ملاحظات تستدعي التأمل والفحص في موازنة العام المقبل
د. ماهر الواكد
من خلال مطالعة مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2015 تتبدى للمهتمين ملاحظات نرى ونامل من الافاضل اعضاء مجلس النواب ايلاءها الاهتمام اللازم واستقرائها والتمعن فيها وان تكون مناقشاتهم للموازنة منصبة على الموازنة وبرامج الحكومة الاقتصادية والمالية.
اشتملت مرتكزات عمل الموازنة وفرضياتها على ايجابيات واخرى على امور تستوجب البحث والمداولة واخذها بعين النقد الموضوعي. كما انها اخذت طابع التنبؤ والآمال بما يمكن ان يكون عليه الوضع الاقتصادي في العام 2015. ونرى ان اهم الايجابيات تتلخص في التالي:
1- حفظ معدلات النمو في جميع بنود النفقات العامة وخاصة الجارية منها.
2- تعزيز شبكة الامان الاجتماعي وايصال الدعم الى مستحقيه (وردت هذه الفرضية في خطابات موازنات سابقة).
3- مواصلة رصد المخصصات المالية اللازمة في صندوق تنمية المحافظات (وردت هذه التوصية ايضا في ميزانية العام السابق وتكررت هذا العام).
اما تلك الفرضيات التي تستدعي الملاحظة فهي كالتالي:
1- افاد خطاب الموازنة انه من المنتظر ان تبلغ المديونية حتى نهاية هذا العام نحو 21 مليار دينار ويقارب هذا 28 مليار دولار ، منها 5 مليارات دينار تمثل مديونية شركة الكهرباء وسلطة المياه. ونقول بان المديونية هي المديونية حتى مع تلك الديون لان الحكومة كفيلة اولا. ثم من اين للشركة والسلطة سداد تلك الديون لاسيما في الاجل القريب ، وما هي خططها لذلك.
2- تحدث الخطاب المذكور بان ارتفاع الايرادات المتوقع قد جاء نتيجة لارتفاع الضرائب والرسوم على عدد من السلع الكمالية ورسوم التاشيرات وتصاريح العمل، ولم يبين في فهرس الجداول قائمة بتلك السلع وغيرها وكيف صنفت كمالية وما هو التصنيف المعتمد لذلك.
3- نوه الخطاب بمواصلة الالتزام بالبرنامج الوطني للاصلاح المالي والاقتصادي الذي يهدف الى احتواء عجز الموازنة العامة والمديونية ... الخ ولم يبين كيف ... هل بمزيد من المديونية والضرائب والرسوم ؟ وهل تستطيع الحكومة ضبط النفقات الى ابعد مما ورد في الخطاب اياه.
4- ألمح الخطاب الى السعي لتوفير التمويل اللازم للموازنة وباقل التكاليف من خلال تبني خطة حكومية لاعتماد بدائل مناسبة وهذا حسن، ولكن ماهي ملامح هذه الخطة وما هي تلك البدائل المناسبة.
على ان من المرتكزات والفرضيات ما هو جدير بالاهتمام والمتابعة مما يتطلب الالتزام التام به وبشكل جدي . ورغم انها عموميات لا انه يجري باستمرار وعلى كل الاصعدة التركيز عليها وتكرار طلبها واعتقد ان الخطاب بذكرها لم يات بشيء جديد، ومن ذلك التاكيد على اهمية مشاريع الطاقة المتجددة وتشجيع مشاركة المجتمعات المحلية في تحديد الاحتياجات والاولويات للمحافظات والاستمرار في تقليص الانفاق غير المنتج واعادة هيكلة المؤسسات والغاء او دمج المتشابهة منها والغاء عدد من الهيئات والاعتماد بشكل اكبر على الموارد الذاتية في تغطية الانفاق العام من خلال تحسين كفاءة التحصيل الضريبي والحد من التهرب والتجنب الضريبي علما بان التجنب (avoidance) شيء مباح وهو ليس تهرباً.
هذا وقد قدرت النفقات الجارية بما يعادل 86 % من اجمالي النفقات ، واذا ما فحصنا بنودها يتبين ان الاردن دولة معيلة بالدرجة الاولى حيث تشكل بنود الرواتب والتعويضات وما شابه الجزء الاكبر من مخصصات الموازنة. اما النفقات الرأسمالية المفترض ان تكون انمائية فلا تشكل اكثر من 15% من اجمالي النفقات. وحتى هذه الرأسمالية فهناك وجهات نظر عديدة حول مدى دقة تصنيفها فهي تشتمل في موازنتنا على كثير من النفقات التي ليست بذات طبيعية انمائية مباشرة كاجور ورواتب ومركبات وآلات واصول ثابتة وتاثيث واراضي ومواد خام واستخدام سلع وخدمات وما شابه.
وللعلم فان فوائد الدين العام تبلغ 14 % من اجمالي الايرادات بما فيها المنح الخارجية المفترضة وكانت تصل الى 16 % قبلها مما يلقي اعباء اضافية على كاهل الموازنة من شانها ان تسهم في استنزاف ارصدة المملكة من العملات الاجنبية . ويزيد الامر تفاقماً تسديد اقساط القروض الخارجية المستحقة والبالغة 850 مليون دينار وذلك على حساب تخصيصها كنفقات رأسمالية حقيقية. صحيح ان هذه الفوائد لا بد من ايفائها ولكن هل من سبيل الى التفاوض مع الدائنين بشانها؟
وقد يكون انخفاض العجز المتوقع في الموازنة القادمة عما كان عليه في السنة السابقة نتيجة لبعض التحسن في الوضع الاقتصادي وانخفاض اسعار النفط وارتفاع الايرادات من ضرائب ورسوم ... الخ وتقليل الدعم وازالته . وقد بلغت الايرادات الضريبية المقدرة 68% من اجمالي الايرادات المحلية وتشكلان معاً 78% من اجمالي الايرادات المتوقعة بما فيها المنح الخارجية وهذا يعني انكشافاً مالياً . فالضريبة غير كافية لتغطية جميع النفقات العامة ولهذا اعتمدت الموازنة على الايرادات المحلية اضافة الى المنح وهي متقلبة للوصول الى تغطية النفقات مع فرضية ان النفقات قد ضغطت الى ابعد حد ممكن . ومن الجدير بالذكر ان البند الاكبر هو بند الضرائب على السلع والخدمات حيث يشكل 68 % من اجمالي الضرائب او 48% من مجموع الايرادات المحلية بما فيها الايرادات غير الضريبية وهذا مرتبط بالانفاق الاستهلاكي الى حد كبيروباسعار الحاجيات فيرتفع مع ارتفاعها. لذا يجب عمل المزيد وبصورة جدية وحازمة لضبط انفلات الاسعار وضمان التسعير العادل.
وقد اعطت الموازنة القادمة النفقات الدفاعية والامنية 29 % من اجمالي النفقات الجارية وهو رقم مرتفع بالنسبة لبلد كبلدنا وهو نتيجة لانعكاسات اوضاع المنطقة على زيادة المتطلبات الدفاعية والامنية. واذا ما اضفنا اليها نفقات التقاعد والتعويضات والبالغة 1,165 مليون دينار لبلغ الاجمالي 3792 ويعادل ذلك 44% من اجمالي النفقات العامة.
وفي موازنة التمويل المقترحة والمقدرة يجري تسديد عجزالموازنة واقساط القروض الداخلية والخارجية المستحقة والدين الداخلي وسندات البنك المركزي وعنصر جديد دخل تلك الموازنة وهو اصدار صكوك تمويل اسلامية. ونظرا لارتفاع اعباء خدمة الديون فاننا نسدد الدين بالدين دون تقدم يذكر في مجال تخفيضه بل زيادته المضطردة ، وهذا يعني استمرار التسديد ومن ثم ثبات حجم المديونية لا بل وزيادتها والدوران في حلقة مفرغة لا نعرف متى وكيف تنتهي.
وعوداً على بدء فقد توقع خطاب الموازنة بان المديونية ستبلغ في نهاية العام الحالي نحو 21 مليار دينار وان الزيادة في حجم المديونية ابتداء من العام 2015 وللاعوام 2016 و2017 ستكون اقل من اجمالي الناتج المحلي للاعوام لنفس الفترة اذ تفاءل الخطاب بان نسب نمو الناتج المحلي الاجمالي لنفس الاعوام سيتراوح بين 7.7% الى 7.8% علما بانه قد قدر لنهاية هذا العام بنسبة 3% حسب تقديرات البنك الدولي. ومن اجل زيادته فلا بد من زيادة الاستثمارات بشكليها العمودي والمؤسسي استثمارا مباشرا وليس استثمار مضاربات ، علما بان الائتمان المصرفي الممنوح للقطاع الخاص ما زال دون المامول وما زالت هناك فوائض مالية معطلة في الجهاز المصرفي الامر الذي يدخلنا في باب التمنيات والوعد بالمجهول الذي من الصعب البناء عليه. ورغم اننا سنسعد كثيراً لو تحقق ذلك الا ان العديد من خطابات الموازنات السابقة كان يسودها التفاؤل وتكون النتائج صادمة.
نامل ان تتحقق الآمال ولكننا بنفس الوقت نتمنى على مجلس النواب مراجعة انجازات الموازنة مع الحكومة بشكل شمولي وفصلي للتاكد من مدى توافق الانجاز المفترض مع الفعلي. وهنا لا بد من التاكيد على زيادة حصة النفقات الرأسمالية من اجمالي الانفاق من اجل تمويل المشاريع الكبيرة وتخفيف عجز الحساب الجاري وذلك بالعمل المستمر وربما الشاق من اجل فتح اسواق بديلة لان اسواق الدول المجاورة التي اثرت الاحداث فيها على صادراتنا اليها والاسراع في اعتماد مصادر بديلة للطاقة من اجل التخفيف من فاتورة استيرادها.