(شرح وتحليل :إضاءة على النص )
قال المتنبي هذه القصيدة يمدح أبا شجاع محمد بن أوس بن معن ابن الرضا الأزدي .
سبب شهرة شعر المتنبي وتناقل الناس له؛ لأن شعره:
أ – مجبول على الحكمة والمعرفة الدقيقة بالنفس البشرية.
ب- ينبئ عن عبقرية حقيقة وعقل مفكر.
أهم ما اشتملت عليه القصيدة من خصائص شعر المتنبي :
1- اشتملت على الحكمة والغزل والمدح
2- الإطلالة على ذات الشاعر .
ما السمة التي تميز بها المتنبي عن شعراء عصره؟
الإطلالة على ذات الشاعر، إذ لم تغفل ذكر نفسه في القصيدة مهما كان شأن الممدوح أو مكانته .
محاور القصيدة:
1- الأبيات من (1- 6) يبرز فيها النسيب وهو: تعبير عن العواطف نحو المرأة.
2- الأبيات من (7- 15) الحكمة وأخذ العِبَر
3- الأبيات من (16 - 22) المديح
نص القصيدة
أرَق عـــلى أرَقٍ وَمثــلي يَــأرَقُ....وجَــوًى يَزيــدُ وَعَــبرَة تَـتَرَقرَقُ
الأرق: امتناع النوم ليلا الجَوَى: الحزن الذي يستبطن الإنسان، فيكون في حشاه. والعَبرة: (بفتح العين) الدمعة.وأما العِبرة (بكسر العين) الاتِّعاظ والاعتبار ما مضى ترقرقت: سالت .
المعنى : يعاني الشاعر من الأرق المتواصل وحرقته تزداد كل يوم ودمعه يسيل أبدا
جُــهدُ الصِّبابَـة أن تَكـونَ كَمـا أُرى....عَيْـــن مســهدة وقَلــب يَخــفِقُ
جُهد الصبابة: الضم : دأب الصبابة والجَهد- بالفتح- المشقة والصبابة: رقة الشوق.
مسهَّدة : مصابة بالأرق المعنى: غاية الشوق أن تكون بهذه الحال التي أنا فيها، أي بلوغ أقصى درجات المعاناة في الهوى .
مــا لاحَ بَــرقٌ أو تَــرَنَّمَ طــائرٌ....إلا انثنيــتُ ولــي فُــؤاد شَــيِّقُ
الترنّم: شبيه الغناء ، وانثنيت: أي انعطفت أو رجعت أو عدت لاح: ظهر شيِّق: مشتاق
المعنى : لم يلمع برق أو نجم ولم يترنم طائِر، يدعو إلْفََه إلا انعطفت ورجعت إلى نفسي، وأنا مشتاق، مُهَيَّج القلبِ لذكر المحبوبة. ولمَعَان البرق يحمل معنيين: أحدهما أنه يذكّره بثغرالمحبوبة المضيء، والثاني أنه يلمع من جانب المحبوبة وناحيتها، فشوقه لهذا الوجه.
جَـربتُ مـن نـار الهـوى مـا تَنطَفيء....نــارُ الغَضــا وتَكـلُّ عَمـا تُحـرِقُ
الغضى: الغضى شجر يوصف بقوة التوقد تكلّ: تضعف أو تتعب
المعنى: جرّبت من نار الهوى ناراً تطفأ عندهما نار الغضى مع شدتها وتضعف أيضًا نارُ الغضى عما تحرقه نار الهوى، يريد أن نار الهوى أشد إحراقا من نار الغضى. وهنا يوازن الشاعر بين نارين : نار الهوى ونار الغضى، ونار الهوى في نظر الشاعر اشد إحراقا من نار الغضى.
لمَ اختار الشاعر (نار الغضى) ؟ لأن الغضى شجر معروف يستوقد به يوصف بقوة التَّوقد، ويبقى جمره زمانا طويلا لا ينطفيء
وعَــذَلْت أهـلْ العِشـق حَـتى ذُقْتُـه....فعجـبتُ كَـيفَ يَمـوتُ مَـنْ لا يَعْشَقُ
العذل: اللوم الفكرة : يريد أن يعظم أمر العشق ويجعله غاية في الشدة
المعنى: كنتُ أعذل أهل العشق، لجهلي به، حتى دفعت إلى العشق ، فلما ذقته عجبت كيف يموت من لا يدخل العشقُ قلبه؟!
ما الغرض البلاغي الذي خرج إليه الاستفهام في(فعجـبتُ كَـيفَ يَمـوتُ مَـنْ لا يَعْشَقُ)
خرج الاستفهام إلى التعجب .
وعَــذَرْتُهم وعَــرفتُ ذَنْبـي أننـي...عَــيرتُهُم فلقيــت منــهُ مـا لَقُـوا
عيَّرتهم: وبَّختهم يقول: لما ذقت مرارة العشق وما فيه من ضروب البلاء عذرت العشاق في وقوعهم في العشق وفي جزعهم وعرفت أني أذنبت بتعييرهم بالعشق فابتليت بما ابتلوا به ولقيت في العشق من الشدائد ما لقوا.
في البيتين السابقين يرسم الشاعر لنفسه صورة يوازن فيها بين ما كان عليه وكيف أصبح حاله.
كيف كانت الصورة : كان يلوم العاشقين على ما يجد فيهم من معاناة حتى ابتُليَ بما ابتلوا به، فصار بعد ذلك يعذرهم ويلوم نفسه على ما عيَّرهم به .
نلحظ في الأبيات الستة الماضية أن المتنبي قد تحدث عن همّه الذاتي ولهذا سيطر عليه الحزن
أبنِــي أَبينــا نَحـنُ أهـل مَنـازِل....أبَــداً غــرابُ البَيْـنِ فيهـا يَنعَـقُ
نعق الغراب صاح. أبني أبينا: أي يا إخواننا. أبني أبينا نداء أي يا أخوتنا ويجوز أن يكون نداء لجميع الناس- لأن الناس كلهم بنو آدم غراب البين : تعبير عن الفراق
والمعنى: يا إخوتاه، أويا بني آدم، نحن نازلون في منازل يتفرّق عنها أهلها بالموت.
وقد أوْرَدَ ذلك موْرِد التّسلية والوعظ للمخاطبين. وتشير العبارة إلى أن كل إنسان يموت
نَبكـي عـلى الدنيـا ومـا مـن مَعْشَرٍ....جَــمَعَتهُمُ الدُّنيــا فلــم يَتَفَرّقُــوا
المَعْشَر والعَشيرة والجماعة: الأهل.
المعنى: نبكي على فراق الدنيا ، ولا بدّ منه، لأن الدنيا دار اجتماع وفُرْقة، وعادتها التفريق والجمع، وما اجتمع فيها قوم إلا تفرّقوا. ما الحكمة المستخلصة من هذا البيت: يجب على الإنسان الاتِّعاظ بالأمم السابقة ولا يبالغ في الحزن على فراق أحبائه؛ لأن الفراق هو من طبيعة الحياة البشرية.
أيــنَ الأكاســرة الجبَــابِرَةُ الأُلـى....كَـنَزوا الكُنـوز فَمـا بَقيـن ولا بَقُـوا
الأكاسرة: جمع كسرى وهم ملوك فارس. والجبابرة: جمع جبار.وهو المتسلّط على الناس والألى: بمعنى الذين، لا واحد له من لفظه. والكنوز: جمع كنز وهو المال المدفون.
المعنى: يقول: أين الملوك، وأين الجبابرة الذين كَنزوا المال وأعدّوه، فلم يُغْن عنهم مع الموت شيئا، فلم تبق الكنوز ولم يبقوا هم .
لماذا اختار الشاعر الأكاسرة ؟ لقد اختار الشاعر الأكاسرة لأنهم جبابرة عظماء طغاة حصلوا على مبتغاهم في السياسية والملك ثم قضى الموت عليهم ؛ ولأن دولتهم أقرب دولة كبرى في ذلك الوقت من الجزيرة العربية.
مِـنْ كُـلّ مَـنْ ضـاقَ الفَضاءُ بجيشهِ....حــتى ثَــوى فَحـواه لَحْـدٌ ضَيـقُ
الفضاء: المكان الواسع. وثَوى: هلك. وأقام في القبر واللحْد: ما يكون في جنب القبر . حواه: ضمه
المعنى: أين الأكاسرة والملوك الجَبَّارون، مِنْ كل ملكٍ ضاقت بجيشة وجنوده الأرض الواسعة؟ انضمّ عليه اللَّحد وضِيقه، بعد أن كان الفضاء يضيق عن جنوده
في البيت مبالغة وهي إحدى سمات شعر المتنبي: أي يبالغ في عظم الجيش حتى ضاق به الفضاء
خُــرس إذا نُـودوا كـأًنْ لـم يَعْلَمـوا....أن الكَــلامَ لَهُــم حَــلالٌ مُطْلَــقُ
خرس: مفردها أخرس والمؤنث وخرساء ، وتعني انعقد لسانه عن الكلام خلقة أو عيَّا
المعنى: هؤلاء الملوك ماتوا، وصاروا، كالْخُرْس لا يُجِيبُونَ إذَا نُودُوا فَكَأَنَّهُم لَمْ يعلموا: أن الكلام لهم حلال مطلق. لو قدروا عليه ..
ما المقصود بالبيت ؟ المقصود : لا يسمعون النداء لأنهم أموات.
وضح الصورة التي رسمها الشاعر للأكاسرة؟ قال أولئك الأكاسرة أصبحوا في لحد ضيِّق بعد أن كان الفضاء الواسع يضيق بجيوشهم وهم موتى لا يجيبون من ناداهم كأنَّهم يظنون أنَّ الكلام محرَّم عليهم فلا يحل لهم أن يتكلموا
والموتُ آتٍ والنفــوسُ نَفــائِسٌ....والمسُــتَعزَ بِمــا لَديْــهِ الأحْــمَقُ
النفائِس: جمع النفسية وهي الشيء الغالي المُستغّر: المغرور، أو المخدوع والأحمق: الجاهل؛ وقيل: الذي لا عقل له.
المعنى: الموت لا محالة آت والنفوس جليلة خليقة بأن يبخل بها، إلا أن المخدوع والمغتر بما لديه، مما لا بقاء له هو الأحمق
ما اللون البديعي في (والنفوس نفائس) جناس ، والنفيس: الذي يُنْفس بما به، أي يُبْخل
وَالمــرء يَــأْمُلُ والحيَــاةُ شــهيةٌ....وَالشَــيب أَوْقَــرُ والشــبيبةُ أَنْـزَقُ
الشَّهِية: المشتهاة الطيبة، والشَّبيبة: الشباب. وأنزق: من النَّزق وهو الخفة والطيش
الفكرة الرئيسة: يقول: المرء يرجو الحياة لطيبها عنده، والشيب أكثر له وقارا من الشباب.
والمعنى: أن الإنسان يكره الشيب، ويحبّ الشَّباب، والشيب خير له، لأنه يفيده الحلم والوقار، وهو يحبّ الشباب، وهو شرّ له، لأنه يحمله على الطيش والخفة، فالشيب أوقر من غيره، والشبيبة أنزق من غيرها.
ولقـد بَكَـيت عـلى الشـبابِ وَلِمّتـي....مُســوَدةٌ وَلمــاءِ وَجــهي رَونَـقُ
اللِّمَّة : شعر الرأس المجاور شحمة الأذن. والرّونق: الحُسْن والنضارة.
المعنى: بكيت على فراق الشباب قبل نزول المشيب بي، وعندما كان شَعْر رأسي أسود، ولماء وجهي رونق، وذلك لعلمي بزواله، وحذري من فراقه.
حَــذَرا عَليــهِ قَبــل يَـومِ فِراقِـهِ....حَــتى لكـدت بمـاءِ جَـفني أشـرَقُ
أشرق : أغص المعنى: بكيت على الشباب قبل زواله حذَراً من فراقه، حتى كدت أشرق بماء جفني، أي أغُص بهِ والمراد به الهلاك، وهنا تبرز المبالغة : أي يبالغ في لكثرة دموعه حتى كاد يشرق بها جفنه.
أمّـا بَنـو أوس بـنِ معْـنِ بنِ الرِّضَا....فــأعزُّ مَــن تحـدى إليـه الأينُـقُ
الأينق: جمع ناقة، والأصل الأَنْوقُ،. تُحدى : حدا الإبل ساقها وحثَّها على السير
المعنى: هؤلاء الممدوحون هم أعزّ من تُحدى إليهم الإبل، ويقصد إليهم لطلب المال، والجاه، لسخائِهم.
اللغة : (أمَّا) في الأكثر تستعمل مكرّرة وقد تأتي مفردة، وهي للتفصيل
كَــبَّرتُ حَــولَ دِيـارِهِم لَمـا بَـدَت....منهـا الشـموس وَليس فيهـا المشـرِقُ
كبَّر : قال الله أكبر بدت : ظهرت الشُّموس جمع الشمس، وأراد بها الممدوحين وهم الرجال ذوو المكانة الديار : المنازل
المعنى: يقول كَبَّرت لله تعجبا لما رأيت الشموس طالعة من قبل المغرب، لأن الممدوح كان بيته في جهة المغرب، فعجبت من طلوع الشمس من المغرب.
ما الشيء الذي جعل المتنبي يكبِّر ؟ لقد كبَّر المتنبي تعجبا من قدرة الله تعالى حيث أطلع شموسا من حيث لا تطلع الشمس عادة .
وعَجــبتُ مـن أرض سـحاب أكـفهم....مــن فَوْقهــا وصُخورهـا لا تُـورِقُ
المعنى:يتعجب الشاعر من هذه الصخور كيف لا تورق ؟ وفوقها تُمطر سحائِب أكفّهم،وهذا من المبالغة: أي يبالغ في كثرة عطاء الممدوحين.
وضح الصورة الفنية في البيت: شبَّه الشاعر الهبات والعطايا التي ينحها الممدوح بالمطر الذي يتساق على أرض جرداء، وصخور صمَّاء فلا تنبت شيئا وهو يعجب لِمَ لا تترك هباتهم أثرها في الناس .
وضح الصورة الفنية التي رسمها المتنبي لهم : شبه عطاياهم وكرمهم بالسحاب الغزير أو المطر، أو شبه الأكف بالسحاب .
وتَفــوحُ مـن طيـب الثًّنـاءِ رَوائِـح....لَهُـــمُ بكــل مكانَــةٍ تُستَنْشَــقُ
مكانة : مكان الاستنشاق:طلب الرائحة بالشم
المعنى: يقول: ذكُرهم قد عمّ البلاد، وانتشر بالثناء عليهم، والثناء يوصف بطيب الرائحة، لأن طيب أخبار الثناء في الآذان مسموعة، كطيب الرائحة في الأنوف مشمومة.
والمقصود : أن ذكرهم يسمع بكلّ مكان، لكثرة من يثني عليهم
مســـكيةُ النفَحـــاتِ إلا أَنهـــا....وَحشـــية بســـواهُمُ لا تعبَـــقُ
النفحات: الرَّوائح وتعبق: تفوح مسكية : لها رائحة المسك
المعنى: يقول: هم طيبو الرائحة بالثناء عليهم، فلها طيب رائحة المسك، وهي به وحشية من غيرهم، فلا تعبق إلا بهم. والمعنى: لا يثني عليهم بما يثني على غيرهم.
أمُريــدَ مِثْـلِ محَـمًّدٍ فـي عَصْرِنـا....لا تبلُنــا بِطِــلابِ مــا لا يُلْحَـقُ
لا تَبْلُنا: أي لا تُجرّبنا , لا توقعنا بالبلوى
المعنى:يا طالب مثل مثل محمد في هذا الزّمان، لا تطلب ما لا يدرك، فإنه لا يوجد له نظير، لأنه فرد في زمانه،يعني أنه لا نظير له، فطلب مثله أمر محال
يــا ذا الـذي يَهـبُ الكثـيرَ وَعِنـدَه....أَنـــي عَلَيــهِ بِــأخْذِهِ أَتصَــدَّقُ
أتصدّق: أعطيه الصدقة وأهبها له. والتصدّق: إعطاء الصدقة. والمتصدّق: المعطِي، والمُصَّدِّق: الذي يأخذ صَدَقات الإبل والغنم.
المعنى : يا من هو يعطي العطاء الجزيل ويرى أن متصدق عليه بأخذي منه وذلك لسروره بما يُعْطيهِ لي.
ما المعنى المستفاد من الزيادة في الفعل (أتصدق) ؟ المعنى المستفاد هو : التكلف
أَمْطِــر عَـلَيً سـحابَ جـودِكَ ثَـرةً....وانظُــر إلــيّ بِرَحْمــة لا أَغـرَقُ
الثَّرة: الكثيرة الماء
المعنى: اجعل سحاب جودك ماطرا علي مطرًا غزيرًا ثم ارحمني بأن تحفظني من الغرق كيلا أغرق في كثرة مطرك
إلام خرج الأمرفي قول الشاعر(وانظُــر إلــيّ بِرَحْمــة لا أَغـرَقُ) ؟ خرج (الدعاء)