الغراب الأحمر والغراب الأبيض
كان الغراب الأحمر يطير في الأجواء
يحمل معه أوراقه الكثيرة المثقلة ذات الخلفية البيضاء
ويحك رأسه ويفكر ويردد الأفكار في الأثناء
ووصل إلى مسامعه خبر أصابه ببعض الإعياء
فقال أهبط وأستريح قليلا على الشجرة الظليلة الخضراء
ومن ثم وسأفكر بالمشكلة الدهيماء
علّي أجد لها حلا أو دواء ، وقد يرضى به الأوصياء
فسمع صوتا ونظر إلى السماء
فرأى طائرا أبيضا يطير مع بعض الأصدقاء
سمعه يقول غاء باء , غاء باء
فناداه وقال تعال ، تعال نتحادث يا بن قبيلتي الغبراء
فتعجب الغراب الأبيض وقال كيف عرفتني ويا ذو الكسوة الحمراء
فقال الغراب الأحمر وهل يخفى علي بني الناعقين في الجرداء
"أفت" قال الغراب الأبيض ، وأردف: يا صاح من المكائد أصابني بعض الإعياء !
ثم استردف ألست من بني الغربان السوداء
فقال الغراب الأحمر صدقت ، ولكن كيف عرفت هويتي الغَرْباء
قال الغراب الأبيض كما عرفتني أنت يا صاحبي ويا ذا الذكاء
ممتاز ، قال الغراب الأحمر ، ولكن وكيف ومن أين لك تلك الحلة البيضاء
أأحببت عيش الحمائم الزاجلة والركون إلى السلم ، وترك الدهاء !
صبرا ، يا أحمر قال الغراب الأبيض : ولكن قل لي أولا ما سر حلتك الحمراء
قال الغراب الأحمر : لكن للعدل صاح ، فأنا أول من سأل فاجب يا ذا الدهاء
حسنا قال الغراب الأبيض ، وقال : صاح خلت أحيانا أنه قد أصاب أرياشي السوداء
رُبّ قد أصابها بعض الشيب من أعمالي الخرقاء
ولكن وللحقيقة صديقي فأنا أحب أن أظهر بين البسطاء
أظهر بحلة المسالمين أو بحلة العقلاء الشرفاء
أو ربما يعتز بي حلفائي "اللبقين الأذكياء" ويعتزون بمثلي العرجاء
أو أبهج من صار لي ذيلا فيفتخرون بحلتي البيضاء
فقال الغراب الأحمر أضحكتني صديقي يا غازي الفضاء
وسأنبئك ما سر حلتي الحمراء
وتأوه قليلا الغراب الأحمر ، وقال في حسرة ورثاء
يا صديقي ، كلما هممت بدفن ضحية قد ماتت من الشقاء
تلطخ ريشي الأسود بما أهدر ظلما وعدوانا من الدماء
وأحيانا قد يصيبني شعور أن ريشي بحمّر خجلا من فعالي ذات النكاء
أو ربما وقد أخجل من فعالك التي فيها على الضعفاء استقواء
أضحكتني يا أحمر وهل تركت لي تفوقا كبيرا عليك وفي الاستقواء
أو في التنكيل وتحجيم إرادات الشرفاء
فنحن كثيرا في أمور المكائد والتعالي والتجبر شبهاء
ولكن ، وقل لي وللمناسبة ما بال صديقك الذي يطلق السم في الفضاء
ضحك الغراب الأحمر ، وقال : أكلما تجشأ حبيب لي عملتم مأتمة سوداء
فقال الغراب الأبيض أبربك أيجوز المقتلة النكراء
أيجوز قتل الشيوخ والأطفال والرضع والنساء
أيجوز الاستهانة والتنكيل والاستهتار بالضعفاء
انظر صديقي ، قال الغراب الأحمر : أعلم في قراري أنها جريمة نكراء
وأعلم أن الفعل ذميم وشنيع ولا يقيم وزنا لوطن ولا لبنيه التعساء
ومن ثم وأردف الغراب الأحمر : سنجد صديقي للمشكلة حل وشفاء
فننزع العلة المقيتة وأحبابنا الأعزاء سيعيشون في رغد ورخاء
ويكون أحبابنا في المجتمع الأممي ذوي رقاء
فقال الغراب الأبيض متذمرا : كم دفنا من الجرائم الحمقاء
كم باسم المثل جعلنا بلادا كانت غضة ويانعة وخضراء
كم باسم المثل جعلناها بلادا قاحلة وخرابا وجرداء
حتى ما نبقى نضيع حقوقا للضعفاء
فقال الغراب الأحمر يا هذا أخجلتني وأصابني بعض الحياء
يا هذا أترى أن العيش يطيب مع الفعال الخرقاء
فأردف الغراب الأحمر متسائلا : ولكن ماذا يفعل رفيقك عند الغربان الصغيرة البيضاء
أليست هي من أرادت التجاوز والتجبر على الآباء
أم تتعاهدون ظلما وبطشا ولكم من أمور الدهاء
وفجأة صمت الغرابان وانتابهما حالة تفكر واستقراء
فقد رأيا عقابا دامع العينين ويرفرف بجناحيه وينظر إلى السماء
فقال الغراب الأبيض لصاحبه : يا هذا ألا تخشى رب الأرض والسماء
ألا نخشى فعال السوء والمكر السيئ والصنائع السوداء
حتى ما سنبقى للخير والطيب والعادل أعداء
حتى ما نتاجر بمثل نتزين بها وفعالنا نكراء
يا للخجل يا صاح ألسنا بالعقل غزونا الفضاء
وسبرنا أغوار حقائق وكشفنا علوما أبهجت الأذكياء
أعجزنا صاح ، كسب ود من هم في ضيق وضيم وبلاء
أمن العقل أن نظلم المساكين ونترك الديار من العدل خواء
أمن العدل أن نحالف من هم للشر فاعلين وهم للفساد أشقاء
يا صاح أما مجت نفوسنا الظلم وتجريع الحسرة للضعفاء
فقال الغراب الأحمر أتعلم يا صاح في داخلي كم سئمت الكذب والاستعلاء
كم سئمت أن نكون غصة في حلوق من هم للعدل طلباء
صاح بالعقل رأينا الإعجاز في الفضاء
وشعرنا بعظمة خالق الأرض والسماء
أنعجز أن نكون للطيبين وللحق والحقيقة أصدقاء
أنعجز أن نكون في الدنى وفي كل طيب حكماء
وفي الحكمة ألا نريد رؤية ما هو عادل ونافع للبشر على سواء
حتى ما سنبقى يدا في جلب كثير من الضيق والشقاء
آلله أمدنا بقوة حتى نكون دركا للشقاء ؟
أم أن الصواب أن نكون مع العادلين والرحماء أخلاء
.............................................
وفي الأثناء علا من الأرض وضج نحيب وبكاء
وإلى السماء نظرت عيونا حزينة يملأها الحزن والبكاء
ترجو ربا قويا حكيما وسميعا في السماء
رافعة يديها وضارعة إلى رب الأرض والسماء
ضارعة أن يفك الله المحنة ويرفع القلة والضيق والعناء
وأن يجلب الفرج والنجاة والخلاص من البلاء
فهز الطائرين رأسيهما وقالا في خجل وحياء
إلى متى نباهي رقيا ونحن للمساكين من أسباب الشقاء
متى يرفرف على العالمين الحكمة والخير والعطاء
متى سيتنازل الأشرار عن زرع الحسرة والبلاء
.........................................
وقال الأبيض في أسى : ملت نفوسنا التجبر وعلى الضعفاء استقواء
يا صاح أيعقل أن يستمسك بالكرسي من صارت عدالته خرماء
أيعقل أن يقبل الشعب ولو للحظة من سفك منهم الدماء
أيعقل أن يقبل الشعب من داس منهم الكرامة الإباء
أيعقل أن يفاوضوا من جرعهم منذ البدء الحسرة والشقاء
أليس من العقل يا صاح أن من خرمت عدالته أن يفضي المكان لمن يديه بيضاء
فقال الأحمر : يا صاحبي ويا ذو الحلة البيضاء
وأنت ويا من تنادي بالصوت النزيه وصناديق الاقتراع
وتنادي بالشرعية واحترام من جاء بهم الشعب نخباء
فما بالك من مثلك تنصلت وصرت تطبل للغوغاء
ومتى الصندوق جاء بما لا تشتهون صرتم عن الحقائق غرباء
وأحيان صديقي ينتابني شعور بفعالك المنكرة أنكم رٌبّ من الرعناء
أم أنه لكم صديقي ميزانكم ذو العين الخرقاء
ونظر الغرابان لبعضيهما وقالا ألسنا كنا نسرين مرموقين حلقنا في الفضاء
وكنا شامة في العلم وكنا في قمة في الرقاء
فما بالنا في حلة الغربان وفي حلل متنكرين ودون الحلة السوداء
فقال الغراب الأبيض : للحقيقة أتتصور يا أحمر أنك بالتظاهر ستكون من الشرفاء؟!
أتعلم يا أحمر ولو كنت نسرا ذهبيا وتلمع في الفضاء
ومع مثلك الملمعة كلها ومعها كنت تنعق بالشقاء
أترى أنهم سيقولون عنك طائرا فخما يعبق الأجواء ؟!
يا صاح من مشى بالكيد الأسود أتنفع معه الأسماء ؟!
فقال الأحمر في هوليودكم جعلتم البشر في حلل الحيوان العجماء
وجعلتموهم من المكانة والفكر في رقاء
أصار فكر الحيوان عندكم حكمة وفلسفة وتغاضيتم ما للواقع من خير ووفاء
ونعَم ففي حقوق الحيوان كنتم مخلصين وحرصاء
فنَعِمَ صاح كلُ جميل ، ونَعِمَ كل ما فيه رحمة ورأفة للأحياء
ولكن أمن الرقي صاح ، أن نقيم الدنيا من أجل كلب وأهملنا ملايين الضعفاء
أمن الحكمة أن نكون للظلم وللتجبر والغشم في انضواء
ألا يليق بنا صاح أن نكون في الأرض شعوبا للخير والفاضل معطاء
ألا يليق بنا أن نكون في الأرض شعوبا للشر وللظالم والغاشم أعداء
أما آن الأوان صاح أن نذر التجبر والتعامي عن الحق والعدل والنقاء
فطار الطائرين وفي نفسيهما أسى وللصراحة استجداء
ولسان حاليهما يقولان متى سنكون للحق والحقيقة أمناء
متى نضع أيدينا في أيادي من يريدون الخير والعدل والإنصاف والعطاء
متى سنحلق في الفضيلة والعدل والخير ونعيش في الناس بودٍ وصفاء
أما آن لكل ذي عقل أن يهجر المضر وذا الظلم وذا طامس الضمير في مظلم العماء
الرئيسية 
البوابة 
