ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: بين الفوضى .. والتنظيم الخميس 26 يونيو 2014, 6:17 pm | |
| [rtl] بين الفوضى .. والتنظيم[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl]
إبراهيم كشت
ضمن ما أُتيحَ لي الاطلاع عليه ، لم أجد تعريفاً لمفهوم (التنظيم) بمعناه الشامل ، يتناول دلالته كقيمة وضرورة ، تتطلبها حياتنا في جميع جوانبها ، سواء في ذلك تنظيم الأفكار كوسيلة للوصول إلى ما هو صحيح بطريقة صحيحة ، أو تنظيم الواقع بهدف السيطرة عليه وتحسين التكيف معه . وبناء على ذلك ، أجتهد بالقول إن التنظيم بمفهومه الواسع يشير إلى: تقسيم أو تصنيف الأفكار أو الأشياء أو الأوقات أو الأعمال وفقاً لمنهج ، ثم ترتيبها تبعاً لذلك، والتعامل معها على هذا النحو . ولعل مما تجدر الإشارة إليه هنا ، هو أن التقسيم يختلف عن التصنيف – سنداً لعلم المنطق – ويبدو أن هذا الاختلاف كثيراً ما يغيب عن أذهاننا عندما نستخدم هذين اللفظين كمترادفين ، مع أنهما ليسا كذلك ، فالتقسيم يبدأ من عند الكلِّ وينتقل إلى أجزائه وأفرادياته التي تندرج تحته ، أما التصنيف فيبدأ من عند الأجزاء والأفراديات ليضمنها في فئات ومجموعات وكلٍّ واحد . وعلى أية حال ، سواء تعلق التنظيم بالأفكار أو بالزمان أو المكان أو الأفعال ، فإنه يتضمن في ماهيته وجوهره تقسيماً أو تصنيفاً .
حين يغيب التنظيم .. ندركـ أهميته والتنظيم بكافة مجالاته وتجلياته ، من القيم التي يُدرَكُ أثرها – أكثر ما يدرك – حين تغيب ، فغياب التنظيم لا يعني الفوضى وحسب ، وإنما يؤدي إلى العشوائية والتخبط والتشتت والخلط والتداخل والضياع أيضاً ، وينشأ عنه هدر الأفكار والمواهب والطاقات والقدرات والأوقات والموارد ، إنه هدر للحياة ذاتها ، من خلال هدر أهمّ مكوناتها وعناصرها . ولما كان إدراك الواقع وفهمه ، والتنبّه إلى عناصره ومجرياته وأحداثه وأشيائه ومتطلباته ، يبدأ عادة كفكرة في الذهن ، قبل أن ينتقل إلى التطبيق في الواقع ، فإن لتنظيم الأفكار ، أو للتفكير المنظم ، تأثيراً مهماً وأكيداً في مجال تنظيم الواقع .
التفكير المنظم ولكي يكون التفكير منظماً ، ينبغي أن يكون قادراً على التقسيم والتصنيف ، ولا يمكن تقسيم الأفكار والأشياء وتصنيفها ، إلاّ بتمييزها ، ثم معرفة العلاقات بينها . وعلى ذلك فإن التفكير المنظّم قادر مثلاً على التمييز بين المشكلة وعواملها وأسبابها وأعراضها ونتائجها ، وقادر عن التمييز بين المقدمة والاستدلال والنتيجة ، والتمييز بين المدخلات والعمليات والمخرجات والتغذية الراجعة ، وبين الفرضية والنظرية والحقيقة ، وبين البيانات والمعلومات والمعرفة والحكمة ، كل ذلك دون خلط أو تداخل . وتبعاً لمفهوم (التنظيم) الذي تقدم ذكره ، فلا بد للتفكير المنظم من إتباع منهج ، أي سلوكِ طريقٍ قويم يؤدي إلى الوصول للغاية ، من خلال إجراءات واضحة ، وخطوات متسلسلة ، تتحرى الصحيح وتتجنب المغالطة والخطأ . وبالتالي فإن التفكير المنظم ينطلق من نقطة بداية ، تكون عادة مشكلة ، أي سؤالاً مطروحاً في الجانب النظري أو العملي في الحياة. ومن عند تلك البداية تكون سلسلة خطوات المنهج المحدد ، سواء بجمع البيانات وتكوين المعلومات ووضع الفرضيات واختبارها للوصول إلى الحقيقة ، أو من خلال طرح البدائل ، وتحديد سلبيات وايجابيات كل منها، والمفاضلة بينها ، وترجيح الأصوب والأجدى بينها . ثم يكون بلوغ الهدف من خلال التوصل إلى نتائج أو قرارات أو تفسيرات أو حقائق .
فوضى التفكير والتفكير المنظم ، بما فيه من تمييزٍ وتحديد ، وتصنيف أو تقسيم ، وإتباع لمنهج صحيح ، أمر يمكن تعلّمه وتعليمه ، والتدرب عليه ، وتنميته وصقله . ومع ذلك يغلب أن يغيب مثل هذا التفكير المنظم عن منهج تفكير كثير من أفراد المجتمعات النامية ، حتى يصل فوضى التفكير لديهم إلى خلط الخيال بالواقع ، والأماني بالحقائق ، والآراء الشخصية بالنتائج العلمية ، ويصل حدَّ القفز إلى النتائج من خلال مقدمات لا تؤدي إليها ، واستمرار الدوران حول المشكلة ووصفها وبيان جوانبها دون طرح بدائل أو حلول ، وتفسير الأمور بعلل وأسباب لا علاقة لها بالواقع أو المنطق أو الحقيقة .
فوضى التعبير وربما كان أول مجال في الواقع ينعكس عليه تنظيم التفكير (أو غياب ذلك التنظيم) هو التعبير ، سواء أكان لفظياً أم كتابياً ، وتصدق على ذلك فعلاً مقولة العالم العربي صاحب كتاب أسرار البلاغة (عبد القاهر الجرجاني - المتوفي سنة 1078 ميلادية) حين ذهب الى أن: (ترتيب المعاني في الذهن ، هو الذي يفضي الى ترتيب الألفاظ في العبارة) ، ولعل غياب التفكير المنظم هو سرُّ ما تلحظهُ من غياب المنهج ، فيما تسمع أحياناً من أحاديث عامة ، أو حتى آراء وتعليقات في الندوات والمحاضرات ، أو فيما تطلَّعُ عليه من موضوعات إنشاء أو بحوث يكتبها الطلبة ، أو فيما تقرأ (على نحو خاص) في منتديات الانترنت ومدوناته، فكأن القاعدة في القول لدى الكثيرين هي (قل أي شيء ، المهم أن تقول شيئاً) ، فتجد الحديث أو الكتابة قد جاءت على شكل يشبه (التداعيات) ، وذلك بالتعبير عن كل ما يخطر على البال مما يتعلق بالموضوع ، في غياب تام للتسلسل المنطقي ، يعكس غياب التفكير المنظم أصلاً .
تنظيم المكان والزمان والأعمال والتنظيم في جوانب الواقع المتعددة الأخرى يقوم أيضاً على أساس التقسيم والتصنيف والترتيب وفقاً لمنهج ، فالتنظيم المتعلق بالمكان مثلاً ، يقتضى تصنيف الأشياء حسب عواملها المشتركة ، ووضع المتشابه منها في مكان واحد معلوم . وتنظيم الأوقات يستوجب تصنيف المهام حسب أولويتها للبدء بالأهم منها . وتنظيم الأعمال يتطلب تقسيمها وفقاً لطبيعتها أو تبعاً لمن سيؤديها ، كل ذلك من حيث المبدأ ودون الدخول في التفاصيل . لكن مثل هذا التصنيف والتقسيم لا يقوم به عقل عاجز عن التفكير المنظم ، لأن التعامل مع الواقع يعتمد على فهمنا لذلك الواقع ، ومدى قدرتنا على فهم عناصره وتمييزها ، ومعرفة الصلات بينها ، ولعل هذا ما يجعل المجتمعات التي يعاني أفرادها من سوء تنظيم التفكير أبعد عن حسن التعامل مع الواقع ، وعن القدرة على مواجهة ذلك الواقع وتطويره ، وأقرب إلى الفوضى في التعامل مع الأوقات والأشياء والأعمال ، ومع كل شيء . [/rtl] |
|