هل العودة ممكنة؟
تطالب بعض المبادرات التي يروجون لها هذه الأيام اللاجئين بالواقعية، أي
القبول بالأمر الواقع، والتسليم بأن العودة إلى الديار الأصلية غير ممكنة،
فهل هذا صحيح؟
الواقعية الحقيقية التي لا يذكرونها هي أن أكثر من 6 ملايين
لاجئ فلسطيني دافعوا عن حقهم في العودة ولا يزالون يصرون عليه رغم مرور أكثر من
نصف قرن من الحروب والغارات والاضطهاد والحصار والتجويع والشتات. فهل يعقل أن
يتخلوا فجأة عن حقهم التاريخي في موطنهم منذ آلاف السنين؟
ولكنهم يقولون أن البلاد (فلسطين المحتلة عام 1948) أصبحت ملآنة بالمهاجرين
اليهود ولا مكان للعائدين. هل هذا صحيح؟
إن حقنا في أرضنا ليس مرتبطاً بأنها خالية أو ملآنة، وحقنا
في أرضنا ثابت من يوم أن طردنا منها وقبل أن يصلها مهاجر واحد إلى يومنا الحاضر
عندما أتى إليها المهاجرون الروس.
ومع ذلك، فإن هذا الإدعاء كاذب، إذ لا يزال 80% من يهود (إسرائيل) يعيشون
في 15% من مساحة (إسرائيل) والعشرون في المائة الباقون 18% منهم يعيشون في مدن
فلسطينية وأخرى صغيرة، بينما يعيش 2% فقط على أراضي اللاجئين التي تبلغ مساحتها
85% من مساحة (إسرائيل).
من هم هؤلاء الـ
2% من اليهود؟
هم سكان الكيبوتس والموشاف، الذين يسيطرون على هذه الأراضي
الواسعة، وللمفارقة، فإن الكيبوتس الذي كان رمز الصهيوني العائد إلى الأرض، هو
في طريق الزوال، ولم يعد يجذب متطوعين جدداً كما أنه أفلس اقتصادياً، حتى إن
أراضي اللاجئين المؤجرة لهم تعرض الآن للبيع لأي يهودي في العالم يرغب في بناء
عمارة عليها، لقد عاد اليهودي إلى صناعته القديمة في المال والتجارة، وترك
الزراعة لأهلها.
ولكن قالوا: إن قُرانا قد دمرت ومسحت آثارها وبنيت فوقها مدن حديثة، فإلى أين
نعود؟
صحيح أن حوالي 75% من قرانا قد دمرت (وبقيت المدن غالباً دون
تدمير) ولكن الدراسات على الخرائط أثبتت أن 90% من مواقع القرى لا تزال خالية
إلى اليوم، وأن معظم العمران الإسرائيلي قد قام على الأراضي اليهودية قبل عام
1948 أو حولها، وأن 7% من مواقع القرى الباقية يمكن البناء عليها مع بعض
التعديلات، وأن 3% فقط من مواقع القرى قد بني عليه تماماً، وهذا في توسع تل
أبيب والقدس.
ولو دمرت منازل القرى، فلا يعتبر هذا مشكلة قانونية أو فنية، وعلى سبيل
المثال، لو كانت لدينا قرى فلسطينية عدد سكانها 1000 نسمة عام 1948، لأصبح عدد
سكانها اليوم 6000 نسمة، وتوجب علينا بناء مساكن لـ 5000 نسمة جدد، وليس من
المهم أن تكون مساكن الألف الأولين موجودة أو مهدمة، كل هذه الأعذار والحجج غير
ذات قيمة.
تقول (إسرائيل) أن عودة اللاجئين ستغير الطابع اليهودي (لإسرائيل) وقال بعض
الزعماء العرب أنهم ؟يتفهمون؟ هذه المخاوف ويأخذونها في الاعتبار. هل عودة
اللاجئين مرهونة بطابع (إسرائيل) اليهودي؟
بالطبع عودة اللاجئين ليست مرهونة بأي شيء، فهي حق مطلق وليس
على الفلسطينيين واجب قانوني أو أخلاقي أن يبقوا مشردين في المنفى لإرضاء
(إسرائيل) أو إعطائها الطابع الذي تريده.
ولكن ما هو المقصود بالطابع اليهودي (لإسرائيل؟) إن كان الطابع دينياً،
فاليهود عاشوا في بلاد الإسلام قروناً دون مشكلة، وإن كان الطابع اجتماعياً،
فليس هناك طابع اجتماعي (لإسرائيل) لأن المهاجرين اليهود قدموا من أكثر من 100
بلد مختلف، وإن كان المقصود بالطابع اليهودي هو أن يكون اليهود أغلبية السكان،
فهذا مستحيل على المدى المتوسط والبعيد، الفلسطينيون الآن حوالي نصف السكان في
فلسطين التاريخية، وسيصل عددهم عام 2020 إلى حوالي 17 مليون، ولن يتجاوز عدد
اليهود في إسرائيل في المستقبل تحت أي ظروف 7 أو 8 ملايين.
إذا وافقنا على هذا التفسير لمعنى الطابع اليهودي لإسرائيل، كما صرح بعض
القادة العرب، فإن هذا معناه إعطاء تفويض رسمي لإسرائيل بطرد الفلسطينيين من
فلسطين كلها أو (إسرائيل) نفسها، أو إبادتهم، في أي وقت ترى أنها مهددة
ديموغرافياً وهذه جريمة حرب.
إذا كانت العودة
ممكنة، فكيف تتم في خطوات عملية؟
يمكن إتمام العودة في 7 مراحل: (1) عودة قرى الجليل من سوريا
ولبنان. (2) عودة قرى الجنوب من قطاع غزة والأردن. (3-4) عودة قرى الوسط من
الضفة والأردن. (5-6-7) عودة أهالي مدن فلسطين الساحلية والداخلية، المسجلين
وغير المسجلين، وتحتاج القرى المدمرة إلى بناء 600,000 وحدة سكنية يمكن بناؤها
على أيدي عمال ومهندسين فلسطينيين خلال 6 سنوات. كما أنه لا توجد عقبات فنية أو
لوجستية أو حتى اقتصادية تمنع العودة، ولدينا وثائق كاملة عن عدد اللاجئين
وأسمائهم وقراهم الأصلية وأماكن تواجدهم في المخيمات والبلاد المختلفة، كما أن
لدينا سجلات كاملة وخرائط للأراضي الفلسطينية وأملاك اللاجئين، ولذلك ليس لدينا
مشكلة كبيرة في معرفة من هو اللاجئ وأين هو ما هي أملاكه في غالبية الحالات.
إذن ما هي العقبة في تنفيذ حق العودة، ولماذا لم نستطع العودة خلال 50 عاماً؟
العقبة هي أن (إسرائيل) دولة عنصرية تنفذ مبدأ التنظيف
العرقي بالاستيلاء على الأرض وطرد أهلها ومحو وجودهم، وكل مؤسساتها تعمل بموجب
قوانينها العنصرية، ولم نستطع العودة حتى الآن لأن أمريكا وبعض الدول الأوروبية
تقف إلى جانب (إسرائيل) وتدعمها بالسلاح والمال، وتنقض جميع قرارات مجلس الأمن
التي تجبر (إسرائيل) على احترام القانون الدولي.
ما العمل؟
إذن
لا فائدة. لأن أمريكا اليوم أكبر قوة في العالم وستبقى إلى جانب (إسرائيل)؟
يجب أن نتذكر أنه في كل قضايا التحرر الوطني في التاريخ، كان
الشعب المحتل أضعف عسكرياً من القوة المحتلة، وفي كل هذه الحالات انتصر الشعب
بإصراره على التمسك بحقه، ومقاومته العنيدة رغم القوة العسكرية الهائلة لخصمه،
لقد غادر الاستعمار كل بلاد آسيا وأفريقيا، وانهارت ألمانيا النازية وإيطاليا
الفاشية وانهدم صرح الفصل العنصري (الابرتهايد) في جنوب أفريقيا بعد أن استمر
نحو قرنين من الزمان. ورغم كل الصعوبات عاد اللاجئون تطبيقاً للقانون الدولي،
في البوسنة وكوسوفا وتيمور الشرقية ورواندا وجواتيمالا وأبخازيا وجورجيا وقبرص
(في دور الإعداد).
إذن ماذا يمكن
أن نعمل بالفعل؟
أولاً يجب أن لا نفقد الأمل ولا نجعل اليأس والإحباط يتسلل
إلى نفوسنا، فهذا هو الداء القاتل، بل يجب الإصرار على التمسك بحق العودة وعدم
إسقاطه تحت أي ظرف من الظروف، حتى وبالرغم من الترهيب والترغيب والقهر
والاضطهاد والمعاناة.
ثانياً: يجب أن نعلم أولادنا كل شيء عن وطنهم وقريتهم وأرضهم وتاريخهم
وهويتهم بالعلم والمعرفة وليس بالعواطف فقط. وذلك عن طريق دراسة الكتب والخرائط
ومعرفة القانون والتاريخ.
ثالثاً: وهو المهم تنظيم جمعيات ولجان أهلية في كل مخيم وكل تجمع وكل
مدينة وقرية للدفاع عن حق العودة، ورفع صوت الشعب الحقيقي وإبلاغ مطالبته
بحقوقه إلى كل المنابر المحلية والعالمية وعدم السماح للمارقين بالتحدث باسمه
أو إسقاط حقوقه.
رابعاً: المعركة طويلة والأعداء شرسون. إن تحالف (إسرائيل) وأمريكا
سيستمر في محاربة الحقوق الشرعية للفلسطينيين بكل الوسائل، وعلينا أيضاً الدفاع
عن حقوقنا بكل الوسائل، على المدى القريب والمتوسط والبعيد، كل حسب حاجته،
ستتغير الوجوه والمسميات والوسائل لأعدائنا وستبقى المعركة مستمرة فلنستعد لها
دائماً.
ولنتذكر دائماً: ما ضاع حق وراءه مطالب.
لأن: حق العودة مقدس وقانوني وممكن بل وحتمي أيضاً مهما طال الزمن.