقهاء دائرته لحق بربه على أثره ،فلم أعد أسمع ذلك النداء الحار ينبعث من أعماق نفس ذلك الشيخ الجليل حسن سرحان ،( بالفاتحة إن ربنا يشفي شوقي باشا ويأخذ بيده وبيدّ الست بتاعه ويحفظ أنجاله وعائلته )،وظننت أن صفحات ذلك النداء انطوت ،وأن معين صَدَقة شوقي على فقراء الحنفي نضب ، وان ذلك كله كان من أجل خاطر المرحوم حسين باشا شاهين الذي فقده حي الحنفي بأسره ،لأنه كان الوالد البار بالجميع وسكت وسكتنا. .وأخيراً مرض شوقي فإذا بي أُستدعىإلى قصره بالجيزة (تلفونياً) و يستقبلني في غرفة نومه وهو على سرير مرضه ،وإذا به يطلب إليَّ في ضراعة المؤمن الموقن _أن ( أقرأ له يس ،وأن أطلب له الفاتحة في مقام السلطان الحنفي ) .
وظل هذا أسلوبه معي ، يمرض فيطلبني كما يطلب الطبيب ، وأكلف أحد أتقياء الفقهاء أن يقرأ يس لله تعالى كما أراد ، ثم أطلب له الفاتحة في مجلس الذكر ، ويُشفى فتنطوي الصفحة مؤقتاً ،وهكذا دواليك حتى لقي ربه مغفوراً له.
جامع السلطان الحنفي:
مؤسس هذا الجامع هو الامام شمس الدين أبو محمود محمد الحنفي،الذي شَيَّدَ هذا الجامع بجوار داره سنة 817هـ في عهد السلطان مؤيد الشيخ المحمودي أحد سلاطين دولة المماليك الجراكسة .والإمام شمس الدين أبو محمود الحنفي كان من أجلاّء مشايخ مصر وسادات العارفين،ومن أولياء الله الصالحين،واشتهر بالكرامات الواضحة والمقامات العالية،وكان رضي الله عنه يسعى دائماً الى قضاء حوائج الناس ابتغاء وجه الله ،وعاش مدة (72)اثنين وسبعين عاماً،وعُرِفَ بالسلطان لأن الله عزوجل أعطاه من فضله الكلمة النافذة لدى الحكّام .

وكان شوقي-رحمه الله-يطمئن إلى دعوات أمه،ويثق ببركتها،وهو كبير السن،يذكر حسين شوقي:أن والده وأسرته ركبوا من السويس إلى برشلونة-حينما نُفي شوقي من مصر-سفينة بضاعة بها مكان صغير للركاب،وبعد قليل هَبَّتْ عاصفة هوجاء استمرت يومين كاملين،فاضطر الربان إلى أن يخفف عبء السفينة ،فألقى في البحر جميع الثيران التي كانت بها..وكان الرهبان في هذه الأوقات يرتلون،ولما سكنت العاصفة سأل أباه:أدعاؤهم هو الذي أنقذنا من الغرق؟ فأجابه:بل دعوات جدتك الطيبة يا بني وبركتها.ثم كان بكبره يتفاءل بكل ما يمت بصلة إلى الدين حتى الجملة المكتوبة على لوح معلق بالجدار.يقول ابنه حسين شوقي-رحمه الله-:من حسن حظنا أننا وجدنا منزلنا بالمطرية سالماً لم يُمس بسوء بعد هذه الغيبة الطويلة –فترة النفي إلى الأندلس-وقد عزا أبي وقاية البيت وسلامته إلى بركة لوحة كانت معلقة على المدخل،مكتوب عليها:
لا إله إلا الله محمد رسول الله
لذلك عندما تركنا المطرية أخذنا هذه اللوحة معنا،فحلّينا بها منزلنا الجديد.
وكان يقرأ في شيخوخته كتب الفلسفة الاسلامية،وكان معجباً بكتب الغزالي،ولم يكن اعجابه بالغزالي نابعاً من عقله،بل كان نابعاً من وجدانه .
قال الأستاذ عبد العزيز الاسلامبولي:كنت في مجلس شوقي فابتدرني بقوله:أي سرٍ حدا بك إلى دراسة التصوف وما تزال شاباً؟ فأجبته:حدا بي إلى ذلك البحث وراء الحقيقة والعمل في ظل التمحيص على تزييف النظريات التي حُشرت في التصوف حشراً.
وكنت أزعم في نفسي أن شوقي لم يدرس التصوف بعد.فقلت:ومع ذلك كله فإني أرى في دراسة التصوف لذة روحية بالغة الأثر.فأدهشني من شوقي أنه قال:ذلك حق،فقد درست التصوف دراسة مستفيضة،وعرفت كل ما يتخذه المتصوفون لوصف حالاتهم من مصطلحات،وزدت على ذلك أن عارضت القصيدة التائية لابن الفارض وغيرها.(مجلة المعرفة نوفمبر 1932)
وذكر أمينه الخاص أنه كان يقرأ له كتاب الغزالي(المختصر من مكاشفة القلوب)وبقي حتى بعد منتصف الليل بساعة،ولم يبق إلا موضوع واحد هو وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام قال:ولكني لفَّته(ذكَّرته) إلى أن هذا الوقت موعد رياضته،فقال:حتى تُتم، فقرأت له موضوع الوفاة ،فأخذ يبكي.
وفي يوم وفاته-13 اكتوبر 1932-تحدث مع سكرتيره الخاص أحمد عبد الوهاب في موضوعات دينية،وسأله بوجه خاص عن التوبة والغفران وما يتذكره من آيات قرآنية عنهما كأنه قد أحسَّ بدنو أجله.
وكان قد رغب-رحمه الله-في أن يُكتب على قبره هذان البيتان من قصيدته نهج البردة:
يا أحمدَ الخْيرِ، لي جاهٌ بتَسْمِيَتي
[/b]
[b]وكيف لا يتسامى بالرسولِ سمِى[/b]


انْ جَلَّ ذنبي عن الغُفران لي أَملٌ
 في الله يجعلني في خيرِ مُعتصَم




. ويذكر الأستاذ أحمد عبد الوهاب سكرتيره الخاص ،والسيد إبراهيم بن عمر السقاف كبير أعيان سنغافورة ، حديثاً قصيراً لي مع أمير الشعراء _ أنزله الله منازل رضوانه _ وكان ذلك قبيل وفاته بثلاثة أيام حين وفد على نُزُل ( الكونيتنال ) لزيارة الصديق إبراهيم السقاف .. .. 
لقد بَشَّرتُ شوقي يومها بغفران الله ،وأنه من المقبولين ، وذلك تفسيراً لرؤيا رآها رجل من الصالحين مؤداها: أنه رأى الحسنين _ عليهما السلام _ يستقبلان شوقي ثم يهمّان به على جديهما عليه الصلاة والسلام(هما الحسن والحسين أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلوات الله وسلامه عليه) فيستدعي المصطفى حسان بن ثابت رضي الله عنه ،ويقول له : ( إن أحمد نافح كما نافحت ،ووفىّ كما وفيت ، فخذه إلى جوارك في الجنة ) : قصصت هذه الرؤيا كما أبلغنيها من رآها ،وهو رجل معروف بيننا بالصلاة والصدق ، فماذا رأينا حينذاك ؟ 
رأينا الدمعة على محاجر شوقي وهو يُهمهم ( عليه الصلاة والسلام .. .عليه الصلاة والسلام ) فلم يستطع أحدنا حبس دمعه ،ثم كان أن لقي ربه في ثالث يوم بعد هذه البشرى .
ففي وديعة الله وكنف رسوله الصادق الأمين ، ورفقة الأئمة من آل سيدنا محمد ( وحسن أولئك رفيقاً ) .
حسان ابن ثابت(؟-54هـ)(؟-673م) هو ابن المنذر الخزرجي الأنصاري(أبو الوليد) فحل من فحول الشعراء كان شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر النبي صلى الله وعليه وسلم في النبوة،وشاعر اليمن كلها في الاسلام.وعاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الاسلام،وكان من سكان المدينة.
لما قَدِمَ رسول الله صلى الله وعليه وسلم الى المدينة ،تناولته قريش بالهجاء ،فقال لعبد الله بن رواحة :ردَّ عني ،فذهب قديمهم وأولهم فلم يصنع في الهجاء شيئاً،فأمر كعب بن مالك فذكر الحرب كقوله: نصل السيوف إذا قصرن بخطونا قدماً ونلحق إذا لم نلحق. فلم يصنع في الهجاء شيئاً.وقال قائل لعلي بن أبي طالب عليه السلام اهج عنا القوم الذين هجونا فقال علي:إن أذن لي رسول الله فعلت،فقال رجل:يا رسول الله أتأذن لعلي أن يهجو عنا هؤلاء القوم الذين قد هجونا فقال:ليس هناك،ثم قال للأنصار :ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم.فقال حسان بن ثابت:أنا لها يا رسول الله..فقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه:اهجهم (أو هاجم) وجبريل معك،كأنك تنضحهم بالنبال.
إن من الشعر كلمة ، وإن من البيان سحراً.





 شرح وتعليق " نهج البردة " لأمير الشعراء أحمد شوقي -
 لـ ضياء الدين ظاظا - الجزء الثاني




من أظهر ميزات ( (شوقي)) رحمه الله _بل لعلها الميزة الكبرى _ أنه كان رجلاً إسلامياً يوجه نفسه إلى ما يذيع من خصائص الإسلام ، ويزيد في حقائقه السامية توضيحاً وتنويهاً _ فلقد كان _ رحمه الله _ من أولئك البناة الذين شيَّدوا في قلوب الجماهير الشرقية صرحاًَ رفيعاً من حب الإسلام وتقدير الرسول عليه السلام ،وهذه القصائد التي كان ينظمها في مدح النبي صل الله عليه وسلم 
هل استطاع واحد من شعراء الإسلام أن ينتج خيراً منها ( نهج البردة _ ولد الهدى _ سلوا قلبي_ إلى عرفات الله _ .. .. وغيرها ) وأن يكون في إنتاجه متمشياً مع هذا السياق الذي أنتهجه أمير الشعراء ،أو كما كان يُحب أن يُطلق عليه ويُلقب ( بشاعر الإسلام ) : من توقير أسباب الطلاوة والسحر ، والفتنة ، والجمال ، والروعة لكل ما يقول .. .. ؟ اللهم لا .
وإني لأذكر في مناسبة الحديث عن روح الفقيد الإسلامية أنه تفضّل على ( المعرفة ) في بداءة سنتها الثانية ببضعة من جواهره النادرة التي جمعها في كتابه ( أسواق الذهب ) قبل أن يتم طبعه ،وكنت أخذت نفسي في تقديم هذه الثروة الطائلة على القرّاء بكلمات لم أقل فيها إن شوقي أمير الشعراء ، وإنما قلت ( شاعر الشرق والإسلام ) ، فلما التقيت به بعدئذٍ كانت هالة من البشر تعمر وجهه الضحوك المُشرق وهو يقول لي( لكأنك يا أستاذ كنت تنطق بلسان الغيب ، فإن قولك عني : أني ( شاعر الإسلام ) لأحب إليَّ من هذا اللقب الرنان الذي يطلقه الصحفيون علي .. .. ذلك أني أتمنى أن أكون شاعر الإسلام حقاً !!
الرجل الخالد
ولكن : هل مات (شوقي) حقاً منذ خمس وسبعون عاماً ؟
اللهم إن( شوقي) لم يمت ، فما خلقت هذه الحياة كلها لتموت ، ولا ليأخذ بها الموت إلى موضع الفناء ،وما كانت رسالة النابهين الذائعيين إلا مجلبة خلودهم على الأجيال ،وليست رسالة ( شوقي) التي أداها على العالم وأنفق في سبيلها جهد الجاهديين ، إلا أصدق رسالة يثاب عليها بأخلد الخلد ،فهو إذن حي في القلب ، وفي كل لب ، وفي كل وجدان ، وعلى كل لسان ، وفي كل جيل ، وفي كل بلد ينطق بالضاد .
من رجالات الخير
ذهب إليه أحد الشعراء المغمورين وملء يده بطاقة يقول فيها : 
هل أنت منقذ من ضاقت به الحالُ ومن تَيتَّمَ ، لا أهل ولا مال؟
فكان جواب (شوقي) عن هذا البيت رسالة من قلمه كل ما فيها قوله: ( نعم منقذه ) والحق أنه أنقذ الشاعر المغمور ، ولكنه لم يجعل إنقاذه له في تلك المرة آخر حلقة في سلسلة الإنقاذ ،وإنما شجعه على السعي إليه كلما هبت على حياته ريح عاصف..! 
لقد كان شوقي أحد النابهين بين رجالات المال ، ولكنه لم يسايرهم في أسلوبهم الذي يحتوي على كل ما في البخل من معان ،لأنه كان يؤمن أن المال في يده شطران : شطر لبيته ، وشطر آخر لأولئك الذين يكوّنون معه أسرة المتأدبين . 
لم يختلف الناس منذ نشوء الشعر العربي حتى اليوم . كما اختلفوا حول المتنبي وشوقي، وسيظل هذا الخلاف قائماً لأن هذين الشاعرين يمثلان العبقرية في شعر العرب ، ويعترف بذلك أحبابهما وحسّادهما على السواء . 
وقد صدرت كتب كثيرة ودراسات ، وكتب ومقالات عن شوقي يصعب حصرها ، كما ترجمت بعض آثاره إلى اللغات الأجنبية ، ومما يحسن ذكره أنه عندما أنشئ كرسي الأدب المصري في كلية الآداب بجامعة القاهرة أطلق عليه اسم كرسـي ( (شوقي)) تكرماًَ لأمير الشعراء . 
وهذه الصفحات التي أقدمها إليك ليست إلا قراءة بين السطور ،أرجو أن تلقي ضوءاً جديداً على أمير الشعراء 
إن حياة العباقرة تظل وهجاً دائماً يضيء طريق الشعوب .. .. 
وأمير الشعراء وهج لا ينطفئ ونور لا يخبو ، وسيظل العرب يتغنون بشعره في كل الأجيال.
إنه شاعر الإسلام وصدى لصوت القرآن .
في ذلك العصر كان الذين يترنمون بشعر شوقي مثل عشاق أم كلثوم وعبد الوهاب ،منهم سَمِّيعة يتذوقون الشعر .
لقد كتب شوقي شعار جريدة ( الجهاد ) التي أصدرها صديقه توفيق دياب في الثلاثينات 
وهو البيت المشهور : 
قف دون رأيك في الحياة مجاهداً إن الحياة عقيدة وجهاد .
وعندما كان شيطان الشعر يلعب بخيال أمير الشعراء لم يكن يرغب في صحبة أحد معه في جولاته غير زكي مبارك .
ذات صباح ،شرب (شوقي) فنجان من الشاي في مكتبه بشارع جلال ،وقدم لضيوفه بعض قطع ( الكروسان) التي كانت تعد بكميات وافرة ،وهي إحدى هوايات (شوقي)،فيأكل واحدة ،ويقدم لضيوفه منها وكان زكي مبارك على عادته يجالس أمير الشعراء الذي وقف فجاة وأخذ زكي مبارك في يده ثم خرج . وسارت بهما السيارة إلى كوبري قصر النيل ،ثم نزلا منها ،ووقف (شوقي)على سور الكوبري ،وبدأ يكتب على ظهر علبة السجائر: 
من أي عهد في القرى تتدفق؟
وبأي كف في المدائن تُغــدقُ

ومن السماء نَزَلت أم فُجّرتَ
من عُـليا الجنان جداولاً تترققُ

واستمر يكتب القصيدة الخالدة التي لم يكتب مثلها عن النيل ، والتي غنتها السيدة أم كلثوم ،فبعثت فيها خلوداً فوق خلود . وفجأة انهار أمير الشعراء وتهاوى ،ولم تعد ساقاه تستطيعان حمله ،وقال لزكي مبارك :
_احملني 
فحمله ،كما يُحمل الطفل ، وعاد به إلى السيارة ،ويقول زكي مبارك : احمد شوقي أمير الشعراء طفل ،وإنه أخف في وزنه من ريش النعام ! وكان يبكي بكاء الأطفال ،ويغمغم 
( من أي عهد في القرى تتدفق) .
وكانت المرة الأخرى التي حمل زكي مبارك أمير الشعراء على كتفه هي جنازة شوقي ،فقد تقدم زكي مبارك ، والدكتور أحمد زكي أبو شادي وأعضاء جماعة ( أبوللو) الشعرية التي كان (شوقي) رئيسها . ،وحملوا النعش على أكتافهم ،وقال زكي مبارك للمرة الأخرى ،إن نعش (شوقي) كان أخف من ريش النعام . ! 
في صيف عام 1899 سافر (شوقي)إلى الأستانة عاصمة الخلافة ،وسجل رحلته في سلسلة مقالات نشرتها جريدة المؤيد ( أغسطس _ سبتمبر 1899) تحت عنوان : بضعة أيام في عاصمة الإسلام .
وكان شوقي قد قدَّم الشوقيات إلى مولانا أمير المؤمنين عبد الحميد الثاني بمقطوعتين من شعره قال في الأولى 
سلام الله لا أرضي سلامي فكـــل تحية دون المقام
وعين من رسول الله ترعى وتحرس حامل الأمر الجسام
وقال في المقطوعة الأخرى:
إلى ابن محمد أهدي كتابي : 
وان الشعر ريحانُ المــــوالي
وراحة كل ذي ذوق سليم

وما شرب الملوك ولا اسـتعادوا
 كهذي الكأس من هذا النديم

وسُرَّ السلطان عبد الحميد سروراً عظيماً عندما رفعت إليه الشوقيات ،وأهديت باسمه إليه فمنح أحمد شوقي بك أرفع ألقاب السلطنة العثمانية ،وهو لقب الأمراء من آل عثمان أبناء السلاطين ... .. .. وهذا اللقب هو لقب أفندي وهو اللقب نفسه الذي يحمله خديوي مصر ، وكان يقال له : أفندينا لهذا السبب .
ولذلك لم يكن في استطاعة الخديوي عباس حلمي أن يمنح أحمد شوقي لقباً يقل عن لقبه الذي منحه له سلطان آل عثمان ،وأنت تعلم أن خديوي مصر تابع من أتباع السلطان العثماني .
وقد كان بعض معاصري (شوقي)يقولون له أفندينا ،ولكنه كان يفضّل أن يلقّب بلقب الباشا حتى لا يغضب الخديوي ، وهذا ما كان : 
وإذا ما ذهبت اليوم إلى قبر البلبل ، ترد بعض الدين الذي أسداه إلى الوطن العربي، إلى الإسلام ،إلى المسرح ،إلى الأغاني ،إلى الأطفال ، إلى الفن الخالد ، إليك ,إلى كل فرد ،وجدت على قبره بيتين ينطقان بالزهو والأمل :
يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي
وكيف لا يتسامى بالرسول سَمى

إن جل ذنبي عن الغفران لي أمل
في الله يجعلني في خير معتصم

ودخل عليه كاتبه ( أحمد عبد الوهاب ) وبيده كتاب ( المختصر في مكاشفة القلوب للغزالي ) و( صحيح البخاري ) إنه يعرف كم أصبح مولعاً بكتب التصوف عموماً والقرآن والحديث خصوصاً ،فابتسم ابتسامة هادئة وطلب إليه أن يقرأ في الكتاب الأول ،حتى إذا انتهى إلى وفاة الرسول الكريم لم يملك نفسه فأخذ يبكي ،وبكى معه تأثراً ،وما هي إلا لحظات حتى بلغهما نعي والد كاتبه .
ويرى المطلع على ديوان شوقي أنه لم يكن شاعر دنيا فقط ، بل شاعر دين أيضاً : قال فيهما جميعاً ، وأدى حقهما عليه جميعاً ،كأفضل ما يؤده لشاعر العدل المطبوع ، ولسنا نعرف له في ذلك نظير بين شعراء عصره أو شعراء العصر الحاضر.
وقد لبث حياته كلها نغماً عذباً ، وفناً عجباً ،يملأ الأسماع والأفواه لا في مصر وحدها ،لكن في الشرق العربي كله ،فقد كان له كما كان لمصر قلباً خافقاً .ولساناً ناطقاً ،يحس إحساسه ،ويترجم عن آماله وآلامه ،حتى ليعدُّ شعره من هذه الناحية داعية من أنجح دواعي الوحدة العربية والإسلامية التي كنا نتخيلها ونمني أنفسنا بها ،فأصبحت بحمد الله حقيقة واقعة وجهداً عاملاً لخير العروبة والإسلام لهذا اتجه الناس إليه ،وتعلقوا به هنا وهناك ،يرونه شاعر العربية الأكبر وغريدها المشترك بل شاعر الإسلام والشرق مما يكاد يرسل القافية حتى يتردد صداها في كل قطر عربي ،ويقبل الناس عليها بالرواية والتعليق .وسيظل أبداً يذكر أولاً كلما ذكر الشعر في عصره ،إذ كان علمه الفرد .وصانعه الملهم .
لم يحظ شاعر قديم أو حديث بما حظي به شوقي من اهتمام الدارسين مؤرخين ونقاداً فقد درس في إطار الشعر الحديث بعامة وأفردت له دراسات عديدة وحده وبالمقارنة مع شاعر آخر .لقد ملأ شوقي فعلاً السمع والبصر في حياته وبعد مماته ،ولم يخفت الاهتمام به إلا لما خفت الاهتمام بالشعر بعامه في هذا العصر . وإذا كانت الدراسات قد تدفقت أكثر بعد وفاته ،فما ذلك إلا لأنه تربَّع على عرش إمارة الشعر قبيل وفاته ،وأخذ الدارسون لشعره أو الناقدون له يتعددون على نطاق الوطن العربي كله .فلم يبايع شوقي أميراً على الشعر في مصر أو في حفل تكريم خاص به ،وإنما كانت المناسبة مهرجاناً للشعر العربي الحديث بعامة ،اجتمع فيه أبرز شعراء هذه الفترة لتكريم الشعر والشعراء في دمشق .
وما من كتاب تخصصي أو مدرسي+ تعرض للشعر الحديث أو الأدب بعامة استطاع أن يعبر على شعر شوقي عبوراً سريعاً ، ذلك ان كل دارس لا بد من وقفة خاصة به باعتباره أبرز شعراء العربية في زمانه ولكنه درس أيضاً دراسة خاصة به . 





 شرح وتعليق " نهج البردة " لأمير الشعراء أحمد شوقي -
 لـ ضياء الدين ظاظا - الجزء الثالث



[size=18]
كنا قد عرضنا في الأجزاء السابقة من مقدمة موضوعنا شرح نهج البردة لأمير الشعراء شوقي فصولاً، لنقف على مبلغ شوقي من العلم بأسرار الإسلام.
فقد اهتم بدرس الشريعة لإظهار ما فيها من المحاسن،ودرء ما يوجَّه إليها من الشبهات.وحسبنا أن ندل القارئ بأن لشرح هذه القصيدة -التي وضعها شيخ الإسلام سليم البشري- مقدمة رائعة كان قد وضعها أمير البيان –في عصره-محمد بك المويلحي تتناسب مع ما كُتبت له،فقد حقق فيها أن الشعر باب من أبواب الكلام،فحسنه كحسن الكلام،وقبيحه كقبيح الكلام،وأتعب نفسه-رحمه الله- في التفرقة بين الشعر وبين القرآن،ووصل إلى"أن القرآن ليس بشعر،وما هو من الشعر في شيء،وأين هو من الشعر؟والشعر إنما هو كلام موزون مقفّى يدل على معنى،فأين الوزن،وأين التقفية،وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء من معانيه،وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه!!!
ثم قال (فإذن لا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققت)،وكان الظن بصاحب عيسى ابن هشام أن يعرف أن الكلام في تحريم الشعر وإباحته مما ينبو عند الذوق في القرن الواحد والعشرين!!
تلك موجزة قلناها تمهيداً لنشر شرح القصيدة تباعاً وعليها شرحنا وتعليقاتنا ثم تليها قصيدة ولد الهدى.
والآن نتابع ما كنا قد وقفنا عنده في الجزء الثاني (نهج البردة).
إليك يا فاطر السموات والأرض،أنت وحدك الولي والنصير،الأدب خير ما أبدعتَ،فهو منك وإليك،أيها المبدع،لك الحمد وعليك الثناء .



الجزء الثالث من مقدمة شرح نهج البردة 


ولد أحمد شوقي بالقاهرة سنة 1968 وتوفي بها في 14 اكتوبر سنة 1932 .
وكان والده علي قد ولد بمصر .وكانت أمه مصرية المولد أيضاً فهو إذاً مصري المولد والمنشأ والإقامة ، ومصري الأب والأم مولداً ومنشأً وإقامةً ،وإن كان يضرب بأجداده إلى الأكراد فالعرب والأتراك واليونان والجركس كما حدَّث عن نفسه ،وقفىَّ على هذا بقوله 
(على أنها بلادي ، وهي منشئي ومهادي ومقبرة أجدادي ،ولد لي بها ولدان ، ولي في ثراها أب وجدان وببعض هذا تحبب إليَّ الرجال والأوطان ) 
تعلم شوقي بالمدرسة الابتدائية فالثانوية ،وقضى الإدارة _ الحقوق_ سنتين يدرس القانون ،فلما أنشئ بها قسم الترجمة تحول إليه ،وأمضى بها سنتين أخريين أتم بهما دراسته ،ثم أوفده الخديوي توفيق إلى فرنسا ليدرس القانون والأدب فقضى هناك ثلاث سنوات أكمل فيها دراسته ، وعاد إلى مصر في آخر عام ( 1893) وألحق منذ عودته بقصر توفيق ثم أبنه عباس ،فلما خُلع عباس وقامت الحرب العالمية الأولى سنة ( 1914) أشار الإنكليز بنفي شوقي من مصر ،وخيّرته الحكومة القائمة فاختار إسبانيا ولم يعد إلا في سـنة (1920) .
_ شهد شوقي أنواعاً شتى من الأحداث التي مرت بها مصر ،فأدرك ما كان قبل الاحتلال من شبه استقلال ،وعاصر الثورة العرابية ،وشاهد الاحتلال الإنكليزي لمصر ،ثم عاصر الحركة الوطنية بزعامة مصطفى كامل ومحمد فريد ،وانضم إليها وآزرها بشعره ،فلما رجع من المنفى في أعقاب ثورة 1919 مجّدها مرات ، وأشاد بالجهاد والمجاهدين ،وعاش بعد ذلك يرقب الجهاد الوطني الذي يثب تارةً ،فيغني له شوقي ويستحث خطاه ويتعثر تارةً فيأسى شوقي ،لكنه لا ييأس من النصر والنجاة .
كان شوقي شاعر الوطنية ،سجل في شعره كثيراً من أحداث مصر وتغنى بحبها ،وصدح فيها العظيم وحاضرها المشرق ،وحزن لضعفها ،واستنهض الهزائم لإنهاضها ، وصوّر آلامها وآمالها . 
_وكذلك عاصر شوقي الأحداث الجسام التي مر بها العالم الإسلامي ، فقد كانت تركيا _ دولة الخلافة الإسلامية آنئذ_ تنحدر من عليائها ،وتفقد كثيرً من ولاياتها إذ تخلت عن الجزائر لفرنسا سنة 1830 وانسلخت منها ولايات أوربية بمعاهدة برلين سنة 1878 ،وتركت تونس لفرنسا النفوذ في مراكش منذ سنة 1904 ،ثم احتلت إيطاليا طرابلس سنة 1912 ،وكانت الدول الإسلامية المستقلة كالأفغان وإيران لا تسلم من ختل الاستعمار 
راجع وطنية شوقي للدكتور أحمد الحوفي .
وألاعيبه ،واقترن هذا الضعيف السياسي في الشعوب الإسلامية بالجهل والتخلف الاجتماعي والاقتصادي ،ونجم عن هذا كله خضوع للخرافات والأوهام ،ومجافاة لروح الإسلام وتعاليمه . 
لهذا هب دعاة الإصلاح كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم . فصاحوا بالمسلمين أن ينهضوا من عثرتهم ،وحضّوهم على الكفاح ،وحببوا إليهم الحرية والعلم ، وأهابوا بهم أن يرجعوا إلى دينها الصحيح ، ويتسلحوا بتعاليمه وينبذوا الأباطيل التي رانت على بصائرهم وأبصارهم ،وردّوا على خصوم الإسلام ما وجهوا إليه من مفتريات .
_ وكان هذا ينبوعاً آخراً استسقى منه شوقي ، فهو مسلم معتز بدينه ، وهو غيور على الإسلام ،أن يتهجم عليه خصومه ،و غيور على المسلمين ، يحزنه نخلفهم ، عن الأخذ بأسباب القوة والعزة والمجد ، ويؤلمه أشد الألم أن يرى ديارهم محتله وأمورهم مختلفة ، وشئونهم كلها معتلة ،وهو متأثر بالدعوات الإصلاحية التي كانت تتجاوب بها المجتمعات الراقية والصحافة الوطنية والكتب الهادية .
_تغنى شوقي على أوتار شتى من قيثارته ، فمدح ورثى وتغزَّل ووصف الطبيعة والآثار الفرعونية والعربية ،وكانت مدائحه ومراثيه بعد النفي إشادة برجالات الوطنية والسياسة والإصلاح ، وابتكر الشعر المسرحي برواياته : مصرع كليوباترا ،وجنون ليلى ،وقمبيز ، وعلي بك الكبير ، والست هدى ،والبخيلة . وطالما رجَّع ألحاناً في السياسة والوطنية والاجتماع والأخلاق والتاريخ وبخاصة بعد أن تحرر من قيد الوظيفة ،وزخرت نفسه بعواطف الشعب المصري والشعوب العربية والإسلامية التي كان يعبّر عنها بالشرق ، فانطلق يغرّد لمصر وللعروبة وللإسلام وللأديان السماوية بصوت أقوى ، ونغم أشجى ، ونفس أطول ، وعاطفة أحد وأمضى ،فاستحق ان يبايعه شعراء العربية بالإمارة في مهرجان كبير بالقاهرة سنة 1927 فصار يلقب بأمير الشعراء. 
وكثيراً ما غنى بشعر ديني في شبابه ورجولته وكهولته قبل أن ينفى ، وفي سنوات النفي وبعد أن عاد من المنفى . 
_ والمظاهر الدالة على تدينه كثيرة ، حسبنا أن نمثل ببعضها ، فقد ابتهل إلى الله ، ومجّد عظمته وأشاد بالإسلام في قصيدته بل ملحمته ( كبار الحوادث في وادي النيل ) التي أنشأها سنة 1894 
_ وحمل على حاكم مكة حملة شديدة العنف ، وحرّض الخليفة على حربه ، لأنه اضطهد الحجاج وآذاهم سنة 1904 
_ وفي سنة 1910 نظم ( إلى عرفات الله ) و ( نهج البردة ) 
وفي العام التالي نظم ( ذكرى المولد ) التي مطلعها : 
به سحرٌ يُتَيِّمُهُ كلا جفنيك يَعْلَمُهُ
_ ورحب بالهلال والعام الهجري في السنة نفسها ، ثم أنشأ الهمزية النبوية سنة 1912 ،ونظم ذكرى المولد التي مطلعها ( سلو قلبي ) في سنة 1914 . 
فلما كان بالأندلس في سنوات الحرب الأولى نظم أرجوزة دول العرب وعظماء الإسلام وله قصيدة في بكاء الخلافة سنة 1926 . 
وكان يطمئن _ رحمه الله _ إلى دعوات أمه ، ويثق ببركتها وهو كبير السن ، يذكر حسين شوقي أن والده وأسرته ركبوا من السويس إلى برشلونة _ حينما نفي شوقي من مصر _ سفينة بضاعة بها مكان صغير للركّاب ، وبعد قليل هبتّ عاصفة هوجاء استمرت يومين كاملين ،فاضطر الربّان إلى أن يخفف عبئ السفينة ،فألقى في البحر جميع الثيران التي كانت بها ، وكان الرهبان في هذه الأوقات يرتلون ،ولما سكنت العاصفة سأل أباه 
ادعاؤهم هو الذي أنقذنا من الغرق ؟ 
فأجابه : بل دعوات جدتك الطيبة يابني وبركتها .
ثم كان في كبره يتفاءل بكل ما يمت له بصلة إلى الدين ، حتى 
1_ نشرت بمجلة الزهور سنة 1912 وبجريدة عكاظ في مارس سنة 1917 ثم يكتب (كرمة ابن هانئ ) 
2_ أبي شوقي 35/ سنة 1923 مع نهج البردة والهمزية . 
الجملة المكتوبة على لوح معلق بالجدار . إلا موضوع واحد : وفاة الرسول صل الله عليه وسلم ،قال : ولكنني لفته إلى أن هذا الوقت موعد ، رياضته فقال : حتى تتم ،فقرأت له موضوع الوفاة فأخذ يبكي وفي يوم وفاته _14 اكتوبر سنة 1923 _ تحدَّث مع سكرتيره الخاص أحمد عبد الوهاب في موضوعات دينة ،وسأله بوجه خاص من التوبة والغفران وما يتذكره من آيات قرآنية عنهما ،لأنه كان قد أحس بدنو أجله .
وكان قد رغب في أن يكتب على قبره هذان البيتان من قصيدته نهج البردة : 
يا أحمدَ الخيرِ لي جاه بتسـميتي

وكيف لا يتسامى بالرسول سَمِى

إن جل ذنبي عن الغفران لي أمل

في الله يجعلني في خــير مُعتَصَمِ


يقول حسين شوقي : من حسن حظنا أننا وجدنا منزلنا بالمطرية سالماً لم يمس بسوء بعد هذه الغيبة الطويلة – فترة النفي إلا الأندلس- وقد عزا أبي وقاية البيت وسلامته إلى بركة لوحة كانت معلقة على المدخل مكتوب عليها : 
لا إلـــه إلا الله محمد رســــول الله
لذلك عندما تركنا المطرية أخذنا هذه اللوحة معنا ، فحلينا بها منزلنا الجديد . وكان يقرأ في شيخوخته كتب الفلسفة الإسلامية ، وكان معجباً يكتب الغزالي . ولم يكن إعجابه بالغزالي نابعاً من عقله ، بل كان نابعاً من وجدانه .
قال الأستاذ عبد العزيز الإسلام بولي : كنت في مجلس شوقي فابتدرني بقوله : أي سرٍ حدا بك غلا دراسة التصوف وما تزال شابأً ؟ فأجبته : حدا بي إلى ذلك البحث عن الحقيقة ، والعمل في 

ظل التمحيص على تزيّف النظريات التي حشرت في التصوف حشراً ، وكنت أزعم في نفسي أن شوقي لم يدرس التصوف بعد .
فقلت : ومع ذلك كله فإني أرى في دراسته التصوف لذّة روحية بالغة الأثر فأدهشني من شوقي أنه قال: ذلك حفه ، فقد درست التصوف دراسة مستفيضة ، وعرفت كل ما يتخذه المتصوفون لوصف حالاتهم من مصطلحات . وزدت على ذلك أني عارضت القصيدة التائية لأبن الفارض وعارضت القصيدة الخمرية له أيضاً ولم أنشرها بعد . 
وذكر أمينه الخاص أنه كان يقرأ له أيضاً كتاب الغزالي (المختصر في مكاشفة القلوب) وبقي حتى بعد منتصف الليل بساعة . 


وكان يؤثر أن يُلقب بشاعر الإسلام ، ويهش لهذا اللقب أَكثر من هشاشته للقب أمير الشعراء .
وكان يتفضل على مجلة المعرفة في بداية سنتها الثانية ببعض جواهره التي جمعها في كتابه (أسواق الذهب ) وكان صاحب المجلة يقدم لها بأنها من نتاج شاعر الشرق والإسلام ، فلما التقى بشوقي بعد هذا التقديم رأى هالة من البشر تغمر وجهه الضحوك المشرق ،وقال له : لكأنك يا أستاذ كنت تنطق بلسان الغيب ، فإن قولك عني إني شاعر الإسلام لأحب إلي من هذا اللقب الرنان الذي يطلقه الصحفيون عليّ. ذلك أني أتمنى أن أكون شاعر الإسلام حفاً. 
إيمان بالله
عرض شوقي لوجود الخالق سبحانه ،وللتوحيد الذي حام حوله البشر منذ زمن قديم ، لأنه في فطرهم ، وآمن بالعبادات ونوَّه بآثارها ،وثار على من يصدون الناس عنها ، وتضرع إلى الله الذي يسبّح كل شيء بحمده ،وخضع لقضاء الله ،وآمن بأنه لا مردَّ له ، وابتهل إلى الله أن يغفر له ما اجترح من ذنب .
العـــــــــــبادات
آمن شوقي بالعبادات ،ونوَّه بآثارها العظيمة في تطهير النفوس وصلاح المجتمعات 

1_ الصلاة :
قال في الصلاة : ( لو لم تكن راس العبادات ، لعُدَّت من صالحة العبادات . رياضة أبدان ، وطهارة أردان ، وتهذيب وجدان ، وشتى فضائل يشبّ عليها الجواري والغلمان . أصحابها هم الصابرون والمثابرون ،عودتهم البكور وهو مفتاح باب الرزق ، وأفضل ما يَرودُ به المخلوق التوجيه إلى الخالق . انظر حلال الجمع ،وتأمل أثرها في المجتمع ،وكيف ساوت العِلْبَةَ بالزَّمَعْ؟
مسَّت الأرض الجباه ، فالناس أكفاء وأشباه . .. .. )  

2-الزكاة:
قال في الزكاة : ( حزب الاشتراكية ، وحرب البلشفية ، أيها الناس أمرَ الله فصليتم ، ونهى المالُ فما زكَّيْتم
فرقتم بين الخمس وكلُّها حُكمُ الواحد ، فلكل مُصَلَّ مُّزَكٍّ واحد 
هي مال الفقير خلَسْتموه ، ورزقُ المحروم حبستموه ، وحقُّ العاجز في الحياة بَخَسْتُموه .
تُقرَضون الولاة ، ولا تقرضون الله ،وتنفقون تَملُّقا لأهل الجاه ، ولا تنفقون تَعَلقاً
بالنجاة ..) 
وسخر من الذين يصلون ويصومون ولكنهم لا يزكون ، وأنذرهم بأن الله قد أحصى نصيبب الفقراء من أموال الأغنياء ،فالذي يؤثر ماله على طاعة الله وحبه خاسر .
ثم ضرب مثالاً لآثار الزكاة ،فقال إن كثيراً من الفقراء واليتامى 

أصحاب بنوع ، فالخير للأمة في رعايتهم . 
وجهر بأن الأموال في أيدي أصحابها عارية ، فيجب أن تكون شركة بينهم وبين المحتاجين ، لأن الله الرزاق إذا كان قد يَسَّر للأغنياء سبيل الثراء فإنه لم يغفل حقوق الفقراء والضعفاء فيها . 
وحذّر الأغنياء من البخل بمالهم ، لأن بخلهم ُيحنق الفقراء عليهم ويمهد لهم الثورات .
وصوَّر ضيقه بالبخلاء ،وضيق الدعاة إلى الخير بهم من قبله .
ثم عاد يُرغبّهم في البذل ،ويدلل على المساواة ،،فقال إن الهواء يخترق الأكواخ كما يخترق القصور ،وإن الشمس ترسل أشعتها على الخصيب والجديب وإلى الغني والفقير ، وإن الماء يروي الأسود والكلاب . 
وإن الموت حتم لا يهرب منه ثريٌّ ولا معدوم ، وإن الناس جميعاً يتساوون بعد الموت فيرقدون في الثرى ،ليزهدهم في اكتناز في المال ، ويذكّر الأغنياء البخلاء بأن الموت مدرك لهم ، وسيتركون مالهم لغيرهم ،وكان الخير لهم أن يقدموا مالهم عملاً صالحاً ينفعهم عند الله : 
عجبت لمعشر صلوا وصاموا

ظــواهرَ خشيةٍ وتُقىً كِذابا

وتُلفيهم حيالَ المال صُـماًّ

إذا داعــى الزكاة بهم إهابا

لقد كتموا نَصيب الله منه

 كـأن الله لم يُحْـص النصابا

ومن يَعْدِل بحب الله شيئاً

كحب المال ضَلً هوىً وخابا

يريد الخالق الرزق اشتراكاً

وإن يـك خصَّ أقواماً وحابى

فما حَرَم المجدَّ جَنَى يـَدَيْه

ولا نسـِيَ الشَّقي ولا المصابا

ولولا البخل لم يَهْلِكْ فريق

عـلى الأقدار تلقاهم غِضابا

تعبتُ بأهله يوماً وقَـبْلي

دُعـاة البرِّ قد سَئِموا الخطابا

ولو أني خطبتُ على جمادٍ

فَجــَرْتُ به الينابيع العِذابا

ألم ترَ للهواء جرى فأفضى

إلى الأكواخ واخترق القِبابا ؟

وإن الشمس في الآفاقِ تَغْشَى

حِمَى كسرى كما تغشى اليَبابا؟

وأن الماء تَرْوي الأُسـدْ منه

ويَشْــفي من تَلَعْلُعِها الكلابا  ؟

وَســوَّى الله بينكم المنايا

ووسّــَدكم مع الرسْل الترابا 


2-مواساة الفقراء 
وأنكر في قصيدة أخرى على بعض المسلمين بخلهم الزكاة ، وتهاونهم في أدائها ، كأنها ليست ركناً من أركان الدين ، وحض على إخراجها، لأنها برٌّ ، وقد بعث الله الرسل دعاة إلى البر . ولولاه لم يبعثهم : 
أكلٌ في كــتاب الله إلا

زكاةَ المال ليست فيه يبابا ؟

ولولا البرُّ لم يُبْعَثْ رسول

ولم يَحْمِل إلى قـوم كتابا

وقد كان سخي النفس كريم اليد ، سريع الاستجابة إلى البذل ، ولهذا يقول في مناجاة الله سبحانه : 
وإني ولا مَنٌّ عليك بـطاعة

أُجلُّ وأُغْلي في الفروض زكاتي

أبالغ فيها وهي عدل ورحمةٌ

ويَتركـها الناسَ في الخلوات
[b][color=#333399][font=Arial Black]
وقد كان صادقاً في قوله : لأن صديقه الأمير شكيب أرسلان ذكر أنه كان سخياً بما يملك ، لا يأبى أن يجمع المال ، لكنه يجمعه لينفقه ، ويعطي البرَّ حقه ، ويمتّع أهله الذين كان لهم ،كما قال صديقه
 
خليل مطران_ رِئْبالاً في اللأواء ، وكان فعل شوقي مطابق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قصيدة البردة للإمام البوصيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة البردة للإمام البوصيري   قصيدة البردة للإمام البوصيري Emptyالأحد 10 نوفمبر 2013, 11:05 pm

قصيدة البردة للإمام البوصيري __online

ثلاثية البردة .بردة الرسول صلى اللـه عليه وسلم . معارضة قصيدة البردة . شاعر البردة .


http://www.4shared.com/office/Is0la-cj/__online.html



عرض بوربوينت

هذه أربع صور كتبتُ عليها جزءًا من القصيدة
قصيدة البردة للإمام البوصيري Fzqf9icfxow9
قصيدة البردة للإمام البوصيري Fubblqotjxbb
قصيدة البردة للإمام البوصيري V297ugw02o2s
قصيدة البردة للإمام البوصيري 8hooxlkfnwe2
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قصيدة البردة للإمام البوصيري Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة البردة للإمام البوصيري   قصيدة البردة للإمام البوصيري Emptyالأحد 10 نوفمبر 2013, 11:20 pm

نهج البردة - دمشق15-9-1955 .mp3‏ (47.64 


http://www.sama3y.net/forum/attachment.php?attachmentid=263291&d=1311274455


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
قصيدة البردة للإمام البوصيري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصيدة البردة مكتوبة كاملة للإمام البوصيري
» القصيدة المحمدية - البوصيري
» قصيدة البردة مكتوبة كاملة للإمام البوصيري وتفسيرها
» كتاب بردة المديح للإمام البوصيري pdf
»  قصيدة البردة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: