ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75881 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الأرجيلة.. وقت مستقطع وضائع الثلاثاء 08 أبريل 2014, 8:52 am | |
| [rtl]الأرجيلة.. وقت مستقطع وضائع[/rtl] [rtl]
[/rtl][rtl]
النارجيلة، أو الأرجيلة، أو الشيشة، كلها أسماء لآفة اجتماعية وصحية بدأت تحتل حيزا كبيرا في حياتنا اليومية. ..وفي الأردن تحولت الأرجيلة إلى شأن عام في الأسابيع الماضية، ولكن القصة لها دلالات اجتماعية تتعدى الجانب الصحي، فالأرجيلة هي أحدى وسائل التدخين، وهي آفة عامة يمكن ممارستها من خلال السيجارة أو السيجار أو البايب، وتأتي الأرجيلة لتكون أكثر وسيلة تدخين تعبر عن الكسل والفراغ المتطاول في الوقت، هي ليست وسيلة تدخين عملية، تحتاج إلى وقت من التحضير، والعديد من خطوات الصيانة مثل تغيير المياه، وتنظيف الأنابيب الخاصة، وإشعال الفحم وتهيئة الحجر وهو المكان الذي يوضع فيه التبغ الذي يطلق عليه المعسل، وتحضيره هو الآخر يتطلب وقتا طويلا وإجراءات كثيرة، وبالتالي، فالتدخين مع على كل سيئاته، يتحول إلى تعبير عن عدم تقدير الوقت. البايب مثلا، وهو وسيلة التدخين التي تتطلب بعضا من التحضيرات والصيانة لأداة التدخين، ولكنها ارتبطت ذهنيا بالعاملين في البحر، والذين يمتلكون كثيرا من الوقت، ويمكنهم إمضاء ساعات طويلة وهم يصرفون الساعات من أجل أي عادة أو هواية تستهلك الوقت، فعملهم الحقيقي يبدأ عند الوصول إلى الموانئ، وهو ما يحتاج إلى أيام طويلة، ولكن الأرجيلة تدخن من قبل بشر عاديين، مرتبطين بأعمالهم اليومية ومسؤولياتهم، ويفترض أنهم يقدرون قيمة الوقت، وحتى الوقت الضائع يمكنهم أن يستثمروه في بعض الفائدة، القصة هنا تصبح مركبة. المدخن نفسه، يتخذ وضعية كسولة في تدخينه للأرجيلة، ولا يستطيع أن يفعل شيئا إضافيا مع تدخينها سوى الثرثرة أو الصمت المتأمل، في المقابل مدخن السيجارة يمكنه أن يدرس أو يعد الحسابات أو يقوم بالطباعة، وسيجارته في فمه، أو أنها تستريح قليلا على المطفأة، ولكن مع الأرجيلة فهو يتحول إلى تابع لها، وملحق بها، ولذلك يمكن أن ترتبط الأرجيلة التي بدأت في العالم العثماني – وهو المجال الجغرافي والثقافي الذي امتدت عليه الإمبراطورية العثمانية – بمرحلة الانهيار والانزواء للإمبراطورية، لأن الأرجيلة كانت تعبر عن رغبة في الاسترخاء، والتنصل من ايقاع الحياة اليومية. الأرجيلة هي عادة سيئة لا شك، صحيا ونفسيا وماديا، ولكن أثرها على صياغة إيقاع الحياة، يحمل مسحة تدميرية، فالمقهى هو مكان للتواصل الاجتماعي البناء الذي يمكن أن ينتج عنه العديد من الأفكار المهمة، الكثير من المدارس الفكرية انطلقت من المقهى، ووجدت آفاقها خارجه، الكثير من الحركات السياسية وجدت في المقهى فضاءها، والمقهى جزء من ثقافة عالمية واسعة، ولكن الأرجيلة مقحمة على حيوية المقهى، بدلا من أن تحوله إلى محطة استراحة لمحاربي التقدم في الحياة، فإنها تحوله إلى تكية، فقط الزبائن يدفعون الثمن مع الأرباح، وليس كما كانت التكايا العثمانية تقدم لروادها الغذاء ومكان النوم. توسعت الأرجيلة في وجودها، وبعد أن أصبحت مقتصرة على بعض المقاهي الشعبية، تحولت إلى ضرورة من أجل افتتاح أي مقهى مهما يكن حجمه، أو نوعية خدماته، وكذلك بدأت تغزو المطاعم، مع أن تدخين الأرجيلة ودخانها المتطاير بكثافة فوق طاولات الزبائن الآخرين يمكن أن تخلق جوا سلبيا لبقية الرواد، ولكن أصحاب المطاعم لا يجدون في أنفسهم لا الرفاهية ولا الشجاعة من أجل منع الأرجيلة، لأنها تحولت إلى لازمة في حياتنا، وأمر لا مناص منه، ولا يمكن منه الهروب. الممارسات الاجتماعية هي وعي متراكم، وإذا كان وعي الأرجيلة يأخذ في التوسع فإن مساحات أخرى من الوعي تطوى أمامه، والوقت الذي يهدر في مقاهي الأرجيلة يمكن أن يستثمر بطريقة أخرى، هذه نصيحة فردية، فإذا لم يكن من التدخين مهربا، فليكن عابرا وسريعا، ودون أن يكتسب الأجواء الاحتفائية والاحتفالية، ويحدد مدة السهرة ومداها وروادها. أما الأرجيلة بين طيف التدخين الواسع، فإنها تشبه أن يقيم الناس حفلات من أجل الطلاق أو الموت، إن كنت تقرر أن تموت ببطء فليس عليك أن تبذل كل ذلك المجهود من أجل خدمة أرجيلتك، فالسيجارة في النهاية تلقيها تحت قدميك، أو تمرغها بعنف في مطفأة السجائر، أما الأرجيلة، فعليك دائما أن تضبط نفسك على ايقاع مزاجها الخاص وطقوسها المعقدة. القصة ليست في منع الأرجيلة، هي مسألة تشبه منع التدخين، والحريات الفردية في مبدأ لا ضرر ولا ضرار، ولكن في وقف تغولها كعادة اجتماعية وممارسة جماعية على حياتنا اليومية وايقاعها، فمثلا تجد الفتيات العربيات صعوبة كبيرة في تدخين السجائر بشكل علني، أو أمام أشخاص من خارج الأسرة، ولكنهن لا يترددن في طلب الأرجيلة في الأماكن العامة، وكأن القضية مختلفة، مع أنه لا يوجد أي فارق جوهري، سوى أن الأرجيلة أصبحت سلطانة التواصل الاجتماعي والجلوس في المنتديات والسهر، لا أحد يناقشها، أو يستطيع مقاومتها، وعلى المتضرر أن يبحث عن مكان خاص يأتي عادة مخنوقا وكئيبا وغالي التكلفة.
[/rtl] |
|