ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: التمرد .. يجادل الواقع الأربعاء 20 نوفمبر 2013, 1:06 am | |
| [rtl]التمرد .. يجادل الواقع[/rtl]
[rtl]
[/rtl] [rtl]
حين نسمع كلمة تمرد تصطف في مخيلتنا كل المعاني الإيجابية والسلبية حول فعل التمرد ، أو مغزاه وغاياته . في الواقع إن مفهوم التمرد مثله مثل كل المفاهيم المتداولة في حياتنا الاجتماعية أو السياسية ؛ كالحرية والمساواة والإرهاب والحوار وغيرها ، يختلط التعريف به ، أو التعرّف على جدواه بالأفكار الجاهزة التي روج لها الإعلام الغربي عن طريق الاحتلالات المختلفة منذ وصول نابوليون بونابرت إلى مصر ، وما تلاه من قدوم الجيوش البريطانية والفرنسية لبلادنا العربية في مطلع القرن العشرين . ثم مع تنامي الصراع السياسي بين قطبي العالم الرأسمالي والاشتراكي ؛ استهوى أصحاب القرار السياسي اللعب على المصطلحات المتعلقة في بعض العلوم كالاجتماع وعلم النفس والسياسة والاقتصاد ،وترويجها دعائياً في أكثر الأحايين بعيداًعن العلم أو الفكر المنفتح . وقد نال مفهوم التمرد تحديداً ما ناله من تشويه وغبن وتجنٍ ، وأخذ الإعلام المكتوب والمسموع ينعت كل الحركات العنيفة والمسلحة بالتمرد . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى نجد عبر مراحل التاريخ القديم والحديث والمعاصر أن المفاهيم تتبدل وتتغيّر حسب الأحوال والمصالح الآنية فمن كان يعتبر أن الثورة حرام ومعصية أصبح اليوم يهلل للثورات ، ومن كان يعتبر الديموقراطية نظاماً وافداً غريباً على تقاليدنا يراها اليوم أفضل السلالم للوصول إلى السلطة ولو إلى حين ، وما أن يركب قطارها ويصل إلى محطته ، يخرج ليقتلع خطوط السكة الحديدية ليقلب القطار وركابه .
عناصر التمرد يكون فعل التمرد مجموعة من العناصر منها ما هو (بيولوجي واجتماعي) هدفه إشباع الحاجات الأساسية للإنسان في بيئة مجتمعه الأولى الأسرة ، المدرسة ، الجامعة . والحصول على حاجاته الاقتصادية الأساسية في الحياة في أسرته ومن ثم عند خروجه لسوق العمل . في تلك المرحلة تنشأ أولى إرهاصات التمرد فيما يعرف ب(صراع الأجيال) ذلك الحوار المستمر بين الآباء والأبناء، بين الأستاذ وتلاميذه . وهناك عناصر لاتقل أهمية تدخل في فعل التمرد كالعنصر (السيكولوجي) والعنصر (الثقافي) المكونان لمجموعة الخبرات التي يختبرها الشخص نتيجة التعامل مع العالم الخارجي ، أثناء انتمائه لفرقة كشفية ، أو نقابة ، أو فريق رياضي ، أو حزب سياسي . كل تلك العناصر الآنفة الذكر تكوّن الوعي الذي هو المصدر الأول للتمرد بمعنى السعي إلى التغيير .وفي حالة التمرد الساعي إلى التغيير تخسر الذات المكانة التي على المتمرد أن يدافع عنها ، لأن القيمة ههنا تصب في إيجابية المجموع ؛ فتمرد سبارتاكوس لم يحدث من أجل حقد شخصي أو هوىً في نفسه ، بل قام على نظام لايعترف بحقوق مجموعة من الأشخاص المضطهدين .
الوعي .. التمرد عندما يستيقظ الوعي تتضح للإنسان عبثية الوجود ، وعدم إدراك المصير الإنساني وسط كم هائل من الظلم ؛ وهذا ما يولد التمرد ، الذي يهدف إلى التغيير . فالشخص الذي يقول : لا . التي تنطوي عن معارضة لأمور معينة ، يعلم جيداً أنه سمح لخطوط وحدود سلبية أن تدخل حياته . ويعرف بالتالي دون شك بأن تمرده يحمل قيمة معينة ؛ لذلك هو يعارض كل ما يضر ويضير به ، ومع تطور تمرده يضفي عليه كفرد خاصية جماعية بعيدة عن الانغلاق والحقد والغيرة والفردانية والتزمت ، وحين يدافع عن قناعاته كأنما نجده يدافع عن نفسه ، عن وحدة شخصيته ؛ باطنه مثل ظاهره أي غير مصاب بازدواجية الشخصية . وعبر التاريخ ظهر نوعان من المتمردين الأول نشأ في حضن الفلاسفة أمثال هيغل ونيتشه وغيرهم باعتبارهم أوائل (المتمردين الميتافيزقيين) ؛ هؤلاء الذين تمردوا على النصوص التي درست عليها البشرية ، وقامت على مبادئها أسس النظم السياسية من دولة أثينا الاغريقية إلى روما مروراً بالعصر الوسيط وعصر النهضة . أما (المتمردون التاريخيون) فقد هدفت حركتهم بشكل رئيس إلى تحقيق الحرية والعدل والمساواة في الحقوق ؛ أولئك هم مجموعات من البشر قاموا ضد ما هو قديم ، وراكد ، ومظلم ، ومؤخر لحركة الحياة . تربة التمرد عادة التمرد لا يظهر في مجتمعات يطغى عليها الاستبداد طغياناً شديداً ، أو يعيش أفراد مجتمعها تحت مظلة المساواة . فالتمرد يظهر في مجتمعات تتوارى فيها لامساواة واقعية وراء مساواة نظرية ، بالإضافة إلى أن التمرد يخص إنساناً عارفاً ومصلحاً ، ليس جاهلاً ، بل هو مدرك لحقوقه وعليه ؛ فلا يمكن للمتمرد أن يظهر في مجتمعات بدائية تعتقد بالخرافات والتقاليد العتيقة ، وتفسّر الظواهر الحياتية على أسس غيبية وتحريمية .والمتمرد يعيش في الواقع ، ولا يهرب من هذا الواقع ، وإنما يجد قيم وتجارب تصب في مصلحة الناس ضمن هذا الواقع ومن أهم قيم المتمرد الدعوة إلى وجود مجتمع إنساني بعيد عن القداسة ، ولكي يحيا عليه أن يتمرد ؛ بشرط أن لا يتخطى حدود الوجود الحقيقي للبشر . ولعل ما صنعته حركة تمرد في مصر / بالطريقة السلمية / التي تابعناها وما زلنا نرنو لاستمرارية عمل ممثليها و تمردهم الهادئ في لجنة الخمسين لكتابة دستور مصر الجديد . لذلك يمكننا رؤية الفرق بين التمرد والثورة ؛ فالثورة تنبت من فكرة ، بينما التمرد حركة تبدأ من تجربة ومن ثم تصل إلى الفكرة . الثورة تصنع من الإنسان مادة للتاريخ ، أما التمرد فيؤكد على طبيعة الإنسان غير الخاضعة لقوى العالم ، لأنه يخرج من الإنكار باسم التأكيد على مفهوم الإنسانية ، فيغدو أمراً خلاّقاً .
التمرد في الفن التمرد في الفن بمثابة إعادة تشكيل للكون ، فالمبدع يعتبر أن العالم غير كامل ، أو تشوب سيرورته الشوائب والقبح ، لذلك يحاول ويسعى لإعادة صياغته بإضافة بعض النواقص ، وأحياناً يحطم ما هو بالٍ ، أو يرمي ما هو مكرر وممل ، ويقدم ما هو صادم ومدهش للوهلة الأولى ، وكأنه يجادل الواقع ولا يدير له ظهره ، يحاوره ولا يتحاشاه . الفن يقود المبدع إلى مصدر التمرد في وتر العود ، وفي سطر قصيدة ، أو في مفتتح رواية ، أو تصوير فيلمبنفس النسبة التي يعطي فيها شكلاً للقيم غير المرئية ؛ لكنها مرئية في نظره ويشعر بحساسيتها كمبدع .[/rtl]
|
|