قصيدة المستحمة - أبو نواس -
سبعة ابيات من البحر الوافر ، تعرف بـ قصيدة " المستحمة " كما اقترح لها حنا الفاخوري ، او قصيدة " المغتسلة " كما وجدت عند حسن سعيد الكرمي في احد اجزاء كتابه الموسوعي الاذاعي " قول على قول" ، و تتعرض لأوصاف امرأة تغتسل ثم تحتجب من شدة خفرها بردائها وبشعرها الكثيف عن عيون الرقيب الذي يترصدها من عين الباب . و تنسب الابيات إلى أبي نواس ، و مثبتة في ديوانه المطبوع بـ " دار بيروت للطباعة والنشر". فيما ينسبها اخرون إلى عبد الله بن المعتز ، و هذه النصوص تدخل في نطاق الطابو و المحظور و الممنوع في تراثنا العربي بسبب جرأتها المفرطة في الوصف و التصوير ، و لحساسية مواضيعها بالرغم من ان التراث العربي يزخر بكثير من النماذج التي تصف المراة بالعديد من الاوصاف المستهجنة في الاوساط الدينية التقليدية حاصة . مثل ما نجد في قصائد متفرقة عند النابغة الذبياني في قصيدة " المتجردة " ، و امرئ القيس في معلقته ، و عمر ابن ابي ربيعة ، أو ابي نواس نفسه في قصائد ماجنة من توصيفات صريحة واقتناص لمفاتن المراة و وصف اعضائها ومحاسنها ، بالرغم من ان الاوصاف الحسية للجسد الانثوي بمعناها الصريح في هذه الابيات النواسية مغيبة تماما ، و قد استعاظ عنها بالاوصاف الايحائية المجردة لمشهد امراة و هي تستحم بين غلالة من الماء و البخار ، و النور و الظلام، و الضياء و التوهج، و البياض و السواد، و الظهور و التماهي ، و الجلاء و التخفي ، مستعينا في تشابيهه بعناصر التكوين الاربعة مما يبرهن على ان الرقيب ، يراقب امراة في العتمة ، و لا يرى شيئا من مفاتناها غير ما يجود به تداخل المشاهد ، وانعكاس لمعان النور و الهواء و وميض انزلاق الماء فوق الماء . و قد تكرر لفظ الماء خمس مرات ، و (الهواء - النسيم) مرتين ، و النار مرتين عبر ( الضياء-الصبح ) في مقابل (الظلام ، الليل) أما التراب فهو الجسد برمته ..
و فد نصادف مثل هذا الوصف التقابلي الذي ينفرد بجمالية خاصة و عمق في الدلالة ، و فوق هذا قوة في امتلاك ناصية الوصف و ابتداع الصور الشعرية الزاهية
نَضَت عَنها القَميصَ لِصَبِّ ماءِ
ابو نواس
نَضَت عَنها القَميصَ لِصَبِّ ماءِ = فَوَرَّدَ وَجهَها فُرطُ الحَياءِ
وَقابَلَتِ النَسيمَ وَقَد تَعَرَّت = بِمُعتَدِلٍ أَرَقَّ مِنَ الهَواءِ
وَمَدَّت راحَةً كَالماءِ مِنها = إِلى ماءٍ مُعَدٍّ في إِناءِ
فَلَمّا أَن قَضَت وَطَراً وَهَمَّت = عَلى عَجَلٍ إِلى أَخذِ الرِداءِ
رَأَت شَخصَ الرَقيبِ عَلى التَداني = فَأَسبَلَتِ الظَلامَ عَلى الضِياءِ
فَغابَ الصُبحُ مِنها تَحتَ لَيلٍ = وَظَلَّ الماءُ يَقطِرُ فَوقَ ماءِ
فَسُبحانَ الإِلَهِ وَقَد بَراها = كَأَحسَنِ ما يَكونَ مِنَ النِساءِ