ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: هذا النمط من أخطاء التفكير الخميس 24 أبريل 2014, 5:58 am | |
| [rtl]هذا النمط من أخطاء التفكير[/rtl] [rtl] [/rtl][rtl]
إبراهيم كشت - ثمة خطأ من أخطاء التفكير ، كثيراً ما نقع فيه دون أن ننتبه له أو نشعر به ، وهو خطأ لا يقع في شِباكِه العامة من الناس وحسب ، بل يسقط فيه كذلك كتّاب ومفكرون وفلاسفة وعلماء . ويتمثل هذا الخطأ في أن نستند في تفكيرنا إلى مقدمات صحيحة من حيث المبدأ ، ولكن نخرج من خلال القياس عليها بنتائج خاطئة ، وذلك بسبب توسُّعنا في تفسير تلك المقدمات ، وتحميلها ما لا تحتمل ، والنظر إليها على أنها مطلقة ، والسهو عما فيها من شروط ومحددات ، مما يجعل القياس عليها يأتي بنتيجة خاطئة ، تظهر المغالطة فيها عند الاحتكام إلى المنطق والواقع والتجربة والنتيجة . هذا مثالٌ من الواقع ... ولكي أكون أكثر وضوحاً ، وللخروج من هذا الإطار النظري إلى الواقع ، أَضرب مثلاً على ما تقدم ، فحين نقول : (النباتات تدخل في صناعة الأدوية) فتلك مقدمة صادقة صحيحة ، وتسمى في المنطق (مقدمة صغرى) ، وحين نقول : (الأدوية تعالج الأمراض) فتلك أيضاً مقدمة صادقة تسمى بالمقدمة الكبرى ، ولكن حين نخرج من خلال هاتين المقدمتين بنتيجة تقول : (جميع الأمراض تعالج بواسطة النباتات) فتلك نتيجة خاطئة ، وإن شئت فهي (فاسدة) وفق التعبير المستخدم في علم المنطق . والسبب في خطئها أنها نظرت إلى العبارة (المقدمة) القائلة (النباتات تدخل في صناعة الأدوية) نظرة مطلقة ، فكأنها اعتبرت أن كل دواء لا بد أن تدخل في صناعته النباتات ، وفاتها أنه ليس كل نبات وليس كل جزء من النبات يستخدم في صناعة الأدوية ، وليس كل دواء يعتمد على النبات ، وأن الدواء لكي نُقرَّ له بالفاعلية والنجوع لا بد من اختباره ، ومروره بتجارب متعددة طويلة ، واثبات جدواه ، ومعرفة آثاره الجانبية ، وتداخلاته مع الأدوية الأخرى .. ورغم خطأ التفكير الواضح في مثلنا الذي تقدم ، فإن المدعين بقدرة بعض النباتات على شفاء كل مرض ، والباحثين عن كل علاج لدى العطارين ، والمروّجين لأنواع شتى من النباتات بزعم قدرتها على شفاء ما لا تعالجه الأدوية ، دون تحليل وتجربة واختبار ، يقعون في مثل هذا الخطأ ، وما أن تناقشهم في الأمر حتى يبادروك بالقول : (النباتات تدخل في صناعة الأدوية) كأنهم يقطعون بذلك قول كل خطيب ، ويفحمون كل مستريب . مغالطة الجوهر ... وما مثل النباتات والأدوية هذا إلا نموذجاً مبسّطاً لما نغرق فيه من خطأ في التفكير حين نتبع هذا النّمط المغلوط في الوصول إلى النتائج . حيث يبدو أن من طبيعتنا نحن البشر أننا حين نركِّزُ تفكيرنا على شيء ، ننسى كثيراً من الأشياء الأخرى المحيطة به والمقيدة له والمؤثرة فيه ، أعنى أننا نغفل كثيراً من الأسباب والعوامل والمؤثرات والظروف ، ونختزل كل شيء في ذلك الأمر أو الموضوع الذي نركز عليه أو نهتم به أو نتفكر فيه ، وأعتقد أن هذا النمط من التفكير الخاطئ يقع ضمـن ما يطلق عليه في علم المنطق اسم (مغالطة الجوهر) ، وقد قالت المراجع والمعاجم في تفسير هذا النوع من المغالطات إنه يعني (الانتقال مما هو صادق بشرط إلى ما هو صادق بالإطلاق) وقالت كذلك إنه (تطبيق حكم كلي استناداً إلى حالة جزئية ، لا تكتمل فيها قواعد الحكم الكلي) . وربما كان « أرسطو « أول من تنبّهَ إلى هذا النوع من المغالطات وكتب فيه ، فهو يقول : (ليس معنى أن يوجد الشيء وأنه يوجد على الإطلاق معنى واحداً) ويقول كذلك : (كثيراً ما يضلُّ بعض الناس في جميع الأمور إذا قيل إنها موجودة في شيء ما ، فيظنون أنه يلزم أن تكون موجودة على الإطلاق) . هل أتجرّؤ على أهل الفكر والفلسفة ؟؟ لستُ أَتجرّؤ على أرباب الفكر والفلسفة والعلم الذين تركوا آثاراً مشهودة في فكر البشرية وحياتهم (وما ينبغي لي) ، لكني أزعم أن كثيراً من هؤلاء قد وقع في هذا النمط من التفكير الخاطئ ، خذ فرويد مثلاً ، فهو في آرائه المتعلقة باللاشعور ، استند إلى مقدمات صحيحة ، فثمة دلائل متعددة على وجود اللاشعور وأثره الكبير في السلوك ، ولكن فرويد نظر إلى هذه الحقيقة بشكل مطلق ، كأنما أغفل كل العوامل الأخرى المؤثرة في السلوك ، ففسر كل كبيرة وصغيرة في حياة الإنسان من خلال ما يعتمل في اللاوعي ، وها هو العلم يتقدم اليوم في كشفه عن عمل الدماغ ، فيُردُّ كثيراً من تصرفاتنا وأحوالنا النفسية وأمزجتنا إلى تلك الموصلات بين خلاياه . ويفسرُّ من خلالها جزءاً مما كنّا نحسّب أنّ سببه يعود للمكبوت في العقل والباطن . وكذلك مفكرون آخرون ... وقد يكون ماركس وقع في شيء من هذه المغالطة حين نظر مثلاً إلى تأثير البنية التحتية في التحولات التاريخية ، فهو ينطلق من مقدمة صادقة لأن للتغير في ظروف ووسائل وعلاقات الإنتاج أثراً قوياً في الأحداث والتحولات التاريخية ، لكنه نظر إليها على أنها تأثير مطلق بحيث أغفل كل تأثير آخر . وربما كان آدم سميث مثلاً قد وقع في المغالطة ذاتها حين اعتقد بضرورة ترك كل شيء لعوامل العرض والطلب . وربما كنا نقع في خطأ مشابه حين نقول إن حرية الأسواق هي التي قادت إلى الأزمة الاقتصادية الأخيرة ، ثم نخرج مباشرة بنتيجة مؤدّاها أن النظام الرأسمالي قد إنهار ، وأنه قد ثبت أن النظام الاشتراكي هو الأصلح . فكل هذه الأنماط من القياس تعتمد على مقدمات صادقة ، لكن خطأنا يكون حين ننظر إليها على أنها مطلقة ، مع أنها في حقيقتها محددة ومشروطة ونسبية إلى حد ما . المهم .. منهج التفكير ومازلتُ أؤمن بأن الاهتمام بمناهج التفكير ، ومعرفة مجالات المغالطات ومداخلها وأشكالها ، أهم من الأفكار ذاتها ، وأهم من المعلومات ، من حيث ضرورة الانتباه إليها ، وتعلُّمها ، وتعليمها ، وبخاصة في هذا العصر ، عصر المعلوماتية ، الذي لم يشهد معجزة في حجم المعلومات التي وفرّها وحسب ، بل شهد كذلك قفزات مُذهلة في وسائل تخزين تلك المعلومات واسترجاعها ومعالجتها ونقلها ونشرها وتبادلها ، حتى باتت التعبيرات التي تصف هذه الظاهرة بالثورة المعلوماتية ، أو الإنفجار المعلوماتي ، أو طوفان المعلومات ، أقرب في مدلولها إلى الحقيقة منها إلى المجاز . والمسألة المهمة الكامنة في هذه الحقيقة هي أن قيمة المعلومات إنما تتأتى عن التفكير الذي يقوم بعملية فرزها وتنظيمها وتحليلها ، والربط بينها ، وتوجيهها نحو هدفٍ ، وتحويلها إلى (معرفة) ، ثم إدارتها (أي المعرفة) بوصفها قيمةً ، ومورداً ، ورأسمالٍ فكرياً ، وقوةً ، تُعين في التغلب على تحديات الطبيعة ، وتساعد على التكيف مع البيئة ، وتحقيق التنمية ، والإرتقاء بحياة الإنسان كيفاً وكماً .[/rtl] |
|