تجارب غزة الصاروخية تقلق الاحتلال
بعيونها الكثيرة، ترصد إسرائيل قطاع غزة على مدار الساعة. فالقطاع بالنسبة إلى الاحتلال، بؤرة التوتر التي لم تتوقف عن تجهيز نفسها لأي مواجهة مقبلة على الرغم من ثلاثة حروب قاسية، آخرها قبل ثلاثة أشهر فقط واستمرت 51 يوماً، استخدم فيها الاحتلال إمكانات ضخمة لتركيع القطاع.
" ليس في الاتفاق الموقّع برعاية مصرية، ما يشير إلى منع المقاومة من التجهيز للمعركة المقبلة
" |
في الأسبوعين الأخيرين، بات الإعلان عن رصد أقمار إسرائيل الاصطناعية تجارب صاروخية لحركة "حماس" من القطاع إلى البحر، خبراً يومياً في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية. وزادت إسرائيل من جرعة الأخبار والتصريحات الأمنية التي تتحدث عن تجارب صاروخية للمقاومة في القطاع. ومنها ما نقلته إذاعة الجيش، عن مصادر أمنية لم تسمّها، بأن مثل هذه التجارب انتهاك لوقف إطلاق النار المبرم، غيرّ أنه ليس في الاتفاق الموقع برعاية مصرية، ما يشير إلى منع المقاومة من التجهيز للمعركة المقبلة.
ولا تُخفي "حماس" أنها تجهز نفسها للمعركة المقبلة مع الاحتلال، كحق طبيعي مرتبط ببقاء الاحتلال للأرض الفلسطينية، إلى جانب غياب أي أفق لتسوية يمكن أن تعطي الفلسطينيين حقهم. غيرّ أن الحركة وذراعها العسكرية، كتائب عز الدين القسام، لا تعلّقان على الاتهامات الإسرائيلية كثيراً، وإنّ كانتا لا تخفيان سعيهما إلى تطوير منظومات صاروخية لضرب العمق الإسرائيلي. وتريد حركة "حماس" القول من هذه التجارب، إلى جانب تجهيزها للمعركة المقبلة واستعداداتها لمواجهة قد تبدو قريبة في ظل استمرار الإغلاق والحصار وعدم التقدم في ملف الإعمار في غزة، إنّ كل إجراءات التضييق عليها، بما فيها المنطقة العازلة التي أقامتها مصر، لم تؤثر في قدرتها على التجهيز وتطوير قدراتها العسكرية واستخدام واستحداث بدائل عن تلك التي كانت تجلبها إلى غزة، وصار صعباً وصولها أو مستحيلاً.
ويرى المحلل السياسي، إبراهيم المدهون، في الإعلانات الإسرائيلية المتكررة بشأن التجارب الصاروخية من غزة، أنّ الاحتلال لا يزال يشعر بأن الحرب الأخيرة على القطاع لم تُجد نفعاً، وأنّ الحصار الخانق على غزة، فضلاً عن التضييق المصري والذي يشمل المنطقة العازلة، لم يؤثر استراتيجياً في قدرة "حماس" على تطوير نفسها وقدراتها.
ويقول المدهون لـ"العربي الجديد"، إنّ "حماس" من جهة أخرى، مُصرّة على استكمال منظومتها العسكرية والتجهيز لأي مواجهة مقبلة، سواء كانت قريبة أو بعيدة، لكنه يستبعد أن تكون مثل هذه الإعلانات من قبل إسرائيل، تحريضاً على خوض حرب جديدة ضد القطاع.
ويشير المدهون إلى أنّ الاحتلال بالتأكيد يستغل مثل هذه الإعلانات المتكررة للتحريض ضد القطاع ولضمان استمرار الحصار وتسويقه دولياً، فضلاً عن التنصل من مسؤولياته عن الجرائم التي جرت في غزة خلال عدوانه الأخير. ويلفت إلى أنّ "حماس" خرجت بعبر كثيرة من الحرب الأخيرة، وبالتأكيد تعمل على تنفيذ توصيات المختصين لديها في التجهيز والإعداد.
كما يؤكد أنّ المقاومة لا تنفي تجهيز نفسها وتحضير قدراتها، لأي عدوان قد تشنّه إسرائيل على القطاع، لكنّ قوى المقاومة ليست "مهتمة بالرد على كل تصريح إسرائيلي يحاول استفزازها أو جرّها لمعرفة ما تقوم به من تجهيز".
من جهته، يلفت الخبير الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية، عامر خليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ إسرائيل مهتمة وتريد أن تعرف كل ما يجري في القطاع، والاستعدادات الفلسطينية التي تقوم بها قوى المقاومة وخصوصاً "حماس" للمواجهة المقبلة.
" خليل: الإعلانات الإسرائيلية المتكررة ربما يستخدمها الاحتلال لتبرير أي خطوة سياسية أو عسكرية ضد القطاع
" |
ويرى خليل أنّ ذلك يعود إلى رغبة الاحتلال في أن لا يفاجأ بما تمتلكه غزة و"حماس"، وليكون مستعداً لأي تطور ممكن أن يحدث، بعدما فاجأته الأنفاق الهجومية التي حفرتها الحركة أسفل الحدود وفي عمقه وأربكت حساباته في العدوان الأخير. ويقدر أنّ الإعلانات الإسرائيلية المتكررة، ربما يستخدمها الاحتلال لتبرير أي خطوة سياسية أو عسكرية ضد القطاع، وأخذها كحجة لتعطيل الإعمار والمطالب برفع الحصار واستمرار إغلاق المعابر، وللقول إنّ ما يحدث في غزة يستدعي رداً عملياً وعسكرياً.
ويعتقد خليل أن إسرائيل قد تستغلّ مثل هذه التجارب، لتنفيذ عمليات محدودة ضد القطاع، كقصف ورش التصنيع، أو اغتيال شخصيات عسكرية لها علاقة بالتصنيع، لافتاً إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يصرّ دائماً على إبقاء الإسرائيليين جاهزين لخوض أي حرب عبر حديثه عن التهديدات الدائمة.
ويلفت خليل إلى أنّ نتنياهو يستغل هذه الإعلانات خارجياً عبر القول إن هناك تنظيماً إسلامياً في غزة يتجهز لشنّ حرب على إسرائيل، وربطه المتكرر بين "حماس" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، دليل على محاولة استدعاء دعم دولي لأي تحرك مستبقلي ضد الحركة والقطاع.