ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الآثار العملية الايجابية الانسانية ..هي الأهم الأحد 30 نوفمبر 2014, 7:05 am | |
| [rtl]الآثار العملية الايجابية الانسانية ..هي الأهم[/rtl] [rtl] [/rtl][rtl]
إبراهيم كشت - نحن لا نفهمُ معاني الأَفكار إلاّ من خلال آثارها العمليّة ، أي أنَّ تصوُّرنا الذِّهني لموضوعٍ ما هو تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار محسوسة في الواقع . فلو حدّثك شخص عن السّلام مثلاً ، فإن ما يتبادرُ إلى ذهنكَ لتفهم مقصوده ليس تعريفاً اصطلاحياً لهذه الكلمة ، ولا تفسيراً لغوياً لمعناها ، ولا شرحاً قَدّمَهُ مُدرِّسٌ لمدلولها ، ولا لفظاً لغوياً أَوردَهُ القاموس مقابلها ، بل سوف تتصورُ السلام على أنه حالةٌ من الأمان والطُمأنينة وانتفاء الصراع والتنازع والحروب ووجود الوئام بين الناس ، أي أنك ستتصور الآثارَ الناجمة عن السلام في الواقع والحقيقة . والشيءُ ذاتُه ، يقال عن فهمنا وإدراكنا لأي معنى أو فكرة في الوجود ، فسواء تحدَّثنا عن الحقِّ أو العدل أو السعادة أو الحبِّ أو الخير أو الصِّدق .. أو تحدَّثنا عن ضِدِّ أي معنى من هذه المعاني، فإننا لا ندرك المفهوم إلا من خلال ما نعرِفُه أو نتوقَّعُه من آثاره العمليّة ، وهذا ما يؤكِّد لنا أن قيمة أيِّ موضوع كامن في آثارهِ العمليّة ليس إلاّ . إذنْ ، فلا أهمية للأحاسيس والعواطف إلا بمقدار ما ينطلق عنها من آثار إيجابية ، فما معنى أن يحبني شخص حباً جـمّاً ثم لا أَلقى من نتيجةٍ لحُبِّهِ سوى الأذى ، أليس الأفضل منهُ مَنْ يكرهُني لكنه لا يؤذيني بشيء ؟ وما يقال عن العواطف يقال عن النَّوايا كذلك ، فلا قيمة للنيّة الطيّبة ما لم تُتَرجَمْ إلى فعل ، وما لم يكن هذا الفعل مُؤتياً لثماره المحسوسة الإيجابية ، ولا معنى لها طالما بقيت حبيسة الوجدان أو سجينة الصدر ولم تترجم إلى واقع ملموس مفيد . وبطبيعة الحال ، فإنه لا قيمة للأحاديث والأقوال والكتابات والمواعظ والخطب ، إلا بمقدار ما تُحدِثُـه من أَثر ايجابي في الواقع ، وبمقدار ما يترتب عليها من تغيير مفيد ، وما تُحققُه من فاعليّة في الحياة ، وإلاّ فما هي غير مضيعة للوقت وإهدار للجهد واستنفاذ للطاقة . و ينبَني على ذلك ، إنَّ الخلاف بين تصور وآخر ، أو اعتقاد وآخر ، أو فكرة وأخرى ، هو الخلافُ في الوقائع والآثار التي تنتج عنها ، وإذا كانت أمامَكَ فكرتان مختلفتان حول موضوع ما، وحِرْتَ بينهما ، فما عليك لترجيح أحدهما على الآخر إلا النَّظر الى الأثر الإيجابي النّافع المترتب على كل منهما ، على أن كلمة (النَّفع) لا تعني الفائدة القريبة المحدودة الشخصية ، وإنما تعني النفع العام، ذي الأثر الايجابي الشامل المُمتدِّ . وقد وافَقَ أن سادَتْ في بعض الحِقَبِ أفكارٌ ومذاهبُ آمَنَ بها الكثير من الناس ، واختلَطَ إيمانهم بها بكثير من العواطف والحماس ، وبذلوا لأجل تطبيقها النفسَ والنَّفيسَ ، ثم ما أن أُتيحَ لهذه الأفكار أن تُطبَّقَ في واقع الحياة ، حتى جَلَبَتْ الشَّقاء النفسي للبشر ، وأشاعَتْ بينهم الفقر، وحرمتُهم من كلِّ حُرية ، وأسكَتتهُم عن كل تعبير . إذن فلم تكن تلك الأفكارُ بمقياس آثارها الواقعية ونتائجها إلا شَرّاً ، رغم ما في صورتها من جمال ورومانسية ، ورغم قدرتها على الإقناع واستمالة العقل والوجدان . وخلاصة القول أنه إذا لم يترتب على فكرة ، أو نيّة ، أو قول ، أو موقف ، أو فعل ، نتيجة عملية ذات أثر فإنه لا قيمة لها ، فمعرفتنا بالأشياء والأفكار والموضوعات قائمة أصلاً على تصورنا لنتائجها ، أو تنبؤنا بما سينجُم عنها من أثرٍ عمليٍّ ، والأثر العملي يغلب أن يكون محسوساً ومتميزاً بوضوح وجزئياً ومحدداً ومتعيناً وذا تأثير علينا ، ولا يكون كالأفكار والمشاعر والنوايا والأحاديث فضفاضاً عاماً غير محدد بدقة . ولما كان هدف الإنسان منذ بدء الخليقة هو التَّكيُّف سواءً مع ذاتِهِ ، أو مع البيئةِ الاجتماعية ، أو مع البيئة الطبيعية المحيطة به ، فإنَّ كلَّ فكرةٍ أو اعتقادٍ أو مشاعرَ أو أقوالٍ أو أفعالٍ تُسهِمُ في إِحداثِ التكيّف الأنجح والأسلم توصف بأنها ذات آثار ايجابية . إنّ تَبنّي منهج (قياس الأمور بنتائجها) في التفكير والتقييم والنَّظر إلى الأفكار والأشياء والأعمال والأقوال ، من شأنه أن يُبعِدَ من حياتنا وأعمالنا الكثير مما لا طائل منه ، وان يوفر الجهود والأوقات التي تذهب هدراً حين نؤدّي الأشياء لذاتها دون التَّطلع إلى النتائج ، كما أنّ من شأن تبني هذا المنهج أن نغدو أكثرَ عملية وواقعية في أحكامِنا ، بل أكثر منطقيّة في تقييم الأمور وتقدير قيمتها . وربما اعتقدَ البعض أن القولَ بقياس الأمور بنتائجها فكرة بسيطة عابرة ، لكنّها في الحقيقة منهج حياة كامل ، ونمط تفكير قائم بذاته ، وطريقة متقدمة في الحكم والتقييم ، وهي قادرة على إحداث التّغيير ليس في حياة الفرد وحسب ، بل في حياة المجتمعات كذلك . فمنهج قياس الأمور بنتائجها ، يفيد المرء في حياته الشخصية ويريحه من بذل العناء فيما لا يأتي بنتيجة ، ويصوّب نظرته إلى الأفكار والمشاعر والمواقف والأقوال والسلوكات ، فيجعله يميّز بين ذي القيمة وغير ذي القيمة ، كما يفيد هذا المنهج المدرسين والقائمين على المؤسسات التعليمية ، فيجعلهم يبحثون دائماً عن تحقيق أهداف العملية التعليمية والتربوية ، وقياس مدى تحققها ، بدل التركيز على الحفظ والصمَّ وتكديس المعلومات ، بل دون التركيز المطلق على نتائج الامتحان والعلامة ، ما لم تكن مؤشراً على أن التعليم قد آتى ثماره ، فبنى القيم المقصودة ، ورسّخ الاتجاهات المنشودة ، وخلق المهارات المطلوبة ، وأحدَثَ النَّقلةَ المرجوّة في طرائق التفكير ، وانعكس على الثقافة والسلوك .. الخ . كما يفيد هذا المنهج المديرين والعاملين في مختلف المؤسسات فيوجههم نحو التركيز على الأهداف وتحقيق النتائج وإحداث القيمة المضافة ، بدل التركيز على الإجراءات والمخاطبات والمذكرات والنصوص واعتبارها غاية بحد ذاتها . انه منهج مهم يفيد حتى الساسة والمحللين والدارسين والكتّاب والباحثين ، الذين تجدهم في كثير من الأحيان يحكمون على الأمور من خلال النوايا والعواطف والأقوال والمواقف ، دون نظر إلى النتائج الواقعية الملموسة ، وإذا أردت أن تقف فعلاً على أهمية منهج (قياس الأمور بنتائجها) فتابع مقالات الصحف ، وستلمس بجلاء كيف تُغيَّبُ النتائج في الحكم على الأعمال والمواقف والأشياء ، وكيف يتم تقييم الأمور – في كثير من الأحيان - بناء على النوايا والكلام والعواطف والمواقف ، دون نظر إلى النتائج التي انعكست آثارها على حياة الناس ومدى أمنهم وحريتهم ومستواهم المعيشي والصحي والثقافي . ومن المهم أن نشير إلى أننا حين نتحدثُ عن النتائج الايجابية لا نقصد مجرَّدَ النَّفع الخاص القريب ، أو مجرد الأرباح المُقيَّمةِ بالنقود ، فالنتيجة النافعة قد تكون معنوية كتحقيق السعادة للفرد وتحقيق التوازن واثبات الذات والتطور والتميّز والإبداع ، أو تحقيق السلام والرفاه للمجتمع ، أو أي نتيجة أُخرى ذات أهمية إنسانيّة ايجابية .[/rtl] |
|