أنس العمريين
هي..سنابل القمح الذهبية التي ما زالت الطبيعة تمايل حباتها الخضراء ،متراقصة في حقولٍ حرَثها الفلاحُ بيديه وزرعها بروحه وسقاها من عرقه وحصدها مبتسماً، كأنه جنا الذهب بعد جهد وتعب، يكدسها أكواماً تفوح منها رائحتها المباركة.
غاليةً باهميتها وقيمتها وبما تشكله من ضرورة غذائية ،فهي المسجلة حصرياً في قائمة المأكولات الشعبية في الطفيلة، هي أفضل من يجعل منها الأطباق الفاخرة على مائدة الطعام خاصة في شهر رمضان المبارك، لجودة قمحها وأمانة إنتاجها وتقديمها ونكهتها الخاصة، وللصعوبة البالغة في استخلاصها وبذل الجهد الكبير لتجهيزها يدوياً.
محمد تركي العجارمة حدثنا عن العزيزة «الفريكة وقال: هي أكلة تراثية شعبية قديمة، كانت ومازالت تعتبر أفخر وأطيب الأكلات في الطفيلة، طبعاً هي حبات القمح أو كما يسميها البعض «الحنطة» التي تزرع سنوياً في سهول مصال وخانق اللوز والعالية وشريف الجنوب والسلع والمعطن والمناطق الشرقية من المحافظة، والقمح في بلدنا يعتبر من أجود أنواع القمح في العالم».
وعن طريقة استخلاص «الفريكة» من القمح قال» يتمُّ حصد القمح وهو ما يزال سنابل، وذلك عندما يكون في مرحلة وسط ما بين الأخضر واليابس، فيكوَّم في بيادر بحيث تكون حبة القمح ما تزال مخبأة في قشرتها لا يابسة ولا خضراء، فتحاط بيادر القمح المحصود ببعض القشر وتوقد النار به، حتى تشوى حبات القمح وتحترق قشرتها وتتساقط على الأرض، ثم تجمع وتغربل جيداً وتفصل عن القشر المحروق، يلي ذلك المرحلة الثانية وتسمى «الفرك» وهي فرك القمح حتى تفصل الحبة عن كل ما يعلق بها من قشور وخلافه، وتبقى حبات القمح نظيفة وسليمة ويبدو عليها اللون الأخضر الخفيف المحروق، وتفوح منها رائحة القمح المشوي، وبعد هذه الخطوات كان أجدادنا يضعون حبات القمح المشوية في حجر «الرحى» (الجاروشة) وتدار حتى تتكسر بعض الحبات دون أن تهرس وتكون بذلك حبوب الفريكة جاهزة للاستعمال، حالياً توجد بعض الآلات التي سهلت الأمر كثيراً واختصرت الوقت في تجهيزها، لكن استخلاصها يدوياً أطيب وألذ وذو نكهة مميزة».
..وفي الحديث عن أنواع «الفريكة» قال المزارع محمد عيسى المرايات «الفريكة في الطفيلة لا يعلى عليها ، أما في السوق فهناك نوع أول وهو الذي يتمُّ تجهيزه في العام نفسه، وإذا مضى عليها اكثر من عام سميت نوع ثاني، وقديماً وحديثاً لا يوجد في «الطفيلة» أكلة أكثر وجاهة من تقديم «الفريكة» لأنها أفخر ما يقدم من الاكلات الشعبية خاصة بالمناسبات مثل الأعراس والعزائم في البيوت».
وبالنسبة لطريقة طهيها قال: «تطبخ «الفريكة» بعدة أشكال، وطريقة إعدادها تحتاج إلى خبرة ومهارة ونفسٍ في الطبخ، وطريقة إعدادها باختصار، هي أن تطبخ بعد غسلها عدة مرات حتى تتخلص من الأتربة إن وجدت، أو كما يسميها النساء «تصويل» ويضاف إليها السمن البلدي وتحرك وتقلب جيداً، ثم تغمر «بمرقة» اللحم او الدجاج المسلوق ويضاف إليها الملح والتوابل وعندما تنضج تسكب ويوضع على وجهها قطع اللحم او قوانص وقطع الدجاج».
وتابع المرايات :» الكثير من الضيوف يفضلون تناول طبق «الفريكة» لشهرة الطفيلة بإعداده، وتعتبر غالية الثمن نوعاً ما، ربما لصعوبة إعدادها واستخلاص حباتها، حيث يباع الكيلو الواحد ما بين (3-4) دنانير.
وعن «الفريكة» في البيت وعلى المائدة قالت أم عماد القطامين: «هي من أطيب ما يقدم على المائدة، وهي مفيدة جداً للصحة والجسم، وغذاء متكامل لأنها مصنوعة من القمح الطري الذي لم يجف بعد، حيث نقدّمها في المناسبات لأنها تدل على الكرم والطعام الفاخر».
وأضافت «بالنسبة لنا أكلة «الفريكة» من ألذ الأكلات وأطيبها، لكن البعض يلجأ إلى غشها وذلك بخلطها مع مادة «البرغل» الخشن، وكما يقول المثل الشعبي «أكلة الفريك ما بتحب الشريك» أي أنها لا تخلط مع أي شيء آخر».