أين هـي تـلك المثاليـة الكامـلة ؟.؟؟؟
يشقى كثيراَ من يريد الحياة على أصولها .. من يريد حياة بلا منقصات .. من يريدها بالقسطاس المستقيم .. من يريد أن يحسبها واحد زائد واحد يساوي أثنين .. وتلك من مستحيلات السنة الكونية .. وخاصة في معاملات البشر مع بعضهم البعض .. فالطبائع ليست لدى الناس مفطورة بذلك التساوي .. نراها تبكي كثيراَ لأن شريك حياتها فيه بعض العيوب التي تجلب الهموم والغم .. ونراه يشتكي كثيراَ لأن شريكة الحياة ليست بتلك المكملة المجملة التي كان يحلم بها طوال حياته .. وينسون أن كل جانب يحمل جينات الصفات وأضدادها .. كل جانب مثقل بناحية من الإيجابيات ومثقل كذلك بناحية من السلبيات .. ولا يعقل أن يريدها البعض حياةَ كلها ايجابيات ثم يشتكي ويتذمر من السلبيات .. بل يتضايق كثيراَ ويعاني من الهموم .. وفي مفهومه الحياة يجب أن تكون حسب الأصول .. خالية من الهفوات ومكملة بالمثالية دون شوائب .. وذلك لا يحدث إطلاقاَ في مجتمعات البشر .. أو في معاملات الناس مع بعضها البعض .. وشوارع المجتمعات فيها الجوانب الصالحة والجوانب الطالحة .. وهي عادة تؤثر سلباَ أو إيجاباَ في سلوكيات الناس .. وقد تكسب السلبيات بمؤثرات هي بالفطرة أو بالمشاهدة أو بالتقليد .. وكذلك قد تكسب صفات المثالية والكمال بمؤثرات بالمجتمعات وشوارعها .. والإنسان الذي يجيد موازنة الأمور لا يفرض ويوجب ما ليس في الإمكان .. ولا يحمل نفسه هموم المنقصات بل يحسب ذلك من سنن حياة البشر .. ثم من تلك الفرضية يعمل على قبول الإيجابيات والاجتهاد بقدر الإمكان في معالجة السلبيات .. أما ذلك الإنسان الذي يراوده حلم المثالية المطلقة والكمال في حياة وتصرفات الناس هو يشقى بالهموم والغم دون جدوى .. ينادي ويحلم بالمثالية الخالية من العيوب طوال حياته دون أن يجدها .. ويقال في المثل الشعبي لأمثال هؤلاء ( هل تريد أن تصلح الكون بيدك ؟؟ ) .. والكون هو صالح بحكمة رب العالمين يسير بموازنة تحمل الصفات وأضدادها .. ثم هناك المعاني الغيبية التي توجب أمراَ نراه سلباَ وهو لحكمة قد يكون غير كذلك ..( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّواشَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )..فإذن يشتكي الشاكي المتذمر وليس في يده إصلاح كون هو صالح بموازين الأقدار .. والعيب ليس في كون يتطلب الإصلاح .. إنما العيب في نفس تفقد الحكمة في المعايير .. وكل مجريات الحياة شائكة بالصفات وأضدادها .. وكل قدر لا بد أن يقع في حينه سواء أشتكي الشاكي أو لم يشتكي .. فلماذا يحمل بعض الناس هموماَ في القلب تسلطاَ وهو لا يملك أمرها ؟! .. ولماذا يرى بعض الناس الحياة دائماَ بمنظار أسود ؟؟ .. ولماذا لا يقبل الجدل بأن الحياة فيها السعادة حيناَ وفيها المنقصات حيناَ وفيها المبكيات حيناَ وفيها المضحكات ؟؟ .. ويجري نفس المعيار كذلك في الكثير من الأمور السياسية والاجتماعية .. سلبيات وإيجابيات .. وهناك من يريدها كلها ايجابيات دون سلبيات .. ثم يشتكي ويعاني في نفسه .. والشكوى منه والمعاناة والدموع لا تؤخر ولا تقدم .. إنما هي حسرة في الفارغة .