ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الحج سر التوحيد.. والآلفة الانسانية النادرة السبت 27 سبتمبر 2014, 6:06 am | |
| [rtl]الحج سر التوحيد.. والآلفة الانسانية النادرة[/rtl] [rtl] [/rtl] [rtl] ..انها رحلة سامية مقدسة ، فيها النجوى والحب والورع؛ وأذِّن في الناس بالحج... لتوحيد الله وتحقيق العبودية وتأسيس الإيمان وصفاء الأرواح بقربها من الله. والحج، الذي يسير الحجيج على ركابه هذه الايام ؛ أحدُ أركان الإسلام ومَبانيه العِظام وهو خاصَّة هذا الدِّين الحنيف وسرُّ التوحيد الخالص، عدا عن الآلفة النادرة التي تجمع ملايين الناس في مكان واحد. • على من يريد الحج أن يتوب إلى الله من سائر الذنوب وإذا كانت عنده مظالم للناس فعليه بردّها بعد أن انتهى أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام من بناء بيت الله الحرام ورفع قواعده، أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج إلى بيته العتيق، قال تعالى: «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (الحج 27) وقوله «وأذن في الناس بالحج» أي نادي في الناس بالحج داعيا إياهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال يا رب: كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال تعالى: نادي وعلينا البلاغ.. فقام على مقامه وقيل على الحجر وقيل على الصفا وقيل على جبل أبي قبيس وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه.. فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض وأسمع من في الأرحام والأصلاب وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة «لبيك اللهم لبيك». وهذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف. من أجل توحيد الله تعالى، أقيم هذا البيت منذ أول لحظة. عرّف الله مكانه لإبراهيم - عليه السلام - وملكه أمره ليقيمه على هذا الأساس: «أن لا تشرك بي شيئاً»، وأن يكون مسجداً وموئلا للموحدين «وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود» فهؤلاء هم الذين أنشئ البيت لهم، لا لمن يشركون بالله، ويتوجهون بالعبادة إلى سواه. ثم أمر الله إبراهيم - عليه السلام - أن يؤذن في الناس بالحج، وأن يدعوهم إلى بيت الله الحرام ووعده أن يلبي الناس دعوته، فيتقاطرون على البيت من كل مكان، رجالا يسعون على أقدامهم، وركوباً «على كل ضامر» أجهده السير فضمر من الجهد والجوع. وما يزال وعد الله يتحقق منذ إبراهيم ـ عليه السلام ـ إلى اليوم والغد. وما تزال أفئدة العالمين تهوى إلى البيت الحرام، وترف إلى رؤيته والطواف به.. الغني القادر، والفقير المعدم. ومئات الألوف من هؤلاء يتقاطرون من فجاج الأرض البعيدة تلبية لدعوة الله التي أذن بها إبراهيم - عليه السلام - منذ آلاف الأعوام. والحج موسم عبادة تصفو فيه الأرواح، وهي تستشعر قربها من الله في بيته الحرام وهو مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة. مؤتمر يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل. وبالحج يتم تحقيق العبودية لله، ففيه تذلل وخضوع وانكسار يخرج الحاج من ملاذ الدنيا مهاجراً إلى ربه تاركاً أهله وماله ووطنه متجرداً من ثياب الزينة، لابساً للإحرام متواضعاً، تاركاً للطيب والنساء، متنقلاً بين المشاعر بقلب خاضع وعين دامعة، ولسان ذاكر، يرجو رحمة ربه، ويخشى عذابه. لقد شرع لنا الله من الشعائر والعبادات ما أنعم به علينا باستكمال الإيمان وتأسيسه، وعرَّفنا كيف نعبده سبحانه، ومما بني عليه الإسلام عبادة الحج العظيمة: «وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، ثم هدد الله تعالى تاركه بغير عذر وهو يقدر، فقال: وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» سورة آل عمران:97. وبالحج يتربى المسلم على التسليم والانقياد لله، فإذا تنقل بين المشاعر، وطاف بالبيت العتيق، وقبل الحجر الأسود، ورمى الجمرات، انقياد لله، طاعة، لأن الله عز وجل أمر عباده بالحج يدخل في ذلك كل واجب، وكل ركن، وكل ما لا يتم الحج إلا بالإتيان به. يعرف الحج في اللغةً على أنه : قصدُ الشيء المعظَّم وإتيانه، وشرعًا: قصْد البيت الحرام والمشاعر العِظام وإتيانها، في وقتٍ مخصوص، على وجهٍ مخصوص. وهو الصفة المعلومة في الشَّرع من: الإحرام، والتلبية، والوقوف بعرفة، والطَّواف بالبيت، والسَّعي بين الصفا والمروة، والوقوف بالمشاعر ورمْي الجمرات وما يتبع ذلك من الأفعال المشروعة فيه، فإنَّ ذلك كلَّه من تمام قصْد البيت. والحج أحدُ أركان الإسلام، ومَبانيه العِظام، وهو خاصَّة هذا الدِّين الحنيف، وسرُّ التوحيد، فرَضَه الله على أهل الإسلام بقوله سبحانه: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين) [آل عمران: 97. فسمَّى تعالى تاركَه كافرًا، فدَّل على كُفر مَن ترَكَه مع الاستطاعة، وحيث دلَّ على كُفره فقد دلَّ على آكديَّة ركنيَّته. وقد جاءت السُّنَّة الصحيحة عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالتصريح بأنَّه أحدُ أركان الإسلام، ففي الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أن لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام». وفي حديث جبريل في رواية عمر - رضِي الله عنه - عند مسلمٍ، أنَّه قال للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ما الإسلام؟ قال: «أنْ تشهد أن لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إنِ استطعتَ إليه سبيلاً». وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي هُرَيرة - رضِي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «أيُّها الناس، قد فرَض الله عليكم الحج فحجُّوا» [3، وأحاديث كثيرة - في الصحيحين وغيرهما - في هذا المعنى، وبفرضه كمُل بناءُ الدين وتمَّ بناؤه على أركانه الخمسة. وأجمَعَ المسلمون على أنَّه رُكنٌ من أرْكان الإسلام وفرضٌ من فُروضه، إجماعًا ضَروريًّا، وهو من العِلم المستفيض الذي توارثَتْه الأمَّة خلفًا عن سَلَفٍ. ويجب الحجُّ على كلِّ: مسلم، حر، مُكلَّف، قادر، في عُمره مرَّةً واحدة. والقُدرة: هي استطاعة السبيل التي جعَلَها الشارع مَناطَ الوجوب، روى الدارقطنيُّ بإسناده عن أنسٍ - رضِي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله تعالى: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران: 97، قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: «الزَّاد والرَّاحلة». والمراد بالزاد: ما يحتاجُ إليه الحاجُّ في سفَرِه إلى الحج ذهابًا وإيابًا من: مأكول، ومشروب، وكسوة، ونحو ذلك، ومؤونة أهله حالَ غِيابه حتى يرجع. والمراد بالراحلة: المركوب الذي يمتَطِيه في سفَرِه إلى الحجِّ ورُجوعه منه بحسب حاله وزَمانه. وتُعتَبر الراحلة مع بُعد المسافة فقط، وهو ما تقصرُ فيه الصلاة لا فيما دُونها، والمُعتَبر شرعًا في الزاد والراحلة في حَقِّ كلِّ أحدٍ ما يليق بحاله عُرفًا وعادةً، لاختلاف أحوال الناس. ويُشتَرط للوُجوب سَعَةُ الوقت عند بعض أهل العِلم، لتَعذُّر الحجِّ مع ضيقه، واعتبر أهل العلم من الاستطاعة أمْن الطريق بلا خفارة، فإنِ احتاجَ إلى خفارةٍ لم يجبْ، وهو الذي عليه الجمهور.
الفورية في أداء الحج مَن اكتملت له شُروط وجوبِ الحج، وجَب عليه أداؤه فورًا عند أكثر أهل العلم. والفوريَّة: هي الشُّروع في الامتثال عقب الأمر من غير فصْل، فلا يجوزُ تأخيره إلا لعذرٍ، ويدلُّ على ذلك ظاهرُ قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97. وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «أيُّها الناس، إنَّ الله فَرضَ عليكم الحج فحجُّوا»، رواه مسلم، فإنَّ الأمر يقتَضِي الفوريَّة في تحقيق المأمور به، والتأخير بلا عُذر عُرضة للتأثيم. ورُوِيَ عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «تعجَّلوا إلى الحجِّ - يعني: الفريضة - فإنَّ أحدكم لا يدري ما يعرض له». وروى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه - أنَّه قال: «لقد هممت أنْ أبعَثَ رجالاً إلى هذه الأمصار، فيَنظُروا كلَّ مَن كان له جِدَةٌ ولم يحجَّ ليَضرِبوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين». ورُوِي عن عليٍّ - رضِي الله عنه - قال: «مَن قدَر على الحجِّ فترَكَه فلا عليه أنْ يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا». وممَّا يدلُّ على أنَّ وجوب الحجِّ على الفَوْرِ حديثُ الحجاج ابن عمر الأنصاري - رضِي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: «مَن كسر أو عرج - يعني: أحصر في حجة الإسلام بمرض أو نحوه - فقد حَلَّ، وعليه الحجُّ من قابلٍ»، رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وغيرهم، قال فيه النووي: رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وغيرهم بأسانيد صحيحه. فالحديث دليلٌ على أنَّ الوجوب على الفور، وهناك أدلَّة أخرى عامَّة من كتاب الله دالَّة على وُجوب المبادرة إلى امتثال أوامره - جلَّ وعلا - والثَّناء على مَن فعَل ذلك، مثل قوله سبحانه: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133، وقوله سبحانه: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)[البقرة: 148. ولا شكَّ أنَّ المسارعة والمسابقة كلتَيْهما على الفَوْرِ، ويدخُل في الاستِباق إلى امتِثال أوامره تعالى، فإنَّ صيغة (افعَلْ) إذا تجرَّدت من القَرائن اقتضَتِ الوجوب، كما هو الصحيح المقرَّر في علم الأصول، وممَّا يُؤكِّد ذلك تحذيرُه سبحانه من مخالفة أمرِه بقوله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا) [الأحزاب: 36، فصرَّح سبحانه أنَّ أمرَه قاطعٌ للاختيار مُوجِب للامتثال. وكم في القُرآن من النُّصوص الصريحة الحاثَّة على المبادرة إلى امتثال أوامره سبحانه، والمحذِّرة من عَواقِبِ التَّراخي والتثاقُل عن فعْل ما أمر الله به، وأنَّ الإنسان قد يُحال بينه وبين ما يُريدُ بالموت أو غيره، كقوله سبحانه: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) [الأعراف: 185، فقد يقتربُ الأجل فيضيع عليهم الأجْر بعدم المبادرة قبلَ الموت، حيث يُعاجِلهم الموت ولمَّا يفعَلُوا فيُصبِحوا من الخاسرين النادمين، ففي الآية دليلٌ واضحٌ على وُجوب المبادرة إلى الطاعة خشية أنْ يعاجل الموتُ الإنسانَ قبل التمكُّن منها. فهذه الأدلَّة العامَّة مع ما سبق من الأدلَّة الخاصَّة تفيدُ وجوبَ الحج على الشخص فَوْرَ استطاعتِه، وأنَّه إذا تأخَّر عن ذلك كان في عداد المفرِّطين الجديرين بفَوات الخير، إلا أنْ يتَدارَكهم الله برحمةٍ منه وفضْل، فاغتَنِموا فُرصةَ الاستطاعة والإمكان على هذه الفريضة قبل فَواتها وعجزكم عن أدائها بحادثِ موتٍ أو غيره من العَوارِض المانعة، ولأحمد عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «تعجَّلوا إلى الحجِّ فإنَّ أحدَكم لا يدري ما يعرض له». وكان فرضُ الحج على الصحيح سنة تسعٍ من الهجرة، ولكن لم يتمكَّن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الحج تلك السَّنة لأسبابٍ ذكَرَها أهل العلم، منها: 1- أنَّ الله تعالى كَرِهَ له أنْ يحجَّ مع أهل الشِّرك وفيهم الذين يطوفون بالبيت عُراةً، ولهذا بعَث الصِّدِّيق - رضِي الله عنه - تلك السنة يقيمُ الحج للناس ويُبلِّغهم ألَّا يحج العام مشركٌ ولا يطوف بالبيت عارٍ. 2- أنَّ ذلك من أجل استدارة الزمان حتى يقع الحجُّ في وقته الذي شرَعَه الله. 3- أو لعدم استطاعته - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحجَّ تلك السَّنة لخوف مَنعِه ومنع أكثر أصحابه. 4- أو لأجل أنْ يتَبلَّغ الناس أنه سيحجُّ العام القادم ويجتمع له الجمُّ الغفير من الناس ليُبيِّن لهم المناسك ويُوضِّح لهم الأحكامَ، ويضع أُمور الجاهليَّة، ويودِّعهم ويُوصِيهم في خاصَّة أنفُسِهم وأهليهم وذَوِيهم... وغير ذلك. ولعلَّ هذه الأمورَ كلها مُرادة له - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومن ذلك أنْ يُوسِّع على الناس، ويبيِّن لهم جوازَ التأخير مع العُذر، رحمةً بهم وشفقة عليهم، والله أعلم.
الاستعداد للحج في هذه الأيام المباركة يستعد المسلمون للسفر لحج بيت الله الحرام منهم المتنفل بحج، ومنهم من يؤدي به فريضة الإسلام، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى استعداد بما يلزم له ماليا وبدنيا ونية قصدا، فيحتاج إلى استعداد بالنفقة الكافية التي يستغني بها عن الناس قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)، [البقرة: 197. فأمر سبحانه بالتزود، وهو أخذ الزاد الكافي لسفره ذهابا وإيابا، وتوفير المركوب المناسب الذي يحمل في سفره ويبلغه إلى بيت الله، ثم يرده إلى وطنه، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا)، [آل عمران: 76. والسبيل الذي اشترط الله استطاعته: هو الزاد، والمركوب المناسب في كل وقت بحسبه، ولما كان أناس يحجون بلا زاد ويصبحون عالة على الحجاج ويقولون: نحن متوكلون، نهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالتزود بما يغنيهم عن الناس، فقال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ)، [البقرة: 197. ولما كان أناس يظنون أن الاتجار، والتكسب في موسم الحج لا يجوز للحجاج أنزل الله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ)، [البقرة: 198 . بين سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين أنه لا بد من أخذ زادين، زاد السفر للدنيا، وذلك بالطعام والشراب الكافيين إلى نهاية الرحلة، وزاد السفر للآخرة وذلك بالعمل الصالح والابتعاد عن المعاصي، ثم بين سبحانه أن مزاولة التجارة والاكتساب وطلب الرزق الحلال لا يتعارض مع العبادة إذا لم يطغ على وقتها ولم يشغل عنها. كما أن ذلك لا يتنافى مع التوكل، ثم لا بد لمن يريد الحج أن يوفر لأهل بيته ما يكفيهم من النفقة إلى أن يرجع إليهم، ولا يجوز له أن يتركهم بدون نفقة أو ينقص من نفقتهم من أجل أن يوفر ما يكفي لحجه، فإنه في هذه الحالة آثم لا مأجور. قال -صل الله عليه وسلم-: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت»، رواه النسائي. كما أن على من يريد الحج أن يسدد الديون التي عليه أو يوفر لها ما يسددها، فإن لم يكن لديه من المال ما يكفي لنفقة الحج وسداد الدين فإنه يقدم سداد الدين، ولا يجوز له أن يحج في هذه الحالة. كما أن على الحاج أن ينفق في حجه من الكسب الحلال، ليكون حجه مبرورا وذنبه مغفورا. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صل الله عليه وسلم-: «إذا خرج الحاج حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال وراحلتك حلال، وحجك مبرور وغير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مبرور»، رواه الطبراني. ويجب على من يريد الحج أن يتوب إلى الله من سائر الذنوب، وإذا كان عنده مظالم للناس فعليه أن يردها إليهم ويطلب مسامحتهم، ليستقبل حجه بالتوبة والتخلص من المظالم. وثبت عن النبي -صل الله عليه وسلم - أنه قال: «من حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». ويجب على الحاج أن يخلص النية لله في حجه، بأن لا يقصد به رياء ولا سمعة ولا طمعا من مطامع الدنيا، قال تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ). وعلى الحاج قبل أن يسافر للحج أن يكتب ما له وما عليه من الديون، وما عنده من الودائع، والأمانات من أجل أنه لو قدر أن يجري عليه شيء في سفره من موت أو عائق يمنعه من الرجوع إلى وطنه، فإنه يكون قد وثق هذه الحقوق وبينها، فيضمن بذلك وصولها إلى أهلها وتبرأ ذمته منها. فاستعدوا للحج بما يليق وأدوه على الوجه المشروع، وأكملوا مناسكه، وأخلصوا النية فيه لله مع الخشوع والسكينة والتواضع فيه لله.
معالم تاريخية
بئر زمزم بئر زمزم تقع جنوبي مقام إبراهيم، وهي بئر قديمة العهد ترجع إلى زمن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، ويروى أن هاجر لما نزلت بولدهما إسماعيل في مكان البيت وظمئ طلبت له الماء، فلم تجده، فجاء جبريل عليه السلام وبحث في الأرض بعقبه، فنبع الماء على وجه الأرض، فكان ذلك نشأة زمزم، وأدارت هاجر عليه حوضا خيفة أن يفوتها الماء قبل أن تملأ قربتها وظلت المياه تنبعث منها حتى درس موضعها، ولما كان زمن عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام مكان زمزم فاستبانها وحفرها قبل مولده صلى الله عليه وسلم. وقد ورد في فضل ماء زمزم أحاديث كثيرة، وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم) وذكر البخاري في صحيحه أنه لما شق صدر النبي صل الله عليه وسلم غسل بماء زمزم، وقال العلامة ابن القيم في كتابه (زاد المعاد) في باب الطب: ماء زمزم سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرا، وأحبها إلى النفوس وأعلاها ثمنا عند الناس، وثبت في الصحيح عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال لأبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين مما بين يوم وليلة وليس له طعام غيرها، فقال النبي صل الله عليه وسلم: (إنها طعام طعم) وزاد غير مسلم بإسناده (وشفاء من كل سقم).
جبل ثور أحد الجبال الكثيرة التي تحيط بمكة وارتفاعه عما حواليه يزيد عن 500 متر، يقع جنوبي مكة وعلى مسافة ستة أميال منها، وقد لجأ إلى الغار المجاور لقمته الرسول الكريم ومعه الصديق أبو بكر مدة ثلاثة أيام وذلك لما أذن الله لنبيه في الهجرة من مكة إلى المدينة. وعبثا حاول الباحثون من فتيان قريش العثور عليه وعلى رفيقه. ولهذا يعد هذا الغار من الأمكنة الخالدة في التاريخ وفيه يقول الله عز وجل. (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم).
جبل حراء يقع في شمال مكة على بعد خمسة كيلو مترات منها وعلى يسار الذاهب إلى عرفات ويرتفع عن الأرض التي يقع عليها بنحو (200) متر يشرف على كل ما حوله من مرتفعات وهضاب وأودية وقد اختاره النبي الكريم ليتعبد فيه قبل أن يبعثه الله نبيا ورسولا، وفيه نزل جبريل على الرسول الكريم بالآيات الأولى من سورة العلق. وغار حراء فجوة ضيقة سعتها مرقد ثلاثة متجاورين وأما علوه فقامة رجل وفي نهايته صدع ترى منه الأرض والجبال إلى مكة.
مقبرة المعلاة ويسميها المكيون جنة المعلاة وتقع في الشمال الشرقي من مكة وهي مقبرة المكيين منذ العصر الجاهلي إلى اليوم وتضم قبور بني هاشم من أجداد الرسول وأعمامه وقبور بعض الصحابة والتابعين ففيها قبور جدي الرسول عبد مناف وعبد المطلب وعمه أبي طالب وقبر زوجته خديجة بنت خويلد وقبر عبد الله بن الزبير، وأمه أسماء بنت أبي بكر وغيرهم كثيرون من أعلام الإسلام من الصحابة والتابعين وكبار العلماء والصالحين.. وقبور المعلاة مسواة بالأرض وتسمى أيضا مقبرة الحجون نسبة إلى جبل الحجون المشرف عليها.
منى قرية على مسافة سبعة كيلو مترات من مكة فيها منازل ومبان لا تؤجر إلا في أيام الحج ويقصدها الحجاج عند الفجر من اليوم الثامن من ذي الحجة فيمكثون فيها إلى طلوع شمس اليوم التالي حيث يقصدون عرفة، وإليها يوفض الحجاج من عرفة بعد غروب شمس اليوم التاسع حيث يمكثون بها يوم العيد الأكبر وأيام التشريق، ويرمون الجمرات وذلك بعد مبيتهم بالمزدلفة ليلة العاشر، وذهب البعض إلى أن كبش الفداء الذي افتدى به إبراهيم ولده إسماعيل كان على منى على الجبل الواقع إلى يسار الذاهب إلى عرفات، وأقيم على هذه البقعة مسجد يعرف باسم (مسجد الكبش) وفيها مسجد البيعة حيث بايع أهل المدينة الرسول عليه السلام، وفيها مسجد الخيف.[/rtl]
|
|