أبو نواس.. قالوا الشعراء ثلاثة: امرؤ القيس وحسان بن ثابت وأبو نواس
رغم ازدهار ساحة العصر العباسي بأسماء أدبية خصوصاً في الشعر وتميز هذا الزمن بفيض الاهتمام بالثقافة والفنون وانتشارها والإقبال عليها والتنافس فيها إلا أن شعراء وكتاب العصر العباسي أخذوا حصتهم من التميز دون أن يعلو أحد على آخر وهذا ما كان عليه الشاعر أبو نواس الذي صقل أشعارا تتردد إلى عصرنا بكثير من سلاسة وعذوبة وعمق رغم اختلاف الآراء فيها.
عرف أبو نواس وهو الحسن بن هانئ الحكمي الذي ولد في الأهواز في خوزستان وعاش في البصرة، باللهو والمجون وهذا انعكس على شعره الذي كان في معظمه يذكر الخمر والنساء وخصوصا حبيبته جنان الجارية التي أحبها وكتب فيها هذه الأبيات:
إني صرفتُ الهوى إلى قمر
لم يتحد العيون بالنظر
إذا تأملته تعاظمت الإقرار
في أنه من البشر
ثم يعود الإنكار معرفة
منك إذا قسته إلى الصور
توفي والد أبو نواس وهو في السادسة من عمره فعمل عند عطار وكان بعد العمل يذهب لمجالس العلم والشعر في مدينة البصرة، وفي البصرة تعرّف على خلف الأحمر الذي طلب منه حفظ قصائد وأراجيز لفترة ثم نسيانها وبعد فترة من الحفظ والنسيان صار أبو نواس قادرا على نظم الشعر.
كتب أبو نواس في كثير من المواضيع فكتب المدح والهجاء والغزل والرثاء، وكان شعره سلسا على غرار الشعراء الآخرين في ذلك العصر، وأيضا عباراته لينة بعيدة عن الحشو، ولكنه لم يكن مكترثا لجمع قصائده فكان يكتب وحسب وقد جمع قصائده في ديوان بعض المؤرخين من أمثال الصولي والأصفهاني.
شرب أبو نواس من نبع الحياة الحكمة، وكانت نظرته إلى الحياة مختلفة فاختلف فيه النقاد بين مؤيد ومعارض، إذ وصف شعره بالإباحية والحديث عن الخمر، وحينا تراه يكتب قصائد تعبر عن توبته إذ يذكر أنه تاب في أواخر حياته واتجه إلى الزهد وهذا ما يظهر في قصيدة وجدت تحت وسادته يقول فيها:
يا ربِّ إن عظُمَتْ ذنوبي كثرة
فلقد علمتُ بأن عفوكَ أعظم
إن كان لا يدعوكَ إلا محسن
فمن الذي يرجو ويدعو المجرم
كان أبو نواس بالإضافة إلى الشعر ملماً بالفقه والحديث والتفسير ويعرف في القرآن الكثير، حتى قال عنه ابن المعتز في طبقات الشعراء: "كان أبو نواس عالما فقيها عارفا بالأحكام والفتيا، بصيرا بالاختلاف صاحب حفظ ونظر ومعرفة بطرق الحديث يعرف محكم القرآن ومتشابهه وناسخه ومنسوخه"، وبلغ مجده بالشعر أن يقال أن الشعراء ثلاثة: امرؤ القيس وحسان بن ثابت وأبو نواس.