منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  سيرة الحمامات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 11:43 am

الحمٌام سيرة الورع والشهوة

 سيرة   الحمامات Normal_Jules%20Van%20Biesbroeck%20-%20l__entr%E9e%20du%20bain%20maure

الاستحمام، نوع من ولادة متجددة للإنسان، الغمر بالماء رمز للعودة زمن الأمان الأول والسباحة في بطن الأم، رمز للموت والولادة من جديد.. الطهارة بالماء أيضا خطوة ضرورية لممارسة العبادات. والحمّام أيضا دعوة إلي أقاليم اللذة ومفتتح لعوالمها. وكدأبها في تقديم أعداد خاصة عن ظواهر وقضايا الحياة اليومية تقدم أخبار الأدب هذا العدد عن الحمام، مثلما قدمنا من قبل أعداد: السرير، "الكسل، الرصيف، كرة القدم وغير ذلك من الأعداد التي نحاول بها التنبيه إلي اتساع مفهوم الثقافة، وتحقيق متعة القراءة من خلال المساهمات المتعددة للأدباء من مختلف أنحاء العالم العربي. أما لماذا الحمٌام الآن تحديدا، فلأن مصر التي هي "هبة النيل بشهادة هيرودوت تعاني عطشا لايليق، ومن يعاني العطش يعاني قبله بالضرورة صعوبة الاستحمام، وكم هو مؤلم لدي شعب عقيدته الأولي النظافة بشهادة هيرودوت أيضا. وإذا كانت محابس المياه في أيدي غيرنا، فإننا نأمل أن نحقق متعة القراءة لمن يجدون صعوبة في الحصول علي متعة الاستحمام!!.



الميلاد المتكرر للمتعة والورع 

عزت القمحاوي


 سيرة   الحمامات File.php?49,file=199702,filename=Naciri_Mohamed-Le_bain_maure-1


عندما أكل آدم وحواء من شجرة المعرفة خسر الإنسان فرصة الخلود، هبط أبوانا علي الأرض. ثم جاء التأكيد الثاني علي محدودية عمر الكائن في الحمام!

نزل جلجامش يستحم وترك عشبة الخلود علي الشاطيء فجاءت الحية وأكلتها، لكن الملحمة البابلية لم تعتبر جلجامش مذنبا، إذ يكفيه بؤسا أن الموت صار له نصيبا.

وبنوع من العناد الذي تتميز به إرادة الحياة، اتخذ الإنسان من بيت الداء مكانا للشفاء، إذ صار الحمٌام مكانا لتكثير الحياة، فهو نقطة البدء لولادات متكررة بعد الولادة الطبيعية الواحدة.

في عديد من الديانات يرمز الغمر في الماء إلي الميلاد من جديد، وفي الوقت نفسه يقوم الحمام مقام العتبة الضرورية قبل الانخراط في فعل اللذة.

هو إذن المكان المركزي الذي يعاد فيه تشكيل حياة الإنسان سواء باتجاه المتعة أو الزهد. ويرجع ميرسيا إلياد هذه المكانة المركزية للماء إلي كونه أصل كل حياة، والوجود الذي يسبق كل وجود. وحسب إلياد فإن الغطس في الماء يرمز إلي الارتداد إلي حالة سبقت تشكل الأشكال، بينما يستعيد الطفو فوق الماء فعل الخلق الكوني المتمثل في ظهور الأشكال. وهذا الانمحاء والتشكل لدي الإنسان بالغمر في الماء يشبه الطوفان والغرق الدوري، فعقب الطوفان تنبعث الحياة من جزيرة تظهر بصورة فجائية وسط الأمواج.


وهذه هي فلسفة العماد في المسيحية.

يقول إلياد إن تيارا أخذ بالعماد في سورية وفلسطين قبل الميلاد بمئة وخمسين عاما. كان الأسينيون يمارسون الاغتسال الطقسي أو العماد، لكن اليهودية كانت تكرر ذلك الاغتسال الطقسي بصورة دورية، بينما يتم عند المسيحيين لمرة واحدة.

ويمكننا وضع طقوس رفع الجنابة الإسلامية، والوضوء للصلوات وغسل الميت في ذات الرمزية: بدء حياة جديدة، خالية من الدنس.

***
بقدر ما كان الحمام بابا للخروج من الدنس، فهو باب واسع للدخول إلي أقاليم اللذة. وإذا استثنينا الدش الصباحي المتعجل في المدينة الحديثة، فإن الاستحمام أو إعداد الحمام دعوة لايفوت الشريك مغزاها.

ولنا أن نثق في حكمة الحكاية. حيث تضمن ¢ألف ليلة وليلة¢ هذه المكانة المركزية للحمام، في حالات الشبق وحالات الورع أيضا.

في الليالي يمثل الحمام الخطوة الأولي باتجاه الجنس في ترتيب صارم: الاغتسال، فالأكل مع الشرب فالاضطجاع. ولايوجد سوي استثناء وحيد في قصة الحمال والثلاث بنات اختل فيها الترتيب فكان ما كان من الحرمان!

بدأت الليلة بالطعام والشراب والهراش والبوس والعض والفرك، وعندما بلغت الإثارة مداها بدأت النساء تتناوب علي خلع ملابسهن والارتماء في بحيرة الماء والإشارة إلي موضع الحياء والسؤال عن اسمه، وكلما أجاب الحمال باسم، ضربته علي قفاه عقابا علي قلة حيائه، حتي علمنه الأسماء المحتشمة كلها، وجاء دوره في التعري فبدأ يختبرهن بالأسماء الممكنة لشيئه، ولأن الدرس اللغوي طال أكثر من اللازم، أو بسبب تأخير الحمام في ترتيب الطقوس، فإن الحمٌال لم يظفر بأكثر من هذه الملاعبات إذ دخل القرندلية الثلاثة وبعدهم الخليفة هارون الرشيد ووزيره جعفر فسكت الساهرون عن الهراش المباح.

وليس هذا بأعجب من حكاية الفلاح وزوجته الأمية التي أدركت مباهج الحمام علي الرغم من أنها لا تتمتع بثقافة شهرزاد ابنة وزير الملك شهريار.

أقدم ذكري إيروتيكية لديٌ أحملها لرجل يحكي بمرارة لصديقه الراشد عن زوجته الميتة، كان يقص متأسيا أن فضيلتها الكبري كانت اكتشاف أي تغير في وجهه لأية مشكلة كانت، فتقوم من تلقاء نفسها وتسخن الماء وتدعوه إلي الحمام، وهو من جهته لايجد من الرجولة أن يريق الماء من دون جنابة، فينقلب إليها بينما تليٌف ظهره، فإذا هو خارج من الحمام خاليا من الهم كما ولدته أمه!

وما كان لي أن أعلم أنه في الوقت الذي كنت أستمع فيه إلي تفجع هذا القروي، كان هناك كاتب كولومبي يجلس إلي أوراقه ليكتب عن تهييج الحمام الذي أدي إلي واقعة زني محارم، ففي ¢مائة عام من العزلة¢ لماركيز تواصل العمة أمارتا التعري في البانيو أمام ابن أخيها أورليانو خوسيه، معتقدة أنه لايزال طفلا، حتي قادته إلي فوران جعلهما يطاردان بعضهما البعض في أرجاء البيت، أما الجميلة البلهاء ريميديوس فقد سحبت غريبا إلي حتفه عندما تلصص عليها من قرميدة منزوعة من السقف، عمد إلي توسيعها بخلع اثنتين أخريين، فسقط تحت قدميها مهشم الجمجمة.

ويبدو أن بهجة العري المدوخة لاتقتصر علي البلدان الحارة كمصر وكولومبيا، فإلفريدا يلنيك في ¢عازفة البيانو¢ تصور طالب الطب إبن خال (إريكا) يلقي بنفسه في حوض الاستحمام المليء بمياه جوفية في برودة الثلج ليبرد جسده الفائر، وتتقافز الفتيات حول ¢الجدع¢ فيتحول مسعي التبريد إلي إحماء إريكا التي استسلمت له في المصعد، بعد أن تأملت من وراء الزجاج استعراض العري في مشهد يذكر بمشهد الحمال والثلاث بنات أو معكوس مشهد زوجة شهريار مع العبيد!

لكن الحمام البارد ينجح أحيانا في تثبيط الهمة. ينقل ميرسيا إلياد في ¢التنسيب والولادات الصوفية¢ حكاية ميثولوجية أيرلندية عن الشاب البطل كوشولين ابن أخ الملك الذي طلب من عمه سلاحا وعربة وتوجه إلي قصر أبناء نيختا الثلاثة، وهم ألد أعداء مملكة ألستر (مملكة عمه) حيث بتر رؤوسهم، وقد عملت هذه المغامرة البطولية علي إحماء بدن الفتي، وعلي تزويده بشحنة حرارية هائلة، وقد حذرت الساحرة الملك: "إذا لم تسرع باتخاذ الإجراءات الاحتياطية فإن الفتي سيقضي علي جميع المحاربين في المملكة، وسيبيدهم عن بكرة أبيهم¢. عندها فكر الملك بالأمر وأرسل إلي الفتي أفواجا من النساء العاريات، لم يأبه لهن، فلم يكن هناك بد من الإتيان بثلاثة دنان من الماء أودع في الأول، فانتقلت منه حرارة شديدة حطمت الألواح الخشبية للدن، وفي الدن الثاني ظهرت علي السطح فقاعات الغليان، وفي الثالث بلغت الحرارة درجة عالية، تمكن بعض الرجال من احتمالها، وهدأت ثورة الفتي، فأعطي الثياب.

***

إذا كان الحمام قد شفي الفتي من تعطشه للدم، ففي عديد من القري المصرية أسطورة تتعلق بحمام منتصف الليل في الترعة، وبطله دائما رجل اشتبك في غزل عنيف مع كلبة، ولم يجد من سبيل لإقناعها بإفلاته سوي حملها في العباءة والنزول بها إلي الماء!

تكرار الأسطورة يؤكد خياليتها، لكن تبقي أمثولة الماء المهديء، التي تجعل الفلاح يجبر الأبقار والجاموس علي هذا الحمام الصباحي من أجل إطفاء الشهوة، فهناك حسابات اقتصادية صارمة تحدد الأوقات الجيدة للحمل طبقا لمواعيد الدورة الزراعية. وإذا قالت الحسابات بأن موسم البرسيم يمكن أن يضيع في أشهر الحمل، يتم إطفاء رغبة البهيمة بالحمام الصباحي، لترحيل حملها إلي وقت آخر.

***
العودة إلي ألف ليلة تجعلنا نكتشف أن الحمام دواء لكل داء، فهو يغسل أوزار السفر، وعلامة علي الوصول أخيرا إلي بر الأمان للمطاردين من عفاريت الإنس والجن. والخروج إلي الحمام علامة علي شفاء المريض: يحكي الطبيب اليهودي عن جهوده في علاج الشاب الموصلي علي يديه " ثم جسيت مفاصله وكتبت له ورقة وقعدت أتردد عليه عشرة أيام حتي تعافي ودخل الحمام واغتسل¢.

ولأن رواة ألف ليلة المجهولين لديهم من وسائل الرعب ما يكفي، فلم يكونوا بحاجة إلي زرع الوحشة في الحمام كما تفعل الأفلام. وإذا ما خرج عفريت فهو يخرج من الكنيف، باعتباره بيت النجس، وليس من الحمام مكان التطهر. لكن الحمام كان فأل شؤم ذات مرة، وذلك في حكاية الملك الشاب المسحور الذي خلف أباه في الحكم بعد سبعين عاما أقامها ملكا للجزائرالسود. إذ ذهبت الزوجة وهي ابنة عمه إلي الحمام، ووسعت لوشاية الجاريتين اللتين استمع إليهما تتناجيان بخديعته بينما كان متمددا يستمتع بتدليل إحداهما عند رأسه والأخري عند رجليه. وعرف من تناجيهما أن زوجته تخدره كل ليلة وتخرج إلي حيث تخونه مع عبد أسود في خص حقير، حيث تأكل الفئران وتشرب من القوار!

لاتأتي شهرزاد علي ذكر الحمام عندما تبتعد عن القاهرة وبغداد والبصرة ودمشق، لأن الحمام ابن أصيل للمدنية العربية، بينما تأخرت علاقة أوروبا بالحمام طويلا، ويقال إن سر تطور صناعة العطور الفرنسية كان تعويضا عن غياب هذه النعمة. وفي مذكراته عن سنوات باريس نكتشف أنٌ همنجواي لم يمتلك حمٌاما خاصٌا في بيته، ولابد من كون ذلك مألوفا في العقد الثالث من القرن العشرين لأن همنجواي كان كاتبا وصحفيا معروفا بشكل جيد وكان يمارس بعض مظاهر الرفاهية كالأكل في المطاعم والمراهنة في سباقات الخيل.

***
يعدٌ الذهاب إلي الحمام إشهارا حسيٌا تتعامل معه المدينة العربية، والقرية العربية بكل حفاوة، والغريب أن مدينة محافظة مثل حلب تتعامل مع (حمام السوق) بطريقة احتفاليٌة، يصبح فيها محور حفلات الزواج، لاسيٌما في السنوات الأخيرة، حيث ألحقت بالحمامات صالات أفراح.

وفي عديد من القري المصرية مايزال طقس حمام العريس والعروس مستمرا: ففي عصر يوم الدخلة تشترك الصويحبات في حمٌام العروس وإزالة الشعر عن جسمها في بيت أهلها، بينما يذهب العريس في زفة من أصدقائه بالطبل والمزمار والرقص ليستحمٌ في بيت عمه. إنٌها حالة من إشهار عزوة العائلة، ولكنها أيضا وشاية بأحداث الليلة المقبلة بأكبر قدر من العلانية والاستعراض: فعندما يصل العريس إلي بيت العم تنثر فوق الزفة حبات الكراملة ابتهاجا، والملح للحماية من الحسد، ليتوجه الموكب إلي الغرفة التي يتوسطها طشت الاستحمام، حيث يتحلق اللابسون بالعاري يليفونه ويتقاذفون بالماء.

هذا الحمام الطقسي هو الأشهر في حياة صاحبه وصاحبته، حدث تنسيبي كالطهور، يعلن عن توديع صاحبه وصاحبته حياة العزوبية، التي كانت بالنسبة للأنثي سرا طي الكتمان، بينما يتمتع الذكر الريفي منذ البداية بعريه المعلن في حمام الترعة الأكثر خطورة من حمام جلجامش، إذ يجعل الموت نصيبا واقعيا لأبناء الريف الذين تنهش البلهارسيا أكبادهم.

حمام الترعة يبدو احتفال تنصيب بالبلوغ، إذ يبدأ الاستحمام جماعيا في فترة الصبا، ويحاكي طقس الحمام النظاميٌ: فالصابون هو أوراق نبات العليق التي يفرك بها الجسم، فتنتج رغوة ليست في وفرة رغوة الشامبو، لكنها رغوة علي أية حال. وجرن الماء البارد هو الترعة بمائها الوفير الجاري، ويستعاض عن الجرن الساخن، بالقناة الضحلة المعرٌضة للشمس طوال اليوم، أمٌا الشمس فهي منشفة تكفي الجميع.

أوقات هذا الحمام المفتوح للبشر والدواب تحدد نوع الاغتسال وهدفه، فحمام الظهيرة في الغالب يكون طلبا للبرودة وإطفاء الحر، بعكس حمام الصباح الباكر الذي لايضطر إليه إلا لإزالة الجنابة من أجل ¢خطف¢ صلاة الصبح قبل الشروق.

وسواء أكان الدافع وراء الحمٌام الإغواء أم الورع، فإنٌنا نستحم لمقاومة الفناء، ونتخذ من الحمام عتبة للخلود.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في السبت 03 مايو 2014, 2:05 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 11:46 am

 سيرة   الحمامات Img135

الفضل الرقاشى

الشهوانية البدائية

ترجمة

مرفت عمارة

الاستحمام احتفال مطلق يعبر عن عقيدة الافتتان بالجسد في العصر الحديث، ولحظة استمتاع قصوي، هي في حد ذاتها تدليل محض للذات، ونوع من التطهر المبهج، والفكرة نفسها تنطوي علي استحضار لا يقاوم لحميمية المكان المتمثله في الحمٌام، عطر الصابون، طراوة الأسفنج، نعومة الزيوت، عبير ماء الكولونيا، الماء ذاته، الذي يبدو كما لوكان شيئا منسيا، ماء متدفق بغزارة، يندفع من فتحات الدجش كي ينساب فوق كل بوصة من جسدك، فيغمره بالدفء والإحساس الأمومي بالراحة.

لقد اختلقنا طهارتنا منذ زمن سحيق، لكن استحمامنا اليومي في بيوتنا اختراع حديث العهد، ولسبب وجيه، منذ كان الماء لا يصل الي المنازل حتي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت المياه تمد إلي المطابخ فقط ! وكان علينا الانتظار حتي يحل القرن العشرون لبدء عصر الحمامات المنزلية، وخلال ذلك لم يتهاون البشر في اكتشاف متعة الاستحمام، فقد تكفلت الطبيعة بذلك موفرة الانتعاش في بحارها وأنهارها وبحيراتها وحتي الينابيع الشافية التي تصل حرارتها الي درجة الغليان، وخلال ذلك كانت المياه تكتسب معاني جديدة في كل حضارة، لا يزال الكثير منها محفورا في الذاكرة، ويظهر في عادات الاستحمام حتي الآن.

قصة الاستحمام تمت كتابتها حسب الحاجة بقلم مغموس في مياه المحيطات والأنهار والينابيع، تحفل بتاريخ من الغرائز البدائية حول العلاقة بين الماء والجسد، وتاريخ جريان الماء.


تشعر البشرية بنوع من الرضا عن الدلالات الرمزية للمياه أطلق عليها جاستون باشلار ¢الشهوانية البدائية¢ مثلا اعتبار السباحة في الماء البارد طريقة للاسترخاء، وزيادة فوائدها بالتدليك بالزيوت العطرية وقد عرفنا ذلك منذ زمن ¢هوميروس¢.

أما حمامات البخار في مرحلة ما قبل التاريخ فقد بدأت في الشرق وكانت تتم بطريقة بسيطة بحفر مأوي مجوف في أرض الكوخ تضرم داخله النار في خشب راتنجي، فوقه أحجار من النهر حتي تسخن لدرجة الإحمرار، يلقي عليها الماء لإطلاق البخار، الذي يندفع الي الكوخ وينتج حرارة جافة، وفي اليونان بدأت حمامات البخار في الجيمنيزيوم ثم انتقلت للحمامات العادية وعبر انتشارها في شمال روسيا والدول الاسكندنافية انتقلت الي البلقان في القرن الثالث عشر ثم اتجهت جنوبا نحوآسيا الصغري، كما اخترع المسلمون حمام البخار الذي عرف بالحمام التركي أو الموري، وهو مزيج بين حمام البخار والحمام الروماني الحار، بني العديد منها في أسبانيا مع الغزو المغربي في القرن السابع ثم انتقلت الي أوروبا مع الحملات الصليبية، بعد سقوط القسطنطينية 1435 قدمها الأتراك العثمانيون إلي دول البلقان وهنغاريا.

والاختلاف بين حمامات البخار (الحرارة الجافة والحرارة الرطبة) لازالت موجودة حتي الآن في حمامات دول الشمال والعالم العربي في ثلاث فترات من التاريخ، الغرب جرب ورفض متعة حمامات البخار خلال فترة الإمبراطورية الرومانية، وفي العصور الوسطي وفي القرن التاسع كانت حمامات البخار أكثر من مجرد حمام، إنها حالة مزاجية عقلية، ففي بلاد المنشأ يشعر المرء بثقل تقاليد ثقافته يضغط علي وجدانه، فهي تجربة لايمكن زرعها في مكان آخر ولأناس آخرين.

بدأ تاريخ الحمامات العامة في اليونان في القرن السادس ق.م عندما تواءموا مع التعليم الفيزيائي، ولم يكن الحمام بالنسبة لليونانيين مجرد حالة استرخاء بعد المجهود العضلي لكن كان هدفه الحفاظ علي تناغم الجسد والعقل، أقيم أول حمام من هذا النوع في الهواء الطلق تحت ظلال أشجار الزيتون بالقرب من المنطقة الرياضية ومنطقة نقاش الفلاسفة، ويتكون من حمام سباحة دائري مدعم الجوانب بينما تصب النساء الماء فوق الرجال قبل البدء في التدريبات الرياضية وبعدها لتنظيف الرمال التي كست أجسادهم والتخلص من العرق، ولهذا الغرض يستخدمون مكشطة من الحديد أو البرونز ذات نصل منحن، ولاحقا بعد تحول المنطقة إلي جيمنيزيوم حقيقي تم ضم مجموعة من الحمامات في مكان واحد في (دلفي) شمل أكثر من عشرة أحواض سباحة من الرخام تحيط بها تماثيل الأسود التي تضخ الماء من أفواهها، وشلالات المياه التي تستخدم في سكب المياه عند أكتاف اللاعبين، وكانت أحواض السباحة مستديرة ذات درج مطاطي يتيح للصبية الصغار مكانا للجلوس عليه للإسترخاء قبل تلقي دروس الفلسفة، بينما تجري التدريبات الرياضية أوالحربية في حمامات باردة، فطبقا لتعاليم أبوقراط فإن الماء الساخن يجعل الجسم ناعما ومخنثا بينما الماء البارد يجعل الجسم صالحا للمعارك ويزيد من قوة الشخصية، ولأن التدريب الجسماني أصبح ذا أهمية في حياة أهل أثينا، تجاوزت الحمامات صالات الألعاب التي أصبحت أكبر حجما وأكثر تخصصا، فيستخدمها اليونانيون كحمام لإقامة حيث يجلسون علي مقعد صغير وينثرون الماء عليهم بمجرفة أو أسفنجة وهي مفيدة لإزالة الشعور بالتعب ثم استبدل بالحوض الفردي المستدير ذي الحافة المستوية ثجم ظهرت الأحواض الأصغر المستندة إلي ثلاثة حوامل، التي تشبه أحواض استحمام القرن التاسع عشر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 11:48 am

من تراه سرق أشواقي الخبيئة من سلٌة الغسيل؟
مملكة الرغبات العظمي
حزامة حبايب
كاتبة فلسطينية ­ الإمارات




بيت الأسرة، المستقرٌ بعيدا في الشوق، كان منمنما: (أو لعلٌنا نحن الذين كنٌا كثيرين عليه أكثر مما يلزم)، فحرمنا ترف الخصوصيٌة والانتشار والنموٌ دون أن ترتطم حواسنا وأجسادنا بعضها ببعض. بسماكتها الهوائية، لم تخجلْ جدران البيت دون نفاد رغباتنا عبرها من تحت الفراش، فتعيٌن علينا، لزاما، أن نعتصر وسائدنا إذ نراقب أذرع بيجاماتنا تقصر وأرجلها تكشٌ، يوما بعد يوم، وقد فاضت الأجساد النزقة بالحياة وضاقت عليها. كان علينا أن نعضٌ علي الشفاه، حدٌ إدمائها، إذ ندثٌر توْقنا الرابض في هدأة الليل فنلجم شهقاتنا السرية. فإذا ما أفلتتْ شهقة، غصبا عنا، تلفٌتنا حولنا بذعر، آملين أن تبلع العتمة الشهقة كما تبتلع الجسد، طاوية تمدٌده واستطالة رغباته الطائشة.

كان عليٌ أن أبحث عن مساحة أتمدٌد فيها دونما حصافة ودونما حذر. كيف كان لي أن أعرف أنٌي أكبر إذا لم أكن أراني أكبر؟ كان عليٌ أن أري الاتجاه أو الاتجاهات التي يمضي فيها جسدي، أن أري مستقرٌ الشوْق والتوْق، موطن الرغبة وموطئ الإحساس، ذلك أنٌني اكتشفت منذ وقت مبكر، أبكر بكثير من المعتاد، أن روحي في جسدي. إنٌ روحي هي جسدي.

وإذن.. كان عليٌ أن أري روحي تشرق. كان عليٌ أن أراني أكون. كان عليٌ أن أراني أتكوٌن.

استحال الحمٌام مملكتي التي شهدت، استواء الجسد علي مهل، وإن ظل نيئا في مطارح علي حساب مطارح أخري، بسبب استعجالي السنوات الآتيات واستباق الرغبات المؤجلة. ومع تفتٌح الحياة وتفرٌعها، تسلٌقتْ نبتة الروح علي جذع الاشتهاء، والتفٌتْ علي أغصان اللحم حتي لامست السماء، حيث اللامنتهي هو السقف وهو المرام. في الحمٌام، أفلتتْ روحي من الارتطام بأثاث الحجرات المكتظٌة وشلح جسدي نزقه، نافضا انكماشته، متنفسا براحة، متمددا، نصفه علي الأقل، علي مرآة المغسلة، إذ أعتلي حافة البانيو المقابل للمغسلة. في الحمٌام، أنصتٌ لجسدي بوضوح، فلم يذوِ في خضمٌ ضجيج الأجساد المكدٌسة في فراغات البيت القليلة خارج الحمام. لم تكن موسيقاه، الناشزة في بعض مقاطعها، تطربني دائما. كم من مرة ومرة كرهت جسدي، وحنقت علي روحي إذ كانتهج. لكنني، مع ذلك، سعيت في الحمام إلي أن أتصالح معه. خارج الحمام، كنت أخاصمه، متعايشة معه بأقل قدر من الاستشعار والتلامس. جسدي، خارج الحمام، كأنه لم يكن لي. جسدي خارج الحمام كان للعائلة، التي تراكم الأجساد فوق الأجساد، والرغبات الناقصة، تلالا من الحرمان، لصناعة تاريخ متواتر من الهزيمة.

بما يشبه التواطؤ في مسعي لمكاشفة جسديٌة متبادلة، التقي جسدي مع أجساد شقيقاتي بأعمارنا المتقاربة وقاماتنا التي نهضت متجاورة طولا وحجما، نحن سليلات سياسة التكاثر الملحٌة في المنافي. نقف أربعتنا علي حافة البانيو العريضة. نفرد عرينا الجماعي، أو نصفه البائن، علي مرآة المغسلة. لكن صفحة المرآة لا تسعنا جميعا: فنتدافش، نقع وننهض، مقرقرات بخفوت، باحثات عن أي مساحة متاحة للأجساد كي تبسط علي المرآة. ثم حين نتقاسم عجينة السكر لإزالة الشعر من واحات البدن المعشوشبة، نتشاطر أسرارنا الشهية. نفتح حنفية الماء في الهواء، ليطغي صوت الماء الدافق علي صخبنا المتداخل مع هسيس أجسادنا وأبخرة الرغبة المتكثفة علي حوائط البورسلان. تخبط أمي علي الباب بعصبية. تنبهنا بأن نقنٌن استخدام الماء.. ف فاتورة الشهر الماضي خربتْ بيتنا ! هل سمعتنا؟ نتبادل نظرات تشي بشيء من الجزع! ما إن تسدر أجسادنا في البوح والمكاشفة ثانية حتي تنتزعها من استرسالها في غيٌها طرقات لجوجة علي الباب. شقيقي الأصغر يستعجلنا كي نخرج. يهدٌدنا بأنه قد (يعملها علي حاله)! ثم يتساءل بفضول: ماذا تفعلن جميعا في الحمام؟ يرجونا: هل أستطيع أن أتفرٌج؟ 

شهد الحمام حقبة الكتابات الأولي، إذ كنت أتربٌع فوق غطاء مقعد الكابينيه، أودع خواطري الطازجة في دفتري السري. حين يتصاعد خبط أمي اللحوح علي الباب، أشدٌ حبل السيفون لأوهمها أن حاجتي قيد الانقضاء. أعود إلي خواطري، التي يتلكٌأ دفقها. يتكرٌر الخبط بأيادي أخري. خواطري تتعثٌر. أشدٌ حبل السيفون ثانية. خواطري لا تتقدم كثيرا، والخبط يتوالي. أدفن دفتري السري في سلة الغسيل. حين أعود له ثانية، في لحظة عيش الحياة الجميلة المختلسة في الحمام، أنبشه من السلة فتقع يدي في طريق البحث علي رسالة من حبيب مجهول لإحدي شقيقاتي، أو قد تصطدم برواية من سلسلة روايات الحب الصيفية، حيث البطلة البريطانية أو الأميركية الفاتنة تسافر إلي اليونان، هربا من حب مجهض، فتغرم بثري يوناني مصوغ روائيا علي هيئة الإله أبولو.
في أحيان كثيرة، ألتجئ إلي الحمام، أبحث عن دفتري السري فلا أجده. أقع علي أسرار أخري خبيئة في السلة. أقع علي أشواق ليلية كثيرة لسكان البيت الكثيرين. لكنني لا أقع علي أشواقي. من يا تجري سطا عليها؟ لكن سلٌة الغسيل لا تنضب. ملابس تحلٌج محلٌّ ملابس. ثمٌة دائما متٌسع لدفتر جديد وتأملات عبيطة وخيالات مرتجلة وخواطر محوكة بالأمنيات غير المشبعة وهواجس متخبطة ورواية رومانسية تحيلنا للبعيد، شبه المستحيل، وحياة شبه سرية، شبه خطيرة، شبه حقيقية، شبه فاتنة، شبه ساحرة، شبه مدركة.

في أحيان جميلة، مخيفة ومرعبة لشدة جمالها، كنت آوي إلي الحمام في لحظات عيشي السري. أغلق الباب بالمفتاح مرة ومرتين، وأتأكد من أني أغلقته مرة ومرتين. أفتٌش في المرآة عن بصمات الحبيب علي وجنتي، عن طبعات يديه علي كتفيٌ. أقتفي مشيّ أصابعه فوق عنقي. أستكشف احمرارا لم يذوِ تماما هنا أو هناك، أنزلق فوق أزرار القميص التي حررٌها، زرٌا زرٌا، أغمض عيني. أحرٌر الأزرار في خيالاتي المتشوٌِقة، لكنني أرتجف بعنف علي وقع خبط أمي علي الباب. تسألني بعصبية: هل ستقضين كل عمرك في الحمٌام؟ خيالاتي تتهشٌم.

في أحيان مؤلمة، موجعة، تدير لي الحياة المشتهاة ظهرها، ويرفضني الحب بقسوة، فألتئج إلي الحمام.. مملكتي، أجرٌ خيبة وحزنا ومرارة وخذلانا ومهانة وهزيمة ثقيلة.. ثقيلة جدا، يهبط معها الجسد والروح في هوٌة الإحساس باللاجدوي واللاحياة. أغلق باب مملكتي بالمفتاح مرة ومرتين وعشر مرات، وأتأكٌد من إغلاقه آلاف المرات. أحاول أن أتشبٌث بالحائط البورسلان، لكنني أتداعي. أتكئ علي المغسلة في لحظة ما قبل الانهيار الأخيرة. أظل معلٌقة، متأرجحة بين شبه الوقوف، شبه التماسك، شبه التداعي، وشبه السقوط. ثمٌ أبكي.. وأبكي.. وأبكي وأبكي أيضا. أشهق بعنف. بكائي يتحول نشيجا تنزف معه روحي ببطء. أفتح حنفية الماء علي آخرها، ليتداخل صوت شلال الماء مع صوت دمعي الهادر، علٌني أداري هزيمتي النكراء، أجموٌِه بؤسي ومرارتي.

طرقات سريعة عنيفة متتابعة تهزٌ باب الحمام الهشٌ. أغلق الحنفية. أتأمل عينيٌ المورٌمتين، بجداول الكحل الذائب علي الخدٌين، في مرآة المغسلة. أخشي أن ينتبهوا في الخارج. أخشي أن يتساءلوا. أخشي أشياء كثيرة. من خلف الباب، تنبهني أمي بضرورة أن أقنٌن استخدام الماء، فاتورة الشهر الماضي خربت بيتنا!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 11:49 am

الحمام مكانا للمراقبة والتحرر 
آن سيمون 
كاتبة واكاديمية فرنسية باريس
ت: دينا قابيل




يمثل الحمام فضاء متكررا في العديد من أعمال الروائيات الجزائريات اللاتي يكتبن بالفرنسية. فهل نحن أمام عملية استرجاع قالب نمطي يربط مرة أخري نموذج الشرقية بالحريم والجواري ؟



ربط المعالجة الأدبية لهذا العنصر لمجرد ميراث استشراقي قد يؤدي إلي إنكار حقيقة أن معظم الروايات المعاصرة قد أعادت تناول الحمام كمحاولة لفك شفرة تركيبته الرمزية السياسية. بصفته مكانا مؤنثا ملتبسا، يكشف الحمام في بعض الأحيان عن مزيج من السيطرة وإضفاء الطبيعية علي العلاقات المرتبطة بالسلطة الحيوية والتي حللها ميشيل فوكو في المراقبة والعقاب و تاريخ الجنس، الجزء الأول، وفي أحيان أخري يعكس تحررا نسبيا ومفارقا يدور في قلب الحيز المنغلق. إذا كان البانوبتيزم ومراقبة الآخر تماما كمراقبة النفس تسيطر علي الحمام الأدبي، فإن هذا الأخير يثبت أيضا أنه فضاء­ضد يسمح بالهروب من السلطة السائدة وبإعادة تصور علاقة النساء بأجسادهن.



المراقبة الكاملة



الشكل الدائري النهائي للحمام التركي عند اينجر يسترجع شكل البناء المطوق، و النور المعاكس و الخيالات الأسيرة، وباختصار يسترجع أيضا مسرح بينتام ذو الرؤية الشاملة والذي حلله فوكو (المراقبة). وبالفعل فإننا لا نجد في لوحة اينجر أية امراة توجه نظرها خارج إطار اللوحة، فالمتحكم _ الأوروبي في القرن التاسع عشر­ يجب أن يتمكن من رؤية ما يجري بالداخل بدون أن يراه أحد. ولكن السلطة الحيوية تقوم أيضا علي إدماج المعايير: من يخضع لمجال الرؤية، ويصبح علي علم بذلك، يراعي ويأخذ في حسبانه محاذير السلطة (المراقبة).



وبمراجعة النظرة الاينجروية (نسبة للفنان إينجر) من خلال رؤية فاعلة نابعة من داخل الحمام نفسه، فإن الروائيات المعاصرات يدركن تماما حقيقة المراقبة التي هي جوهر هذا المكان المرتبط بالتحكم الجسدي والعقلي. عند ليلي مروان، تراقب المرأة في الحمام حميميتها الأكثر خصوصية: في الحمام, بينما آخذ حمامي المعتاد, اكتشفت شعرتين بيضاوتيين وخشنتين في منتصف شعري.



ولكن ولنتكلم علي وجه الخصوص عن الصفة الجمعية لل المراقبة الكاملة (فوكو _ الأقاويل) التي تتمسك بها الروائيات اللائي يتناولن الحمام كموضوع سياسي. فعن طريق استبطان المعايير والمحاذير الذكورية، نجد نماذج صاحبات مقاهي وبائعات وحلاقات ومدلكات وقابلات وزوجات يراقبن الأجساد والأفعال (مليكة مقدم، رجال: آسيا جبار، نساء). بينما تفضح ليلي صبٌار الطيور الجارحة المتربصة بال مراهقات المتروكات عرايا في الحمام وتتناول فريال أسيما البلهاء والعورات وصاحبات الإعاقة المختلفة، والعاهرات، والمسنات الخرفات اللاتي يتسيدن هذه الأماكن . وعند مقدم في رواية موليت الحمام، فإن صاحبة الحمام التي تعرف كل شيء عن كل شخص هي تجسيد للبناء ذي الرؤية الشاملة لفوكو (رجال). أما الحارسات الباحثات عن زوجة ابن (مروان) فيذهبن إلي ملامسة الفتيات الشابات من أجل تقليص قدرتهن علي الإنجاب، كما تعد النحافة الشديدة عيبا كبيرا للفتاة (أسيما ­ مقدم، رجال)، وذلك علي عكس روليم المخنث، فإن السيدات يحطن به من أجل فتح ساقيه (أسيما). إذن فإن القدرة علي الإنجاب وعلي الجنس الطبيعي هي شيء من قلب مناخ الحمام.



وفي النهاية، فإن غياب الرفاهية الجسدية للمرأة الغريبة يؤكد علي البعد الثقافي لاختلاف السلوك، إذ أن ممارسة العري الجماعي فن يتم تعلمه. ولذلك فإن آن الفرنسية تشعر بأنها منزعجة من شكلها عارية وتجهل تماما كيف تجلس علي مقعد منخفض للغاية.



النسبية الثقافية للتحليلات



لا تتجلي الهيمنة إلا داخل الحمام. يؤكد فوكو أنه بداية من القرن السابع عشر، تطور المجتمع الغربي في نشر نظم تجعل من الصعب علي الشخص الخاضع أن يخرج عن مجال الهيمنة التي يتعاطاها بشكل لاشعوري. وفي المقابل، فإن الروائيات اللاتي يحاولن فك شفرة المجتمع الجزائري المعاصر، يقمن بوصف الهيمنة مرتبطة بالممارسة المباشرة للمحظور وبعقاب المجتمع سواء من مجموعة الإسلاميين المتشددين أو من المحافظين المتشددين. وفي تحليله للمجتمع الغربي، أوضح فوكو أن هناك لحظة أدركنا فيها أن المراقبة أكثر فعالية وأكثر فائدة من العقاب (أقاويل). وفي الروايات محل الدراسة، تصاحب هذه المراقبة التطبيق المباشر للعقاب، إذ أن البانوبتيزم لا يحل أبدا محل الهيكل الهرمي للسلطة، وإنما ينضم إليه ليعززه. وبذلك، فإن هذا المخرج الوحيد (جبار، الظل) لا يفلح أبدا مع الزوج المستبد، لأنه يكشف عن وقاحة وقلة حياء (عمار خودجا) لأن الشياطين تسكن المرأة التي تري عورة الأخري (مروان).



التشريح المخٌلص



ويظل الحمام أيضا مكانا للاختلاط العرقي (اليهود والعرب لهم نفس وضعية الجسم مقدم، رجال) ونفس التنوع السلوكي: فهم يمارسون في الحمام استراتيجيات مختلفة للتعري تتباين من المحتشمة إلي شديدة الجرأة (جبار، ظل ­ أسيما­ سيرة   الحمامات Wink وكذلك، فإن تعدد الأشكال الجسدية تجعل القواعد الغربية المتعلقة بالشكل الشبابي تبدو نسبية: فحين تتناول جبار جسد المختصة بالتدليك، ترجع البطن المتماوج الزاخر بالعلامات إلي كونها ندبة اجتماعية وليس لعيب جمالي (نساء)، بينما تثني مقدم علي الاختلافات في بنية الجسم (رجال). ويتحول هنا البانوبتيزم إلي عملية تشريح، حيث يتعلق الأمر بالمشاهدة بأم العينين ليس الأنثوي كما يمليه الرجال والأمهات، بل نساء متنوعات في بنيتهن.



أن الاختلاط نفسه من الممكن أن يصبح محركا للتحرر. فقد انحاز الاستشراق إلي وصف مناخ ما بين السيدات بعضهن البعض. وقد زايدت أسيما علي هذا الوصف حين حولت القالب النمطي إلي تجاوز تابو الشذوذ: (...) أخذت بوجهي وألصقت به فوق ساقها، متيحة لي الدخول إلي رائحة الفخذين ( 138 - ­139)



وبعد كابوس المراقبة الكاملة، تأتي إذن الأفكار المتعلقة بالرؤي الحالمة في الحمام. فالحسية تصبح نقطة يتشارك فيها الجميع، حيث الحماوات والزوجات تتركن جانبا كل أنواع المنافسة لتتبادلن نظرات مكشوفة ومتحررة (جبار، الظل). إذ يسمح الاختلاط بالتواطؤ السريع واللمسات الخفيفة الراجفة : والسجن أصبح أكثر سيولة ومكان للإحياء والتحرر يتم فيه تبادل مفتاح المنزل (كالسابق، 158 - ­159- 164). في مقابل السلطات الدقيقة المنتشرة في الكيان الاجتماعي، هناك أيضا مقاومة دقيقة يتعين إعطاؤها قيمتها الحقيقية، فإن بيع قطع الملابس الداخلية المثيرة (أسيما) يتم تشخيصه كتحرر سلوكي.



حينما يتوجه الخيال إلي الحميمي إنما يعكس في حقيقة الأمر الواقع السياسي (ديتريه­سيمون). ففي هذا الزمن المضطرب الذي يعيشه الجزائر، يصبح الحمام رهانا اجتماعيا، مكانا يتعلق بالذاكرة يتم فيه سرد قصص شخصية (صبار)، وتاريخ مشترك: ففي الحمام تكتشف آن ندبة سارة، حاملة النار في الماضي (جبار، نساء). الحمام يرفع إذن الحصار عن الكلام، ويفسح المجال للكلمات المتوارية تحت طبقات من كلمات أخري ومن أحداث أخري (مايسة بيه). بعيدا عن تعارض الجسدية واللغة، فإن إدخالهم في علاقة يمكن أن يكون المجس الضروري لمعرفة بالذات: 
(...) بطن وعورة وساقين متحررتين... يتم حفر مغارة، وفي العمق، في العمق تماما يكون الحديث مع الذات، تلك المجهولة. (جبار، ظل ).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 11:51 am

 سيرة   الحمامات Pascal_hammam_istanbul



سجين تحت بخار النشوة!
فيدور دستويفسكي
د. سامي الدروبي



لم يكن في المدينة كلها إلا حمٌامان عامان. فأما الأول، وصاحبه يهودي، فقد كان مقسما إلي مقصورات يبلغ أجر المقصورة منها خمسين كوبكا، وهو الحمٌام الذي كان يرتاده أبناء الطبقة الارستقراطية بالمدينة: وأما الثاني الذي يرتاده أبناء الشعب فهو عتيق وسخ ضيق، وهو الحمٌام الذي كان يؤخذ إليه السجناء. كان الجو باردا والنهار مضيئا: ان السجناء ليفرحهم أن يخرجوا من القلعة وأن يطوفوا في المدينة، فهاهي ضحكاتهم وأمازيحهم لا تنقطع لحظة أثناء الطريق. وقد صحبتنا سرية من الجند شاكية السلاح. هذا منظر يتسلي به سكان المدينة. فلما وصلنا إلي الحمٌام قسمنا فئتين، لأن الحمٌام ضيق لا يستوعب جميع السجناء دفعة واحدة، ففئة تستحم، وفئة تنتظر دورها في الحجرة الباردة التي تسبق المبخر. ومع ذلك كانت القاعة من الضيق بحيث يصعب علي المرء أن يتصور كيف يمكن أن تضم نصف السجناء. لم يبتعد عني بنروف قيد أنملة. لقد أسرع إليٌ دون أن أسأله مساعدتي، حتي لقد عرض عليٌ أن يغسلني. وهناك سجين آخر من القسم الخاص عرض عليٌ خدمته في الوقت نفسه. إنه باكلوشين. ما أزال أتذكر هذا السجين الذي كان يطلق عليه اسم 'الميجر'. لقد كان أكثر رفاقي مرحا وبشاشة. وقد جمعت بيننا الصداقة. ساعدني بتروف في خلع ملابسي، لأنني كنت أنفق وقتا طويلا في هذا العمل الذي لم أكن قد ألفته بعد ولا تعودت عليه. ثم إن البرد في حجرة الانتظار لم يكن أقل من البرد في الخارج. إنه لمن الصعب جدا علي سجين مبتدئ أن يخلع ملابسه، ذلك أن عليه أن يعرف كيف يحسن نزع السيور الموضوعة تحت السلاسل. إن هذه السيور من جلد طوله سبعة عشر سنتيمترا، وهي تجربط فوق الملابس الداخلية تحت الحلقة التي توثق الساق. أن ثمن الزوجين من هذه السيور ستون كوبكا. ولابد لكل سجين أن يشتري من هذه السيور زوجين، لأنه لا يستطيع بدونها أن يمشي، فإن الحلقة لا تحيط بالساق إحاطة كاملة دقيقة، وفي وسع المرء أن يدخل إصبعه بين الحديد واللحم، لذلك تلطم الحلقة الكاحل وتحكه، فيكفي أن يمشي السجين يوما واحدا بدون سيور حتي تجرح ساقه وينزف دمه. لا صعوبة في نزع السيور، وإنما الصعوبة في خلع الملابس الداخلية، ولابد لنزع الملابس الداخلية من براعة كبيرة وحدق عظيم. إن علي السجين بعد نزع فردة السروال اليسري أن يّمرٌّها كلها بين الحلقة والساق، وأن يعيد إمرارها في الاتجاه المعاكس تحت الحلقة. فبذلك تتحرر الساق اليسري تحررا تاما، ويكون علي السجين بعدئذ أن يمرٌّر فردة السروال اليسري تحت حلقة الساق اليمني، وأن يعيد إمرارها ثانية إلي الوراء مع فردة السروال اليمني. وهذه العملية المعقدة تتم أيضا حين تبديل الملابس الداخلية الوسخة بملابس داخلية نظيفة. ولقد كان أول من علمنا ذلك هو كورنيف، في مدينة توبولسك، وهو سجين كان زعيم عصابة من قطٌاع الطرق وحكم بالتكبيل بالسلاسل خمسة أعوام. والسجناء قد ألفوا هذه الرياضة فهم يجرونها في خفة وسرعة. أعطيت بتروف بضعة كوبكات ليشتري صابونا وليفة. صحيح أن السجناء كانوا يجعطون قطعة صابون، ولكن قطعة الصابون التي كانوا يجعطونها لا يزيد حجمها علي حجم قطعة النقد من فئة الكوبكين، ولا يزيد سمكها علي سمك شرائح الجبن النحيلة التي تجقدٌم بداية لوجبة العشاء علي موائد أبناء الطبقة المتوسطة في الولائم. كان الصابون يجباع في حجرة الانتظار نفسها، كما يجباع شراب 'السبيتين' (المصنوع من عسل وتوابل وماء ساخن)، وكما تجباع أرغفة من خبز أبيض، وكما يجباع الماء الغالي، لأن كل سجين من السجناء لا يأخذ إلا قادوسا واحدا من الماء الغالي، وفقا للاتفاق المبرم بين صاحب الحمٌام وإدارة السجن: فإذا أراد أحد السجناء أن ينظف جسمه مزيدا من التنظيف كان في وسعه أن يشتري بكوبكين قادوسا آخر يمده إليه صاحب الحمٌام من كوة مشقوقة في الجدار لهذا الغرض.

ما أن فرغت من خلع ملابسي حتي أمسك بتروف ذراعي قائلا إن من الصعب عليٌ أن أسير بأغلالي: وأضاف ينصحني وهو يسندني من إبطي كأنني شيخ عجوز: 'ارفعها إلي فوق، إلي ربلتي الساقين. حذار هنا! سنجتاز الآن عتبة الباب!'، فخجلت من هذه الرعاية التي يحيطني بها بتروف، فأكدت له أنني أستطيع أن أسير وحدي، ولكنه لم يشأ أن يصدقني. كان يرعاني كما يجرعي طفل صغير أخرق ينبغي لكل إنسان أن يهب إلي مساعدته. ولم يكن بتروف بالخادم قط. ولو قد أهنته لعرف كيف يتصرف معي. وأنا لم أعده بشيء مكافأة له علي خدماته، ولا هو سألني شيئا عن ذلك، فما الذي كان يدفعه إلي هذه العناية بي وهذه الرعاية لي؟

حين فتحنا باب المبخر خيٌّل إليٌ أننا ندخل الجحيم. تصوروا قاعة طولها اثنتا عشرة قدما وعرضها مثل ذلك، وقد حجشر فيها مائة شخص في آن واحد، أو ثمانون شخصا علي الأقل، لأن عددنا كان نحوا من مائتين قسموا فئتين. أعمانا البخار. كان السخام والقذارة وضيق المكان، كان ذلك كله يبلغ حدا لا نعرف معه أين نضع أقدامنا. ذجعرت وأردت أن أخرج. ولكن بتروف لم يلبث أن طمأنني. واستطعنا بعد لأي أن نشق طريقنا نحو المصاطب كيفما اتفق، متطاولين بخطانا علي رؤوس السجناء، راجين إياهم أن ينحنوا حتي يجتاح لنا أن نمر. ولكن جميع المصاطب كانت قد شغلت. فأعملني بتروف أن عليٌ أن أشتري مكانا، وسرعان ما أخذ يساوم في هذا سجينا كان جالسا علي مصطبة قرب النافذة. فقبل السجين أن يتنازل لي عن مكانه لقاء كوبك واحد. أخذ الكوبك من بتروف الذي كان يقبض علي الكوبك بيده إذ كان قد أعده سلفا من باب الاحتياط. أخلي لي السجين مكانه ثم انسل من تحتي إلي مكان مظلم قذر تراكمت فيه أوساخ علوها نصف بوصة علي الأقل. حتي الأماكن التي تحت المصاطب كانت غاصة بالسجناء ينقلبون فيها ويلغطون. أما أرض الحمٌام فلم يكن فيها خلاء بسعة راحة اليد إلا وهو مشغول بالسجناء الذين يصبون الماء من قواديسهم. فالواقفون يغتسلون ممسكين أوانيهم بأيديهم، فيتساقط الماء الوسخ من أجسامهم علي رءوس القاعدين الحليقة. وعلي المصطبة والدرجات المفضية إليها قد أقعد سجناء آخرون يغتسلون متجمعين علي أنفسهم متكومين، ولكنهم قلة. والسواد الأعظم من السجناء لا يحب الاغتسال بالماء والصابون، وإنما يؤثر البقاء في جو البخار زمنا طويلا، ثم يصب الماء البارد علي الجسم، فهكذا كانت تستحم العامة من السجناء. وعلي أرض الحمٌام يري المرء خمسين ليفة تعلو وتهبط في آن واحد، تحك أجسام المستحمين فيشعر المستحمون من ذلك بنشوة تشبه أن تكون سكرا. والبخار يزداد في كل لحظة، حتي ليصبح الشعور بالحرارة إحساسا بالاحتراق. والصراخ والزعيق يرتفعان في كل جهة من الجهات، ويختلطان بجلجلة الأغلال التي تقرع الأرض.. فإذا أراد بعض السجناء أن ينتقلوا من موضع إلي آخر تشابكت سلاسلهم بسلاسل أخري، وصدمت رءوس من يكونون تحتهم، فإذا هم يسقطون، فيأخذون يشتمون، وإذا هم يجرون إلي السقوط معهم أولئك الذين تعلقوا بهم. إن السجناء جميعا في نوع من سكر، وفي حالة من هيجان مجنون. الصرخات والصيحات تتقاطع وتختلط. وعند الكوة التي يجعطي منها الماء الساخن، يتكدس السجناء تكدسا حتي ليكاد يسحق بعضهم بعضا. والماء الساخن يتدفق فوق رءوس القاعدين علي أرض الحمٌام قبل أن يصل إلي حيث ينقل. وكنا نحس أننا أحرار طلقاء، غير أن وجها ذا شاربين هو وجه أحد الجنود، كان يظهر وراء كوة الحجرة أو وراء الباب المشقوق، من حين إلي آخر إن الجندي يحمل بندقيته حرصا علي منع حدوث أية فوضي. إن رءوس السجناء الحليقة وأجسامهم التي صبغها البخار بلون كلون الدم تبدو غريبة مزيدا من الغرابة و الشذوذ. فعلي ظهورهم المحمٌِرة من حرارة البخار تبدو الآن بوضوح ظاهر، الندبات التي خلفتها ضربات السياط القديمة وقد انتعشت الندبات حتي لكأن الجلود قد مزقت منذ قليل. يالها من ندبات رهيبة! إن قشعريرة شديدة تسري في جسمي متي نظرت إليها! وازداد البخار، فأصبحت قاعة الحمٌام مغطاة بسحاب كثيف محدق فيه يضطرب كل شيء ويصرخ ويزعق. ومن هذا السحاب تخرج جلود ممزقة ورءوس محلوقة وأذرع ملتوية وسيقان محنية. وإكمالا للوحة كان أشعيا فومتش يعول ملء صدره فرحا فوق أعلي مصطبة. إنه يلبث في البخار زمنا طويلا من شأنه أن يجعل أي شخص آخر يسقط مغشيا عليه، ولكن أشعيا فومتش لا يكتفي بأية درجة من درجات الحرارة. وقد استأجر سجينا يفرك له جسمه بالليفة لقاء كوبك واحد، غير أن الرجل لم يطق صبرا، فما هي إلا لحظة حتي رمي الليفة وأسرع يصب علي جسمه ماء باردا. لم ييأس أشعيا فومتش، فهاهو ذا يستأجر سجينا ثانيا، فثالثا. إن أشعيا فومتش لا يبالي النفقات في مثل هذه الأحوال، حتي لقد يستأجر لفرك جسمه خمسة رجال واحدا بعد آخر. وهاهم أولئك السجناء يهتفون قائلين له: 'يا لهذا الفتي الشجاع أشعيا فومتش، كم يحب الاستحمام!' ويشعر اليهودي هو نفسه أنه تفوق علي سائر السجناء، وأنه 'غلبهم'.. فما هي إلا أن يشعر بهذا الانتصار حتي ينطلق صادحا بصوته الحاد، مترنما بأغنيته: لا، لا، لا، لا....، مغطيا بغنائه كل ما في الحمٌام من ضجة وجلبة. قلت لنفسي: 'لو حشرنا معا في الجحيم، لكان وجودنا في الجحيم كوجودنا في هذا المكان'. ولم أستطع أن أقاوم الرغبة في نقل هذه الفكرة إلي بتروف: فنظر بتروف حواليه ولم يجب بشيء.

وددت لو أستأجر لصاحبي بتروف مكانا إلي جانبي، ولكنه قعد عند قدميٌّ وأعلن لي أنه مرتاح كل الارتياح. وفي أثناء ذلك اشتري لنا باكلوشين ماء ساخنا، فكان يحمله إلينا كلما احتجنا إلي ماء ساخن. وأعرب لي بتروف عن رغبته في أن يغسلني من القدمين إلي الرأس حتي أصبح 'نظيفا كل النظافة'. وحضني علي أن ألبث في البخار زمنا. ولكنني لم أعزم أمري علي ذلك. فأخذ يفرك جسمي كله بالصابون. فلما انتهي من ذلك قال: 'والآن سأغسل قدميك الصغيرتين'، فأردت أن أجيبه بأنني أستطيع أن أغسل نفسي بنفسي، ولكنني لم أعارضه بل استسلمت لإرادته. لم يكن في قوله 'قدميك الصغيرتين' شيء من مذلة. إن بتروف لا يستطيع أن يسمي قدميٌّ باسمها، لأن جميع الرجال العاديين لهم أقدام، أما أنا فليس لي قدمان بل 'قدمان صغيرتان'!

فلما فرغ بتروف من غسلي مرة ثانية أعادني إلي الحجرة الخارجية وهو يسندني من ذراعي وينبهني عند كل خطوة، كما لو كنت من خزف. وأعانني علي لبس ثيابي، حتي إذا انتهي من تدليلي هذا التدليل كله، اندفع إلي الحمٌام ليستحم هو أيضا.

فلما وصلنا إلي الثكنة قدمت إليه فنجانا من الشاي فلم يرفضه بل حساه وشكر لي. وخطر ببالي أن أنفق ثمن قدح من الخمرة تكريما له. فوجدت خمرة في ثكنتنا نفسها. فما كان أشد سروره بذلك! أفرغ الخمرة في جوفه، وتنحنح رضي واغتباطا، وقال لي إنني رددته إلي الحياة، ثم مضي مسرعا إلي المطبخ، كأنما لا يمكن أن يقرر في المطبخ شيء بدونه. فما أن غاب حتي جاءني محدٌث آخر: إنه باكلوشين الذي سبق أن تكلمت عنه، وكنت قد دعوته أيضا إلي فنجان من الشاي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 11:51 am

 سيرة   الحمامات Bain_turc

ريميديوس تستحم 
جابريل جارثيا ماركيز 
سليمان العطار


وعندما يمشي الحال علي هواها، تنهض من فراشها في الساعة الحادية عشرة صباحا ثم تغلق علي نفسها الحمام عريانة لمدة ساعتين كاملتين تقضيهما في قتل عقارب أثناء مقاومتها لنعاس مديد ومن ثم تصب علي نفسها الماء بمغرفة من الصهريج.

لقد كان حدثا ممتدا في الزمان مبالغا في التدقيق والتحبيك، ثريا في التقلب في الأوضاع الاحتفالية حتي أن من لم يعرفها جيدا سيظن أنها كانت مستسلمة لعبادة محقة لذات بدنها.

وبالنسبة لها ­ بالرغم من كل هذا ­ كانت تلك الشعائر المتوحدة خالية من أي شهوانية وببساطة ليس إلا طريقة لقتل الوقت الي أن تشعربالجوع.

وفي أحد الايام عندما بدأت تستحم نزع أحد الاغراب قطعة قرميد من السقف، وبقي محبوس النفس أمام مشهد عريها المهول، شاهدت عيونه المحزونة عبر القرميد المنزوع ولم يحدث لها رد فعل من الخجل إنما من الانزعاج: صاحت في تحذير:
الحذر، الحذر. أنت ستهوي!
همس الغريب:
إنما فقط أريد رؤية حضرتك.
قالت هي:
آه حسنا! لكن خذ حذرك أن قطع القرميد مت هالكة.

كان في وجه الرجل الغريب تعبير أليم من الذهول، وبدأ في معركة صماء ضد دوافعه الغريزية حتي لا يفقد السراب.

حسبت ريميديوس الجميلة أنه كان يعاني من خوف انهيار القرميد، فاستحمت علي عجل خلافا لعادتها حتي لايستمر في خطر، وبينما كانت تصب علي نفسها الماء من الصهريج قالت له أنها مشكلة أن يكون السقف بهذه الحال، فهي تظن أن مهد الأوراق المتعفنة بسبب المطر هوالذي كان يودي الي ملء الحمام بالعقارب التبس الأمر علي الغريب فخلط تلك الثرثرة بأسلوب لإخفاء الرضي والقبول حتي أنها عندما بدأت تتصبن وقع تحت إغراء التقدم خطوة الي الامام، تمتم:
دعيني أقم بتصبينك
قالت هي:
أشكر لك حسن مقصدك لكني أكتفي بيدي الاثنين.
رجاها الغريب:
ولاحتي ظهرك؟
قالت هي: 
ستكون بطالة لم ير الناس قط يصبنون ظهورهم.

وبعد ذلك أثناء تجفيفها لجسمها توسل إليها الغريب بعيون تطفر منها الدموع أن تتزوجه اجابته في اخلاص أنها لن تتزوج مطلقا برجل علي هذه الدرجة من البلاهة حتي أنه يضيع ساعة تقريبا وأيضا يضيع الغداء، فقط ليري امرأة تستحم.

وفي النهاية عندما ارتدت ثوبها الخشن لم يستطع الرجل تحمل تيقنه من أنها ترتديه بالفعل، دون ارتداء أي ملابس داخلية تحته مثلما كان يشك الجميع، وأحس أنه وشم في يديه بالحديد المتوهج لذلك السر ­ من ثم نزع قطعتين أخريين من القرميد لكي يهبط داخل الحمام. حذرته مذعورة:
إن السقف عال جدا. إنك ستقتل نفسك!

القرميدات المتهالكات تفتتن في دوي كارثه. ولم يكد يطلق الرجل صرخة رعب حتي تحطمت جمجمته، ومات دون احتضار علي الارضية الاسمنتية لقد تشمم الغرباء ­ الذين استمعوا الي ضجيج الكارثة وأسرعوا لحمل الجثة ­ في جلد الرجل الميت الرائحة الخانقة لرميديوس الجميلة.

لقد كانت تلك الرائحة ممعنة في اختراق الجسد حتي إن شقوق الجمجمة المحطمة لم يتدفق منها دم سائل عنبري مشرب بذلك العطر السري، ومن ثم أدركوا أن رائحة رميديوس الجميلة كانت تواصل تعذيبها للرجال فيما بعد الموت حتي حدود مسحوق عظامهم ومع ذلك فإنهم لم يربطوا ذلك الحادث المرعب بالرجلين الاثنين الآخرين اللذين ماتا فيما قبل في سبيل رميديوس الجميلة ولم ينقص ­ حتي تلك اللحظة ­ إلا ضحية واحدة جديدة حتي يصدق الغرباء وسكان ماكوندو القدماء أسطورة أن رميديوس بوين ديا كانت تشع تيارا مميتا وليس عبق الغرام، وقد تهيأت مناسبة التيقن من ذلك بعد بضعة شهور عندما ذهبت رميديوس الجميلة ذات مساء مع مجموعة من الصويحبات للتعرف علي المزارع الجديدة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 11:57 am

 سيرة   الحمامات Lagzouli-le-hammam




الحمٌام وانقلابات الرؤية


شهلا العجيلي 


كاتبة سورية عمان


لا بدٌ من أن يكون صراخ الطفل في أثناء إقامة علاقته الأولي بالماء خارج الرحم، هو ردٌ فعل فيزيائيٌ علي تغيٌر شروط البيئة المحيطة، وليس ردٌ فعل معنويٌا تجاه المتعة، لأنٌ المتعة ليست شيئا فطريٌا، إنٌها شيء نتعلٌمه، فهي مزيج من عناصر السلطة وعناصر المعرفة. ومع تعالق هذين العنصرين الأخيرين بتٌ أكتشف رؤيتي تجاه الحمٌام، الذي طالما شكٌل لي الخلاص، فكنت أبادره بشغف خاصٌ بعد جلاء كلٌ أزمة: مرض، أو امتحان، أو مشكلة...




ولم أتمكٌن من صياغة هذه الرؤية صياغة نظريٌة جليٌة إلاٌ مع (جلجامش) بطل الملحمة السومريٌة، الذي راح يبحث عن عشبة الخلود، فأخبرته صاحبة الحانة أنٌ الآلهة حينما خلقت الإنسان قدٌرت عليه الموت، واحتفظت لنفسها بالخلود، وقالت له: 


جلجامش.. 


اغتسل..


وتطيٌب..


واستمتع بخليلتك..


واترك الخلود للآلهة..




مع هذه المقولة، أدركت كنه العلاقة التي شكٌلتها بين الحمٌام والخلاص، إنٌه لم يكن سوي مبادرة للحياة من جديد، في كلٌ مرٌة أتخلٌص فيها ممٌا يشكٌل لي موتا نفسيٌا أو حقيقيٌا، علي حدٌ قول طرفة:


فإن كنتّ لا تسطيع دفع منيٌتي
فدعني أبادرها بما ملكت يدي


هذا الذي يعنيني من الحمٌام، أمٌا شكل الحمٌام، وتطوٌراته، وأدواته، ومتعلٌقاته (الإكسسوارات)، التي تبعث الإحساس بالرفاهة، والمدنيٌة، فلا أتذكٌر أنٌها استقطبت اهتمامي يوما، وقد يعود جزء من ذلك إلي انتمائي إلي مكان يزخر بالحمٌامات منذ فجر التاريخ، بدءا بالحمٌامات الرومانيٌة، وانتهاء بالتركيٌة التي ما تزال تعمل حتٌي اليوم، وقد اعتادت عيني عليها، وعلي تطوٌراتها، وعلي طقوسها الاحتفاليٌة الباذخة، وعلي دعوات المترفات لحضور هذه المناسبة أو تلك في حمٌام (يلبغا الناصريٌ)، أو حمٌام الباب الأحمر، وقبل ذلك في حمٌام النحٌاسين، أو البيٌاضة، واليوم انتقلت تلك الطقوس إلي الحمٌامات التركيٌة التي اجتاحها الجاكوزي، والتي تطوٌرت إلي ال Spa أي المنتجع الذي يضمٌ مجموعة من حمٌامات الجاكوزي، وأماكن للعلاج الطبيعي، والعناية بالبشرة، والسباحة...
لم تغيٌر تلك الطقوس والإضافات رؤيتي تجاه الحمٌام، هذا ما جعلني أستقبل الكتاب الذي أهداني إيٌاه أحد الأصدقاء، والذي يضمٌ لوحات لمستشرقي القرن التاسع عشر: (إنغر)، و(ماتيس)، و(جيروم)، و(دولاكروا)، بقليل من الحماس، ممٌا أدهش ذلك الصديق، وأحبطه! فأنا أجد أنٌ لوحات الحمٌام التي رجسمت في الحقبة الاستشراقيٌة، لا تقاس في مستوي إدهاشها بالحمٌامات التي أقامتها القراءات في مخيٌلتي، إذ تنقصها الحركة، كما تنقصها دمقرطة التخييل، نظرا لخضوعها إلي سلطة نسق ثقافيٌ بات معروفا لنا، في حين تفتح القراءة أبواب حمٌامات عامرة بالمتعة المتأتٌية من الماء والتعري، والمتأتٌية من الكلام والمخاتلة علي حدٌ سواء.
ولعلٌ يوم الغدير، هو يوم الحمٌام المشهود تاريخيٌا، ذلك الحمٌام الذي لن يتكرٌر حتٌي في مخيٌلة المتخيٌل الواحد، ففي كلٌ مرٌة يستذكر فيها ذلك الحمٌام، يولد سيناريو جديد لقصٌته، إنٌه حمٌام العذاري في (دارة جلجل)، حيث لا مواد تنظيف، ولا مستحضرات تجميل، لأنٌه حمٌام من الشعر والعبث: ثياب منضوضة، وربٌما أساور وخلاخيل ملقاة هنا وهناك علي حافٌة الغدير.


فيحكي أنٌ الحيٌ تحمٌلوا، فتقدٌم الرجال، وتخلٌف النساء والخدم، أمٌا (امرؤ القيس)، فتخلٌف عنوة بعدما سار قليلا مع رجال قومه، وذلك حين علم بنيٌة عكوف الصبايا علي الغدير، وفيهنٌ (عنيزة).
راح يرقبهنٌ، وقد نحٌين العبيد، وتجرٌدن، ووقعن في الماء، فجمع ثيابهنٌ، وقعد عليها، وقال: والله، لا أعطي جارية منكنٌ ثوبها، ولو قعدت في الغدير يومها، حتٌي تخرج متجرٌدة، فتأخذه. فأّبّين ذلك عليه حتٌي تعالي النهار، وخشين أن يقصٌرن عن المنزل الذي يردنه، فخرجن جميعا، غير عنيزة، التي ناشدته الله أن يطرح ثوبها، فأبي، فخرجت، فنظر إليها مقبلة، ومدبرة، ثمٌ ألقي عليها الثوب!


بعد ذلك قلن له: إنٌك عذٌبتنا، وحبستنا، وأجعتنا، وبعد...


فعقر لهنٌ ناقته، وأضرم العبيد نارا عظيمة، فكان شواء، وشرابا من فضلة كانت معه، يشرب، ويسقيهنٌ، وكان ذلك اليوم أحسن أيٌامه، إذ يقول:


ألا ربٌ يومي لك منهنٌ صالح
ولا سيٌما يوم بدارة جلجلِ

ويوم عقرت للعذاري مطيٌتي

فيا عجبا من كورها المتحمٌلِ


وبقي امرؤ القيس ورحله بلا ناقة، فقالت إحداهنٌ: أنا احمل طنفسته، وقالت الأخري: أنا أحمل رحله وأنساعه، فتقاسمن متاعه، ولم تحمل عنيزة شيئا، فقال لها: لا بدٌ من أن تحمليني معك، فإنٌي لا أطيق المشي، فحملته، فكان يجنح إليها، فيدخل رأسه في خدرها، فيقبٌلها، فتمتنع، فيميل حدجها، فتصيح: عقرت بعيري فانزل، وفي ذلك يتغنٌي في المعلٌقة قائلا:


ويوم دخلت الخدرّ خدرّ عنيزة
فقالت: لك الويلات، إنٌك مرجلي

تقول وقد مال الغبيط بنا معا

عقرتّ بعيري يا امرأ القيس، فانزلِ

فقلت لها: سيري، وأرخي زمامه

ولا تبعديني من جناكِ المعلٌلِ
هذا ما كان من حديث الحمٌام الذي يحرٌر المخيٌلة من الصور النمطيٌة، الحمٌام الذي أثري المدوٌنة الشعريٌة العربيٌة بأبيات غرر.


ولعلٌ ثمٌة حمٌاما آخر عرفته، فأدهشني بما يحمله من طاقة علي التريٌض العقلي، إنٌه حمٌام (زانا خاتون) الأخلاطيٌة الكرديٌة، ذلك الحمٌام الذي حملني بسحر الحوار الذي دار فيه، علي قراءة شرح (ابن رشد) علي كتاب (أرسطوطاليس) في الجدل كاملا. و(زانا خاتون) هي الزوجة الأولي ل (أردهان) حاكم ولاية (ميدو)، في رواية (الأختام والسديم) ل(سليم بركات)، ويلج المتلقٌي حمٌامها علي الشكل الآتي:


¢ بعلامات من قياس الظلال، جري التدبير الرؤوف لشرع النور، ونظامه، في الحلقة الحجريٌة، التي يحيط بها حوض نصف دائريٌ من رخام عتيق، فلقت قشرتّه عثاكيلج من الصدوع، رّأّبها العارفون بالرصاص الذائب، وصمغ الكندرِ، كي لا يرشح منه الماء. ستٌة قناديل ألقت نردّ الظاهر بين يدي الكمال الشاحب، لوعة فوق المقاعد المربٌعة، المنحوتة من الحجر الرمل، ذي المسام المحفور عميقا كالجدري، حيث جلست نساء أردهان التسع عاريات، يغلي من خلفهنٌ زير الماء العظيم علي موقد حجشدت لناره جذوع الأجترنج، وبزر الكرٌاث، وعيدان المصطكي. دسٌّ الكافور أنفاسا من العافية في الأنحاء...


انفرجت الأفخاذ المرتعشة اللحم بعافية امتلائها، ورجفعت الأحواض البيضاء باتٌكاء الأجساد علي المرافق فوق المقاعد، منطرحة علي الظهور بلا استلقاء كامل. كلٌ واحدة واجهت الأخري: أربع متمدٌدات، وأربع راكعات، هنٌ اللواتي يرقٌقن العقيد اللزج كي يلطقنه بشعر العانات، من نواحي البطون نزولا إلي الفروج.¢


ذلك هو المشهد الأوٌليٌ من الحمٌام الذي تتبعه طقوس إزالة الشعر، والاغتسال، وتناول الفاكهة، لكنٌ المدهش هو الحديث الذي يدار في الحمٌام بين نساء (أردهان)، الحديث القائم علي فنٌ الجدل:


¢...كلٌما دخلتنٌ الحمٌام انبثٌت فيكنٌ حمٌي الأسد. دمدمت ديدا السوداء


...ألححن علي السوداء تأويلا لحمٌي الأسد.


هي أوٌل حمٌي انتابت كائنا من كائنات ما بعد الفتنة. الأسد ابتلي بالحمٌي. قالت ديدا.


من هي كائنات ما بعد الفتنة، يا جوهرة الله، ساءلتها إحداهنٌ، فردٌت السوداء:


كلٌ كائن توالد بعد النزول من الجنٌة.


ولماذا ابتلي الأسد وحده، بداية، بالحمٌي؟ سوئلت السوداء، فردٌت


الحمٌي مرتبة، يقول الشيخ الخزنويٌ.


وما هي مرتبة حمٌي الأسد؟ سوئلت، فردٌت السوداء:


حين تغدو فروجكنٌ ظاهرة، ناطقة، عالمة بفروع الحقائق، سأشرح الأمر.


... العقل مسكون؟ دمدمت ميدوبا، التي رشٌت دقيقا أبيض علي رابية فرجها، ومسٌدتها به. تراخي الجلد المقشعرٌ من نكال العقيد اللزج بنمشه الوديع. ابتسمت زانا من غير أن تلتفت إلي ميدوبا:


قولي لها يا ديدا أنٌ لكلٌ جارحة من جوارحها عقلا. ضحكت السوداء:


ألفرجها عقل أيضا؟ قهقهت النساء


للفرج عقلان: عقل القدم وعقل المحدث...


وهكذا تدار المسائل الجدليٌة في حمٌام نساء أردهان، وتستتبع بحوارات حول الظاهر والباطن، والجوهر والعرض، والأبد والأزل، وغيرها من المسائل التي لا تجدار إلاٌ في بلاطات الأكابر من الملوك، علي ألسنة المتناظرين من علماء الكلام.
تبقي تلك المتع الجسديٌة والعقليٌة كلٌها، مهما تحرٌرت بفعل الخيال، أسيرة العلاقة بين النصٌ والمتلقٌي، فالرؤية التي كوٌنتها تجاه الحمٌام، وظننتها خالدة، اعترتها تحوٌلات قاسية مع ولوجي مناطق أخري من الحياة، خارج الكتب، فتحوٌل ما تصوٌرته خلاصا بالحمٌام، إلي خلاص من الحمٌام الذي يصير عبئا بالنسبة للاٌجئين والمنكوبين، وضحايا الحروب والكوارث. فحمٌام (اسفير) ليس كحمٌام (زانا خاتون)، إنٌه حمٌام بالحدٌ الأدني الذي يبقيك علي قيد الحياة فلا تموت من تبعات القذارة، التي يفرضها اللجوء، والتشرٌد. إذ يحدٌد مشروع (اسفير) للاٌجئين، المعايير الدنيا في مجال الاستجابة للكوارث، وقد باشرت به الحركة الدوليٌة للصليب الأحمر والهلال الأحمر مع مجموعة من المنظٌمات غير الحكوميٌة، منذ عام 1997، وتقام اليوم مخيٌمات اللاجئين بناء علي معايير (اسفير) في الإيواء، والتوطين، والإصحاح، والتغذية...


وبناء عليه، يحصل كلٌ شخص في المخيٌم علي 250 غ من صابون الاستحمام شهريٌا، وعلي 2­ 6 لتر من الماء في اليوم، لممارسات النظافة الأساسيٌة. ويشترط في إقامة المخيٌم ألاٌ تتجاوز المسافة بين المسكن وأقرب موقع لتوزيع الماء 500 م، وألاٌ تتجاوز مدٌة الوقوف في الطوابير عند موقع توزيع الماء 15 دقيقة، وأن تخصٌص مقصورات استحمام منفصلة للرجال والنساء، وأن يكون مرحاض لكلٌ 20 شخصا، وأن يكون بين الخيمة والمرحاض 50 مترا فقط. أمٌا مستلزمات حمٌامات اللاٌجئين فهي فوط حيض صحيٌة للنساء والفتيات، و12 حفٌاضة أطفال قابلة للغسل، وذلك حتٌي سن عامين.



لن أتحدٌث أكثر، إذ علي المخيٌلة أن تطلق العنان باتجاه المعاناة، في أثناء قطع مسافة في العراء ليلا، ربٌما في الشتاء، وذلك لقضاء حاجة، أو لغسل طفل يعاني من إسهال، أو ما شابه، ولن أتحدٌث عن نساء النٌفاس، في حمٌامات اللاجئين، ولا عن مغتصبات يغسلن آلامهنٌ وأشياء أخري.



منذ عشر سنوات وأنا أقيم بين حين وآخر في مخيٌمات اللجوء، أعيش مع المنكوبين: العراقيين، والفلسطينيين، والأندونيسيين، والأفغان، وحتٌي السوريين في أثناء انهيار سدٌ (زيزون)... 


أستعمل خيامهم، وحمٌاماتهم، مدٌة شهر أو أقلٌ، أو أكثر بقليل، أعاني معهم، لكنٌني في النهاية أعود إلي بيتي، وإلي حمٌامي، من دون أن يبرح ذاكرتي مشهد أوعية الماء البلاستيكيٌة البيضاء، ذات الأعناق، المزوٌدة بالأغطية، والمصفوفة أمام الخيمة أو داخلها، أو الملقاة بجانب الخزٌانات.


لقد غيٌرت هذه التجارب، والمشاهد علاقتي بالحمٌام، وجعلت عمليٌة إمتاعي صعبة للغاية، بل معقٌدة، بحيث لا يقدر عليها لا الحمٌام التركيٌ ولا التايلنديٌ، بل قد يعجز عن تحقيقها حمٌام امرئ القيس بحدٌ ذاته!



عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في السبت 03 مايو 2014, 12:04 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 11:59 am

 سيرة   الحمامات Baigneuses


من حوض القدم إلي الجاكوزي:


حمامات الغلابة وال 'هاي كلاس'!


أحمد ناجي


في بلد بحجم مصر يشقها طوليا نهر يحمل اسم النيل، كان لابد أن تكون مياه ذلك النهر هي الحمام الأول لأهل هذا البلد، وحتي وقت قريب كان النيل وفروعه من ترع ومصارف هو مصدر المياه الذي يعتمد عليه عدد لا بأس به من المصريين للاستحمام والاغتسال خصوصا في القري المصرية!


قطاع عريض لا يستطيع السفر للساحل الشمالي أو شواطئ البحر الأحمر يعتبرالنيل مصيفا يتم ارتيارده للاستحمام والهروب من درجة الحرارة المرتفعة وهي الظاهرة التي قامت الدولة منذ أواخر الثمانينيات بمحاولات متعددة لمنعها نظرا لأنها كانت السبب الرئيسي لانتشار مرض البلهارسيا..


وبالتأكيد فهناك من لا يزال يذكر إعلانات وزارة الصحة التي كان يقوم بها الفنانان عبد السلام محمد ومحمد رضا والعبارة التي تحولت لإفيه دائم ¢طول ما تدي ضهرك للترعة عمر ما البلهارسيا فيك ما ترعي¢. الآن وفي 2007 غاب صوت محمد رضا وغابت أيضا المياه النقية من صنابير المياه وخرجت مظاهرات العطشي وتسابق المصريون علي عربات المياه كاللاجئين في البلاد الصحراوية وعادوا ثانية لمياه الترع.


إلي جانب الاستحمام في مياه النيل هناك حمامات المساجد وهي الخيار الثاني للاستحمام والاغتسال أمام فقراء المصريين الذين لا يجدون سوي الشارع كمنزل لهم أو يمتلكون بيتا لا تصله المياه، فالمساجد الكبيرة تحديدا تحتوي حماماتها علي دش للاستحمام وهي خدمة إضافية للمصلين تساعدهم علي التطهر من الحدث الأكبر ورفع الجنابة، وحاليا مع ازدياد الإنفاق علي المساجد واستخدام أفخر أنواع السيراميك والسجاد في تأسيسها أصبحت بعض المساجد لا تكتفي بالدش فقط في حماماتها بل أيضا يتم تركيب سخانات كهربائية ضخمة لتوفير المياه الساخنة والباردة للمستحم، ورغم أن فواتير استهلاك الكهرباء والمياه الخاصة بالمساجد تتحملها في النهاية وزارة الأوقاف، والدش وسخان المياه الكهربائي غالبا ما يأتي في شكل صدقات أو هبات من أهل الخير، إلا أن عملية استغلال حمامات المساجد للاستحمام ليست غالبا عملية مجانية، ففي مساجد كثيرة ستصادف لدي دخولك رجلا عجوزا مكفهرا ­ بلا سبب غالبا ­ يجلس علي منضدة صغيرة قائلا لكل داخل إلي الحمام ¢أيوه يا أستاذ¢ وبلا سبب أيضاستجد نفسك تدفع له الربع جنيه صاغرا دون اعتراض.


الربع جنيه يعتبر بمثابة تسعيرة ثابتة غالبا في معظم حمامات المساجد ولا يهم الغرض سواء كان للتبول أو الاستحمام وأشهر المساجد التي تتبع هذا النظام الحسين والسيدة زينب والنصر بشارع رمسيس الذي ارتفعت فيه التسعيرة مؤخرا من ربع إلي نصف جنيه.


***



ومن الحمامات المجانية أو منخفضة التكلفة المتاحة للجميع إلي الحمامات المنزلية العادية التي شهدت ارتفاعا ملحوظا في الأسعار هذا الصيف وهو الارتفاع الذي يحدث كل صيف في معظم مواد البناء وتجهيزات المنازل ويتواكب مع عودة المصريين المقيمين في الخارج بما ادخروه في الغربة طوال الشتاء لبناء المنزل أو شراء شقة جديدة ومعها طبعا تجهيز الحمام الذي يختلف سعره علي حسب نوع السيراميك ومساحة الحمام ونوع الأدوات الصحية المستخدمة فيه، لكن يعتبر الدجش أو مكان الاستحمام سواء كان ¢بانيو¢ أو ¢جاكوزي أهم قطعة في الحمام. وأرخص أنواعها حمام القدم الذي يتكون من ¢دش¢ ومساحة صغيرة تسمح لفرد واحد بالوقوف تحته مع وجود بالوعة لتصريف المياه ويصل متوسط سعر تلك الوحدة إلي 300 جنيه. أما البانيو العادي وهو الأكثر انتشارا حسب تأكيد عادل فرج مسئول المبيعات في إحدي شركات بيع الأدوات الصحية فيتحدد سعره علي حسب مساحته لكنه يتراوح غالبا ما بين 300 إلي 650 جنيها.


البعض لا يتعامل مع الحمام بصفته مكانا للاغتسال فقط بل أيضا كمكان للراحة والاستجمام وهؤلاء الذين يمتلكون هذا القدر من الرفاهية غالبا ما يستبدلون ¢البانيو¢ العادي بالجاكوزي الذي يحتوي علي مضخات مياه تساعد في تدليك عضلات الجسم وتنشيط الدورة الدموية ويتحدد سعر الجاكوزي طبقا لمتطلبات المشتري وعلي حسب عدد ¢الجوينات¢ أو مضخات المياه التي يحتويها وعلي حسب لون الجاكوزي نفسه أيضا فاللون الأبيض الأقل سعرا، والمشتري يحدد كل تلك المواصفات ليتم تصميم الجاكوزي طبقا لها ويقوم بعد ذلك الفني المتخصص بتركيبه حيث يبدأ سعر أرخص أنواع الجاكوزي من ستة آلاف جنيه حتي يصل إلي عشرة آلاف وربما يتجاوز هذا الرقم أحيانا.


الجاكوزي لا يمكن استخدامه فقط في المنزل أو في النوادي بل أيضا يمكن استخدامه في المؤسسات الصحفية حيث جرت العادة من قبل بعض القيادات الصحفية علي تركيب جاكوزي في مكتبه الخاص لكي يساعد علي توفير مناخ من الراحة والاستجمام للقيادة، أما من لا يملك المال اللازم لتركيب جاكوزي في منزله فهناك الجاكوزي المحمول وهو يتكون من قطعة صغيرة بحجم كف اليد يتم توصيلها بالكهرباء وتركيبها في ¢البانيو¢ العادي بعد ملئه بالمياه حيث تعمل تلك الوحدة علي ضخ المياه لتدليك عضلات الجسم.


***

رغم ارتفاع أسعار وحدات الجاكوزي الأمر الذي حوله إلي علامة علي ارتفاع مستوي رفاهية صاحبه إلا أنه ليس أعلي درجات رفاهية الحمامات لدي المصريين فهناك أيضا حمامات السباحة التي أصبحت بالنسبة لأصحاب ¢الفيلات¢ الخاصة عنصرا أساسيا من عناصر المنزل العصري وتتعدد أشكال حمامات السباحة فمنها المكشوف ومنها المغطي حيث تعد غرفة من غرف الفيلا السكنية أما تكلفتها فتتحدد ليس فقط علي حسب مساحة الحمام وشكله إنما يشمل السعر أيضا نوعية الخرسانة المستخدمة 1.5 مللي أو 2 مللي مجلفنة أو غير مجلفنة بالإضافة إلي حجم المياه داخل الحمام والإكسسوارات التي يتطلبها العميل ونوعية القيشاني أو الفسيفساء أو الصخور الطبيعية الملساء أو غير المهذبة. لكن في المتوسط تصل تكلفة سعر المتر المكعب في الحمام العادي من 700 إلي ألف جنيه، أما التكلفة الإجمالية لحمام السباحة العادي دون إكسسوارات إضافية فتتراوح بين 30 إلي 40 ألف جنيه يضاف إليها نوعية الفسيفساء أو السيراميك المستخدم بالإضافة إلي نظام تسخين المياه ونظام الإضاءة ووسائل الترفيه الأخري.



حمامات السباحة ليست حكرا علي الفيلات الخاصة بل أصبحت عنصرا أساسيا أيضا في المنتجعات السكنية الحديثة التي بدأت في الانتشار في المدن الجديدة وعلي طريق الإسكندرية والإسماعيلية الصحراوي وهي تشبه إلي حد كبير المستعمرات الاستيطانية بسور يعزلها عن العالم الخارجي ونظام أمن وحراسة خاصة وحمامات سباحة خاصة أيضا، ولأن عددا كبيرا من هذه المنتجعات _ المستعمرات ­ موجودة في أماكن صحراوية بعيدة عن المدينة فهي تعتمد علي المياه الجوفية لملء حمامات السباحة وهو الأمر الذي أثر بالسلب علي المشروعات الزراعية الموجودة علي طول طريق إسكندرية ­ القاهرة الصحراوي حيث أصبحت معظم تلك المزارع تعاني من الجفاف وقلة المياه..


أما أحدث أنواع حمامات السباحة التي دخلت مؤخرا لمصر فهي ما أعلنت عنه إحدي الشركات العقارية من وحدات سكنية جديدة في سلسلة من العمارات المطلة علي كورنيش نيل المعادي وفي الوقت نفسه تحتوي كل عمارة علي حمام سباحة خاص بها فوق سطحها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:06 pm

[size=48]بروتوكولات أدب في حمامات حلب[/size]
[size=32]محمد صبحي المعمار[/size]



عرفت مدينة حلب العديد من الحمامات المنتشرة في أحيائها وتذكر المصادر التاريخية أن عدد الحمامات في حلب وصل أحياناً إلى مئة وسبعة وسبعين حماماً كما يذكر ابن الشحنة في كتابه الدر المنتخب في تاريخ حلب نقلاً عن ابن شداد ويذكر كامل الغزي في كتابه نهر الذهب في تاريخ حلب أن عدد الحمامات آنذاك بلغ /177/ حماماً داخل المدينة والباقي حولها وبعض الحمامات القديمة التي تعاقب المؤرخون على ذكرها غير معروفة وهذا ما أكده أبو ذر في كتابه كنوز الذهب في الفصل المنقول عن الحمامات من كتاب ابن شداد وفي القرن السابع عشر تقلص عدد حمامات حلب إلى /64/ حماماً حسب ما ذكره السفير الفرنسي شوفالين دارفيو الذي كان في حلب عام /1683/م وبعد انتشار نظام البناء الحديث وتوفر حمام حضاري في كل منزل بقيت الحمامات الشعبية على حالها ويوجد في حلب الآن /61/ حماماً منها /33/ حماماً جديداً إضافة إلى الحمامات الأثرية القديمة .



ولعبت الحمامات دوراً كبيراً في إطار الحياة الاجتماعية ودخلت في نسيج العادات والتقاليد والأمثال في مدينة حلب وثمة مثل حلبي شهير يقول (تبرك تجارة الشام وما تبرك ليلة الحمام) فقد كان يؤتى بالعريس صباح يوم العرس إلى الحمام للاغتسال وتسمى الصباحية وكانت النسوة يقمن ليلة الحنة فيه حيث يضعن الحناء وينقشن الكفوف بها وفي الحمام كانت تقام حفلات السمر والغناء.



ومن الأدوات المستخدمة في الحمام (البقجة والسطل واللكن والطاسة والصابون والليفة وكيس التفريك والحناء والدريرة والمئزر) وهو قطعة قماشية منسوجة يدوياً تستخدم لتغطية جسم المستحم ومآزر النساء تكون عادة مقصبة أما مآزر الرجال فعادية والتغسيل بالحمام يكون على شكل جلسات والجلسة تسمى زوم) .



إن أقدم حمام وأول حمام في حلب يرجع تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد وهو أكثر حمامات الدنيا استمراراً في الحياة لم يعش قبله ولن يعيش بعده حمام في مثل عمره من الطول، خمسة آلاف سنة عاشها هذا الحمام باستمرار يجري فيه الاستحمام يومياً دون انقطاع ويذكر المؤرخون أن ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قد استحم فيه وكان يغرف من جرنه ذلك الجرن الذي ضاع نتيجة إهمال مديرية آثار حلب في ذلك الوقت وهو مقدس على مر الزمان لدى جميع الطوائف من استحم فيه يبرأ على زعمهم والعاقر تحمل وكان هذا الحمام يقع أمام الباب الشمالي لخان الصابون ينزل إليه بدرج من مستوى الأرض وقد هدم الجزء الشمالي لخان الصابون مع السوق والأبنية المجاورة التي حافظ عليها أبو عبيدة بن الجراح فاتح حلب إذ فتحت فيها الجادة العريضة الحالية المؤدية إلى بناء قصر العدل ودار الحكومة، لقد كان اسم هذا الحمام (حمام الواساني) نسبة إلى الحسين بن الحسن بن واسان الشاعر الهجاء الظريف الحلبي الذي توفي سنة /394/ هـ أي قبل ألف سنة ولا يعرف لهذا الحمام اسم قبله ولما كان الحمام آخذاً من حياة الناس حجماً كبيراً فلقد بنيت على أوضاعه وآدابه حكم وأمثال وكنايات وقصص وأشعار ومقامات وقصص خيال الظل ذخر بها الأدب العربي الفصيح والأدب الشعبي .



ومن قصص خيال الظل (****وز وعيواظ) المشهورة في الأدب الشعبي القديم فصل من فصوله الثلاثين يسمى (فصل الحمام) استهدف فيه القصاص الوصول إلى مثل من باب الكناية لمن لم يكن يعهد فيه أمر من الأمور الصعبة فيأتيه على غير انتظار فيخفق فيه فيقال فيه (متى كان ل****وز حمامين) وحمامين صيغة جمع في اللغة العامية .



وكانت الحمامات تبعاً للمجتمع الذي هي فيه وتبعاً للزمان والمكان مقبولة أو مكروهة فمن الناس من يمدحها ومنهم من يذمها وأسباب الذم ترجع إلى أسباب تاريخية اتصلت بحوادث حمامات الرومان أو حمامات القرون الوسطى الأوروبية الخليعة ولم يهتم الأدب الأوروبي بالحمامات اهتمام الأدب العربي بها لأن الحمامات في البلاد الإسلامية عامة مكاناً خاصاً بالنظافة ومنه قول الشاعر محاسن الشواء في رواد الحمام:
شدوا المآزر فوق كثبان النقا

بأنامل حلوا بها عقد التقى

وتجردوا فرأيت بان معاطف

نشروا ذوائبهم عليه فأورقا



ولقد وجد بعض المتعصبين في الماضي ممن يستهجنون ارتياد المرأة الحمام العام حتى أن شكوك هذا البعض أدت به إلى تصورات تتصل بخطورة ارتياد النساء الحمام العام بعد خروج الرجال منه وهذا ما دعا أبا العلاء المعري لأن يكون هذا الرأي المانع للنساء من ارتياد الحمام العام: 
أعوذ بالله من ورهاء قائلة

للزوج إني إلى الحمام أحتاج

وهمها في أمور لو يطاوعها

كسرى عليها لهين الملك والتاج



إنها الدعاية السيئة التي كانت تصدر عن حمامات القرن الخامس عشر وما قبله ثم ما بعده حتى السابع عشر في أوروبا .



إن حمامات حلب كسائر الحمامات العربية والإسلامية كانت تلتزم في حدود الآداب العامة التي يمليها عليها الدين الإسلامي وبقية الأديان السماوية لذلك فهي تتصف بالصفات التالية : 
1ـ لم تكن تستعمل لغير الاستحمام وخاصة الخلاعة والتهتك سواء في عهد الوثنية (حمام الواساني) وعهد المسيح (حمام موغان) وعهد الإسلام في سائر الحمامات ولا يضير في شيء لجوء بعض المستحمين أحياناً في مناسبات خاصة إلى الغناء والطرب وجلب المأكولات في شبه احتفال أو أخذ الحمام من بابها . 
2ـ إن الحمامات الحلبية تشابه الرومانية من حيث تقسيمها إلى أقسام ثلاثة: البراني والوسطاني والجواني أو بيت النار ووجود المدلكين والمزينين والمغنين أحياناً أو المقرئين ومن حيث وضع الألبسة في المشلح في رفوف مكشوفة تتيح مراقبتها . 
3ـ ليس في حمامات حلب عادة اختلاط الرجال بالنساء وإنما لكل جنس وقت وغالباً ما يكون وقت الرجال من المساء إلى طلوع الفجر .
4ـ يسمح في سائر الحمامات الحلبية بجلب أدوات الزينة الشخصية من الصابون والطيب والبيلون والحناء وجلب المأكولات والمآزر الخاصة كما يسمح بالغناء . 
5ـ لا يقرأ القرآن في الوسطاني ولا في الجواني وإنما يسمح به بالبارد الذي هو البراني أو المشلح وهو مكان الراحة . 
6ـ لا يسمح بوضع باب إلى الخلوة كما لا يسمح بالسباحة والتغسيل في مستودع الماء الذي يجري إلى الخلوات .



ومن الأدب الشعبي الحلبي ما تداعب به الأمهات أطفالهن بما يسمى بالعامية (هنهونات) هنهونة مشهورة تحدث بها المرأة طفلتها وكأنها تستعد معها للذهاب إلى حمام النساء أسوة بالصبايا وهو حمام السلطان تحت القلعة بحي الفرافرة عند باب الأربعين قديماً ذلك أن حمام السلطان كانت مخصصة للنساء فقط تقول المرأة : 
(طنبر طنبر بالتركي، أحمد باشا ناطركي، شايل بقجة حمامك، حمامك تحت القلعه، وجوارك ستة سبعة، طاستك هالمجليه، بإيدين الحماميه، يا علي لا تتعوق جبلي سرير مذوق، جبلي غزاله سوده، جرياتا كبار كبار، ما بيوسعوا بباب الدار، هاتوا العده والمنشار، تاننشر جرياتا) .



ومن الأمثال الحلبية الخاصة بالحمام: 
1ـ ضاعت الطاسه: ويضرب في حال الفوضى وفقدان الوسيلة . 
2ـ طاسة ساخنة وطاسة باردة: ويقابله مثل ضربه على النعل وضربه على الحافر ويضرب لمن يلين أحياناً ويقسو أحياناً .
3ـ حمامي فتح وأقرع عبر: ويضرب في المتكسب لا يطول فيه الانتظار حتى يأتيه زبون آخر .
4ـ حمام مقطوعة ميتو: ويضرب في الضوضاء والفوضى وضياع النظام .
5ـ العروس من على جرن الحمام: يضرب في وجوب انتهاز الفرصة المناسبة في الزمن المناسب .
6ـ هون بتعرف القرعة من أم الشعر: ويضرب كناية عن معرفة الأمور على حقيقتها .
7ـ طعمي القيم وملوك الحمام: ويضرب تشجيعاً للرشوة .
8ـ الشكلة بعد الحمام: لا تعطى الأجرة إلا بعد حدوث المنفعة .
9ـ مصاري المجانين على مصاطب الحمامين: يضرب لمن يستهتر في حفظ نقوده .



وهكذا فإن أدب الحمام قد احتل مكانة في الأدب الشعبي والأدب الراقي في دنيا العرب فمن القصص إلى الشعر إلى المثال والكنايات إلى المقامات إلى قصص خيال الظل إلى التلفزيون مسلسل حمام الهنا .



وللحمامات في مدينة حلب لغة واصطلاحات وتعابير وتسميات للأدوات وتعابير للمجاملة في الدخول إلى الحمام وللخروج منها وللمعاملة مع الآخرين نستطيع أن نصنفها تحت عنوان آداب الحمام كأن يقال لك نعيماً فتجيب الله ينعم عليك ومنهم من يزيد يرحم والدنيا ووالديك أو يقال لك حمام الهنا فتجيب الله يهنيك ... وغيرها من تعابير المجاملة المستحسن استعمالها في الحمام إلا أنها ابتدأت تخف وتنتهي كانتهاء دور الحمام العام تقريباً في المجتمع‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:07 pm

 سيرة   الحمامات Hamam1


في المعتقل: 

عريي وعري الآخرين 

رءوف مسعد

السجن جعلني اكتشف عريٌ: اكتشفه بخجل من جسدي العاري المستخذي أمام نظرات السجان ونظرات الآخرين. اشعر بالخزي ولا أستطيع تجاهل خزي الآخرين.


بعد الإفراج عني كنت اكتشف عريٌ الجديد ببعض الخجل في غرف مغلقة. فعريٌ القديم كان بيني وبين جسدي منذ سن الثامنة وحتي السجن في الثالثة والعشرين، تأملته مع عري الآخرين في شواطئ العراة الأوربية. اكتشف جسدي مجددا بدون خجل ولا خزي منه او من اجساد الآخرين.


جسدي في السجن ليس جسدي بل هو احيانا ملك السجان وأحيانا تمتلكه الكوابيس وفي النادر يصبح جسدي حينما يمتزج بدون خزي مع جسد آخر.

منذ طفولتي المسيحية المتطهرة البروتستنتية تعلمت الخزي من الجسد وتعلمت أيضا التمرد سرا علي الخزي. تقول الآية السادسة والعشرون، الإصحاح الأول، سفر التكوين وقال الله لنصنع الإنسان علي صورتنا كمثالنا.. فخلق الإنسان علي صورته علي صورة الله خلق البشر ذكرا وأنثي خلقهم وباركهم الله¢ وفي الفصل الثاني المعنون: السقوط¢ يحكي القصة الشهيرة عن التفاحة وإغواء حواء لآدم. تقول الآية فانفتحت أعينهما وعرفا انهما عريانان فخاطا من ورق التين وصنعا لهما مآزر¢ وقول آدم للرب سمعت صوتك في الجنة فخفت ولأني عريان فاختبأت 

الرب أيضا يؤكد خزي عريهما¢ وصنع الرب الإله لآدم وامرأته ثيابا من جلد وكساهما¢

العري صنو الاختباء من الأعين. عين الرب واعين البشر.

**
السجن يفرض علي المساجين عريا صنو الخزي. 

هذا هو خزي السجين: ان يتعري دون رغبة، ممتثلا لأمر السجان.ان يقف في الصف عاريا ينتظر دوره في الحمام الأسبوعي.. حمام مدته لا تزيد علي خمس دقائق يحاول فيها ان يغسل خزي جسده العاري من اهانات لحقته طوال اسبوع كامل وتلحقه الآن في اغتساله الملهوج بصابونة لها رائحة الفنيك: لا تقدم رغوة بل رائحة تذكره بالمراحيض. يحاول ان يستر عريه برغاوي الصابون. 

(ما ان تبلغ الصبا حتي تختبئ خلف الثياب: لا تتعري بعد ذلك امام الأهل وتجترك لعريك في وحدتك وطلاسم المراهقة وأحاسيس حارقة بذنوب غامضة كانت في سبيلها إلي التحقق) 

في العري الأول في السجن وقفت عاريا بجسد لم يعد يتذكر عريه الطفولي ولم يتعر امام انثي ولم يكشف عن عريه مثل آدم امام الرب.. بل امام السجان بثيابه الكالحة وسحنته الغاضبة المتربصة دوما للعقاب وعينه الفاحصة الباحثة في أجساد التحفت داخل عريها المفاجيء بصمت ثقيل تريد ان تغطي خزيها تحت ستار اللامبالاة المزيف.

عصر الخميس الأول في سجن القناطر. وعصر كل خميس لسنوات: فبدلا من طابور العصر الذي يفرج عن المساجين لمدة اقل من ساعة بعد طابور الصباح المماثل وحبسة الليل الأطول، يعلن السجانون عن الحمام وتدور المفاتيح في ابواب الزنازين. 

يلقي إلينا بالثياب الداخلية المصروفة من السجن. ثياب خشنة من الدمور، ارتداها مساجين آخرون، غجسلت بالأحماض، لتدور دورتها العجائبية، كل أسبوع، فليست هناك ثياب داخلية خاصة بك في السجن.

تشارك الآخرين ثيابهم الداخلية مثلما تشاركهم الحمام والمرحاض الذي نجزعت ابوابه عن عمد. 

يزداد اللغط بين المساجين يحاولون ان يستردوا ثيابهم الداخلية الخاصة بهم بعد ان وضعوا عليها علاماتهم السرية (في البحث عن خصوصية مستلبة) ينجح البعض في استرداد ثيابهم ويفشل الآخرون. نسير في طوابير: حفاة حليقي الرؤوس، الي مبني آخر به الأدشاش معلقة في عنابر طويلة مفتوحة بدون ابواب او سواتر. تتم الاتفاقات السريعة بين الأصدقاء الذين سيتشاركون في دش واحد: اثنان علي الأقل أو ثلاثة أو اربعة.يكون احدنا قد اخترع لوفة من فضلة ثياب قديمة.

***

اقف عاريا في حمامي الأول (انك تخرج من جديد من رحم الأم الي عالم بالغ القسوة يقجذف بك، ليس إلي صدر الأم بل الي جسد السجان وثيابه الكالحة الخشنة) لا أعرف سوي عدد محدود من الزملاء. لم أكون صداقات بعد. في الثالثة والعشرين، لم تلمس يداي جسد انثي عارية من قبل. لم اشاهد جسدا انثويا عاريا بعد.لم اتعر امام احد منذ الثامنة. 

في بيتنا في السودان اتحمم مع ابي وأخي حتي بلغت الثامنة ثم قالوا تحمم لوحدك وللحمام وللمرحاض ابواب وترابيس في بيت يعج بالأهل والضيوف. شققنا الصغيرة ­ في مصر ­ نسخن الماء في حلل كبيرة نحملها الي الحمام نتحمم علي انفراد. اسرة تغلق علي خصوصيتها بالرتاج. 

اقف عاريا مع العراة ،انتظر دوري في حمام سجن القناطر. اتجاهل نظرات السجان الوقحة فوق جسدي العشريني.اتجاهل نظرات الزملاء المختلسة الخجولة. انظر أيضا نظرات مختلسة لأجساد الآخرين. يهولني بياضها المفتقد للشمس والضوء. الندوب من التعذيب الذي نفذت انا منه، توقف قبل اعتقالي نتيجة فضيحة مقتل شهدي عطية الشافعي. 

المعتقلون الذين سبقوني الي سجن أوردي ابو زعبل هم الذين عبروا الجحيم. خرجوا منه بتذكارات لا تجمحي من اجسادهم ومن ذاكرتهم ومن حياتهم حتي موتهم. 


ما أكاد اتصبن حتي يصيح السجان يللا يا مساجين زميلي يهمس ما يهمش.. اكمل حمامك ويعطيني لوفته ويدعك لي ظهري (اول اتصال حميم انساني منذ ان قذفوا بي في سيارة الترحيلة والأقسام ومكاتب المباحث قبل اسبوعين. تدمع عيناي) 

حمام ذكوري بامتياز. سجن الرجال مجتمع ذكوري. 

في مراكش ­بعد الإفراج بسنوات طويلة ­ ذهبت اكثر من مرة الي الحمام العام. تجربة لطيفة وإنسانية وذكورية أيضا. لكنها لطيفة: تختار ما تريد ويعاملونك كضيف عزيز.

هناك رأيت اجساد الآخرين وشاهدوا جسدي ولم أحس بخزي أو خجل.

ذهبت اكثر من مرة إلي السونا والسونا المشتركة في امستردام ولم اشعر بخجل او خزي ولا حتي بالرغبة الجنسية وانا اشاهد اجساد النساء 

استمتعت بالاستلقاء عاريا علي شواطئ العراة . الإحساس الوحيد الذي احسسته اني إنسان وان جسدي هذا المترهل الكهل يخصني واني سعيد به وقابل لتغيراته واني: حتي في عري الكامل هذا، ما أزال انا: محتفظا بخصوصيتي.

***
(حينما كنت مع امرأة للمرة الأولي بعد الإفراج وللمرة الأولي أيضا لي، لم استطع ان اتعري. طلبت منها لو سمحتي ممكن نطفي النور؟) 

المساجين القدماء تعاملوا مع تجربة السجن كأمر واقع مثل الطقس. تتجهز له نفسيا وجسديا. فبعد مرات متكررة من الحمام الأسبوعي تعلمتج ان اتجاهل السجان، تعلمت أن استمتع ­في حدود ­ بتجربة الماء الساخن وتعلمت أن اتقبل عريٌ متحدا بعري الآخرين. تجربة العري الغليظة في السجن للذكور، تختلف عن تجربة العري للذكور الآخرين الأحرار: الفرق بين السجن والحرية.

ذات مرة كنت استمع الي برنامج عن تاريخ رقصة السامبا. قال المعلق انها رقصة خاصة بالعبيد الأرقاء جلبوها معهم من أفريقيا و من الكاريبي وطوروها: يرقصونها والأغلال تقيد اقدامهم: لذا تبدو حركة الأقدام حاليا كأنها مقيدة: حركة قصيرة، حذرة ومحسوبة بدقة.

أيضا حسية للغاية!


ومثلما هزم الأرقاء سجانيهم الغلاظ، استطعنا نحن السجناء ان نهزم سجانينا: ان نستمتع بحمامنا وان نتبادل غسل ظهور بعضنا البعض وان نسخر من عرينا وان نفاخر بندوبنا: تعلمت أن الخزي في السجن هو خزي السجان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:12 pm

حمامات دمشق..
العودة إلى تقاليد الاستحمام القديمة
هشام عدرة



اشتهرت مدينة دمشق منذ مئات السنين بوجود الحمامات العامة، أو ما يطلق عليه حمامات السوق، حيث كانت تصلها المياه من نهر بردى وفروعه وقنواته، وكان الدمشقيون يعشقون الاستحمام فيها حتى إنهم ابتكروا مثلا شعبيا يقول (نعيم الدنيا الحمام)، وكانوا يذهبون إليها بشكل دوري.. وتخصص قسم منها كحمام للنساء فقط، في حين خصص القسم الأكبر منها فترات ما بعد الظهيرة وحتى المساء لاستقبال النساء وهو التوقيت الذي ما زالت تعتمده بعض هذه الحمامات حاليا، كما أن الدمشقيين ابتكروا العادات والتقاليد لجعل الحمام ليس مكانا فقط للاستحمام بل ليكون ملتقى لأهل الحي والأصدقاء خاصة في النصف الأول من القرن العشرين المنصرم، حيث انتشرت عادات الضيافة وتناول الغداء في الحمام وهو بشكل خاص أكلة المجدرة التي يحضرها الدمشقيون من البرغل والزيت والعدس، فكانت نساء الحارة التي يوجد فيها الحمام يحضرنها بشكل جماعي ويذهبن مع بناتهن إلى الحمام وكأنه تقليد دمشقي ونزهة للترويح عن النفس، كما ابتكروا طقوس الحمام للعريس والعروس قبل زفافهما، حيث كانت العروس تستحم قبل زفها إلى عريسها مع تقاليد الحنة في الحمام، في حين كان أصحاب العريس يأخذونه إلى حمام السوق ليستحم يوم زفافه ويخرجونه من الحمام بعراضة شامية وأهازيج حماسية ويوصلونه إلى مكان الرجال في حفل الزفاف. ولذلك ازدهرت الحمامات كثيرا في الماضي، حيث عرفت منذ عهد الرومان وفي العصور اللاحقة، وبلغت أوجها في القرن التاسع عشر حيث وصل عددها إلى 200 حمام، ليتقلص فيما بعد إلى 65 حماما تهدم الكثير منها وبقي يعمل منها حاليا 12 فقط، وهذه كان مصيرها أيضا الزوال والانقراض والتحول إلى مطعم أو مقهى لولا إقبال السياح عليها بكثرة في السنوات العشرين الماضية بعد أن هجرها الدمشقيون إلا في المناسبات الاجتماعية والأعياد، ومع حنين البعض لعادات وطقوس الماضي الجميل حيث لم يبق منزل في دمشق إلا وفيه حمام. 

دليل السائح إلى أجمل الحمامات الدمشقية: 

يلاحظ المتابعون أن الحمامات المتبقية في دمشق والتي أنقذتها حركة السياح الأجانب والعرب إلى دمشق يوجد معظمها في أسواق وحارات دمشق القديمة داخل السور وفي الأماكن التي يرتادها السياح بكثرة كمنطقة الأسواق القديمة وباب توما والقيمرية والعمارة وغيرها، ويؤكد هؤلاء المتابعون أن هذه الحمامات بما تحويه من فلكلور وتراث وطرق تقليدية في الاستحمام تجعل السائح المستحم فيها ينطلق من قسم إلى قسم بالتسلسل حسب درجات الحرارة من البراني البارد نسبيا إلى الوسطاني المتوسط الحرارة إلى الجواني المرتفع الحرارة، ليعود ويخرج بعدها بعكس حركة دخوله للمحافظة على حرارة جسمه وليتناول كأس الشاي أو فنجان القهوة في باحة الحمام. وقد حرص بعض أصحاب هذه الحمامات على إدخال الساونا والمساج إليها خدمة للسياح الذين يرغبون بها، كما أن هؤلاء تستهويهم طقوس عمال الحمام في الداخل من حيث التكييس والتلييف، والتي يقوم بها عمال من ذوي الخبرة، حيث يقدمون خدمات صحية للزبون وكأنه في عيادة تدليك ومعالجة فيزيائية. كذلك يقبل عليها السياح لعراقة أبنية هذه الحمامات وتصميمها المعماري القديم وزخارفها الجميلة وألوانها المميزة خاصة في القسم الخارجي والباحة، حيث استقبال الزبائن وتوديعهم فيها، وتتميز جميع حمامات دمشق بوجود بحيرات تزيينية في وسطها ومصطبات عالية لجلوس الزبائن عليها، كما يعلوها سقف مرتفع مع قبب يدخل الضوء منها من خلال فتحات كثيرة عليها زجاج خاص من تصنيع قزازي دمشق ويطلق عليها (القمرات)، وهذه كلها مفردات جميلة تشد السائح وتجذبه ليستحم في حمام سوق دمشق، وليشعر وكأنه يستحم في حضن التاريخ والتراث. 
والوصول للحمامات الدمشقية التقليدية ليس صعبا خاصة للمتجولين في القسم القديم من المدينة، ومن أشهر وأجمل هذه الحمامات هناك (حمام نور الدين الشهيد) في سوق البزورية أشهر أسواق دمشق القديمة، حيث يتوسط الحمام السوق المذكورة، ويعتبر من أقدم حمامات دمشق، حيث بني في العهد الزنكي، وفي بدايات القرن العشرين أهمل حتى عام 1975 لتنطلق أعمال ترميمه، وليفتح أبوابه فيما بعد أمام السياح والمستحمين. ويتميز بناء الحمام بثرائه المعماري وغناه بالزخارف، وباب الحمام يقع في الجهة الغربية وينفتح على ممر مغطى بقبوة نصف اسطوانية يؤدي إلى القسم البراني المربع الشكل وتتوسطه بركة ماء تغذى من خزانات الحمام، ويضم أربعة أعمدة حاملة للقبة تشكل أربع مصاطب تظلله ثلاث قباب. 

يكسو جدران وأرضية الحمام الرخام المزين بأشكال هندسية جميلة. وقد حرص مستثمرو الحمام حاليا على توظيف التراث فيه وبكل تفاصيله، ومن ذلك وجود (القباقيب) الشهيرة في مدخل الحمام لينتعلها من يرغب بالاستحمام فيه كما كان في السابق، وكذلك افتتحت بجانب الحمام غرفة صغيرة حولها المستثمرون إلى صالون حلاقة رجالي وعلى الطريقة التراثية، حيث يمكن للزائر للحمام أن يصفف شعره ويقصه قبل أن يأخذ حماما تقليديا أو بعد الاستحمام. 

ومن حمامات دمشق الشهيرة هناك (حمام الملك الظاهر) الواقع بجانب المكتبة الظاهرية ويمكن للسائح أن يصل إليه من سوق الحميدية سيرا على الأقدام لمدة ثلاث دقائق فقط، وقبل أن يصل للجامع الأموي ينعطف يسارا باتجاه منطقة الكلاسة، ومن ثم يأخذ الطريق الواصل لحارة السبع الطوالع، حيث يصادفه مبنى الحمام على يمينه، كما يمكنه أن يصل إلى الحمام من شارع الملك فيصل حيث يتجه إلى باب الفراديس ومن ثم مقام الست رقية وبعده إلى حارة السبع الطوالع وفي نهايتها يقع على يساره حمام الملك الظاهر الذي يعود بناؤه لمئات السنين ويتميز أيضا بزخارفه الجميلة وعمارته التراثية. 

وهناك حمام الورد الواقع في وسط سوق ساروجة خارج سور المدينة القديمة، وتشهد السوق حركة سياحية نشطة وكذلك الحمام الذي لم يتبق غيره يعمل في السوق، حيث هناك حمام الجوزة في حارة جوزة الحدبا بساروجة والمقابل لمقاهي ساروجة الشهيرة، وهو مبنى مغلق وآيل للسقوط ويحتاج لأعمال ترميم سريعة.. وهناك أيضا حمام الخانجي قرب سوق الهال القديمة في الجهة المقابلة لشارع وجسر الثورة.. وهناك حمام العفيف الذي كتبت على لوحة في مدخله عبارة: «من يطلب العافية من رب لطيف فليقصد حمام العفيف».. ومن حمامات دمشق أيضا حمام السروجي في حي الشاغور، وحمام الشيخ حسن في منطقة السويقة في الطريق المتجه من باب الجابية التاريخي إلى باب مصلى جنوبا وقد كتب على مدخله. 

وهناك حمام عز الدين في منطقة باب سريجة التاريخية التي ترتبط بمنطقة باب الجابية.. ومن الحمامات أيضا حمام القرماني قرب ساحة المرجة الشهيرة وجسر الثورة، وكانت تحيط به سوق العتيق، ولكن بعد إزالة السوق وتحويل منطقتها إلى مسطح أخضر ظهر هذا الحمام بشكل واضح وببنائه الواسع الجميل، وأعيد ترميمه في السنوات الثلاث الماضية ليفتتح أبوابه أمام السياح والزوار، وما يميز هذا الحمام الذي ظل يعمل حتى أواخر تسعينات القرن الماضي، أن معظم زبائنه من السياح العرب والخليجيين بشكل خاص، حيث يوجد في منطقة غنية بالفنادق ذات الثلاث والأربع نجوم والشعبية، والتي يؤمها السياح العرب بكثرة. وفي حي العمارة القديم داخل السور هناك (حمام أمونة) الذي ما زال يعمل على طريقة الوقود الخشبي. 

ومن حمامات منطقة باب توما الشهيرة هناك حمام البكري الذي يمكن الوصول إليه من طريقين.. فبالنسبة للسائح القادم من ساحة باب توما الأثرية ما عليه إلا أن يأخذ الطريق المتجه لحارة القشلة، وفي بدايته ينعطف يسارا ولمسافة 100 متر يواجهه مباشرة حمام البكري مقابل فندق بيت المملوكة.. ويمكن للسائح القادم من منطقة سوق الحميدية أن يصله عن طريق النوفرة ومن ثم حي القيمرية ليصل إليه بعد نحو ربع ساعة سيرا على الأقدام في الحارات الدمشقية القديمة. 

وفي منطقة باب توما أيضا وفي بداية الشارع المتجه إلى باب السلام أحد أبواب دمشق الأثرية السبعة، يوجد حمام (الشيخ رسلان) في حارة الجوزة، وعمره يتجاوز 800 سنة.. ويتميز الحمام بالمحافظة على تراث الاستحمام مع إدخال خدمة الساونا والبخار إليه ليتلاءم مع العصر، وتبلغ مساحته نحو 700 متر مربع. ولا بد من الإشارة أخيرا إلى أن معظم حمامات دمشق تستثمرها عائلات دمشقية اشتهرت من مئات السنين بتخصصها في هذا المجال، كما أن هناك عمالا في الحمام يتخصص كل واحد منهم بعمل معين، فهناك الناطور الذي يقدم الزبون ما يلزمه من مناشف وصابون وليفة، وهناك المكيس وهو عنصر مهم في الحمام وله فوائد صحية وعلاجية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:14 pm

 سيرة   الحمامات Img-9
حمامـات بغــداد 
ذاكرة المكان الغائب 
آمنة عبدالعزيز



كان حمام (السوق) جزءا من الحياة البغدادية يأخذون اليه حكاياتهم وقصصا تدخل تحت تدفق المياه الساخنة لتخرج منتعشة بذاكرة المكان.

في الاحياء الشعبية القديمة من بغداد تتناثر حمامات (السوق) هنا وهناك لتكون جزءا من حياة الناس وطقوسهم الجميلة.


يقول الحاج عمران عبدالكريم البغدادي وهو احد المهتمين بالتراث القديم:
منذ عصور موغلة بالقدم تحدث المؤرخون عن حمامات السوق البغدادية، ففي الفترة العباسية ومنذ بناء بغداد وحماماتها زخرت بالحكايات وكانت الاحداث تمر على الحمامات وتخرج منها في ذلك الزمن، ومنذ اواخر العهد العثماني وبداية الاحتلال البريطاني لبغداد عام 1916 وحتى الوقت الحالي مازال جزء كبير من حياة بغداد حافلا بالذكريات عنها، ويقول الحاج عمران: كان لأكثر البغداديين حمامهُ العام الذي يتردد عليه قبل ان تصبح من الماضي فحمامات الرجال وحمامات النساء لم تكن مجرد مكان للاستحمام فقط بل هي للتعارف والتصاهر.

لذا تذكر كتب التاريخ ان عشرة آلاف حمام كانت في بغداد في العصر العباسي الاول حتى راح القول بأن مساحة بغداد تكاد تكون كلها حمامات.


أشهر الحمامات


السيد ابو ارقم وهو احد اصحاب الحمامات القديمة يقول:
كان جانب الكرخ في العشرينيات فيه اشهر الحمامات مثل (حمام شامي) الذي يعود تاريخه الى القرن السادس عشر الميلادي ويقع في علاوي الشيخ صندل وهو دون مستوى الارض والنزول اليه يتم بسلم من ست درجات والحمام الثاني هو (حمام ايوب يتم) والثالث حمام (الجسر) ويقع في مدخل جسر المأمون من جهة الكرخ بجوار مشهد بنات الحسن اما في جهة الرصافة فهناك من الحمامات الكثير لكون الرصافة اكبر من الكرخ من ناحية عدد النفوس وعدد (المحلات الشعبية) بحيث تجد ما بين محلة واخرى حماما عاما، ومن اشهر هذه الحمامات حمام (حيدر) بقسميه الرجالي والنسائي ويقع بجوار ساحة الغريري وحمام (الشورجة) وحمام (بنجة علي) مقابل سوق الصفافير وحمام (كجو) في باب الآغا وحمام (الباشا) قرب سوق هرج وحمام (المالح) الذي سميت المحلة باسمه الا ان اشهر حمامات الرجال في بغداد كان حمام (يونس) في محلة الميدان قرب باب المعظم والذي يغتسل فيه ابناء (المحلات) المجاورة للميدان وبعض البغداديين الذين يقصدونه من اماكن اخرى، فضلا عن حمام (يونس) هناك حمام (القاضي) بجانب المحكمة الشرعية وهذا الحمام رواده من تجار بغداد، لذا تكون الخدمة فيه ممتازة ويكون فيه ايضا لكل تاجر وميسور حال (مدلكه) الخاص الذي يعرف كيف يتعامل مع زبونه (الميسور). 


الحمامات الشعبية وتأثيرها في حياة الناس


للحمام شأنه ومكانته شأن المقهى البغدادي فقد كان مكانا اجتماعيا، هذا ما قاله احد المرتادين للحمامات السوق واضاف: الحمام كان يجمع ابناء (المحلات) الشعبية المتقاربة ويتبادلون الحكايات في الحمامات فمثلما كان المقهى مكانا للتسلية وقضاء وقت طيب وللتواصل الاجتماعي، كان الحمام العام يتميز ليس فقط بفائدة الاغتسال والنظافة انما كان (منتجعا) بسيطا للترفيه وللطبابة والتعارف والاسترخاء حتى الغناء واكتشاف المواهب الصوتية كان للحمام فضل فيها، لذا كان حمام (السوق) زاخرا باجواء مختلفة من الطرافة والفكاهة والمقالب، كأن يأخذ احدهم ملابس صديقه ويتركه في حيرة من أمره ويخرج بها ليتركه يتذمر ويتوعد وفي اليوم التالي يصنع هو بصاحبه بنفس المقلب. الحمامات اكثر من مكان للغسل وتنظيف الاجساد، بل هي مكان لتجديد الروح بالدعابة والحكايات المسلية.


الأعراس كانت تبدأ من الحمامات


وبالرغم من ان الحياة الحالية غيرت من تفاصيل كثيرة في ممارسة بعض العادات والتقاليد الا ان هناك من يبقى محافظا عليها ويمارسها حتى ولو في نطاق ضيق، هكذا تحدث صاحب حمام (الهناء) الشعبي ليقول: كانت الاعراس تبدأ من الحمامات حيث ياتي العريس وبصحبته مجموعة من اصدقائه المقربين وبعد ان يتم (غسله وتشجيعه) يخرجون به الى الزفة، وطبعا مع اغتسال الجميع على نفقة (المعرس).


ويضيف الحاج اياد عن مواصفات الحمام وكيف يكون متميزا قائلا:
مواصفات الحمام لاتقتصر على النظافة فقط لكن المعاملة الحسنة وتوفر المياه الساخنة في فصل الشتاء وتقديم بعض الخدمات من شاي ودارسين وحامض اضافة الى وجود اكثر من (مدلكجي) يعمل في الحمام وبشكل ماهر هذه كلها اسباب جذب الزبون واغلب الحمامات تتكون من ثلاثة اقسام هي (المنزع) او حوش الحمام الذي اول ما يدخل اليه الزبون، يجلس صاحب الحمام على لوح يقع في مدخله وحوله أشبه بالرفوف فيها المناشف والصابون والمستلزمات الاخرى للحمام فيما تحيط بالمكان (دكة) مفروشة بالحصران والبسط يجلس عليها الزبائن ويضع كل واحد منهم (بقجة) فيها اغراضه وملابسه، بعدها يدخل الى الحمام ويختار (دكة) يجلس عليها او يتمدد ليشرع (المدلك) بعمله.


حمام الملوك الذي تجاوز عمره السابعة بعد المائة


في منطقة الكاظمية ما زال حمام (الملوك) قائما ببنيانه التراثي والذي بقي محافظا عليه من زحف الابنية الحديثة، وهذا الحمام الذي كتب على مدخله شيد عام 1900م اي منذ مائة وسبع من السنين، وبجانبه حمام (الملوك) للنساء، والمتعارف على اغلب الحمامات ان يكون هناك حمام للنساء وآخر للرجال في ذات المحلة وغالبا ما يحملون اسما واحدا ويداران من قبل عائلة واحدة.


تقول السيدة ام امجد صاحبة حمام الملوك للنساء، تبقى المناطق الشعبية محافظة على حماماتها من الاندثار والنسيان وعلى الرغم من انخفاض عدد زبائننا بقينا مستمرين بالعمل في المحافظة على طقوس الحمامات الشعبية وابتكار الطرق لجذب الزبونة، وتضيف ام امجد قائلة: نستخدم مادة (الخل) الطبيعي في عملية التدليك ولمعالجة آلام المفاصل مع التعرض (للبخار) والتعرق. واعادة عملية التدليك وهو علاج قديم ونتائجه ايجابية.


وتتذكر ام امجد كيف كانت ايام هذا الحمام وعصره الذهبي قبل سنوات حيث الحركة تملأه ولا يكاد يكون هناك موطئ قدم من كثرة الزبائن.

وتعلل هذا الجفاء والعزوف عن ارتياد الحمامات لانشاء حمامات كبيرة وحديثة داخل البيوت بعد ان كانت تفتقر لها وفي المناطق الشعبية يجد الناس ضالتهم في ارتياد الحمام العام خصوصا ان اكثر من عائلة تسكن المنزل الواحد وتكون صعوبة الاستحمام بشكل مريح امرا مزعجا وعن التقاليد التي كانت تسود حمام السوق تحدثت ام حيدر وهي (المدلكجية) في هذا الحمام قائلة:
اجمل الافراح شهدها هذا الحمام ومنه صدحت (الهلاهل) والاغنيات عندما كانت تتم تهيئة (العروس) وكيف تمر بمراحل لتكون في ابهى صورة وفي النهاية تخرج عروسا حقا..

وتختتم ام حيدر قولها: في هذا المكان تمت المصاهرة والخطوبة لكثير من الفتيات ومنه خرجت القصص والحكايات الجميلة.

يبقى سؤال: لماذا افل نجم حماماتنا البغدادية؟ ولماذا لاتعود لايام عزها كغيرها من الحمامات في الدول الاخرى مثل الحمامات السورية والتركية التي يعتبرونها جزءا مهما في جذب السياح والتعريف بالارث الشعبي القديم، ام ان كل شيء قديم في حياتنا تطويه الذاكرة من دون العودة اليه..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:15 pm

 سيرة   الحمامات 032610 
الحمّامات الشعبية
كانت أحد معالم قـاهرة المعــز
أمنية المحلاوي


بنظرة إلى بعض العادات اليومية في الشارع المصري نكتشف كم هي المفارقات التي تثير الدهشة والتعجب معا، وأهم هذه المظاهر ما حدث مع الحمام الشعبي... هذا الحمام الذي كان أحد معالم قاهرة المعز، وما زال حتى اليوم يتمسك باستماتة ببعض مواقعه القديمة في وقت تحولت فيه الحمامات الشعبية إلى حمامات مغربية في مراكز تجميل في أماكن راقية، وتحولت القروش البسيطة إلى جنيهات كثيرة، ولأن الحمام الشعبي جزء من ملامح البيئة الشرقية فإن كثيراً من الأفلام العالمية عندما تطرقت إلى الشرق كان للحمام الشعبي حضوره القوي لرسم البيئة الشرقية، مثل فيلم (حمام تركي). وفي الأفلام المصرية والروايات الأدبية كان للحمام الشعبي حضور قوي مثل رواية (حمام الملاطيلي) لإسماعيل ولي الدين والتي أخرجها المخرج صلاح أبو سيف للسينما بسيناريو لمحسن زايد وكذلك فيلم (المجرم) لنفس المخرج وسيناريو الأديب نجيب محفوظ حيث يمثل الحمام جزءا من واقعية صلاح أبو سيف .وفي جولة (للرياض) بحثا عن معالم القاهرة القديمة تم اكتشاف بقايا للحمامات الشعبية ما تزال تمارس أعمالها وتقدم شهادة على اصرارها على البقاء ، ففي إحدى الحارات الشعبية في منطقة الحسين يوجد مبنى قديم أثري شبه متهالك وبسؤال بعض قاطني المكان عنه قالوا إنه : حمام طولون للرجال، وقال (عم سعيد) الشخص المسئول عن الحمام "ممنوع الدخول إلا لزبائنه". 

وقال إن الحمام الشعبي كان من إحدى وسائل الترفيه عند المصريين، فكان يقصده زائروه راغبين في الاسترخاء أكثر منه استحماما، آنذاك كان في القاهرة وحدها سبعة عشر حماما، منها حمامات للرجال وأخرى للنساء والأطفال، كما يوجد حمامات تجمع بين الجنسين لكن يفصل بينهما منديل أو قطعة قماش من الكتان معلقة عند مدخل الحمام يعرف منها الرجال أن هذا هو الوقت المخصص للنساء فلا يستطيعون دخوله. 

الحمام الشعبي له شكله الخاص حيث واجهة مزخرفة باللونين الأبيض والأحمر ويتألف من حجرات متعددة مرصوفة بالرخام الأبيض والأسود ولأنه ازدهر في زمن قديم لم يعرف اختراع المولدات التي ترفع المياه من الأسفل إلى الأعلى فكان يتم رفعها عن طريق ساقية يحركها ثور فوق مستوى أجزاء الحمام العلوية لرفع المياه من البئر إلى الفسقية. ويستقبل زائر الحمام الشعبي "المكيساتي" وهو المسئول عن الزبائن من أول خلعهم ملابسهم عند الباب ،ويقوم أيضا بعملية التدليك للجسد أولا ثم طقطقة مفاصل جسمه وبعدها يقوم بفرك جلده بالمقشطة التي تكون خشنة جدا وتستعمل غالبا للرجال، أما النساء فيستعملنها، وانما مغطاة بكيس حريري. يأتي بعد الفرك الاستحمام بالصابون واللوف الخشن أيضا، وبعد أن ينتهي زائر الحمام من هذه العملية التي تستغرق ساعتين يستطيع أن يتكىء في إحدى غرف الحمام ويرتشف فنجانا من القهوة مع سيجارة ويرحل . 

هناك أيضا في إحدى حارات منطقة الحسين حمام حرفوش للنساء، ما زال باقيا، يفتح أبوابه من الساعة التاسعة إلى الخامسة للنساء، ومن الساعة السابعة إلى العاشرة مساء للرجال وتقول أم محمد المسئولة عن الحمام في الفترة المخصصة للنساء :كانت طقوس الحمام عند النساء في الماضي هي نفسها عند الرجال، الفارق الوحيد أن النساء يأتين عادة في جمع، ويكون غالبا بمناسبة زواج إحداهن، فيجلسن يتبادلن الأحاديث ويأكلن ويشربن، كل ذلك مقابل قرشين فقط، أما الآن فقد تغير الزمن، كل شيء تغير حتى الحمام الشعبي الذي أزاحه عن مكانته الحمام المغربي، هو يشبهه في الفكرة وانما يختلف في الشكل والإمكانيات. وبين سعر هذا وذاك فارق مثير للدهشة، فالقروش القليلة أصبحت مئات من الجنيهات، وأضيف إلى الحمامات بعض التطور في الأجهزة فقط، لكن اللعبة واحدة..

في منطقة مجرى العيون بالقاهرة بقايا سور طويل تتخلله ممرات عالية، وفوقه المجرى الذي أنشأه محمد علي ليحمل الماء الى القاهرة كلها، أيامها لم تعرف البيوت تمديدات المياه فوجد "السقا" فرصة لتوصيل الماء للبيوت ووجدت الحمامات الشعبية فرصتها للانتعاش طالما أن البيوت خالية من ماء للاستحمام، أما اليوم فلابد أن يقف المرء مذهولا ومعقودا على كثير من الدهشة: لماذا بقيت حتى اللحظة تلك الحمامات ؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:18 pm

 سيرة   الحمامات Bath12
الحمام المغربي: 
طقوس تشد الجسد الأنثوي إلى الماء


جريدة القبس



ليس بإمكان الواحدة منا أن تقدر قيمة الشيء إلا إذا افتقدته وليس بإمكانها ان تدقق في تفاصيله إلا إذا نأت عنه، وبيني وبينكم لم أكن أصدق أن لحمام المرأة في المغرب العربي الكبير، أو ما يصطلح على تسميته هنا في الخليج 'الحمام المغربي'، كل هذه الحميمية، التي تجعلني أحن إليه كل مرة... ببساطة انه يكشف عن طقوس حب تجمع ما بين الجسد الأنثوي والماء 

لا شك في أن تردد المرأة المغاربية على الحمام، هو تعبير منها على تقديسها لجسدها، فتراها تسارع 'ربة بيت كانت او عاملة' يوم عطلتها، وغالبا ما يكون الخميس او الجمعة، للجلوس امام ما يسمى بالعامية هناك 'قصرية' والقصرية هي حوض رخامي يعلوه صنبوران واحد للماء البارد والآخر للماء الساخن. 

ولكن قبيل ان ادخل وإياكن الحمام النسوي، دعونا نرى ما الذي تحمله المغاربية معها الى هذا المكان العزيز على قلبها؟ 

يشكل الحمام بالنسبة للمرأة المغاربية حيزا للراحة والنسيان، ذلك ان معانقة الماء والاستمتاع ببخاره لا يمكن ان يكون الا في 'البيت السخون'، وهي التسمية العامية التي يطلقها المغاربة على المكان الذي تستحم فيه النسوة. 

تبدأ المرأة في تحضير حقيبتها ليلا، فتأخذ معها 'فوطة الدخول' والفوطة هي إزار محتشم تلف به جسدها عند دخول مكان الاستحمام، وغالبا ما يكون ورديا او ابيض، مطرز الجوانب، كما تأخذ 'الطاسة' وهي اناء نحاسي به نقوش مختلفة ويستعمل في غرف الماء اثناء الاستحمام، كما لا تنسى المستحضرات الطبيعية وعلى رأسها الطين الأسود لاستعماله كقناع للشعر، اما الطين الأبيض فيستعمل في نهاية الحمام كقناع لبشرة الوجه. ومن عادة المرأة المغاربية ان تصطحب معها حبات من البرتقال لأكلها بعد الاستحمام، ففيتامين ج يمنحها الطاقة والنشاط اللذين افتقدتهما اثناء الاستحمام. 

الحمام أسر الأوروبيات أيضا

لا يمكن ان اصف لكم فرحة النسوة بالتوجه الى الحمام في هذا العالم الذي يبدو غريبا، لكنه يثير اعجاب الكثيرات من الأوروبيات اللواتي صرن يعشقنه ويتلهفن على التردد عليه لاكتشاف أسراره العجيبة. 

تختار المرأة مكانا لها امام احدى 'القصريات الرخامية'، أي الاحواض، فتنظف المكان باستعمال الصابون وماء جافيل 'الكلوركس' الذي تكون قد احضرته معها ثم تجلس على مقعد بلاستيكي صغير يشبه كرسي الاطفال، وتضع أدوات الغسل من صابون ومشط وفرشاة اسنان ولفافات و... في المكان المخصص لها، وهذا دون ان ننسى بأنها تحضر بساطا بلاستيكيا تستعمله للجلوس ايضا اثناء الاستحمام. 

تبدأ المرأة في الاستحمام، وحتى يكون حمامها كاملا تراها تستنجد بخدمات 'الطيانة'، والطيانة هي سيدة متوسطة العمر تمتهن فرك العضلات وإزالة كل طبقات الجلد الميتة من عليها، وكثيرا ما يكن من جنسيات افريقية، ذلك انهن يتحملن اكثر ضغط العمل وارتفاع الحرارة داخل الحمام. 

تنهي الطيانة عملها في دقائق معدودات وقد خلصت السيدة ليس فقط من الأوساخ التي تراكمت فوق بشرتها طيلة اسبوع من العمل داخل البيت وخارجه، ولكن أيضا من الضغوط الاجتماعية التي تعانيها، فلا تجد غير الحمام من متنفس، تتنفس فيه الصعداء. 

الحمام للخطبة أيضا

ولأن المجتمع تغير، تغيرت أيضا عادات النساء اللواتي صار الحمام بالنسبة لبعضهن مكانا لاستعراض ما يمكن من ذهب، فتراهن يلبسن ما غلا من حلي اثناء استحمامهن، لاثارة غيرة الأخريات بطبيعة الحال.. فيما ترى بعضهن وهن يتغامزن وبعضهن الأخريات منشغلات بالاستحمام، في حين يتربص بعض العجائز بالفتيات فتلاحظهن وهن يجبن بأبصارهن ذات اليمين وذات الشمال لاختيار عرائس لأبنائهن. وهنا علي ان اذكر ان غالبية الزيجات في هذه المنطقة من العالم العربي كانت تتم عن طريق الحمام، الذي كان افضل مكان لاختيار افضل عروس.
للعروس طقوس أيضا 

وللعروس طقوس خاصة ايضا في الحمام، فهي تقصده قبيل زواجها مباشرة برفقة عدد معتبر من رفيقاتها وقريباتها، اللواتي يشعلن الشموع ويغنين ويزغردن اثناء دخولها ثم يزين يديها بالحناء التي تخلط بماء الورد بعد جلوسهن، إيذانا ببدء مراسم حمام العروس وهو آخر حمام لها قبيل الزواج.

يغطي رأس العروس اثناء دخولها الحمام وشاح وردي، كما ترتدي فوطة وردية. وبخروجها فور انتهاء الحمام ترتدي 'روبا' ورديا وغطاء للرأس كذلك يدعى بالعامية 'بنيقة' ولا تتوقف الزغاريد في الحمام الا بخروج العروس التي تحظى باهتمام كل من توجهن إلى الحمام ذلك اليوم. 

ومع تطور الحياة الاجتماعية، تطور الحمام ايضا ليتوسع هو الآخر، باحتضانه لمحلات تجارية لبيع ملابس النساء ولصالونات حلاقة تمر عليها المرأة بعد استحمامها قصد تصفيف الشعر وهذه طريقة اخرى للكسب، اخرجت الحمام من طابعه التقليدي الى الطابع العصري.

في التراث الأدبي 

لم يخل التراث الأدبي في منطقة المغرب العربي من نصوص ادبية نثرية وشعرية تتغنى بالمرأة وحمامها وسر العلاقة بينهما، فكان الحمام بذلك منهلا نهل منه الأدباء في وصفهم لتأثير هذا المكان على علاقة الرجل بالمرأة، وفي وصفهم ايضا لعذابات الرجل وهو يتتبع خطوات المرأة وهي تخرج من الحمام مرتدية الحايك ولا يظهر منها سوى عينيها بعد ان غطى وجهها 'العجار' اي البرقع على الطريقة المغاربية.. انه الحمام المغاربي الذي لن تلمس الواحدة منكن سحره الا اذا جربته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:20 pm

الحمّام نعيم الدنيا كما يظهر في


«ألف ليلة وليلة»

«حمامك نعيم دائم» بهذه العبارة التي تقال للخارج من الحمام يختصر مفهوم الحمام في الثقافة العربية، ذلك أن الحمام هو مكان مؤقت للجنة بحسب ما يوصف، لما يقدمه من راحة وسرور ومتعة بانتظار النعيم الدائم والجنة الأبدية.



يمثل الحمام الانتقال من حال إلى حال، من النجاسة إلى الطهارة، من القذارة إلى النظافة، من الحزن إلى الفرح، من المرض إلى العافية، من المشقة إلى الراحة، وأيضاً قبل العرس لا بد من دخول الحمام ليشكل بالتالي فاصلاً ما بين العزوبية والزواج.



وإذا كانت زيارة الحمام العام من أهم مظاهر الحياة الاجتماعية في المدن العربية تاريخياً, فإنها لم تكن تقتصر على الحكام والملوك والسلاطين أو وزرائهم وحسب، وإنما امتدت ايضاً إلى الطبقة العامة، فهو يشكل أحد مظاهر الرفاهية والترف.



ويمكن أن نلحظ أهمية الحمام العام في ذاك الزمن من خلال إطلاق أسماء الملوك والسلاطين والحكام على هذه الحمامات.



في كتاب «ألف ليلة وليلة» تتمثل جميع مظاهر الحمام ووظائفه، لتعكس بالتالي دوره في التقاليد والثقافة العربية عموماً.



مواصفات الحمام



تميز الحمام بهندسته المريحة.. وألوانه الزاهية من الداخل ونقوشه البديعة ، وبنيت أرضيته من الرخام أو السيراميك وجدرانه من الموزاييك، وقببه التي تذكر بالسماء، وأبوابه الصغيرة، مما يتلاءم مع حفظ الحرارة.. وتزخر فيه السلسبيلات والفسقيات والمغاطس والبرك الباردة، حيث تتعدد أجواؤه من البرودة إلى السخونة.. فالحمام المثالي هو الذي تجتمع فيه الفصول كلها: الخريف بجفافه، الصيف بحرارته والشتاء ببرده والربيع بنداوته وطراوته.



ويتألف الحمام من خلوات تتميز كل واحدة منها بجوها الخاص وهي تؤمن العزلة عن الغرف الأخرى، وبالتالي عن الآخرين، فلا يرى الناس بعضهم إذا لم يكونوا معارف أو أهلاً، إضافة إلى المصاطب المخصصة للجلوس والاسترخاء بعد الاستحمام.



وعادة ما كان يتولى الغلمان أمر الخدمة في الحمامات حيث يتم تدريبهم على يد الحمامي نفسه.



الدخول إلى الحمام



عند الدخول إلى الحمام يتم تسليم جميع المقتنيات إلى الحارس وتوضع في صندوق خاص، ثم خلع الثياب، وتوضع بدلاً منها المناشف، يلي ذلك الدخول إلى أول غرفة حيث تبدأ درجة حرارة الماء بالارتفاع قليلا ، والبخار يملأ الجو وفيها الفسقية التي يتناثر منها الماء على جميع الجوانب، وبعدها يدخل الليوان حيث البخار يملأ الجو فيأتي البلان ليدلك الجسم ويكبسه ويطقطق الأطراف، وعظام الظهر والأذنين طبعًا بعد خلع المناشف. وبعد ذلك يدخل غرفة أخرى مياهها ساخنة جدًا ويُفرك الجسم بالليفة والماء والصابون المعطر، ثم فرك الرجلين بحجر الحمام لإزالة القشرة الميتة عن القدمين.



بعد ذلك يُصب عليه الماء عدة مرات، وتترافق هذه الممارسات مع شعائر الأدعية والصلوات التي لا تزال إلى الآن سائدة عند الاستحمام.. ثم يدخل إلى قسم داخلي في الحمام حيث بركة الماء الساخن، التي يمكن أن يجلس فيها مسترخيًا وبعد الخروج يرش عليه ماء الورد ويلف بمناشف جديدة.

وهناك رجل مختص بإشعال النار وهو «الوقاد» الذي عليه أن يبقي النار مشتعلة حتى إقفال الحمام. وفي الحمام يجد المرء الحلاق، والحجام والمكييس.



بعد الانتهاء من الحمام يجلس المستحمون على مصطبة، يقدم لهم الشراب المنعش والقهوة والفاكهة، وبعد ذلك يرتدي أبهى ثيابه. ولا بد من نظرة إلى المرآة حيث يجد المرء حاله قد تغير ويغادر الحمام فرحا وسعيدا بالنعمة التي حصل عليها.



دخول الحمام للنظافة



كان دخول الحمام يتم في الصباح «فلما أصبح الصباح... دخلوا الحمام وتنظفوا وأخذوا غاية حظهم» إذ من شروط الدخول إلى الحمام الحصول على النظافة وقد قال النبي.. « نعم البيت الحمام، ينظف الجسد ويذكر النار» هذا ما تورده الجارية تودد في إحدى حكايات ألف ليلة وليلة، مضيفةً أن أحسن الحمامات هو ما عذب ماؤه واتسع فضاؤه وطاب هواه.

ووجود الحمامات العامة في تلك الفترة إنما يدل على الأهمية التي كان يوليها الناس للنظافة.



فالاغتسال يتم صباحاً من النجاسة، خصوصاً وأنه بعد الاستحمام تُلبس الثياب النظيفة التي لا يمكن أن توضع على جسد متسخ، وفي الحمام تتم الحلاقة أيضاً حيث الحلاق الخاص الموجود منذ الصباح في هذه المهمة، وربما عادة الاستحمام الصباحي الشائعة اليوم إنما هي مستمدة من تلك الأيام.



غسل يوم الجمعة



أما النظافة المثالية للرجل فهي كما تظهر من خلال حكايات «ألف ليلة وليلة» فتتضمن الوصايا التالية: «افرق الشعر وقص الشارب، وقلم الأظفار، وانتف الإبط واحلق العانة وادم المسواك، إضافة إلى أن غسل الجمعة هو كفارة لما بين الجمعتين».



إذن كان دخول الحمام أيضًا للطهارة، وخصوصًا يوم الجمعة: «اغتسل غسل الجمعة» وذلك قبل الذهاب للصلاة.



الحمام يضفي الجاذبية



إن الاستحمام وإزالة الأوساخ والتدليك، كان يترك أثره على الوجه والجسد، فالمستحم يبدو «كالقمر ليلة البدر» وهو يزيد من الإغراء والإغواء «فالحمام يعطي جاذبية خاصة بعد الخروج منه «نهضت على قدميها وهي من أثر الحمام» مما يدل على بروز جمال المرأة بعد خروجها من الحمام.



ويبدو المستحم في أجمل صورة بعد الخروج من الحمام، وقد توردت وجنتاه واحمرت شفتاه ولمع جلده.



فالتدليك كان يترك أثره على الجسد، والحمام يضفي الإشراق والرونق والحيوية على من يدخله.



الحمام واحة السعادة



من حكايات ألف ليلة وليلة أنها «لما رأت أختيها في هيئة شحادتين.. أرسلتهما إلى الحمام وألبست كل واحدة حلة جديدة».



فأجواء الحمام تبعد القلق والضيق، وتترك الإنسان في حالة من الاسترخاء والنشوة، لذلك بعد الانتهاء من الاستحمام يقوم المستحم بالاستلقاء والتمدد، لهذا خصصت قاعات خاصة لهذا الأمر كانت مفروشة بالبسط والأرائك والمساند الوثيرة.





ولأن الحمام مكان للراحة فإن الملوك ينصحون به «قال الملك للوزير: رح إلى بيتك واسترح... وأدخل الحمام» فإرساله إلى الحمام إنما يدل على الموقع المميز الذي حظي به الحمام في ذاك الزمن.



بعد المرض



ويلعب الحمام دوراً علاجياً أيضاً «وبعد أن تعافى الملك من مرضه لا بد من دخول الحمام، ثم أدخله الحمام وغسل جسده وأخرجه فصار جسمه مثل قضيب الفضة.. وعاد لما كان عليه من الصحة وردت له العافية أحسن ما كانت أولاً». وفي قصة أخرى «لما خرج الملك من الحمام نظر إلى جسده فلم يجد فيه شيئاً من البرص وصار نقياً مثل الفضة البيضاء».



وفي الحمام لا بد من وجود المشروبات المنعشة والروائح الزكية.



والمرأة أيضاً تدخل الحمام بعد المرض، ودخولها الحمام إنما يؤكد على شفائها، فالحمام هو المحطة الفاصلة ما بين المرض والشفاء، كما تدخله المرأة بعد مرور أربعين يوما على الولادة.



وفيه تتم الحجامة، حيث يتم سحب الدم الفاسد من الجسد، وبعد المرض لا بد من دخول الحمام فيدل ذلك على أن المرء شارف على الشفاء، وتكون مناسبة دخوله الحمام فرصة يستعيد فيها المريض عافيته وهكذا، فالعافية إنما تسترد في الحمام «إن الحمام نعيم الدنيا... جعله الله لك ولأولادك عافية».



بعد الحزن



ومادام الإنسان في فترة حداد، بعد فقدان شخص عزيز فإنه لا يدخل الحمام، وقد تطول هذه المدة أو تقصر، ولكن غالباً ما يصر أقارب المحزون على تعزيته ويلحون عليه للخروج وخصوصا... إلى الحمام.



وقبول المحزون بالدخول إلى الحمام يعني أنه قد فك حداده «ولم يزالوا به (المحزون) حتى دخل الحمام وفكوا حزنه» وهكذا فإن المحزون عندما يدخل الحمام معناه أن حداده قد انقضى.

«دخلت الحمام وغيرت أثوابي» وذلك أن نزع الأثواب إنما يدل أيضاً على نزع الحزن، والماء الذي يغسل الجسد من الأوساخ انما هو أيضاً يغسله من الأحزان والهموم، فالغسل يتم من الخارج ومن الداخل أيضاً.



وإذن فلا بد من دخول الحمام للإنتقال من فترة الحزن إلى فترة الحياة العادية. وحتى بالنسبة للملوك «لا طفوه وسلوه - أحد الملوك - وبعد ذلك أدخلوه الحمام، فلما خرج من الحمام لبس بدلة فاخرة منسوجة من الذهب مرصعة بالجوهر والياقوت، ووضع تاج الملك على رأسه وجلس على سرير ملكه». فبعد الخروج من الحمام كانت بداية جديدة.



بعد السفر



وتحفل قصص ألف ليلة وليلة بسرد أخبار الملوك وأبنائهم لدخول الحمام بعد السفر، ولا يقتصر الأمر على ذلك فحتى الجواري كن يدخلن الحمام بعد السفر، قبل تقديمهنّ للملوك

«أمر الملك الجواري.. أن يدخلوها الحمام ويجهزوا لها الحلي وأخرجوها من الحمام كأنها البدر التمام».



وعندما يكون المرء مسافراً في أحد البلاد، فإنه لا بد من ان يدخل فيها الحمام

«قم بنا نتفرج على المدينة وندخل الحمام»، والمدن التي ليس فيها حمام، انما تعتبر مدناً غير مكتملة.



دخول الحمام قبل العرس



والأفراح لا تكتمل إلا بدخول الحمام... إن كان للعريس أو للعروس، فالعريس يدخل الحمام مع أصحابه وأقاربه وأهله حيث يستأجره ليوم أو أكثر قبل العرس، وبعد الاستحمام يلبس أفخر ثيابه ويأخذه من الحمام إلى بيته محمولاً على الأكتاف. والذهاب إلى الحمام، إنما يدل على العز والثراء الذي ينعم به العريس.



أما العروس فالذهاب إلى الحمام يكون مناسبة لها لتستعرض ما لديها من مجوهرات وثياب فاخرة، لذلك فإن العروس تجلب معها إلى الحمام الفوط والطاسات ومجامر البخور والأغطية والشموع وغيرها من الأشياء مما يدل على ثرائها.



وكان الحمام يخلو من جميع الناس عند زيارة العروس فهو يقتصر على أهلها وأصدقائها وأقاربها وبعد الاستحمام ترتدي العروس الثياب المضمخة بالطيب وتزف إلى عريسها.



دخول الحمام للمتعة



كان يمكن للملك أن يحجز الحمام له ولحاشيته، وإذا أراد فلا يدخله أحد غيره

«أمر بإخلاء الحمام فأخلي ودخلا جميعاً» مما يدل على أهمية زيارة الحمام حتى بالنسبة للملوك. وفي بعض قصص ألف ليلة وليلة نجد أن الجلسة لم تكن لتكتمل بين الرجل والمرأة إلا بدخول الحمام. وفي بعض الحكايات تطلب المرأة من الرجل أن يخلوا لوحدهما في الحمام وتقول شعراً:

إلى الحمام قم يا نور عيني
نري الفردوس في وسط الجحيم
ونعبقها بعود الند حتى يفوح
الطيب في القطر الصميم
ونصفح عن ذبوب الدهر طراً
ونشكر فضل مولانا الرحيم
وأنشد إذ أراك هناك فيها
هنيئاً يا حبيبي بالنعيم

ففي الحمام ينسى المرء همومه، وهواجسه، ويعيش لحظاته مستمتعاً بالماء والحرارة مما يؤمن له الاسترخاء، طبعاً لأن من شروط الحمام خلع الثياب، وهو ما يؤمن جزءاً من الحرية.. التي تسلبه إياها الثياب.

المرأة في الحمام



لم يكن الحمام يقتصر على الرجال فقط بل إنه أيضاً أثار رغبة النساء بالخروج من المنزل، ولهذا كان أصحاب الحمامات يقسمون دوام الحمام، بعض الأيام للرجال وبعضها للنساء، أو من الصباح إلى الظهر للرجال ومن الظهر إلى المساء للنساء، وكانت توضع إشارة على الباب تدل على ان الحمام محجوز للنساء.



وكانت زيارة الحمام أحد النشاطات المهمة للمرأة، وهي إحدى المناسبات التي تجتمع فيها المرأة بغيرها من النساء، ويتبادلن الأحاديث.. بل كانت مناسبة لتستعرض فيها المرأة مالديها من مجوهرات وثياب فاخرة، وهذا مادفع «بالخاطبات» إلى قصد الحمام، والاقتراب من الصبايا ومعرفة مقاييسهن ومواصفاتهن ونقلها لعرسان المستقبل، خصوصًا أن بعض الخلوات في الحمام تكون فيها النساء عاريات الا من منشفة الوسط.

وعندما يكون الحمام للنساء، يكون جميع العاملين فيه من النساء: البلانة، المكييسة، الحجامة والحارسة.



ولم يكن الرجل ليمنع زوجته من زيارة الحمام، بل على العكس كان يشجعها، لأن ذلك إنما يدل على تقدمه وارتقائه، وتشبها بزوجات الملوك والحكام، وكانت تحمل معها الأغراض التي تستعد لتحضيرها قبلا، وكذلك الأكل والمشروبات وغيرها.



نعيم الدنيا: عيشا وشعرا



إن لحظات الهناء الذي يعيشها المرء داخل الحمام، إنما تذكره بالجنة، فالحمام ليس إلا الجنة الأرضية لما فيه من بهجة وسرور وراحة، فأطيب عيش ذاك الذي ينقضي في الحمام، والوقت فيه ممتع ولذيذ لكنه قصير، لابد له من انتهاء.

إن عيش الحمام أطيب عيش
غير أن المقام فيه قليل
جنة تكره الإقامة فيه
وجحيم يطيب فيها الدخول

وحرارة الحمام إنما تذكر أيضا بالجحيم، ولكن هذا الجحيم مرغوب ومطلوب ويمكن الإقامة فيه مؤقتا.

وبيت له من جلمد الصخر أزهار
أنيق وإذا ما أضرمت حوله النار
تراه جحيما وهو في الحق جنة
وأكثر ما فيها شموس وأقمار

ولا شك أن الحمام كان يتميز بسيراميكه الجميل ومزاييكه البديع، وأجوائه المريحة، التي تفرح المستحم، إضافة إلى هندسته التي تسمح بالاحتفاظ بالحرارة والنظافة والسلامة.

ياحسن نار والنعيم عذابها
تحيى به الأرواح والأبدان
فأعجبت لبيت لا يزال نعيمه
غضا وتوقد تحته النيران
عيش السرور لمن ألم به وقد
سفحت عليه دموعها الغدران

وهكذا يشكل الحمام مفصلا، حيث تغسل الماء الإنسان وتطهره، وفي وقت تكون فيه الحرارة مرتفعة تعمه بالدفء والامان.



والعمال في الحمام هم من أصحاب الخبرة في التدليك والتكييس والحلاقة والحجامة، وعلى عاتقهم تقوم إراحة المستحمين.

وافيت منزله فلم أر حاجبا
إلا ويلقاني بوجه ضاحك
ودخلت جنته وزرت جحيمه
فشكرت رضوانا ورأفة مالك

فكل ما في الحمام إنما يدخل السعادة إلى الإنسان، الاستحمام والنظافة والاسترخاء والراحة والجلوس والمعاملة والحديث والأكل.



لكن هذه الجنة هي الجحيم أيضًا، نظرا لناره المستعرة ومياهه الساخنة، إنما هذا الجحيم مرغوب.



فالحمام يحمل معنى آخر بالرغم من أهمية النظاقة في هذه الحياة، لكن الحمام يذكر أيضا بالحياة الأخرى، إنه يضع الإنسان أمام مصيره هو، فهناك الجنة وهناك النار.



أطيب طيبات الدنيا



حظي الحمام بعز ومجد في مرحلة مهمة من تاريخنا، مترافقا مع ثقافة عامة، تؤيد الحس الجماعي المشترك، ومع بروز الفردية والخصوصية انتقل الحمام إلى داخل البيت، وأصبح من الأمكنة الخاصة التي من غير المسموح للغرباء انتهاكها.



ويمكن أن يكون الشعور المترافق بالذهاب إلى الحمام قديما يشبه اليوم شعورنا عندما نريد الذهاب إلى البحر، نحن نسترخي تحت الشمس وهم يسترخون في اجواء البخار المتصاعد من المياه الساخنة المندلقة من الفسقيات والصنابير.



وحفلت الحمامات الغابرة بأجواء الفرح والسعادة، خصوصا عندما تكون للنساء، حيث كانت تترجم غناء وطربا ورقصا.. وإلى الآن كم يحلو الغناء تحت الدش والرقص تحت حبات الماء.



ولأن الحمام لا يعطي إلا هذا الشعور بالنعيم، نقول للجميع: «نعيماً».


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:26 pm

 سيرة   الحمامات Linterieurduhammam
حمـــام محمد زفــــــــزاف
صبري حافظ







ولن أحكي هنا عن حمامات أوروبا، وعن الجاكوزي والتدليك بالماء وعما أضافته من خبرات جديدة لمتعة الاستحمام، ولا عن الساونا السويدية وما أدراك ما السونا السويدية، ولكني أحب ألا اختم هذا المقال عن الحمام دون أن أحكي تجربة الحمام المغربية التي أردت الكتابة عنها حينما طلب مني عزت القمحاوي الإسهام في عدد الحمام الخاص. كان ذلك عام 1991 وكنت قد حصلت من عملي في جامعة لندن علي إجازة بحثية لقضائها في بلدان المغرب العربي للتعرف عن كثب علي المشهد الأدبي والمسرحي فيه. وقررت السفر بالسيارة إلي تونس حيث كانت نيتي أن أقضي بها شهرين، ثم اواصل الرحلة البرية للجزائر لقضاء شهرين آخرين، وانتقل بعدها للمغرب لشهرين ثالثين. ولكن حالت أحداث الجزائر وقتها دون حصولي علي تأشيرة دخول للجزائر، وكان علي السفر مع سيارتي بالباخرة من تونس إلي الدار البيضاء. وحينما وصلتها ذات صباح اتصلت بالصديق العزيز محمد زفزاف، وسألته أن يرشدني إلي فندق معقول لقضاء يومين أو ثلاثة في البيضاء، قبل سفري إلي الرباط حيث كنت سأقيم هناك في بيت الصديق محمد برادة أثناء غيابه عنه في فرنسا وقتها.





فما كان من زفزاف إلا أن رفض بشدة، وطلب مني الانتظار في مقهي قرب الميناء، وسيبعث بمن يأتي بي إلي بيته. ولم يفلح جهدي في إثنائه عن هذه الدعوة، فلم أكن قد التقيت زفزاف إلا مرة واحدة أو مرتين من قبل، وإن كنا نعرف بعضنا منذ كنا ننشر معا في (الآداب) في فترة ازدهارها في الستينات، وكان قد بعث لي قبل أن ألتقيه بمخطوطة (المرأة والوردة) علي ورق خفيف لاتزال حتي اليوم بين أوراقي، كي أكتب لها مقدمة حالت ظروف سفري دون كتابتها. ومع ذلك كان ثمة إحساس بأن هناك أواصر قوية تجمعنا، وقد أمضيت معه في تلك الزيارة ثلاثة أيام لاتنسي، أرجو أن أعود يوما للكتابة عنها بشيء من التفصيل، ولم أزر البيضاء بعدها دون التعريج عليه في شقته الصغيرة تلك بحي المعارف، بل وزرته أكثر من مرة في باريس إبان علاجه بها. فليتغمدك الله برحمته الواسعة يا صديقي العزيز.





المهم جاء من أخذني إلي شقة محمد زفزاف، وهي شقة صغيرة في الدور الثاني من بيت صغير. بها غرفة معيشة كبيرة مؤسسة علي الطريقة المغربية بكنب عريض يمتد حول حوائطها الأربعة للجلوس نهارا ويمكن استخدامه للنوم ليلا. وبها غرفة نوم واحدة هي غرفة زفزاف الذي كان ينام فيها ويكتب فيها أيضا، وبها مرحاض صغير ومطبخ صغير وبينهما حوض للاغتسال. وقد استغربت لأنه لم يكن في الشقة حمام، ولما عبرت لزفزاف عن استغرابي ذاك، قال ولماذا الحمام. أنا أذهب إلي الحمام العمومي مرتين في الأسبوع، أو كلما عن لي الاستحمام، وسأذهب غدا وأصحبك معي. وكانت هذه هي المرة الأولي في حياتي التي أذهب فيها إلي مثل هذا الحمام. فأحسست بفداحة الخسارة التي خسرناها في مصر حينما تركنا تلك الحمامات للانقراض. صحيح أنني كنت قد شاهدت مشاهد أكزوتيكية للحمام العمومي في أفلام سينمائية، أو زرت نماذج منه بين أطلال الأندلس التليدة، ولكن تجربة هذا الحمام، حمام محمد زفزاف ذاك كانت شيئا فريدا.





كان حماما تقليديا ولكنه استفاد من وسائل نقل المياه الحديثة والمواسير، لم أشعر معه أنني أدخل إلي حمام عمومي، مع أنه حمام عمومي، وإنما إلي فضاء اجتماعي مألوف للجميع وحميم. فقد كانت دائرة معارف زفزاف في الحمام لاتقل أهمية عن دائرة معارفه من المثقفين الذين يلتقون كل مساء في مقهي قريب من منزله. ليس فقط لأن الجميع كانوا يحيونه بالاسم والتبجيل المغربي المؤدب 'سي زفزاف'، وكأنه عاد بعد غياب وهو الذي كان هناك من يومين، ولكن أيضا لأن جلسة الحمام وقد تحرر فيها الإنسان من ملابسه ورسمياته كانت حميمية وديموقراطية بالمعني العميق والمحترم لهذا المصطلح. يناقش فيها كل فرد همومه وقضايا أسرته، ويتبادل مع الآخرين آخر الأخبار، وتناقش فيها قضايا عديدة ومشاكل تبدأ مما يحدث في الحمام، وما جري لمدلكه العجوز، ولا تنتهي عندما يحدث في القصر الملكي.





وقد لفت زفزاف نظري إلي أن هذه الحميمية التي تسود مناخ الحمام، تعود في تحليله إلي أن كل الرجال الذين تراهم هنا فقد كنا في حمام للرجال، وهناك حمامات خاصة للنسوان بدأوا تجربتهم في الحمام في حمام النسوان. لأن الصبيان الصغار يذهبون للاستحمام مع أمهاتهم في حمام النسوان، حتي يبلغوا الحلم فيمنعون عنه. ولذلك فإنهم عندما أصبح لهم حمامهم الرجالي الخاص جلبوا إليه تلك الحميمية ومناخ الثرثرة والتآزر من حمام النسوان. فقد كان الحمام مؤسسة اجتماعية حميمية بالمعني الأصيل لهذه الكلمة، أو إطارا لمجتمع مدني بالمعني العميق لهذا المصطلح الذي ابتذل كثيرا. وكان الجدل الذي دار في الحمام طوال أكثر من ساعة يستدعي في ذهني جدل الساسة في حمامات روما القديمة التي كانت تحاك فيها المؤامرات، ولكنه هنا جدل اجتماعي أكثر منه سياسيا. كان هذا الحمام مؤسسة حية تنهض بعدة أدوار للفرد وللمجتمع علي السواء. وأظن أنه مازال حتي الآن يمارس هذه الأدوار في المجتمع المغربي الذي حافظ علي كل ما له قيمه في تراثه القديم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:28 pm

المغتسلة 

أبو نواس 





نضَتْ عنها القميصَ لصَـبّ مـاءٍ
فـوَرّدَ وجهَهـا فـرطُ الـحيـاءِ
وقابلـتِ النسيـمَ وقـد تعـرّت
بـمعتـدلٍ أرقّ مـن الـهـواءِ
ومـدّت راحـةً كالـماءِ منـها
إلـى مـاءٍ مُـعَـدٍّ فِـي إنـاءِ
فلمّا أن قضَـتْ وطـراً وهـمّتْ
على عَجَـلٍ إلـى أخْـذِ الـرّداءِ
رأت شخصَ الرّقيبِ على التّدانـي
فأسبلتِ الظـلامَ علـى الضّيـاءِ
فغابَ الصبحُ منـها تـحتَ ليـلٍ
وظلّ الـماءُ يَقطِـرُ فـوقَ مـاءِ
فسبحـانَ الإلـه ، وقـد براهـا
كأحسن ما تكــون من النـساء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:29 pm

 سيرة   الحمامات Dam-vic04
الحمامات الدمشقية 
عبقٌ وتاريخ
نبيل سلامة



كانت حمامات البيوت صورة مصغرة عن حمامات السوق من حيث عدد المقاصير والأجران واتساع الأقسام من براني ووسطاني وجواني. وباعتبار أن هذه الحمامات الدمشقية البيتية كانت تقتصر على الدور الكبرى فإن الجوار المقربين كثيراً ما كانوا يُدعون للاستحمام فيها في بعض المناسبات كالأعياد والحج وماشابه ذلك.

عندما بنى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك المسجد الأموي قال لأهل دمشق «تفخرون على الناس بأربع خصال، تفخرون بمائكم وهوائكم وفاكهتكم وحماماتكم، فأحببت أن يكون مسجدكم الخامسة».

لقد تفنن أهل دمشق بصناعة الحمامات حتّى جعلوها آية من آيات الجمال حين رصفوا أرضها بالرخام المضيء، ومدوا على جدرانها القيشاني اللامع، وعقدوا على أطراف قبابها عقود الجص النافرة ذات الرسوم اللافتة والزخارف البديعة.

كما أقاموا في ساحات الحمامات البحيرات الكبيرة التي تتشامخ فيها نوافير المياه على أشكال متلألئة أخاذة. ولم تكن هذه الحمامات مكاناً للاغتسال فقط، بل كانت أشبه بنواد رياضية، وبعضها كان يشتمل على ملعب، وقاعات اجتماعية، ومكتبة للمطالعة، وكانت محاطة ببساتين مزهرة، وثمة مثل شعبي قديم يقول «نعيم الدنيا الحمام».

والحمامات الدمشقية قديمة العهد انتشرت منذ العهد الروماني، حيث قام بعض الأباطرة بإقامة عدد من الحمامات الدمشقية العامة التي تتألف من قبة كبيرة تهيمن على قباب صغيرة، ويبدأ الحمام بالبراني بكل تجلياته الحميمية، ثم الوسطاني الأول ومنه ندخل إلى الوسطاني الثاني والثالث.



أما عمال الحمامات فهم المعلم وهو صاحب الحمام أو مستثمره تقوم علاقته مع العمال على أساس متين من العون المتبادل والألفة والمحبة، ثم الناطور الذي ينوب عن المعلم في غيابه، والمصوبن والتبع والقميمي.



من أهم الحمامات الدمشقية:



- حمام العفيف نسبة إلى الشيخ محمد العفيفي، وعليه لوحة كتب عليها «من يطلب العافية من ربٍ لطيف فليقصد الله ثم حمام العفيف»



- حمام الملك الظاهر ويقع شمال-غرب الجامع الأموي الكبير، بالقرب من المدرسة الظاهرية



- حمام الورد وهو في آخر سوق ساروجة جادة الورد



- حمام الجوزة وسط سوق ساروجة



- وحمام عز الدين الواقع في جادة باب السريجة ومازال عامراً



- حمام القيمرية ويقع في جنوب حي القيمرية في زقاق الحمام، ويسمى أيضاً حمام نور الدين



- وحمام القرماني ويقع في سوق العتيق أسفل سوق ساروجة



- وحمام الخانجي عند رأس سوق الهال بجوار دار العظم (متحف الوثائق التاريخية)



- حمام النوفرة عند أسفل درج الجامع الأموي عند بحرة تسمى بحرة النوفرة



- حمام الشيخ بكري في جادة النحوي في باب توما



وهناك الكثير من الحمامات التي اندثرت مثل حمام الجسر الأبيض وحمام السلطان وغيرها.



الخطبة في الحمام هي من طرائف الحمامات النسائية، فالنساء اللواتي كن يرغبن بالخطبة لأبنائهن يلجأن إلى الحمام، فإذا صادفت الأم واحدة ممن تبحث عنهن أخذت تتقرب منها رويداً رويداًّ حتّى تصل إلى أمها، ثم تحدد موعداً مع أبيها.



هناك كثير من الأسر الدمشقية عملت وتوارثت العمل في الحمامات منهم آل التيناوي أصحاب حمام الناصري بالمرجة وحمام القرماني، وآل القطان، وآل كبب أصحاب حمام الملك الظاهر، وآل معتوق أصحاب حمام الملكة، وآل الموصللي أصحاب حمام الجوزة، وآل الملا وآل المارديني وغيرهم.



لقد كان حمام السوق متعة لا تدانيها متعة حيث المناظر الجميلة التي تنعش القلب والروح وحيث الموسيقا والشراب الرائق اللذيذ والطعام الفاخر الوفير، وروائح المسك والعنبر مما يفوح ويعطر، وتشربه أرواح الطيوب تنفساً، لقد كان الحمام جنة الأرض، كانت الحمامات تزيل الأوهام عن الأذهان، تماماً كما تزيل الأوساخ عن الأبدان لذلك كانوا يقولون «نعيم الدنيا الحمام».



تلك كانت مقتطفات من محاضرة الباحث أنس تللو التي حملت عنوان «الحمامات الدمشقية عبقٌ وتاريخ» وألقاها في المركز الثقافي العربي باليرموك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 12:30 pm

حمّام ريم الشعبي للنساء 

من حكايات ألف ليلةٍ وليلة

د . عدنان الظاهر 

( دعتني هندُ للذهاب معها إلى الحمّام الشعبي الوحيد، حيثُ تتكدّسُ الأجسادُ الملتهبةُ والجائعة على الدوام / التوقيع: ريم العباسيّة البغدادية )*. 




هل نذهب معكما يا جميلتان لا لنستحمَّ ولكن لنتسمعَ لما يجري هناك من أحاديث ونرى ما تعرّى من أجساد أنثوية لا يراها عادةً إلا الأزواجُ؟ تحفّظت هندُ الأرملةُ لكنَّ ريمَ لم تعترضْ. عاشقة الحرية لم تعترض ولم تمتعض أصلاً من السؤال كما كان شأن صاحبتها هند. ما سبب إمتعاضكِ واعتراضكِ يا هندُ؟ قالت لو كنتم نساءً مثلنا لما اعترضتُ. قال لها صاحبي ليس في الأمر من مشكلة، سنحلقُ شواربنا ولحانا ونتخفى في أزياء نساء وندخل معكما كما تدخلُ الحمّامَ باقي النساء. علّقت ريمُ قائلةً والبهجة الطافحةُ على قسمات وجهها الفتي الجميل: فكرة جيدة صائبة ، تعالوا معنا وسأساهم في عملية التمويه وأشتت عنكما عيون الفضوليات المتسائلة والمشككة في أمركما. قطّبتْ هندُ حاجبيها مستنكرةً قول ريم. قلتُ يا هندُ، ساعدينا في مهمتنا وقولي للمستحّمات الباقيات هؤلاء نسوة صحافيات جئنَّ لكتابة تقرير عن أحوال حماماتنا الشعبية ولقد منعتهنَّ صاحبةُ الحمّام من إدخال أجهزة التصوير التلفزيوني معهنَّ ولسوف يكتفين بما يشاهدنَ ويكتبن من ثم بما يسجلن من معلومات في ذاكرتهنَّ. قالت هندُ قد أوافق على الفكرة ولكن، كيف ستُخفيان طبيعتكما الذكورية؟ هل ستقصّان... بعد حلق شاربيكما واللحى؟ ضحكنا، ضحكنا طويلاً فحجتها منطقية معقولة. ماذا سنفعل ببلاوينا المخفية عادةً والتي لا يمكنُ إخفاءَها في الحمّامات؟ هل نؤجّلُ البتَّ في الموضوع العويص كيما نفكر في حل مقبول لمشكلتنا؟ قالت ريمُ لا من داعٍ لتأجيل تنفيذ المشروع، فلقد وجدتُ حلاً.. ما هو يا ريمُ الفيافي والبوادي والحمامات؟ إشرأبَّ صاحبي بعنقه عجلانَ يسالها عن الحل. قالت لديَّ لبسان داخلية فرنسية من نسيج مطاط خاص يضغط بقوة فيُخفي ما تحته من أعضاء بشرية مهما كان حجمها وإنتفاخها. تبسّمت هندُ الأرملةُ علامة القبول بالفكرة والرضا عنها بينما نهض صاحبي ليصافحَ ريمَ الشابّةَ المطلقة مهنئاً وشاكراً لباقتها وحسن تدبيرها للأمور الشائكة. هاتِ الملابس الداخلية يا ريمُ يا بنت الصحارى والرمال الثابتة والمتحركة.... هاتِ اللبسان المطاطية فصبري ها قد نفد، قال صاحبي المتعجّلُ أمورَه أبداً [ عبّاس المستعجل... كما كانت تسميه المرحومةُ والدته ]. قالت هند وقد قبلت فكرة المشروع بعد تعديله سنلتقي هنا غداً الساعةَ العاشرة صباحاً فهيّئا نفسيكما يا شبابُ وتخلّصا مما في وجوهكما الصبوحة من قذارة اللحى والشنبات واتركا الباقي علينا فالملابس النسائية جاهزة لديَّ تماماً وفق مقاساتكما. أما الملابس الداخلية فلدى حبيبتي الصغيرة ريم جلبتها معها من باريس في زيارتها الأخيرة لها لكأنها علاّمةُ الغيوب تتوقع مثل هذه الأحداث الطارئة فأعدّتْ مُسبَقاً لكل حادثٍ حديثا. تدرّبوا على تمثيل الدور جيداً فأمامكما ليلة كاملة. هل يسكتُ عبّاسُ المُستَعجِل وليس في طبعه السكوت؟ كلا. قال هاتِ الملابس الداخلية يا ريم لكي نتدرب عليها جيداً وننجح في الإختبار الصعب فأعضائي كبيرة بشكل غير طبيعي وسلاحي سلاح حمار طولاً وعرضاً. طربتْ هندُ وقد سمعت خطبة عباس المستعجل أو الأصح المستمطي والمستحمر ما دام سلاحُه سلاحَ حمارٍ أو مطيٍّ بالعراقية الدارجة. تذكّرتُ بعضَ أحداثِ أعوام الدراسة والشباب حين كان نفرٌ من الطلبة السوريين يحرّفون كلماتِ إحدى أغنيات المطرب السوري الدُرزي فهد بلاّن فيقلبونها إلى { تحت التُفاحا / راواني سلاحا }. ما كنت أفهم يومذاك معنى هذا التحوير وتحريف الكلم عن مواضعه لكني أجدُ نفسي اليومَ ممتنٌّاً للصديق عباس المستمطي . مرّت الليلة على أفضل حال فقد نجحت التجارب والتمرينات الشاقة المعقدة وتمَّ ضبطَ كل شئ والتحسب لأيما إحتمال مفاجئ. حلقنا لحانا والشوارب ونجحنا في إخفاء ما يتعسرُّ في الأحوال الطبيعية إخفاءه عن أعين النساء خاصةً. وماذا عن شعر الصدر والساقين يا صديقُ؟ الذي يحلق شاربه يهون عليه حلق شعر صدره وساقيه... أجاب عبّاس المستعجل والمستمطي. إلتقينا حسب الموعد في بيت هند فوجدنا الملابس النسائيةَ جاهزةً أعدتها هندٌ لنا. خلعنا ما علينا من ملابس الرجال ولبسنا الأخرى بمساعدة هند وريم التي سألتْ عمّا وهبتْ من ملابس داخلية فطمأناها أننا جئنا فيها. لم تصدّق دعوانا فطلبت منا أن نكشف عما أخفينا عنها وعن هند فسارع صاحبي ليكشفَ عن عورته المخبّأة تحت لباس المطاط. صفّقتْ ريمُ وضحكت هند من كل أعماقها ... نجحت أخيراً فكرة ريم فشكراً لما وهبت من لبسان داخلية تُخفي المحظورات. تمعّنتْ في وجهينا طويلاً هندُ. مدّت أناملها تتلمس خدينا متفحصةً جودة الحلاقة وتمام الصنعة. هزّت رأسها معجبةً بما وجدتْ. كل شئ تمام وعلى ما يرام. الكل جاهزون لزيارة حمام نساء القرية البعيدة عن المدينة والمدنية وشرورهما. ما سيكون إسمك يا عباس؟ قال إسمي في حمام النساء 




[ هناء ]. وأنت الآخرُ ما سيكون إسمك؟ [ شفاء ]... قال الآخر الذي هو أنا المُبتلى بعباس من جهة وبلبسان المطّاط من الجهة الأخرى. لقد إكتشفتُ بعد فوات الأوان أني لست بحاجةِ لها، ذاك أنَّ أمري معها غير أمر عباس المستمطي أو المُستَحمِر! قادتنا هندُ إلى إحدى زاويا الحمّام القصيّة شبه المعتمة يُزيدها البخارُ الكثيفُ عتمةً وظلاما. وكان هذا المكانُ مثالياً يُتيحُ لنا رؤية النساء المستحمّات عارياتٍ ربّي كما خلقتني دون أنْ ينتبهنَّ إلى مَن نكونُ نحنُ. ثم كنَّ منشغلاتٍ بأمور لا تخطرُ على بال إنسانٍ عاديٍّ لا خبرةَ له في شؤون النساء وحمامات النساء وما أدراكَ ما حمّامات النساء. أصابني وصاحبي عباس المستعجل ذهولٌ مضاعف إذْ إكتشفنا أنَّ صاحبتنا وقائدةَ حملتنا الأرملة هندُ إمرأةً ( مِثلية ) واقعةً في غرام الشابّة ريم. ما كانت ريمُ تتمنّعُ وتتعفّف عمّا كانت تطلبُ هندٌ منها علانيةً. وما كان ما نرى منهنَّ غريباً في ذلكم الحمّام فما فعلتا إلا ما كانت تفعله باقي المستحِمّات. سمعنا هنداً تقولُ لريم ( جسدُك جميلٌ يا ريمُ فتردُّ عليها وجسمك أجمل. أتريدين أنْ أُدلّكَ جسمكِ ؟ مسكت هندٌ يدَ ريمَ ودخلت بها إلى غرفةٍ منزويةٍ في آخر القاعة وأغلقت الباب وبصمت مشتركٍ بدأت تدلّكُ ظهرها ثم راحت تقبّلها بطريقة مدروسةٍ حالمة. داعبتْ حلمتها مقتربةً من جرحها البين فخذيها تفتّشُ عن سره الغائر. إستسلمت ريمُ لعاشقتها هند كما لو كانت مُخدرة وهي تبالغُ في مداعبتها وتتأوّه وتطلبُ منها أنْ تفعلَ معها الأمرَ نفسه . ثم رأينا إمرأةً تركبُ أخرى في زاوية مظلمة وسمعناها تقولُ لها إفتحي رجليكِ أكثر ... والثانيةُ تحتها تتأوّهُ )* لم نستطعْ المكوثَ طويلاً فالوضع لا يُطاق . غادرنا حمّامَ النساءِ صامتين أنا وصاحبي عباس المستعجل على أنْ تلتحق صاحبتانا بنا بعد ساعتين. إلتقينا في بيت هند كما إتفقنا وكانت ريمُ بادية الإمتعاض شاحبةَ الوجه مكسورة الخاطر على عكس ما كانت عليه هندُ. ما بكِ يا ريمُ؟ قالت رأيتُ ما رأيتم من عجائب وغرائب وكان آخرها ( أنَّ صاحبةَ الحمّام دنتْ مني ثم سالتني أمتزوجة أنا أم لا؟ حين أجبتُ بنعم سألتني هل أريدُ رجلاً أو إمراةً؟ بادرتها منزعجةً بالقول: هل هذا حمامٌ أو بيت دعارة ؟ ) * 




جهّزتْ لنا هندُ الشايَ وأتت ببعض الحلوى وكانت متورّدةَ الخدين يطفحُ وجهُها بالبِشْرِ والرضا عن أمر زاولته بمحض وكل رغبتها. قدّمنا لها الشكر الجزيلَ على حسن ما فعلت معنا وما قدّمت من تسهيلات لتيسير المشاهدات الحية الضرورية لكتابة تقريرنا الصحافي عمّا رأينا في ذلك الحمّام النسوي من غرائب وعجائب ما كنا لِنُصدّقَها لولا أنْ رأيناها بعيوننا . قالت ضاحكةً أتودان تكرير المشاهدة في الأسبوع القادم؟ لمعت عينا صاحبي تفضحان رغبته الأكيدة في زيارة هذا الحمام الأسطوري . لم يجرؤ على أنْ يُفصحَ عن رغبته لكنَّ هند الخبيرة بشؤون الرجال والنساء قالت له ستأتي الأسبوعَ المقبل إلى الحمام معي وسنمارس معاً ما رأيتما من عجائب كأنك صاحبتي وستكونُ أنتَ الراكبُ وأنا المركوبة ففي الظلام يتساوى الجنسان الذكرُ والأنثى. راقت الفكرة لصاحبي لكنه تضامناً معي تساءل وماذا عن صاحبي الوفي هذا وصاحبتك الوفية ريم؟ لا من مشكلة معهما، سيبقيان وحيدين في بيتي ليفعلا ما يشاءان بعيداً عن المثلية وما يُسمّى بالشذوذ الجنسي، ردّت هندُ. موافقة يا ريم؟ أجابت على الفور بكل سرور. وأنت يا وفي ؟ سألني صاحبي. سأذهب للحمام مع هند الأسبوع الذي يلي أسبوعك، قلتُ له. قال أحسنتَ أحسنتَ لِنتَ فوافقتَ أخيراً وجاملتَ إبليسَ الشيطان الأكبر، أحسنتَ أحسنتَ الآن أراك على طريق الصواب ماشياً متأبِّطاً ذراعَ المعصية وخلفك الشيطانُ الأكبرُ. أخيراً تركتَ مثالياتك وتنازلتَ عن عصمتك والدنيا كما تعلمُ فانية لا تدومُ ولا تبقى لأحد . 




ذهبَ صديقي عباس إلى حمام النساء ثانيةً برفقة السيدة هند كما سبقَ وأنْ إتفقا قبل أسبوع. أما أنا فلقد بقيتُ في بيت هند مع الشابة المسكنية ريم. لم أشأ أنْ أمسسها أبداً أبدا.. وجدتها أنبلَ وأكبرَ من أنْ يمسّها بسوءٍ رجلٌ. وجدتها نبيّةً أساء الرجالُ فهمها وشوّهوا طبعها وأسرفوا في إستغلالها بعد أنْ جهلوا وتنكّروا لطبيعتها فما عرفوا منها وفيها إلا جسدها الجميل الفتي المتفجّر فتنةً وأنوثةً وشباباً. طلبتُ منها أنْ تقصًّ عليَّ بعضاً من محنتها مع الرجال فوافقت واستجابتْ بشجاعةٍ عزَّ نظيرُها . قالت محنتي في جسدي قبل أنْ تكون مع الرجال ولكنْ، لا بأسَ من الكلام أولاً عن محنتي مع الرجال: [ ربّاني عمّي يتيمةً وما أنْ تفجّرتْ فيَّ أُنوثتي حتى إغتصبني عمّي فهربتُ منه ومن بيته لأجدَ نفسي وأنا في الثالثة عشرة عاهرةً من عواهر الشوارع. هل تصدّقُ أني ما زلتُ أغزلُ من أُنوثتي أسئلةً للحزن وما زلتُ أبحثُ عن طفولةٍ مسروقة مني وعن وطنٍ بحجم ذاكرتي ليس بأكبرَ من وجه أمي التي لم أرَها . إشتغلتُ مُترجمةً في مؤسسة عسكرية وكنتُ أنامُ مع رئيسي لأنالَ فارقاً مادياً لا بأسَ به... تغرّبتُ وكنتُ في غربتي وحزني بحاجةٍ إلى سماع فيروز. غنّت لي فيروزُ ودموعي الثكلى تعيدني إلى طفولة ضبابية الصورة وأنا أحلمُ بالمستحيل ]**. أطرقتْ ريمُ إطراقة عميقة طويلة وكنتُ معها في إطراقتها بل كنتُ مُجمَّداً مُسمَّراً في مكاني لا أقوى حتى على تحريك عضلة لساني . وجدتُ نفسي أمام محنةٍ إنسانيةٍ حقيقية لا قِبَلَ لي بها . أهكذا تقسو الحياةُ على بعضنا وعلى الأجمل ما ومَنْ فينا؟ كيف يغتصبُ رجلُ إبنةَ أخيه اليتيمة وكيف يهونُ عليه تشرُّدُها في الشوارع بغيّا ؟ وماذا قلتِ يا ريمُ عن الجسد؟ ماذا قلتُ عن الجسد؟ قلتُ [ جسدي يبحثُ فيه عني أنا المشرّدة في عَتمته. منذُ الخليقةِ وأنا أبحثُ فيه عن شكلي الذي أُحبُّ وعن لذةٍ تأخذني إلى عالم السحر ] . 




جاءت هندُ من الحمام وجاء عباسُ معها متأبطاً ذراعها منتفخي الأوداج سروراً وبهجةً وإمتلاءً. ما أنْ أراحا نفسيهما على الأريكة الطويلة حتى شعّت عيناهما بسؤالٍ قديمٍ معروفٍ معهودٍ يقول: هل أنجزتما المهمات الملقاة على عاتقيكما إذْ تركناكما في البيت وحيدين؟ واصلتُ وريم الصمتَ فالمحنةُ لا تحتملُ الكلامَ تاركين تقديرَ الموقف لهما وليظّنا ما شاءا ما دام مَنْ يمارسُ الجنسَ في حمّامات النساءِ ومَنْ لا يمارسهُ في البيوت سواء ! 






هامش وتوضيح 
*تفصيلات ما كان يجري في حمّام النساء منقول حرفياً تقريباً من قصة " غواية نهد " في كتاب [[ كأس بيرة / للسيدة سُهيلة بورزق / سندباد للنشر والإعلام ، القاهرة ، الطبعة الأولى 2009 ]] . 
**مقتطفات من عدد من قصص الكتاب سالف الذكر / كأس بيرة لسهيلة بورزق .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 2:09 pm

جزء من فصل في رواية 
موريس فارحي 
"التركي الشاب" 
العنوان الاصلي للفصل هو
"عدس الجنة"

...... في تلك الأيام، كان من النادر أن تجد حمّاماً تركياً محافظاً على عظمته العثمانية. فقد كان الإهمال جلياً في أنقرة، المدينة التي لم يقترب التاريخ منها تقريباً، والتي كانت مجرد بلدة متواضعة، باستثناء قلعة قديمة تنتصب فوق رابية، لكنها كانت آخذة في الصعود بسرعة لتصبح رمزاً من رموز تركيا الجديدة، الحديثة. لذلك، رأى بعض "التقدميين" أن الحمّامات ليست سوى طواطم تدعو إلى العودة والتقهقر إلى العادات الشرقية البائدة، وأرادوا أن يقللوا من شعبيتها، وراحوا يروجون ويشجعون على اتخاذ وسائل الراحة ذات الطراز الغربي.
ورغم ذلك، كنت ترى السحر الصوفي هنا وهناك. فكيف يمكن للذاكرة الجماعية أن تنسى أن حمّامات الباب العالي الرائعة كانت قد فتنت، لقرون عديدة، أسراباً من الأوربيين الذين كانوا ينظرون إليها بخشوع ووجل؟

لذلك ظلت هذه العادات سائدة: سراً في بعض الأماكن، وعلناً، بل وبتحدٍ، في أماكن أخرى. وعندما كانت تبنى حمّامات جديدة - كما كان الحال في أنقرة – كان يُحرص على بنائها بأعلى المعايير.

ويجدر أن أذكر هنا معيارين أساسيين.

يتمثل المعيار الأول في أن المادة الأساسية في الحجرة الداخلية (الجواني)، وهي حجرة الاستحمام ذاتها، يجب أن تكون مشيّدة من الرخام، وهي الأحجار التي، كما تقول الأسطورة، تحفظ النسمات العليلة والتي، لهذا السبب بالذات، كان الملوك يختارونها لتشييد قصورهم، ويفضّلها الآلهة لبناء معابدهم. (أشيع في مطلع الخمسينات من القرن العشرين بأن أحد الحمّامات في أنقرة، الذي كان يرتاده الدبلوماسيون وأعضاء البرلمان بشكل خاص، قد استخدم رخاماً ذا عروق وردية وزرقاء وفضية، استورد خصيصاً من بلدان ذات أسماء غريبة، ليبّز جميع منافسيه).

أما المعيار الثاني، فكانت تحدده الميزّات المعمارية التالية: وجود قبة، وعدد من الأعمدة المتينة، وسلسلة من النوافذ العالية، لأن هذه التوليفة، ستجعل "الجواني" يشع بوهج يوحي بهالة صوفية كما في المسجد. كما أن النوافذ العالية، فيما تقطر نوراً من أبولو، تردع المتلصصين ومختلسي النظر. (ومع ذلك، كانت تروى حكايات عن رجال من العناكب يتسلقون إلى النوافذ المرتفعة ليختلسوا النظر إلى المستحمّات. وأروي هنا حكاية مفزعة عن ثلاثة شبان من delikanlt – وهي كلمة تستخدم بتودد غالباً، وتعني حرفياً "الشبّان الذين تجري في عروقهم دماء فائرة"- تراهنوا على التسلق إلى نوافذ أحد الحمّامات في قونية في يوم متجمد كانت درجة الحرارة فيه 35 درجة مئوية تحت الصفر، فتجمدّوا ولقوا حتفهم وهم لا يزالون متشبثين بالجدران، وتعيّن على عمال الإنقاذ الانتظار إلى أن حلّ الربيع حتى تمكنوا من اقتلاعهم من فوق القبة).


* *

كانت هذه المعايير موجودة في حمّام النسوان الذي كنا نرتاده، الذي كان يدّعي بأنه أحد أفضل حمّامات النساء في المنطقة برمتها. أما بالنسبة لي ولسليم، فقد كان خلاصة الترف والمتعة.

دعوني أصطحبكم معي، خطوة بخطوة.

كان المدخل، أكثر سماته بهاء ورصانة، يتألف من باب صغير من الحديد المطروق في وسط جدار عالٍ يشبه الجدران الشاهقة التي أقيمت لحماية مدارس البنات.

أما الردهة، فكانت فاخرة ومثيرة للشهوة. إذ تعدك الستائر الأرجوانية الداكنة على الفور بمتع حسّية رائعة. (هل تخونني ذاكرتي؟ هل كانت هذه الستائر الأرجوانية هي الستائر التي كانت موجودة في "بيت المواعيد" الذي رحت أتردّد عليه في استنبول بعد عدة سنوات؟)

وإلى يمين الردهة، توجد مصطبة واطئة ينتصب عليها كشك تجلس فيه المشرفة على الحمّام، "تيزا خانم"، أو "الست العمة"، التي ربما كان حجمها هو الذي أدى إلى سكّ العبارة التركية: "مبنيّة كالحكومة". وكانت تحصّل رسم الدخول، وتبيع المواد اللازمة كالصابون، والمناشف، والطاسات، والقباقيب التركية التقليدية (كانت صوفي، التي لم تكن تتشكى من نزوات الحياة وأهوائها، شديدة التمسك بأهداب النظافة، وكانت تحرص دائماً على أن نحضر معنا معدات غسيلنا الخاصة بنا).

وفي الطرف الآخر من الردهة، يوجد باب يفضي إلى غرفة عامة واسعة لتغيير الملابس. وكما لو أنها كانت قد صممت لإطالة أمد التوقع والانتظار، فقد كانت مرتبة ببساطة: جدران مطلية بالجير الأبيض، ومقاعد خشبية للجلوس، وسلال كبيرة مجدولة من القصب لوضع الثياب فيها.

ويُفتح باب آخر على ممر تكسو أرضيته ألواح مضلّعة. فهنا، عندما تمشي، تصدر القباقيب إيقاعاً مثيراً. وإلى الأمام، يوجد القوس الذي يفضي إلى ملاذ الحمّام الرخامي.

وفي اللحظة التالية تشعر وكأنك تشهد تغييراً جذرياً. فقد نجم عن امتزاج الحرارة والبخار هواء شفّاف؛ وكان صوت الماء الذي لا يتوقف عن الجريان رائعاً؛ والأشكال الضبابية البيضاء، التي يبدو أنها تطوف في تخيلات متلوّنة، تتغير بسرعة في مخيلتك. قد يكون هذا المشهد من بداية الزمن - أو من آخره. على أيّ حال، إن كنت تعشق النساء، وتصبو لأن تلتحم بكلّ واحدة منهن، سيبقى هذا المشهد ماثلاً أمام عينيك ما حييت.

وببطء، تأخذ في تسجيل التفاصيل.

فترى أن القمّرة مستديرة (في الحقيقة، بيضوية الشكل).

إنك سعيد. لأنها لو كانت مستطيلة، كما هو حال بعضها، لانبعث منها هواء ذكوري.

وتلاحظ البلاطة الرخامية الكبيرة التي تشكّل الوسط. وهي "حَجَرة البطن"، التي تجلس عليها المستحمّة كي ينضح منها العرق. ومن حجم "حَجَرة البطن"، تتحدد شهرة الحمّام؛ فالحَجَرة الكبيرة، كتلك الموجودة في حمّام النساء، حيث تستطيع الجارات، أو أفراد الأسرة، أن يجلسن ويتحدثن تكفل له شعبية كبيرة.

وترى مقصورات الاغتسال المحيطة بحَجَرة البطن، التي يوجد في كلّ منها حوض من الرخام – يدعى الجرن – حيث يمتزج الماء الحار والبارد، يتدفقان من صنبورين منفصلين. وتلاحظ أن المساحة المحيطة بالجرن تتسع لعدّة نساء، ينتمين دائماً إلى العائلة نفسها، أو إلى مجموعة من الجارات والصديقات، اللاتي يجلسن على مقاعد قصيرة وعريضة، مصنوعة من الرخام أيضاً، وتبدو وكأنها قطع منحوتة تنتمي إلى فن النحت الحديث – وهنا تتذكر "طاولة الصمت" لبرانكوسي – فيملأن طاساتهن بالماء من الجرن، ويدلقنها على أجسادهن. وفي بعض الأحيان، تدفع المرأة التي ترغب في أن يُفرك جسمها، إكرامية جيدة، لقاء الخدمات التي تقدمها لها إحدى العاملات في الحمّام "المكيّسة".

وترى أنه يوجد خلف الُحجْرة الداخلية، أو "الجواني"، عدد من الغرف التي تكون أكثر حرارة لقربها من الموقد "بيت النار"، وهي تعرف "بالخلوة"، وتُحجز للواتي يرغبن في الاستحمام بمفردهن، أو اللواتي يرغبن في أن تُدَّلك أجسادهن. وتقوم تيزا خانم بأداء هذه المهمة، للزبونات المميّزات.

وبما أن هذا الحمّام واحد من أفضل الحمّامات في المدينة، توجد غرفتان أخريان: الأولى "الصدر"، التي كما يوحي اسمها، تخصص للواتي يمضين النهار بأكمله، وهو عبارة عن استراحة يحصلن عليها بعد انتهائهن من الاستحمام. والأخرى، "سوجوكلوك"، أو "الوسطاني"، لكي تتبّرد اللواتي يشعرن بحرارة زائدة. وترى بشعور من الارتياح، أنه باستثناء بعض الزبونات الأكبر سنّاً، لا يرغب في ممارسة هذا الضرب من حبّ تعذيب الذات "الماسوشيّة" إلا عدد قليل من النساء.

لكنك بالطبع، ترى قبل كل شيء المستحمّات، وترى عدداً من الأثداء من كلّ شكل وحجم. فاللاتي يعتبرن التواضع فضيلة، يرتدين دائماً "بيشتامال"، وهو مئزر شفّاف يوضح مفاتن أمجاد لحمهن ويبرزها، بدلاً من أن يسترها. أما ما تبقى من النساء، فهن عاريات تماماً، لا تكسوهن سوى الأساور والأقراط، التي يبدو أنها مطلية بالذهب. وسواء كنّ مسنات أم شابات، طويلات أم قصيرات، فهن جميعهن ممتلئات مكتنزات. وحتى النحيفات منهن، يبدون شهيات، مضمخات بالعطور، والحنّاء الثقيلة، يتمشين بجرأة وبراحة، بأجسادهن القوية الناعمة التي تحمل أطفالاً. وسرعان ما تدرك أنهن فخورات بأنوثتهن رغم أنهن - أو ربما لأنهن - يعشن في مجتمع يتحكّم فيه الذكور بالمطلق. لكنهن إذا رأين، أو خيّل إليهن أن أحداً ينظر إليهن، يعتريهن الخجل ويسترن عورتهن بالطاسات التي يغتسلن بها. وترى فتيات صغيرات أيضاً، لكنك إن كنت صبياً صغيراً مثلي ومثل سليم، فلن تعيرهن أي اهتمام. إذ تكون قد رأيت كنوزهن الواعدة في ألعاب عفا عليها الزمن، مثل لعبة "الأمّ والأب" ولعبة "الطبيب والمريضة". (وهنا، باختصار، حسب إنجيل إليفثريا: فإن جميع الأجساد البشرية، من كلّ عمر، وفي كلّ شكل وحجم، حتى التي فيها عاهة جسدية، جميلة. وأن أجمل قضيب عرفته في حياتها، كان قضيب رجل ذي ذراع ذاوية).

* *

أظن أني حكيت قصة دخولنا إلى الجنة وكأن ذلك أمراً عادياً، وكأنما كان الصبية الصغار في تركيا في الأربعينات من القرن العشرين، مستثنيين من جميع الاعتبارات الجنسية. حسناً، هذا ليس صحيحاً تماماً. ومن المؤكد أني صادفت على مرّ السنين، الكثير من رجال جيلي - ومن أصقاع مختلفة من تركيا –يرتادون حمّام النسوان، عندما كانوا صبية، برفقة الخادمة، أو المربية، أو الجدّة، أو إحدى القريبات المسنات – لكن ليس مع أمهاتهم، إذ يبدو أن هذا الشيء المحرّم، لا يزال شيئاً منيعاً لا يمكن انتهاكه.

وفي الواقع، لم تكن هناك قواعد راسخة تمنع الصبية من دخولهم حمّام النسوان. فقد كان هذا القرار يتوقف على عدد من الاعتبارات: سمعة الحمّام، ومكانة روادّه، وانتظام الشخص على ارتياد الحمّام - أو مجموعة من الأشخاص- ومقدار الإكرامية التي تدفع إلى العاملات، ويتوقف الأمر أخيراً على تقدير تيزا خانم .

وفي حالتنا، أنا وسليم، كان هذا الاعتبار الأخير هو الذي رجّح كفّة الميزان لصالحنا. إذ كان يسمح لنا بدخول الحمّام لأن تيزا خانم التي تدير الحمّام، كانت خبيرة في أمور البلوغ. فقد تحقّقت بأن خصيتيّ كل منا لم تسقطا بعد، وكانت تقول ذلك إلى المستحمّات، عندما يلزم الأمر، اللاتي كن يضحكن دائماً بقوة، ويثقن بما تقوله. (ورحمة بنا، كانت صوفي العزيزة، تشعر بشيء من السخط لهذه التهمة الساذجة لأجزائنا الحميمة، فكانت تضع يديها على أذنينا وتدفعنا بعيداً).

أما أنا وسليم، فغني عن القول، أننا كنا نشعر براحة كبيرة عندما نسمع أن خصانا لا تزال سليمة. إلا أن التوقع بأنها ستسقط ذات يوم جعلنا نشعر بقلق كبير. لذلك، ولفترة من الزمن، كنا نتفحص أسفل بطننا لنطمئن، لا إلى أن فحولتنا لا تزال في مكانها فحسب، بل وأنها لا تزال في حالة جيدة منذ أن لعبنا بها في صباح ذلك اليوم، عندما استيقظنا. وكنا نبحث في الشوارع أيضاً، حتى عندما نسير مع أبوينا، لعلنا نجد الخصية الشاذة التي سقطت. وكان أحدنا يقول للآخر إننا إذا تمكّنا من جمع عدد من الخصيات الاحتياطية، فسنتمكن من استبدالها بخصيتينا عندما تقع الكارثة المشؤومة. ولم يردعنا عدم رؤيتنا أي خصية ملقاة في أرض الشارع في الماضي، بل كنا نظن أن الصبية الآخرين، الذين يعانون من المشكلة نفسها، قد التقطوها. وفي نهاية الأمر، عندما لم نعثر على أي خصية، بدأنا نؤمن بأن هذه الأعضاء متصلة بالجسم بإحكام وأنها لن تسقط – ولا بد أن الله قد حرص على عمل ذلك! وقرّرنا أن هذه 'الكذبة' البشعة أشاعتها النساء اللواتي كن يحاولن أن يستبعدن نضوجنا المبكر، وأردن أن يثرن الخوف في نفوسنا.

وبالفعل فقد نضجنا في سن مبكرة. وكان لدينا معلمون جيدون.

[size=24]----------------------
فصل من رواية موريس فارحي "التركي الشاب". العنوان الاصلي للفصل هو "عدس الجنة" لكن المترجم شاء أن يجعله " حمّام النسوان" في الترجمة العربية.والكتاب صدر بالانكليزية عن دار الساقي، لندن.

[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 2:17 pm

طقوس جسدية ولغوية 


ورحلة باحثين أجانب في حمام دمشقي 


نادر سراج


عشية يومنا الدمشقي الثالث (4/10/2009)، لبَّينا دعوة السفير الفرنسي في دمشق، ايريك شوفالييه Eric Chevallier، الذي أقام على شرف المشاركين في مؤتمر "25 قرناً من الحمّامات العامة في الشرق الأدنى"، حفل استقبال حاشداً في بيت الاستقبال الفرنسي، وهو دارة دمشقية تعبق بأصالة العمارة العربية التقليدية، وتقع في شارع عطا الأيوبي، وتعود ملكيتها إلى هذه العائلة الشامية العريقة. 


نظِّم المؤتمر ببادرة من هيئتين علميتين فرنسيتين هما: 


جمعية Balnéorient والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى I.F.P.O، وحظي برعاية المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية.


كنّا مئة وستة من الباحثات والباحثين وفدنا من أربعة وعشرين بلداً عربياً واوروبيا. 


موضوع الحمّام العربي شكَّل الخيط الموصل أو خيط أريان 


(Le fil d’Arian) لانشغالات ومداخلات هذا الجمع المتخصِّص في شؤون ودقائق الحمّام العام في شرقنا العربي ومغربه. 


وفي نهاية المؤتمر زار المؤتمرون حماماً دمشقياً وعاشوا وقتاً في طقوسه.


يقع "حمّام المقدّم" في أحد أزقة دمشق العتيقة. وهو حمام أثري في منطقة الشركسية- مدارس، حارة المقدّم.


وقد ذكره ابن طولون في "القلائد الجوهرية" وخضع حديثاً لجملة تبديلات تناولت أغلب أقسامه.


في العاشرة ليلاً، سرنا إلى هذا الحمّام الرجّالي، رتلاً من الأنتربولوجيين الذكور (15 رجلاً)، في حين توجهت المشاركات من الجنس اللطيف إلى "حمّام الورد" المخصّص للنساء.


من باب الجمع ما بين النافع والممتع، وعملاً بأصول الترفيه والتنويع، مشينا إلى الحمّام في خطىً متعجلة "كُتبت علينا"، يقودنا مستعربٌ فرنسي هو الزميل جان بيار باسكوال المتخصّص في حمّامات دمشق وحماة وحلب، وعاشق دمشق، والذي تبيّن لنا أنه الأدرى بشعابها من أهلها. 


وما لفتنا ونحن نقترب صعوداً ووقع أقدامنا يتردّد على الأحجار البازلتية السوداء في ليل دمشق الدامس، أننا اخترقنا حيّ "عفيف" المحاذي لحيّ "جسر الأبيض" والمجاورين لِـ"سوق الجمعة"، وبتنا في زقاق الشيخ عبد الغني النابلسي، وعلى قاب قوسين أو أدنى من موقع الحمّام المنشود. 


للنابلسي مع بلادنا وحمّاماتها قصةٌ تُروى. فقد حَلّ هذا الشيخ البطوطيّ في ديارنا في العام 1700، وكتب بعدها مؤلَّفه المشهور "التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية".


وهو ثمرة رحلة عُرفت بِـ"الرحلة الصغرى" التي قام بها انطلاقاً من دمشق متوجِّهاً إلى فلسطين مروراً بلبنان، وعكست كتابته روح العصر في بلاد الشام. 


ودوّن الرحّالة النابلسي في رحلته عدد الخانات والحمّامات التي زارها في كل من طرابلس وبيروت. 


وتوقف في أربعة حمّامات في مدينة بيروت:


حمّام الأمير فخر الدين بن معن، حمّام القيشاني، حمّام الأوزاعي، والرابع قديم لا يُعرف له اسم. 


وأشار إلى أنها كلها مهجورة ما عدا حمّام فخر الدين.


تذكّرك دمشق القديمة - وأنت تعبر على عجلٍ، وفق الايقاع الاستشراقي الفرنسي، أزقتها الحجرية الضيقة ذات اللون الرمادي الداكن، وبرفقة زملاء أجانب مأخوذين بجماليات المدينة - تذكرك أنَّ التاريخ لا يزال يسكن شاخصاً هنا في خفر جنباتها، وحاضراً في تفاصيل عماراتها، ويفوح عبقه من الكوى والمشربيات والشرفات والسطوح. والتاريخ هذا يساكن البشر ايضاً. 


فأهل المهن والنحل يزاولون برهافةِ حسٍ وأناقةِ ملمسٍ صنائع تقليدية عمرها مئات السنين، توارثوها عن الأسلاف، فأجادوها وجوّدوها، ولا تزال محالهم ترصّع أزقة الشام وحاراتها وأسوقها العتيقة. 


أتت زيارة الحمّام، إذاً لتتوج، حصادَ أيامِ عمل ثلاثة أُشبعنا خلالها سرداً ونقاشاً وإحصاءات ومعلومات مغرقة في تفاصيلها، عن تقنيات تشييد الحمّامات ووظائفها وأدوارها المتقلبة وفق العهود، ناهيك عن أقسامها 


(من برّاني إلى وسطاني فجوّاني) والعاملين فيها وطقوس الإمتاع والمؤانسة المواكبة لعمليات الاستحمام والتمسيد أو "الفضفضة" كما يقال في صنعاء. 


ها نحن على عتبة الحمّام يستقبلنا صبيه أو "التبع"، وهي تحريف لمصطلح "التابع"، ويقولون له "شاقي الحمّام" كما أعلمنا زميلنا اليمني يحيى العُباني. يُسرّ الصبي لمرآنا ويخطرنا على الفور أنّ رسم الدخول هو 300 ليرة سورية للفرد. 


ونكتشف لاحقاً أنه لا يتضمّن رسوم "التكييس والتدليك".


وحينما نزلنا درجات ثلاثاً وبتنا في قلب المعمعة، وهي في رطانتهم قاعة "البرّاني" الفسيحة التي تستقبل الزائر، وجدنا في مواجهتنا صاحب الحمّام أو "المعلم" الذي استقبلنا مرحباً باشّاً بابتسامة عريضة. 


كان جالساً في موقع يتيح له مراقبة الداخلين والخارجين.


سلّمنا المعلم أكياساً بلاستيكية صغيرة، وطلب منّا إفراغ ما في جيوبنا لإيداعها في أدراج صغيرة على سبيل الأمانة. 


بعد المرور بكل من الصبي والمعلم، تسلمنا الناطور أو الأسطى، فاشار إلى مشاجب معلقة فوق دكات الجلسة العربية التي تتخذ شكل زاوية مستقيمة إلى جهة اليسار من مدخل الحمّام،أعلمنا بمراحل الاستحمام أو بطقوسه المعهودة. 


بعد همهمات وهمسات اكتشفنا أن لا مكان لخلوة في هذا الفضاء الرحب والمفتوح على مصراعيه! فالمشلح أو المسلخ أو المخلع، هو الملاذ لا بل محطة العبورالوحيدة! تخلصنا من ملابسنا ،واستبدلناها بفوط سحبها الأسطى من خزانة المناشف.


وللفوط أو المناشف الشامية في وظائفها مذاهب. فهي تسمى مجتمعة "التعقيبة". وتبيّن لاحقاً أنّ لكلٍ منشفة اسمها الخاص.


فالفوطة التي يلف بها الأسطى بخفة جسم الزبون بعد الاستحمام تدعى "الماويّة". والفوطتان اللتان توضعان على كتفيه وخصره تدعيان "الظهرية"، على ما يرد لدى منير كيال في كتابه "الحمّامات الدمشقية"، وكما تسنّى لنا أن نعاين ميدانياً الطقس السابق للاستحمام والممهِّد للدخول إلى الجوّاني.


يساعدنا الناطور في إحكام الفوط الملوّنة حول وسطنا. 


ومن ثمّ يوزع على كلّ منّا ليفة و"ميني" صابونة خضراء اللون، وطاسة بلاستيكية، تايوانية المنشأ، والله أعلم. 


طاسةٌ أين منها الجنطاس المعدني المنمّق الذي سمعنا به، ورأينا صوره في كتب الأقدمين. الصديق المصور نبيل إسماعيل التقط صوراً جملية لها في "مصبنة عودة" بصيدا عرضناها في المؤتمر.


التكييس والتلييف والتمسيد


ندلف من البرّاني إلى الجوّاني، مروراً بِـ"الوسطاني". 


أجساد بيضاء وأخرى سمراء، ورؤوس "أينعت" وحان ميقات غسلها، واحتفظ أغلبها بشقار الشعر وبسواده، وأخرى اشتعل فيها الشيب. وانتهى بنا المطاف إلى قاعة مستطيلة دافئة، تعبق بصراخ الرّواد وتذكّرك بتعبير "حمّام مقطوعة ميّته". يقتعد المستحمون الأرض، والأصح البلاط.


كل اثنين يتّخذان موقعهما إلى جانبي الجرن الحجري، ويصبّان المياه الساخنة المنهمرة من صنبور للماء الساخن تُعدّل حرارته من صنبور للماء البارد. على المستحمّ الانتباه إلى ضبط درجة حرارة المياه وهو منهمك في صبّ الماء على جسده ورأسه لإزالة الصابون بعد التلييف، وهو مقتعد الأرض، وذاهب في أصول "اللعبة" إلى آخرها، غافلاً عمّا كتبه أو حاضر عنه، في الأيام الخوالي، عن الحمّامات وما إليها. 


لست أدري لماذا تذكّرت هنا عنوان فيلم سينمائي مصري "حمّام الملاطيلي"!! ولا أعلم ما هي الصلة بين أحداثه وما يمرّ بي وبزملائي. وبما أنني دخلت أولاً، وأتكلّم لغة أهل البلاد، لا بل من أصحاب المهنة، بتّ مرجعاً للزملاء الانتربولوجيين الذين صاروا يقلدونني في تناسق الحركات وتتابعها، أو يسألونني "ما العمل بعد ذلك؟".


بعد الاغتسال والتلييف بالصابون ثمّ الغسل بالماء، دخلنا غرفة صغيرة للبخار، حيث تحضّرنا لمنزلة التكييس اللاحقة. جلسنا على مصطبة بيت النار حتى نعرق وتتحلل مفرزات أجسادنا في انتظار أن ننال قسطنا من "التكييس" الذي يفترض أن يزيل "فتايل" عن أجسادنا. 


وتبيّن لنا لاحقاً لدى خضوعنا للمكيّس "أبو النور"، أنها مجرّد "فتايل" بالقوة وليست بالفعل. فجلّ ما خرجنا به من عملية التكييس، التي لم تتمّ على أرائك بالطبع بل على بلاط الحمّام الساخن، هو أننا خضعنا لعملية فرك أو تكييس بواسطة "كيس التفريك" أراحت مفاصلنا وعضلات أجسادنا، وأرهقت إلى حين أضلاعنا، وحضّرتنا للخطوة التالية، أي التمسيد عند المعلم "أبو علي". ونذكر هنا أن "أبو النور" لم ينبس ببنت شفة خلال "نوبته". لكنه في الختام أصرّ على تعريفنا بنفسه وبطبيعة عمله، مشيراً إلى أنه الوحيد الذي يقوم بهذه المهمة. وكان علينا أن نفهم مغزى هذه الرسالة.


وتحت وطأة التكييس، وأنا ممدَّد، "على طولي"، على بلاط الحمّام، استعدت مثلين شعبيين كنت قد ذكرتهما خلال مداخلتي. 


الأول هو "صدِرك بلاطة حمّام"، على ما كان يقال للعروس تيمّناً بنظافتها وتألقها. 


أما الثاني، فيمني المنبت"، وهو "ما في الحمّام إلا الكيس"، أي مَنْ لم يعرف نعمة التكييس، لم يفد من دخوله الحمّام شيئاً.


فحمدت ربي على أنني والزملاء مررنا بهذه التجربة، ولم نخرج بخفّي حنين.


يستقبلنا المدلِّك أبو علي، في غرفته المستقلة، فيمددنا على أريكة جلدية، ويبدأ بالتمسيد مستفسراً عن جنسيتي، والمدينة التي أنتمي إليها، والحيّ الذي اقطنه. 


انها أسئلة استدراجيّة "على الطريقة اللبنانية"، ونعرف نحن "أصحاب البير وغطاه" خباياها ومفاعيلها. ويهدأ بالينا، المدلِّك والمدلَّك، عندما يعلم أنني من رأس بيروت. فيخبرني أنه عمل مدلكاً في "حمّام النزهة" لمدة تفوق العشرين عاماً .


وقبل الوداع طقّ لي رقبتي بمهارة لافتة، فتحسستها وأنا أستعيد توازني. لم ينس أن يذكرني باسمه "مصطفى" وبكنيته، كي لا يفوتنا أن نترك له "الوفا" أو "البخشيش" قبل مغادرتنا. 


اسعفتني ذاكرتي، فعاجلته، بالمثل الشامي الذي سمعته يوماً "الشكلة بعد الحمّام"، أي أن الحلوان يأتي بعد الخروج من الحمّام وليس قبله.


طقس الخروج


بعد الانتهاء من هذه الطقوس يهرع الريّس إلينا مردداً عبارات التبريك (نعيماً)، ويعقب عليها الزميل المصري، سامي عبد الملك، بالقول إنهم في "بلدياتهم" يقولون "حمّام العافية".


نجفّف أجسامنا على إيقاعات "النعيم" الشامي و"العافية" المصرية بمناشف ملونة، يساعدنا في ذلك الناطور. 


ثمّ نتناول أخرى لوضعها على الوسط (الماوية) والظهر (الظهرية) والرأس (الرأسية)، متجهين إلى قاعة البرّاني حيث نقتعد المصطبات (الدكات) في انتظار الشراب الساخن (الزهورات). 


وبعد الرشفات الأولى، تبدأ التعليقات والقفشات تندّ من علماء الأنتربولوجيا الذين باتوا متشابهين في حلة الاستحمام، لا بل متساوين في (عري الضرورة) كأسنان مشط العظم الذي سمعنا به باعتباره من "عدّة الاستحمام"، ولم نرَ له أثراً في حمّام المقدّم، فترحّمنا على زمن مضى بأدواته وتعابيره وتقاليده.


ها نحن نقتعد المصطبة الأساسية المنجّدة والمفروشة بالسجاد، متدثّرين بمناشف ملونة من الرأس حتى أخمص القدمين. التقطت لنا صور فوتوغرافية لم نكن متأكدين من قدرتنا على تبيان أشخاصنا فيها نظراً لتوحّد المناشف الملونة التي زيّنت رؤوسنا وأجسادنا وأحالتنا مجرّد كومبارس في مسلسل تلفزيوني. 


تتعالى القهقهات والتعليقات والتشبيهات ونتمعن في الحضور فنلاحظ أن البشرة البيضاء لزملائنا الأوروبيين زادت نصاعةً، وتلك السمراء العائدة لزميلنا اليمني احتفظت بسمرتها الداكنة. وكنا نحن اللبنانيين الأربعة بين بين، كعادتنا، وحقّ فينا المثل الشعبي الذي استحضرته صباحاً "مكتوب على باب الحمّام لا الأبيض يبيضّ ولا الأسمر يسمرّ". 


هدأنا بالاً بعدما أنجزنا هذا العمل التطبيقي على ما يرام، وشربنا الزهورات وأخذنا قسطنا من الراحة، ثمّ تدبّرنا أمر خلع المناشف وارتداء الحلل الرسمية ودفعنا المتوجب علينا (500 ل.س.) للفرد الواحد، أجرة استحمام.


صحيح أن "فوتة الحمّام مش متل طلعته"، وفق ما يقال، لكنّنا في المحصّلة حقّقنا أمنيتنا. بيد أننا لم نخرج من الحمّام مبكّرين كي لا ينطبق علينا المثل الشعبي السوري المعتبر من أمثال النساء: "يللي جوزها ظالم بتطلع من الحمّام بكّير".


فللحقيقة لم ينلنا ظلم أو نقصٌ أو حيفٌ، لا في مغامرتنا الحمّامية الليلية، ولا في طوال إقامتنا الشامية في حمى مضيفينا الفرنسيين وفي مقدمهم السفير الذي أبدى لياقة ديبلوماسية، وكياسة ملحوظة وعبّر عن حبه للبنان وتقديره اللبنانيين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 2:22 pm

كتاب سر الاسرار المعروف بكتاب السياسة والفراسة في تدبير الرئاسة الفيلسوف اليوناني رسططاليس بن نيقوماخوس المقدوني الى تلميذه قائد اليونان الاكبر الاسكندر ذي القرنين 

للترجمان يحنا بن البطريق 
القول في الحمام



اعلم يا اسكندر ان الحمام من اعجب ما في العالم وذلك انه مبني على فصول السنة فالجار في الشتاء والذي يليه للخريف والذي يليه للربيع والذي يليه للصيف

---- ومن صواب التدبير فيه. ان يلبث الدبخل في البيت الاول قليلا ثم يسير الى البيت الثاني فيلبث فيه قليلا ثم يدخل البيت الثالث وكذلك يفعل اذا خرج بالمكوت اذ يلبث في كل بيت هنيهة. لئلا يهجم من حر شديد الى برد شديد او من برد شديد الى حر شديد 

ويكون بناؤه مرتفعا وهواؤه كثيرا وماؤه عذبا وتوسع المجامير فيه والدواخن الموافقة اللازمة.. ففي الربيع والصيف الند المثلث والمربع. وفي الشتاء والخريف الند المثنى .

... ثم يجلس على كرسي لين محشو حنى يرشح جسمه. ثم يمسحه الحين بعد الحين بمنديل من كتان. فاذا قضى منه وطرا انتقل من منزله ثم دخل الى ابزان فاتر.فان زاد عليه الحر واشطت. استعمل احد الصوابين المجلية والمنقية على قدر الازمنة. ففي الربيع والصيف صابون قيصر المعمول بالصندل والاملج. وفي الخريف صابون ابو شهر المصنوع بالصبر وماء السلق ويصب على راسه المياء المياه المتوسطة المعتدلة. ثم يغمر بدنه كله حتى يذهب وسخه ودرته ويتضمخ ببعض الادهان المشاكلة للازمنة. ثم يتنظف منها بالنقاوات المجلية ثم يعود الى ابزن اخر احر من الاول بدرجتين ثم يتدرج في خروجه على ما قدمناه

ثم يتمسح حتى يجف فان وجدت عطشا فاشرب شرابا من شراب الورد والتفاحين الممسك بالماء البارد نحو نصف رطل. ثم يتمطى قليلا ناظرا الى الصورة المصورة والراشنات الغضة المعطرة. ثم بعد هذا يتناول طعامه ويستوفي غذاه. ثم يستعمل من الشراب الممزوج بمثله من الماء بما جرت به العادة من غير اكثار ويتطيب بطيب يوافق الزمان. ثم يصير الى فراش وثير ويستدعي النوم فياخد من نومه حاجته ثم يصل الى الراحة والدعة بقية يومه قان هذا التدبير ينشي نشوا جيدا.

.... ومن كان شيخا وغلبت عليه البرودة فانه يلبث طويلا بقدر ما يبتل بدنه وياخد من رطوبته الحمام ويكثر من صب الماء المعتدل على جسمه ويستحب لصاحب البلغم ان لا يستحم الا على الريق ويستنقع بما قد طبخ فيه المردكوش والشيح والقيصوم ويتمرخ بادهان حارة ، ومن كان حار المزاج كان على عكس ما قدمناه.

فهذا يا اسكندر اذا تفهمت وتحفظت مغازيه يغنيك عن كل طبيب،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 2:23 pm

حمامات بغداد
- الشريف سيف الدين العباسي -




نائب نقيب العباسيين نائب رئيس مجلس العشائر والأسر والبيوتات العباسية في العراق

إن الحمامات هي من نتاج العهد العباسي الأول فلقد ظهرت وتميزت في بغداد، كما وثقها المؤرخون.



إن كلمة حمام مصدرها الحمى أي الحرارة, وبدأت الحمامات عملها في بغداد بعد فترة قصيرة من بناء مدينة بغداد على يد الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور داهية العرب, وكانت الحمامات عبارة عن قاعة وسطيه مملوئه بالبخار, يجلس بها رواد الحمام للتعرق,ثم يقوم احد العاملين بتدليك الرواد, ولقد وصفها ابن بطوطة, وقال إن جدرانها مطلية بالقار, وتقسم إلى ثلاثة أقسام , أولا المنزع أو الحوش وهو أول ما يدخل إليه الزائر, والقاعة الثانية عبارة عن قاعة وسطيه مملوئه بحرارة مناسبة , تفصله عن الأولى ستاره, والقاعة الثالثة هي مكان الاغتسال وتكون على شكل دائري أو مستطيل تنتشر حولها أحواض الماء الساخن والبارد ويجلس على كل حوض مجموعة من المغتسلين, وتغنى بها كثيرا لتصميمها , وعملية إدخال النور لها, فكانت إحدى حواضر بغداد , دار السلام, أم الدنيا كما كان يصفها زائريها, حيث العلم والمعرفة, والفن المعماري العريق المتميز, وكانت الحمامات منتجعات للترفيه والطبابه والغناء, ,وكان للحمام طقوس وعاداة وأجواء زاخرة بالطرافة والفكاهة والغناء إثباتا للموهبة. 



ومن النوادر التي تذكر عنها (إن احد عمال تنظيف الحمام, وهو يقوم بتنظيفه, كان يغني, وأعجبه صوته من خلال الصدى الذي يتولد في الحمام, فقال في نفسه لما لا أذهب إلى الخليفة واعرض موهبتي أمامه علي إن أفوز بجائزة منه, وفكر انه إذا ذهب إلى حاضرة الخليفة فماذا يأخذ معه للغناء فيه كي يحصل على الصدى المطلوب, ففكر في اخذ حوض الماء الذي يجلس إليه رواد الحمام من أجل التحمم, ولكنه استكبره واستثقله, فما كان منه إلا أن اختار وعاء صغير من الفخار يحمل به الرواد الماء من الحوض ودلقه على أجسامهم, وعندما ذهب إلى قصر الخليفة, اخبر الحاجب بمهارته في الغناء, فأذن له الخليفة بالغناء, ولكن اشترط عليه العقاب والثواب, العقاب إذا لم يكن كما يدعي, والثواب إذا كان كما يقول ويطرب الحاضرين, وبعدما بدأ بالغناء أمتعظ الحاضرون كما الخليفة من صوته النشاز, فسأل الخليفة الحاضرين عن رأيهم بصوته , فأنكروا عليه حسن الصوت, فسأل الخليفة عن العقوبة التي يستحقها , فقالوا الأمر للخليفة, عندها أمر الخليفة أحد الحراس بمليء الوعاء الذي بيده بالماء, وبعد مليء الوعاء بالماء , أمره أن يدور على الحاضرين وكل واحد يغمس يده بمحتوى الوعاء و يضربه على خده , وهكذا إلى أن يجف الوعاء وصار كذلك, وهو يقول عند كل ضربه , دفع الله ما كان أعظم, عندها سأله الخليفة ما هو الأعظم , فقص على الخليفة فكرته الأولى بجلب الوعاء الكبير, عندها ضحك الخليفة, وأمر له بهدية بعد أن اكتفى بعدد الضربات التي لحقت به )) ولقد قدر عدد الحمامات في بغداد بعشرة ألاف حمام كما ورد في توثيق المؤرخ اليعقوبي في القرن الثالث الهجري ( 955 م ) وبدأ عددها بالتناقص , إلى ألفي حمام في القرن السادس الهجري, وتعرف الأتراك على الحمامات بعد دخولهم الإسلام , ووصلوا إلى بغداد , فقاموا بنقل فكرة الحمام إلى موطنهم أسيا الوسطى ,لذا من الخطأ تسميتها بالحمام التركي , و كان الحمام جزءا من حياة أهل بغداد الحافلة بالمعتقدات والعاداة الشعبية والحكايات, إذ لا يوجد بغدادي ليس له حمام يرتاده, ونادرا ما تجد حمام خاص إلا لدى الموسرين , حيث بدأ الموسرين ببناء بيوتهم على ألطريقه الحديثة ومن ضمنها بناء الحمامات الخاصة وذلك مع بدء القرن العشرين الميلادي, وكانت الحمامات منها خاصة للنساء وأخرى للرجال , وكانت هناك حمامات تستخدم نهارا للنساء وليلا للرجال , أما الوقود عبارة عن بقايا الأشجار , وقشرة القمح, وفضلات الحيوانات, واستمرت بعدها علاقة اهل بغداد بالحمامات بعاداة وتقاليد خاصة بهم , حيث كانوا عند الزواج يقوم احد أصدقاء العريس بدعوته مع مجموعة من الأصدقاء إلى الحمام ليلة عرسه ويحتفلون به لتهيئته للعرس, كذلك يتم دعوة العروس نهار عرسها إلى الحمام مع صديقاتها وأهلها وتبدأ ألاغاني في الحمام, ويجلبون معهم بعض المأكولات والحلوى, وهكذا كان شاهد من نتاج التاريخ العباسي إلى يومنا هذا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 2:27 pm

حمامات السوق..

ذاكرة شعبية لابناء بغداد








ليست هناك مدينة في الكون مثل بغداد صنعت تاريخها بعذاباتها. مجدها شعراؤها حتى وصفوها بجنة الخلد، ورثوها بمراثيهم حتى وصفوها بارض الخراب وينبوع الدم.ماتت ثم قامت للحياة عشرات المرات. انها بعشر ارواح. تستنسخ علماءها وافذاذها وكرامها وشعراءها مثلما تستنسخ انذالها ولصوصها وطغاتها. انها اعجوبة الامل واعجوبة الالم، وبرغم كل شيء تبقى بغداد هي بغداد كما وصفها ياقوت الحموي في معجم البلدان: "ام الدنيا وسيدة البلاد". اخذت حمامات بغداد حيزا كبيرا من الذاكرة الشعبية البغدادية. ويكاد المؤرخ يجزم بأن لا أحد من البغداديين من لم يدخل الحمام. وبالطبع فإن "دخول الحمام ليس مثل الخروج منه" كما يقول المثل العامي.



اصبح الحمام في بغداد جزءا من الحياة البغدادية منذ عصور موغلة في القدم، وكثيرا ماتحدث الذين عاصروا الفترة العباسية منذ بناء بغداد عن حماماتها، وحكايات طريفة عن تلك الحمامات التي أصبحت جزءا من الفولكلور البغدادي. أما "ألف ليلة وليلة" فقد زخرت بحكايات كانت احداثها تمر على حمامات بغداد في ذلك الزمن أما في أواخر العهد العثماني وبداية الاحتلال البريطاني لبغداد 1916 وحتى الوقت الحالي فإن الحمام البغدادي مازال جزءا من حياة بغداد الحافلة بالمعتقدات والعادات الشعبية والحكايات، ولايوجد بغدادي في بداية ذاك القرن من لم يكن له حمامه العام الذي كان يرتاده قبل أن تصبح شيئا من الماضي، ذلك لأن البيوت التي سكنها البغداديون أيام زمان من النادر أن تجد فيها حماما خاصا الا عندما أخذت "الخاصة" من البغداديين الموسرين تنشيء حماماتها الخاصة في الفلل والقصور والمنازل الحديثة. الى أن قضت المدنية على تفرد الحمام الشعبي في حياة الناس.



العرس يبدأ منه.. والغناء في الحمام موهبة



كان الحمام شأنه شأن المقهى البغدادي مكانا اجتماعيا يجمع أبناء المحلات المتقاربة، فالمقهى كان للتسلية ولقضاء الوقت وللتواصل الأجتماعي، لكن الحمام العام يتميز عنه بفوائد عديدة حيث لم تكن فائدته مقتصرة على الاغتسال والنظافة انما كان منتجعا للترفيه والطبابة والتعارف والاسترخاء وحتى الغناء اثباتا للموهبة والهواية، وكانت له طقوس وعادات وأجواء زاخرة بالطرافة والفكاهة، وكان من الطبيعي أن يسمع رواد الحمام من يرفع عقيرته بالغناء ليغني المقام البغدادي، أو ليثبت قدرته على الغناء، ويدعي فيما بعد أن صوته جميل حين كان يغني في الحمام ولديه شهود!! لكن العرس في بغداد كان يبدأ من الحمام حيث تبدأ مراسيم العرس بالنسبة للعريس من ساعة أخذه للحمام مع مجموعة من اصدقائه المقربين. وبعد ان يتم "غسله وتشحيمه" يخرجون به الى الزفة في ليلة الدخلة.



حمامات للرجال وأخرى للنساء



كانت هناك حمامات للرجال فقط وأخرى للنساء ايضا. وكثير من البغداديين يتذكرون قصصا طريفة عن ايام طفولتهم وهم في سن الخامسة أو السادسة من العمر حين كانت امهاتهم يصطحبنهم الى "حمامات النسوان" وبعضهم لايسمح له بالدخول برغم ان عمره كان دون السابعة. حيث كان يمنع من دخول حمام النساء من هو في سن السابعة، اعتقادا بان الولد في هذه السن يبدأ بمعرفة اشياء عن المرأة، وقبل أن تجتاز الأم عتبة الحمام مع أطفالها تكون المراقبة قد تفحصتهم جيدا واستخدمت خبرتها ودقة حساباتها في تقدير عمر الولد قبل ان تسمح له بالدخول. وتحصل الكثير من المشكلات تتطلب عادة تدخل المسؤولة



اشهر حمامات بغداد



ذكرت كتب التاريخ ان عشرة آلاف حمام كانت في بغداد في العصر العباسي الأول، حتى أن مؤرخا مثل احمد بن الحسن المنجم قال قولا ظريفا: وجدت مساحة بغداد كلها حمامات ثم طلبت بغداد فلم أجدها من كثرة حماماتها!



أما ابن بطوطة عند تطوافه في العراق فقد قال: أن حمامات بغداد كثيرة وهي من ابدع الحمامات.



كان في جانب الكرخ ـ كما يقول عباس بغدادي عن بغداد العشرينيات ـ ثلاثة حمامات اشهرها "حمام شامي" الذي يعود تأريخ انشائه الى القرن السادس عشر الميلادي. ويقع في علاوي الشيخ صندل وهو دون مستوى ارض الشارع والنزول اليه يتم بسلم من ست درجات، والحمام الثاني هو "حمام ايوب يتيم" والثالث "حمام الجسر" ويقع في مدخل جسر المأمون من جهة الكرخ بجوار "مشهد بنات الحسن"!.



أما في الرصافة فهناك الكثير من الحمامات لكون الرصافة اكبر من الكرخ من ناحية عدد النفوس وعدد المحلات بحيث تجد مابين محلة أو محلتين حماما عاما حسب منزلة صاحبه ومنزلة زبائنه. ومن أشهر حمامات صوب الرصافة: حمام حيدر بقسميه الرجالي والنسائي وهو يقع بجوار ساحة الغريري في شارع المستنصر وحمام الشورجة وحمام بنجه علي مقابل سوق الصفافير وحمام كجو في باب الآغا، وحمام الباشا قرب سوق الهرج. وحمام المالح الذي سميت المحلة باسمه. إلا أن من اشهر حمامات الرجال في بغداد في مطلع ذلك القرن كان حمام يونس في محلة الميدان قرب باب المعظم والذي كان يغتسل فيه أبناء المحلات المجاورة للميدان وبعض البغداديين الذين يقصدونه من أماكن قريبة أيضا.



حمام القاضي وأمثاله



وفضلا عن حمام يونس هناك أيضا حمام القاضي بجانب المحكمة الشرعية، وهذا أكثر رواده من تجار بغداد. والحمام الذي يرتاده التجار والموسرون تكون الخدمة فيه خدمة ممتازة، فصاحب الحمام ومن يتبعه من العاملين معه يعرف التجار الموسرين ومنزلة ومزاج كل واحد منهم من كثرة تعامله معهم. لذلك يكون لكل واحد "دلاكه" الخاص الذي يعرف خريطة جسمه جيدا ومايريحه وما يزعجه من طرق التدليك، أن كان بالكيس الخاص بذلك أم بالليفة.



1. وحمام القاضي من اقدم حمامات بغداد يتميز بنظافة المكان وأناقة "المنزع" و نظافة المناشف، حيث يحتفظ صاحب الحمام بمناشف خاصة لكل شخصية تلائم منزلته والمناشف مثل المنازل درجات، وتكون الخدمة فيه بأحسن مايمكن أن يقدم للزبون من حوض خاص ومن تدليك وإزالة الشعر ب "دوا الحمام" وهو مزيج من النورة والزرنيخ.



واضافة لحمام القاضي كان هناك كما قلنا حمام حيدر وحمام السيد اللذان يحتويان على حمام للنساء وآخر للرجال متجاورين. أما حمام الجعيفر في الكرخ فقد أباح نهاره للنساء وجعل ليله للرجال.



وما أطرف أجواء الحمام حين تسمع قرع الطوس وتصفيق الأيادي وهي وسائل المناداة داخل الحمام وصوت عامل الحمام وهو حامل للمناشف يردد بين دقيقة واخرى جوابه على قرع الطوس: نعم.. حاضر، طيب، جاي..!



الحمام الجيد والحمام (الطرهات)!



مواصفات الحمام الجيد لاتقتصر على نظافة الحمام ونظافة المكان والمناشف وحسن معاملة صاحبه للزبائن. وجودة الخدمة فيه إنما تشمل ايضا حرارة المياه ومهارة "المدلكجي" الذي يعمل فيه واسلوب الخدمة. فهذا المدلكجي الذي يقوم بدلك جسم المستحم بكيس التدليك الأسود الخاص و بمهارة تجعل الوسخ يخرج "فتائل" من الجلد تحت يديه وبأسلوب جيد وبخفة يد ماهرة هو الشخص الذي يرفع من سمعة الحمام أيضا ويجعل الزبائن يتكاثرون عليه.



واغلب الحمامات تكون من ثلاثة اقسام: الأول هو "المنزع" او حوش الحمام الذي أول مايدخل اليه الزبون. يجلس صاحبه على لوج مرتفع في مدخله وحوله اشبه بالرفوف فيها المناشف والصابون ومستلزمات الحمام الأخرى، في حين تحيط بالمكان "دكة" مفروشة بالحصران والبسط يجلس عليها الزبائن ويضع كل واحد منهم "بقجة" فيها أغراضه وملابسه في المكان الذي يختاره، ويشرع في نزع ملابسه حتى يكون "ربي كما خلقتني"!!، ويتقدم منه عامل الحمام ليعطيه الوزرة يلف جسده العاري بها كما يعطيه قبقابا خشبيا يضع قدميه فيه، ويذهب "طراق طريق طراق طريق" الى القسم الثاني "قسم التعرق" وهو قاعة ثانية بدرجة حرارة مناسبة تفصله عن الأولى ستارة من قماش سميك و في وسطها دكة يتمدد عليها الزبون لكي يتعرق وتبدأ قطرات العرق تخرج من جسمه، واذا أراد المستحم مدلكا يدلك جسمه ويخلصه من فتائل الأوساخ المتراكمة على جسده فإنه يطلب المدلك في هذا القسم، و قبل أن يدخل الى القسم الثالث وهي قاعة الاغتسال التي هي قلب الحمام الساخن حيث تتصاعد الحرارة العالية مع بخارها وتضرب باليافوخ. والقاعة مستطيلة أو دائرية حولها أحواض الغسيل وفي كل حوض حنفيتان واحدة للماء الحار والأخرى للماء البارد مع طاستين نحاسيتين.

وغالبا مايشترك عدة انفار في حوض واحد، وهنا يقوم الدلاك بغسل جسم الزبون بالليفة والصابون مرتين أو ثلاث مرات، وحين ينتهي الزبون من الاغتسال يطرق بالطاسة النحاس على حافة الحوض لكي ينبه عامل الحمام بأنه جاهز للخروج ويريد مناشف، ثم يخرج الى مدخل المنطقة الوسطى (التعرق) ليجد العامل بانتظاره حاملا له المناشف النظيفة، أن كانت مناشفه الخاصة التي جلبها معه أو مناشف الحمام. وحين يصل الى مكانه في الصالة الرئيسية يكون قد سمع عبارة "نعيما" مائة مرة وبعدد الموجودين!!. ثم يقدم له شاي الدارسين، وبعد فترة "تنشيف" يرتدي ملابسه النظيفة ويلف ملابسه الوسخة في البقجة التي معه ويقوم بدفع أجرة الحمام وإكراميات على المدلكجي وعامل الحمام والجايجي، ونعيما وعوافي عليك الحمام!



الطقوس واحدة والطباع مختلفة



لايوجد حمام من حمامات بغداد له طقوس مختلفة عن غيره، لكن طباع البغداديين غالبا ماتكون مختلفة، فكل واحد يريد الحمام على مزاجه ومرامه. وعلى هذا الأساس يختار البغدادي حمامه الخاص ومقهاه الخاصة وصحيفته المفضلة وحزبه وزعيمه الخاص به وشيخه الذي يفضله على الآخرين، وهذه طبيعة ترتبط بالشخصية البغدادية، وفي الحمام لابد للمستحم أن يختار مدلكه ولا يحيد عنه لأنه يدلك زين! ومثلما ازدانت حمامات بغداد بزبائنها وبطباعهم وبطرائفهم ازدانت ايضا بتخوتها التي يجلس عليها الزبائن وبالجلسة البرانية وبالناطور والدلاك والجايجي ابو الدارسين والوقاد والزبال والسقاء والأوكير الذي يحمل المناشف والوزرات للمستحمين، ويهيء القباقيب لهم، والذي غالبا مايكون مطلعا على تفاصيل جسد كل واحد من الزبائن فضلا عن كلمة (نعيما) التي تسمعها وترددها ايضا للأخرين 99 مرة حين تقضي نهارك أو ليلك في الحمام. وهذه الكلمة هي مفتاح الألفة والمحبة البغدادية التي لاتسمعها كثيرا إلا في حمامات بغداد.



طرفة من حمام الباشا



الحمام البغدادي كان موضع صياغة النكتة البغدادية فعلى مايروى أن أحد ظرفاء بغداد أراد التخلص من اجرة الحمام، وحالما انتهى من الاستحمام في حمام الباشا ذات يوم واتجه خارجا وكان عليه ان يدفع اجرة الحمام لصاحبه الذي يجلس في المدخل، ادعى سرقة ماله. ادخل يديه في جيبوبه وراح يردد "اويلاخ يابه انسرقت"!



وبعد أخذ ورد مع صاحب الحمام، اعفاه الأخير من الأجرة، وبعد ان كرر هذا الصعلوك الظريف فعلته في الحمام. اضطر صاحب الحمام الى سرقة ملابسه هذه المرة واخفائها عنه. وحين خرج من الحمام في المرة الثالثة لم يجد من ملابسه سوى الحزام والحذاء وغطاء الرأس فشد الحزام على وسطه وهو عار واحتذى حذاءه ولف) الجراوية) حول رأسه وتقدم وسط الحضور وامام صاحب الحمام وهو يسألهم بصوت عال:



الصعلوك الظريف: ابربكم ياجماعة أنا دخلت الحمام هالشكل؟؟! 


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 سيرة   الحمامات Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الحمامات    سيرة   الحمامات Emptyالسبت 03 مايو 2014, 2:29 pm

حَمّامات بغداد أيّام زمان

منتجعات للترفيه والطبابة والغناء

فلاح زكي

في مذكراته (المملكة العربية السعودية كما عرفتها) التي كتبها الحاج المرحوم امين المميز ، يصف وزير العراق المفوض في السعودية لحظة وصوله الى مطار جدة في العشرين من مايس عام 1954 ولحظة خروجه من الطائرة بانها تشبه الدخول الى (حمّام حيدر) ، لحرارة جو الحجاز العالية المشبعة بالرطوبة.



و(حمّام حيدر) الذي يضرب به المثل، كان في شارع المستنصر قرب محلة رأس القرية، وينسب إلى حيدر جلبي من أغنياء بغداد وموسريها، وهو احد بقايا عشرة آلاف حمّام في بغداد وحدها، كما قدرها المؤرخ اليعقوبي في القرن الثالث الهجري (955م)، قبل ان يتناقص عددها ليصل في القرن السادس الهجري الى الفي حمّام فقط!



وكلمة (حمّام) أصلها (حمّى) باللغة العربية وتعني الحرارة المفرطة وقد وردت بصيغة (حمّام تركي) لدى البعض على الرغم من أن الأتراك لم يستخدموا الحمّامات حينما كانوا بدواً في موطنهم الاصلي بآسيا الوسطى، لكنهم استخدموها بعد دخولهم الى الإسلام.



واصبح الحمّام في بغداد جزءًامن الحياة البغدادية منذ اقدم العصور ، وفي أواخر العهد العثماني وبداية الاحتلال البريطاني لبغداد عام 1916 فإن الحمّامات البغدادية كانت جزءًا من حياة (البغادة) الحافلة بالمعتقدات والعادات الشعبية والحكايات، اذ لم يوجد بغدادي في بداية القرن الماضي ليس له حمّامه العام الذي كان يرتاده قبل أن تصبح شيئا من الماضي، لأن بيوت البغداديين أيام زمان نادراً ما تجد فيها حمّاماً خاصاً الا عند الموسرين منهم الذين بنوا القصور والمنازل الحديثة.



ويتذكر الحاج سبع عبود ، الذي مازال يتردد على احد حمامات الكرادة ، ان الحمّام البغدادي كان ملتقى اجتماعياً يجمع أبناء المحلات المتقاربة، ويتميز بفوائد عديدة لا تقتصر على الاغتسال والنظافة ، انما كان منتجعاً للترفيه والطبابة والتعارف والاسترخاء وحتى الغناء اثباتاً للموهبة والهواية ، وكانت له طقوس وعادات وأجواء زاخرة بالطرافة والفكاهة

يتكون اغلب الحمّامات من ثلاثة اقسام ، الأول (المنزع) او حوش الحمّام وهو الذي أول ما يدخل اليه الزبون حيث يجلس على (لوج) مرتفع في مدخله وحوله اشبه بالرفوف فيها المناشف والصابون ومستلزمات الحمام الأخرى، وتحيط بالمكان (دكة) مفروشة بالحصران والبسط يجلس عليها الزبائن ويضع كل واحد منهم (بقجة) فيها أغراضه وملابسه ويشرع في نزع ملابسه ويتقدم منه عامل الحمام ليعطيه (الوزرة) او ما يسمى (البشطمال) يلف جسده بها كما يعطيه قبقاباَ خشبياَ يضع قدميه فيه.



بعدها يذهب الزبون الى (قسم التعرق) وهو قاعة ثانية بدرجة حرارة مناسبة تفصله عن الأولى ستارة من قماش سميك وفي وسطها (دكة) يتمدد عليها الزبون لكي يتعرق ، واذا أراد المستحم (مدلكجياً) فطلبه موجود حتماً.



ثم يدخل المستحم الى قاعة الاغتسال التي هي قلب الحمام الساخن حيث تتصاعد الحرارة العالية مع بخارها ، وهي قاعة مستطيلة أو دائرية حولها أحواض الغسل وفي كل حوض حنفيتان ، واحدة للماء الحار والأخرى للماء البارد مع (طاستين) نحاسيتين.



وغالبا ما يشترك اكثر من شخص في حوض واحد، وهنا يقوم (المدلكجي) بغسل جسم الزبون بالليفة والصابون مرتين أو ثلاث مرات، وحين ينتهي الزبون من الاغتسال يطرق بـ (الطاسة) النحاس على حافة الحوض لكي ينبه عامل الحمّام بأنه جاهز للخروج ويريد مناشف، ثم يخرج الى مدخل المنطقة الوسطى (التعرق) ليجد العامل بانتظاره حاملا له المناشف النظيفة، ثم يقدم له شاي الدارسين، وبعد فترة (تنشيف) يرتدي ملابسه النظيفة ويلف ملابسه الوسخة في (البقجة) التي معه ويقوم بدفع أجرة الحمام وإكراميات (المدلكجي) وعامل الحمّام و(الجايجي)



وما يثير الدهشة ان وقود تلك الحمّامات كان (روث الحمير) ! اذ كان يوجد الى جوار كل حمّام (تلّ) من روث الحمير يشترونه من (النكاكيب) وهم باعة الطابوق والجص والقصب والحصران، ولهؤلاء الباعة عدد من الحمير فإذا (روثت) حملوا الروث إلى الحمامات وباعوها لأصحابها ، وينشأ من هذا الروث بعد إحراقه لتسخين ماء الحمام نوع من الرماد شديد الزرقة كان أصحاب الحمّامات يبيعونه لبائعي المواد الإنشائية الذين يخلطونه بالنورة فينشأ منه ما هو اشد قوة من السمنت.



واذا ذكر حمّام الرجال فلا بد ان يذكر (حمّام النسوان) الذي اشتهر في الامثال الشعبية كمكان يضج بالاحاديث الصاخبة للمستحمات ولا يفهم منه شيء.



وحمّام النساء هو نفسه حمام الرجال إلا أن ذلك الحمام يترك نهاراً لاستحمام النساء ويعمل ليلاً في خدمة الرجال المستحمين.



تقول الحاجة (ام سمية) : كان يوم الذهاب الى الحمام يوم (كسلة) بالنسبة للمرأة، تصحب معها (الركية) وهي اناء دائري مضلع على شكل (اشياف) الرقي مصنوع من (الصفر) أي النحاس، وله غطاء وتستخدمه لحفظ التجهيزات الخاصة بها مثل (الديرم وسبداج الوجه وكيس الحمام والليفة والصابونة ومشط الخشب والحجارة السوداء.



وعلى ذكر المثل (اذا ضاق خلكك اتذكر ايام عرسك) تستذكر الحاجة ام سمية التي جاوزت عقدها السابع من العمر احلى ايام عمرها ، وتقول ان العروس كانت تأتي الى الحمّام برفقة صاحباتها فيتحول المكان الى احتفال تتعالى فيه الزغاريد والاغاني حيث تكون (طاسات الصفر) ، في مقدمة آلات العزف المصاحبة للغناء! وتضيف ان بعض النسوة المستحمات يقضين معظم النهار في الحمّام ، لذلك تراهن يستحضرن جميع ما يلزمهن من الطعام مثل الكباب والكبة وخبز العروك والفواكه لاسيما النومي حلو ولايرجعن الى بيوتهن الا عصراً، وذلك تنفيساً لبقائهن في بيوتهن شهراً كاملاً او اكثر لا يخرجن منه الا للجيران او الاقرباء !



وللبغداديين قصص طريفة عن ايام طفولتهم وهم في سن الخامسة أو السادسة من العمر حين كانوا يذهبون مع امهاتهم الى (حمّام النسوان) وبعضهم لايسمح له بالدخول بالرغم من ان عمره كان دون السابعة لاعتقاد بعض النسوة ان هؤلاء الاطفال قد يسترقون (النظر المحرم) لان عيونهم ربما تزيغ هنا او هناك بقصد او بلا قصد!



وللعرسان حكايات لاتنسى ، اذ كان العرس في بغداد يبدأ من الحمّام حيث تبدأ مراسمه بالنسبة للعريس من ساعة أخذه للحمّام مع مجموعة من اصدقائه المقربين الذين يدفعون اجور (الحمّام) تكريماً له ، وبعد ان يتم (غسله وتوظيبه) يخرجون به الى الزفة في ليلة الدخلة !



ويبدو ان نوري السعيد كان من رواد احد حمّامات بغداد في منطقة الحيدرخانة ، على وفق قول 



الحاج رجب رشيد الذي كان يسكن في بيت العائلة قرب الحمّام ، ويشير الى ان (الباشا) كان يصحب مرافقه (الشرطي) الذي يحمل (بقجة) ملابس اشهر رئيس وزراء عراقي وهما يدخلان الى الحمّام!!!

واذا تحدثنا عن اشهر حمّامات الكرخ ، فلا بد ان نذكر (حمّام شامي) الذي يعود تأريخ انشائه الى القرن السادس عشر الميلادي ويقع في علاوي الشيخ صندل و(حمّام ايوب يتيم) و(حمّام الجسر) ويقع بجوار (مشهد بنات الحسن) و(حمّام الجعيفر) في الكرخ. أما في الرصافة فأشهرها (حمّام حيدر) بقسميه الرجالي والنسائي و(حمّام الشورجة) و(حمّام بنجه علي) مقابل سوق الصفافير و(حمّام كجو) في باب الآغا و(حمّام الباشا) قرب سوق الهرج و(حمّام المالح) الذي سميت المحلة بأسمه و(حمّام الكهية) و(حمّام يونس) في محلة الميدان قرب باب المعظم و(حمّام عيفان) و(حمّام القاضي) بجانب المحكمة الشرعية وأكثر رواده من تجار بغداد ويتميز بنظافة المكان وأناقة (المنزع) و(حمّام السيد) و(حمّام الراعي) يقع في محلة باب الشيخ و(حمّام السيد يحيى) في محلة سوق الغزل في سوق العطّارين، و(حمّام كيجه جيلر) و(حمّام بكتاش خان) وغيرها من الحمّامات التي اختفت من بغداد الان.



وبعض الحمّامات تكاد تكون خاصة لمستحمين لا يتردد غيرهم عليها ومنها التي لا تسع أكثر من أربعة أشخاص وهي تقع داخل البيوت. واخذت حمّامات بغداد حيزاً كبيراً من الذاكرة الشعبية البغدادية ، ويكاد المؤرخ يجزم بأن لا أحد من البغداديين من لم يدخل (حمّام السوق) كما يطلق عليه اليوم. ولا يوجد حمّام من حمّامات بغداد له طقوس تختلف عن غيره، لكن طباع البغداديين تكون مختلفة عموماً ، فكل واحد يريد الحمّام على مزاجه ومرامه ، لذلك يختار البغدادي حمّامه الخاص ومقهاه الخاصة وصحيفته المفضلة وحزبه وزعيمه الخاص به وشيخه الذي يفضله على الآخرين، وفي الحمّام لابد للمستحم أن يختار مدلكه ولا يحيد عنه !



وعلى اريكة متهالكة في مقهى حسن عجمي في محلة الحيدرخانة ، جلس الحاج خليل ابراهيم بجسده المتعب متأملاً صخب الباعة والحمالين في شارع الرشيد، وحين عرف ان الموضوع عن حمّامات بغداد، قال بلهجة بغدادية ( أغاتي، كانت الناس ايام زمان تدخل الحمّام لتنظف اجسامها، اما اليوم فلن تستطيع حمّامات الدنيا تنظيف نفس توسخت بالحرام ويد تلطخت بالدماء .!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
سيرة الحمامات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سيرة وطن سيرة حياة غازي الخليلي
» سيرة الكرملين
» سيرة الموت
» سيرة هارون الرشيد؟
»  محطات في سيرة حسن نصر الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث ثقافيه-
انتقل الى: