الإمام البوصيري - قصيدة البــــــرأة
تعد قصيدة " البرأة للامام البوصيري " من المعارضات غير التقليدية لـ " بردة كعب بن زهير " ، و ان التقتا في موضوع المديح و الاسم والمسمى ، و اختلفتا من حيث الوزن والقافية والزمان ، حيث نظمها الشاعر بعد ستة قرون
و هي ميمية مـن أشهر المدائح النبوية ، بل من أكثرها شهرة ، و تقع في حوالي 176 أو 182 بيت من عشرة اقسام كلهافي التضرع والحمد والاستغفار ، وقد تنافس العديد من الشعراء في معارضتها ، اهم هذه المعارضات ، معارضة أمير الشعراء في قصيدته الشهيرة " نهج البردة" التي سنتعرض لها في مقام لاحق:
ريم على القاع بين البان والعلمِ = أحلّ سفكَ دمي في الأشهر الحرمِ
فضلاً عن العديد من أنواع التخمّيس ، و التشـطِّير ، والتسبيع ، مثل تشطير الشيخ محمود أبو الشامات:
أمنْ تذكر جيرانٍ بذى ســــلمٍ = تكرر العود مرات إلى الحرم
وحينما نظؤت عيناك قبته = مزجْتَ دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــدمِ
أَمْ هبَّتِ الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمـــةٍ = فهب منك اشتياق هاج كالضرم
و تسبيع الشيرازي البضاوي:
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
اللهُ خَصَّكَ بِالإكْرَام وَالْكَرَمِ = كمَا تَخَصَّصْتَ بِالأحْكامِ وَالحِكَمِ
وَسِرْتَ بِالْمَلإِ الأعلى عَلَي قَدَمِ = مَعَ النَّبِيِّينَ فِي الإسْرَاءِ وَالْحَشَمِ
قَبْلَ الدُّنُوِّ مِنَ المَوْصُوفِ بِالْقِدَمِ = سَرَيْتَ مِنْ حَرَمٍ لَيْلاً إلي حَرَمٍ
كَمَا سَرَي الْبَدْرُ فِي دَاجٍ مِنَ الظُّلمِ
الى العديد من الشروحات المتنوعة ، كما اعتنى بها اهل التصوف خاصة ، و حاكوا في شانها الكثير من الحكايات والقصص
و قد أطلق البوصيري - و هو " الإمام شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي الاباصيري " نسبة الى أبو صير ، مصري المولد و النشاة سنة 1213م ، تعود اصوله الى قبيلة صنهاجة المغربية ، - على هذه القصيدة " البـــردة " من باب المحاكاة لقصيدة كعب بن زهير بن ابي سُلمى ، و سماها أيضاً بـ " الكواكب الدرية في مدح خير البرية " ، و بــ " قصيدة الشدائد " ، و " ام المدائح " ، و " درة المدائح " ، كما سميت أيضا بـ " البـــرأة " ، لأن البوصيري كما يزعمون برئ بها من علة ألمت به
و يقول عنها الشاعر : " كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله (ص) ، ثم اتفق بعد ذلك أن أصابني خِلْط فالج أبطل نصفي ، ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة ، فعـملتها ، و استشفعت بها إلى الله في أن يعافيني ، و كررت إنشادها ، و بكيت و دعوت ، و توسلت و نمت ، فرأيت النبي (ص) ، فمسح على وجهي بيده المباركة ، و ألقى عليّ بردة ، فانتبهت و وجدت فيّ نهضة ، فقمت وخرجت من بيتي ، و لم أكن أعلمت بذلك أحداً ، فلقيني بعض الفقراء ، فقال لي : أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله (ص) ، فقلت : أيّها ؟ فقال : التي أنشأتها في مرضك ، و ذكر أولّها ، و قال : والله لقد سمعتها البارحة و هي تنشد بين يدي رسول الله(ص) ، فرأيت رسول الله (ص) ، يتمايل وأعجبته ، وألقى على من أنشدها بردة ، فأعطيته إياها ، و ذكر الفقير ذلك ، و شاع المنام " .
قصيدة البردة
للإمام البوصيري
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
أمن تذكر جيرانٍ بذى سلم = مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بدم
َمْ هبَّت الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمةٍ = وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
فما لعينيك إن قلت اكْفُفا همتا = وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم = ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طللٍ = ولا أرقت لذكر البانِ والعلمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شهدت = به عليك عدول الدمع والسقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضنى = مثل البهار على خديك والعنم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني = والحب يعترض اللذات بالألمِ
يا لائمي في الهوى العذري معذرة = مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ
عدتك حالي لا سري بمستتر = عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
محضتني النصح لكن لست أسمعهُ = إن المحب عن العذال في صممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عذلي = والشيب أبعد في نصح عن التهتمِ
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظت = من جهلها بنذير الشيب والهرم
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى = ضيف ألم برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أني ما أوقره = كتمت سراً بدا لي منه بالكتمِ
من لي برِّ جماحٍ من غوايتها = كما يردُّ جماح الخيلِ باللُّجُم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها = إن الطعام يقوي شهوة النَّهم
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على = حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه = إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمالِ سائمةٌ = وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلة = من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع = فرب مخمصةٍ شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت = من المحارم والزم حمية الندمِ
وخالف النفس والشيطان واعصهما = وإن هما محضاك النصح فاتَّهِم
ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً = فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
أستغفر الله من قولٍ بلا عملٍ = لقد نسبتُ به نسلا ًلذي عُقُم
أمْرتُك الخير لكن ما ائتمرت به = وما استقمت فما قولى لك استقمِ
ولا تزودت قبل الموت نافلةً = ولم أصل سوى فرض ولم اصم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى = أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وشدَّ من سغب أحشاءه وطوى = تحت الحجارة كشحاً مترف الأدم
وراودته الجبال الشم من ذهبٍ = عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته = إن الضرورة لا تعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من = لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ
محمد سيد الكونين والثقلين =والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ = أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته = لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به = مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ = ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ = غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهم من = نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهوالذي ت م معناه وصورته = ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه = فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادعثه النصارى في نبيهم = واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف = وانسب إلى قدره ماشئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له = حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم
لو ناسبت قدره آياته عظماً أحيا = اسمه حين يدعى دارس الرمم
لم يمتحنا بما تعيا العقول به = حرصاً علينا فلم نرْتب ولم نهمِ
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى = في القرب والبعد فيه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعُدٍ = صغيرةً وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته = قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحلمِ
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ = وأنه خير خلق الله كلهمِ
وكل آيٍ أتى الرسل الكرام بها = فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضلٍ هم كواكبها = يظهرن أنوارها للناس في الظلم
أكرم بخلق نبي ّزانه خلقٌ = بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ = والبحر في كرمٍ والدهر في همم
كانه وهو فردٌ من جلالته في = عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ = من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل تُرباً ضم أعظمهُ = طوبى لمنتشقٍ منه وملتثمِ
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
أبان موالده عن طيب عنصره = يا طيب مبتدأ منه ومختتم
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهم = قد أنذروا بحلول البؤْس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ = كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسفٍ = عليه والنهر ساهي العين من سدم
وساءَ ساوة أن غاضت بحيرتها = ورُد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل حزناً = وبالماء ما بالنار من ضرمِ
والجن تهتف والأنوار ساطعةٌ = والحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصموا فإعلان البشائر = لم تسمع وبارقة الإنذار لم تُشَم
من بعد ما أخبره الأقوام كاهِنُهُمْ = بأن دينهم المعوجَّ لم يقمِ
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب = منقضةٍ وفق ما في الأرض م نصنم
حتى غدا عن طريق الوحى منهزمٌ = من الشياطين يقفو إثر منهزم
كأنهم هرباً أبطال أبرهةٍ = أوعسكرٌ بالحصى من راحتيه رمى
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما = نبذ المسبِّح من أحشاءِ ملتقم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة = تمشى إليه على ساقٍ بلا قدم
كأنَّما سطرت سطر اًلما كتبت = فروعها من بديع الخطِّ في اللقم
مثل الغمامة أنَّى سار سائرة = تقيه حر وطيسٍ للهجير حَم
أقسمت بالقمر المنشق إن له = من قلبه نسبةً مبرورة القسمِ
وما حوى الغار من خير ومن كرم = وكل طرفٍ من الكفار عنه عم
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما = وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على = خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ = من الدروع وعن عالٍ من الأطُم
ما سامنى الدهر ضيماً واستجرت به = إلا ونلت جواراً منه لم يضم
ولا التمست غنى الدارين من يده = إلا استلمت الندى من خير مستلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له = قلباً إذا نامت العينان لم ينم
وذاك حين بلوغٍ من نبوته = فليس ينكر فيه حال محتلم
تبارك الله ما وحيٌ بمكتسبٍ = ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهم
كم أبرأت وصباً باللمس راحته = وأطلقت أرباً من ربقة اللمم
وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوته = حتى حكت غرة في الأعصر الدهم
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها = سيبٌ من اليم أو سيلٌ من العرمِ
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
دعني ووصفي آيات له ظهرت =ظهور نار القرى ليلاً على علم
فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظمٌ = وليس ينقص قدراً غير منتظم
فما تطاول آمال المديح إلى ما = فيه من كرم الأخلاق والشِّيم
آيات حق من الرحمن محدثةٌ = قديمةٌ صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمانٍ وهي تخبرنا = عن المعادِ وعن عادٍ وعن إِرَم
دامت لدينا ففاقت كلَّم عجزةٍ = من النبيين إذ جاءت ولم تدمِ
محكّماتٌ فما تبقين من شبهٍ = لذى شقاقٍ وما تبغين من حكم
ما حوربت قط إلا عاد من حَرَبٍ = أعدى الأعادي إليها ملقي السلمِ
ردَّتْ بلاغتها دعوى معارضها = ردَّ الغيور يد الجاني عن الحرم
لها معانٍ كموج البحر في مددٍ = وفوق جوهره في الحسن والقيمِ
فما تعدُّ ولا تحصى عجائبها = ولا تسام على الإكثار بالسأمِ
قرَّتْ بها عين قاريها فقلت له = لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
إن تتلها خيفة ًمن حر نار لظى = أطفأت حر لظى من وردها الشم
كأنها الحوض تبيض الوجوه به = من العصاة وقد جاؤوه كالحمم
وكالصراط وكالميزان معدلةً = فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن لحسودٍ راح ينكرها = تجاهلاً وهو عين الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد = وينكر الفم طعم الماءِ من سقم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
يا خير من يمم العافون ساحته = سعياً وفوق متون الأينق الرسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبرٍ = ومن هو النعمةُ العظمى لمغتنم
سريت من حرمٍ ليلاً إلى حرمٍ = كما سرى البدر في داجٍ من الظلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلةً = من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وقدمتك جميع الأنبياء بها = والرسل تقديم مخدومٍ على خدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم = في مركب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ = من الدنوِّ ولا مرقى لمستنم
خفضت كل مقامٍ بالإضافة إذ = نوديت بالرفع مثل المفردِ العلم
كيما تفوز بوصلٍ أي مستترٍ = عن العيون وسرٍ أي مكتتم
فحزت كل فخارٍ غير مشتركٍ = وجزت كل مقامٍ غير مزدحم
وجل مقدار ما وليت من رتبٍ = وعز إدراك ما أوليت من نعمِ
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا = من العناية ركناً غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته = بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
راعت قلوب العدا أنباء بعثته = كنبأة أجفلت غفلا من الغنمِ
ما زال يلقاهمُ في كل معتركٍ = حتى حكوا بالقنا لحماً على وضم
ودوا الفرار فكادوايغبطون به = أشلاءَ شالت مع العقبان والرخم
تمضي الليالي ولايدرون عدتها = ما لم تكن من ليالي الأشهر الحُرُم
كأنما الدين ضيفٌ حل ساحتهم = بكل قرمٍ إلى لحم العدا قرم
يجر بحر خميسٍ فوق سابحةٍ = يرمى بموجٍ من الأبطال ملتطم
من كل منتدب لله محتسبٍ = يسطو بمستأصلٍ للكفر مصطلمِ
حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم = من بعد غربتها موصولة الرحم
مكفولةً أبداً منهم بخير أبٍ = وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم = ماذا رأى منهم في كل مصطدم
وسل حنينا ًوسل بدراً وسل أُحداً = فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمراً بعد ما وردت =من العدا كل مسودٍ من اللممِ
والكاتبين بسمر الخط ما تركت = أقلامهم حرف جسمٍ غير منعجمِ
شاكي السلاح لهم سيما تميزهم = والورد يمتاز بالسيما عن السلم
تهدى إليك رياح النصر نشرهم = فتحسب الزهر في الأكمام كل كم
كأنهم في ظهور الخيل نبت رباً = من شدة الحَزْمِ لا من شدة الحُزُم
طارت قلوب العدا من بأسهم فرقاً = فما تفرق بين الْبَهْمِ وألْبُهُمِ
ومن تكن برسول الله نصرته = إن تلقه الأسد فى آجامها تجمِ
ولن ترى من وليٍ غير منتصرٍ = به ولا من عدوّ غير منفصم
أحل أمته في حرز ملته = كالليث حل مع الأشبال في أجم
كم جدلت كلمات الله من جدلٍ فيه = وكم خصم البرهان من خصم
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً =في الجاهلية والتأديب في اليتم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
خدمته بمديحٍ استقيل به = ذنوب عمرٍ مضى في الشعر والخدم
إذ قلداني ما تخشي عواقبه = كأنَّني بهما هديٌ من النعم
أطعت غي الصبا في الحالتين = وما حصلت إلا على الآثام والندم
فيا خسارة نفسٍ في تجارتها = لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
ومن يبع آجلاً منه بعاجلهِ = يَبِنْ له الْغَبْنُ في بيعٍ وفي سلمِ
إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقض =من النبي ولا حبلي بمنصرم
فإن لي ذمةً منه بتسميتي محمداً = وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدى = فضلاً وإلا فقل يا زلة القدمِ
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه = أو يرجع الجار منه غير محترمِ
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه = وجدته لخلاصي خير ملتزم
ولن يفوت الغنى منه يداً تربت = إن الحيا ينبت الأزهار في الأكم
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت = يدا زهيرٍ بما أثنى على هرمِ
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا = واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به = سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي = إذا الكريم تحلَّى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها = ومن علومك علم اللوح والقلم
يا نفس لا تقنطي من زلةٍ عظمت = إن الكبائر في الغفران كاللمم
لعل رحمة ربي حين يقسمها =تأتي على حسب العصيان في القسم
يارب واجعل رجائي غير منعكسٍ = لديك واجعل حسابي غير منخرم
والطف بعبدك في الدارين إن له = صبراً متى تدعه الأهوال ينهزم
وائذن لسحب صلاةٍ منك دائمةٍ = على النبي بمنهلٍ ومنسجم
ما رنّحت عذبات البان ريح صبا = وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمرٍ = وعن عليٍ وعن عثمان ذي الكرم
والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهم = أهل التقى والنقا والحلم والكرمِ
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا = واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهي لكل المسلمين بما = يتلوه في المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته في طيبةٍ حرمٌ = واسمُهُ قسمٌ من أعظم القسم
وهذه بُردةُ المُختار قد خُتمت = والحمد لله في بدء وفي ختم
أبياتها قد أتت ستين مع مائةٍ =فرِّج بها كربنا يا واسع الكرم