الأمية الجديدة..؟!
د. محمد القضاة
تقرأ كل عام عن معدلات الأمية في العالم اجمع، تجد معظم الدول تكافح لتقليل الفجوة بين الأفراد والرغبة الجامحة لدى الجميع لتقليص نسب الأمية ، وهو امر مشروع وضروري في زمن التقانة الحديثة ووسائلها الجديدة. غير ان انخفاض نسبة الأمية في الوطن العربي شعارٌ كاذب، تؤشر عليه ان الأمية تتفشى بين المتعلمين والنخبة السياسية!؟ ومن يتابع الحوارات والنقاشات وبعض المناظرات والمحاضرات في مختلف ارجاء الوطن العربي الكبير يتسلل الى داخله سؤال كبير: لماذا تنتشر الأمية الجديدة في المجتمعات العربية؟ وما تعريفها، وماذا أعددنا لمواجهتها؟ هل النظم التربوية العربية والقُطرية هي المسؤولة؟ هل الجامعات هي السبب؟ هل التخلف الذي يضرب الجذور الثقافية والفكرية هي المشكلة؟
أسئلة لا تعد ولا تحصى ونحن في لب السؤال الامية الجديدة؛ هل هي أمية الحضارة، ام أمية المدنية ،أم أمية التطرف الديني، ام أمية المتعلمين، ام أمية التكنولوجيا، أمية ماذا اذن؟ ان المتابع للأوضاع السائدة في الوطن العربي يدرك اننا دمرنا بيوتنا بأيدينا، وجلبنا الدمار لكل شيء حتى تحولت بعض الدول العربية الى دول فاشلة، وحين تدقق بعمق تجد ان النخب السياسية والفكرية لا تقرأ الواقع بجدية؛ وإنما تبحث عن المغانم التي وصلت بتلك الدول الى الضياع، وصار التندر على احوال العالم العربي في العالم كله أمرا مستهجنا وغريبا.
الامية الجديدة تضرب كل شيء، تضرب النظم التعليمية في المدرسة والجامعة، وتؤكد غياب النخب الفكرية والثقافية عن الحراك المجتمعي، فضلا عن بروز طبقة هلامية لا تعرف غير الواسطة في كل شيء. الامية الجديدة تضرب العقل، وتعمل على امحائه وسرقته الى المجهول، إضافة الى سيطرة التيارات الراديكالية والمتطرفة على المشهد حتى غدت المنطقة في مهب الريح، وصار الحليم حيرانا، الامية الجديدة مسؤول لا يقرأ ولا يعرف متى قرأ اخر كتاب، وإذا قرأ تجده يحفظ عنوان كتاب طيّار لا يدري ما فيه، حتى الصحف فأنت امام أمية القُراء الذين يقرأون العناوين ولا يعرفون ماذا خلفه، وتجدهم يناقشون بأشياء غير صحيحة؟!الامية الجديدة تفتح شهية الجهلة على تسيد الأمكنة كلها دون استثناء، وتتحدث بألسنتهم كخبراء وعلماء، وحين تسمعهم تشعر بالإحباط، انت الان في عالم غريب، ينام في الحليم حيرانا، تسمع وتقرأ وتجد نفسك في متاهات لا حد لها ،وتقول في نفسك هل انت الفهيم الوحيد في عالم لا تعرف فيه رأسك من قدمك من كثرة التحديات والمشكلات.
وأمام كل هذا الواقع الذي الجديد كيف السبيل للخروج من المأزق؟ هل بمزيد من مكافحة الامية؟ ام بعودة جادة الى العقل الذي استنام وشبع نوما؟ ام بماذا؟ نعم تحتاج هذه الأمة كلها الى وقفة جادة تتجاوز فكر المستحيل الى العمل ليل نهار للتخلص من تحدياتها وعلى رأسها هذه الامية التي تضرب أنانية عقول النخب السياسية والفكرية، حيث بات الامر صادما امام عالم يتندر على كل ما هو عربي في الزمن العربي الجديد الذي ترسم خريطته بالدم!