تقنية
أطفال الأنابيب .. رحلة نجاح مستمرة متجددة!
د. كميل موسى فرام
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
لا يمكن للجهود العلمية التي يبذلها أفراد المعشر الطبي لنشر نسائم السعادة وتوفير الغطاء الصحي أن تتوقف عند حدود الزمن أو الانجاز، فالحرب بين الصحة والمرض مستمرة ومستعرة منذ بداية البشرية على سطح كوكبنا، بل وفرحة الاحتفال باكتشاف العلاج المناسب لأحد الأمراض التي تفتك بصحة الانسان على أمل أن تخلد تلك الحقبة بصفحات الذاكرة، يقابلها ظهور وباء جديد لتجديد أتون الحرب بقدر يجعل الهدنة مستحيلة ويمسح دموع الفرح والأمل، فمعامل البحث العلمي ومختبرات التفريخ تبشرنا على مدار الساعة بفصل التقدم لقهر ودحر عدونا اللدود (المرض بأشكاله وأصنافه)، نتيجة طبيعية لجهود متواصلة وراية تُسلم من جيل لجيل، تشعبت اهتماماتها عبر العصور حتى وصلت انجازاتها للمشاكل العائلية بقالب المشاكل الصحية، وسأفرد حديثي بزاوية اليوم لنشر إضاءآت على واقع عائلي اجتماعي منتشر بأركان المجتمعات يتمثل بحرمان الأزواج من نعمة الحمل والانجاب بما عُرف عن فطريتها كنتيجة واقعية تحتل الركن الثاني من الدستور الزوجي، فتتعقد المنعطفات العائلية وتنتشر غيوم الهموم لحجب مسارب الرؤية بل وتمطر أحيانا رذاذ البؤس فتجعل من هؤلاء يتلحفون معطف الصبر واليأس والقهر بعد قراءة تفسير المعاجم بواحد من أسطرها التي تتمثل بتخليد الأجيال عبر قرون العمر الممتدة، حكمة ربانية قد نجتهد بتفسيرها بدون تفسير لقرائتها أحيانا، حتى انطلق بركان علمي بسبعيات القرن الماضي يحفر على صفحاته شمعة تجديد الأمل وتبديد الظلام ويبشر الأزواج المحرومين بفرص الحمل والانجاب عبر نافذة طبية علمية أخلاقية تعتمد على المساعدة بترتيب أبجديات ظروف الاتحاد بين الحيوان المنوي والبويضة بحاضنات المختبرات التي تتوفر فيها ظروف تسمح بإتمام مراسم البداية التكوينية للجنين، ثم نقل هذا الجنين بأسلوب حِرفي مهني لتجويف الرحم بهدف الانغراس ببطانته إيذانا ببدء رحلته الممتدة، وهو ما يعرف بعالمنا بتقنية
أطفال الأنابيب التي بدأت متواضعة ومرت عبر ظروف التطوير حتى وصلت تقنياتها لمرحلة متقدمة تسمح لنا بترجمة التصور العائلي للشكل المثالي الذي يتمناه الزوجان.
لن أتحدث اليوم عن أسباب فشل حدوث الحمل وربما يكون محتوى متخصصا بمقالة قادمة، ولكن سأصرف جهدي العلمي للتركيز على خطوات الحمل باستخدام تقنية
أطفال الأنابيب بالرغم من قناعتي الشخصية بظلم التسمية التي رافقت هذا الانجاز - بهدف زيادة فرصة النجاح التي نتمناها - ولكنه هكذا الحال بالبدايات، فاستخلص الاسم ليكون مرادفا للواقع، الذي تعرض لاستشعارات وتغيرات اجتهدت بترتيب أحرف صناعتها ليسخرها لخدمة أفراد البشرية المحرومين من هذه النعمة بحدود المستطاع.
البداية الصحيحة بعد ثبوت المبرر لأي من طرفي المعادلة أو برغبة مشتركة لهما تحتاج لوقفة اجبارية قبل أن ينطلق مركب المشوار بالعلم والقناعة أن نسبة النجاح للمحاولة بأحسن ظروفها المثالية المتوفرة لا تتجاوز حاجزاً واقعيا بحدود 25%-30% بدون أن نملك دائما سندا لأسباب الفشل أو تفسيرا لتلك النتيجة، فالحكمة الربانية أقوى وتنتصر، ومن يعتقد بوجود مراكز أو جهود تستطيع القفز عن هذه النسبة، فربما في ذلك خلط ولبس بالتحليل أو القراءة بصورة سطحية للبحث عن فقرة تشفي غليل هؤلاء خصوصا عندما يقع المحتاجون أسرى لتجارب بطولات نُفذت بسراب الأشخاص الذين يدعون الاقتراب من العلامة الكاملة، فالنتائج تعكس جهودا تُبذل من الفرقيق الطبي لرسم ابتسامة وزراعة شتلة أمل بين الأزواج، فأجتهد القول بانتظار جهود علمية مخلصة تتحدث عن فرضية ساعة بيولوجية لفترة زمنية دقيقة بظروفها تسمح للجنين المنقول اليها باستمرارية الانقسام والتطور والنمو بعد الانغراس بجدار بطانة الرحم الذي نال قسطا من الجهود الطبية بالفترة الممتدة من بداية المحاولة لتحضير بيئته بما يتناسب مع وظيفته المقدسة للمحافظة على النسل العائلي والبشري، وهي فرضية قابلة للإثبات ولكنها تبقى أسيرة ومحددة بقدرتها على التفسير لجميع حالات الفشل، دليل برهان على محدودية التحدي للطبيعة مهما كانت وسائل الحرب التي نستخدمها.
الخطوة التالية تسمح بتحليل ظروف الزوجين كأساس صخرة البنيان بغض النظر عن الطرف المتسبب بالتأخير، على أن تكون النتائج المخبرية بتاريخ حديث بسبب التغيرات الفسيولوجية التي تحدث على مؤشرات الجسم عبر الزمن، وحتى أوضح المقصود من عبارتي، فأقول: أن وجود نتيجة فحوصات طبيعية بتاريخ سابق ليست دليل براءة واستمرارية، بل يجب إعادة قرائتها وتحليل معطياتها لأن هناك نسبة تغير طبيعية بحكم العمر على الوظائف الهرمونية بالجسم، فالهدف الأساسي لتحديد مركز الخلل وجعله نقطة الارتكاز بالمشروع القادم، ففي ذلك تأثير معتبر لمقومات الخطة العلاجية التي تستخدم أثناء فترة التحفيز التي تبدأ مع بدء انسياب نزف الدورة الشهرية بشكلها الطبيعي أو نتيجة لتناول علاجات لبرمجة تاريخ الدورة بشكل يناسب الظروف التي تخدم الفكرة، فقد يكون جزء من البرنامج إخضاع الزوج لجرعات علاجية بأشكالها المختلفة; المغذية منها أو الهرمونية بهدف تحسين مقومات السائل المنوي التي تنعكس على النتيجة التي نتمناها، وهي خطوة تجد تحسسا من الأزواج أحيانا لاعتبارات عائلية مرتبطة بإعتقادات الفحولة والرجولة التي نختلف على مسمياتها بقدر يستحق بعض الجهد لتوضيح أولوياتها.
يتقرر البرنامج العلاجي بعد تحليل نتائج الفحوصات المبررة على مبدأ الاجتهاد من حيث الجرعة العلاجية الهرمونية وطريقة تناولها، التي تحتوي عادة على شكلين من الهرمونات، تؤخذ بالتزامن، وغالبا فإن الشائع منها يتكون من جرعة علاجية تحت الجلد بهدف ضبط وظيفة المبيض وعدم السماح للغدة النخامية بإفراز هرمون يؤثر على نضوج البويضات، وبنفس الوقت فهناك جرعة هرمونية من هرمونات التحفيز التي تساعد على نضوج عدد متوسط من البويضات بمساق متقارب مع المساق الطبيعي الذي يسمح باتمام النضوج بحدود منتصف الدورة الشهرية للسيدة، التي تتطلب وضع تصور دقيق لفترة تقييم البويضات أثناء الفترة العلاجية، ويمكننا اعتبار شكلها المثالي بتناول العلاجات لمدة خمسة أيام متتالية، ليقيم الوضع بواسطة جهاز السونار المهبلي لتحديد استجابة المبيض وسمك بطانة الرحم بأمل الحصول على نتائج تتناسب والفترة العلاجية بأمر يسمح بتعديل الجرعة العلاجية أو الثبات عليها حيث مرونة البرنامج تسمح بزيادة الجرعة التحفيزية إذا كان هناك شعور ببطء الاستجابة أو تخفيضيها بوجود قراءات أعلى من المعدل المتوقع، فهناك معادلة دقيقة بين العمر الزمني وحجم البويضات يقدرها الطبيب المشرف مع هامش ضيق بالتحليل، فيعاد التقييم المهبلي للجرعة المعدلة بعد ثلاثة أو أربعة أيام إضافية ضمن الشروط السابقة وبنفس ظروف التحليل للنتائج، ليكون المعدل المتوقع للفترة العلاجية بين عشرة أيام أو اسبوعين وهو المعدل الطبيعي للسيدة بظروفها الحياتية، حتى إذا وصل مقاس البويضات لحجم النوضج المأمول - بحدود 19 مليميتر بقطريها - فتعطى السيدة جرعة هرمونية من العقار المسؤول عن اللمسات النهائية بالنضوج على أن يبرمج الطبيب المشرف لسحب البويضات قبل مرور ست وثلاثين ساعة بهدف إتمام الفصل الأخير بواسطة أخصائي الأجنة بمختبرات الاختصاص، وهنا وقفة الاعتراف بالدور الأساسي لنجاح المحاولة بالاعتماد على مهارات هؤلاء بسبب دقة عملهم، ففنون عملهم دقيقة جدا بالتعامل مع طرفي المعادلة الانجابية.
الثورة العلمية التي تحققت بولادة فكرة
أطفال الأنابيب وترجمتها لواقع أدخل السعادة لملايين العائلات التي عانت الحرمان، بل وتطورت فكرتها لترتيب أمور البيت العائلي بدرجة تسمح بتحقيق حلم آخر حيث يتمكن البعض من اختيار جنس الجنين لترتيب أفراد العائلة ولنا في ذلك وقفة قادمة وللحديث بقية.