«عيد» ميلاد!
<< الثلاثاء، 23 ديسمبر/كانون الأول، 2014 حلمي الأسمر
ستة وستون عاما ونيف مضت على «حفلة» التطهير العرقي التي يسميها العرب نكبة، وتسميها اسرائيل عيد الاستقلال، حصتي منها خمسون ونيف، بيني وبينها نحو عقد من الزمن، عمري ستة حروب أو أكثر، و»سلام» ورقي هش، حتى وقت قريب كنت أحمل الاحتلال في جوفي، أتناوله مع إفطار الصباح، وينام معي على مخدتي، ويطل لي من خلال ضحكة أو ابتسامة فيخنقها، كنت مسكونا بكشرة صلاح الدين الأيوبي الذي أقسم ألا يضحك قبل أن يحرر بيت المقدس، أو هكذا روي عنه، شيئا فشيئا اكتشفت كم كنت ساذجا، وأيقنت أنني لن أضحك مدى عمري، إن التزمت بما التزم به صلاح الدين!
ستة وستون عاما، وجهها الأول مولد «أمة» من شراذم وشذاذ آفاق، ووجهها الآخر تبعثر وطن في الشتات، بأطفاله وشيوخه ونسائه، بأحلام مع وقف التنفيذ، وبيوت تحولت إلى مفاتيح لها بعد رمزي، وأرض اختزلت في خارطة ذهبية تعلق في الأعناق!
ستة وستون عاما ونيف، بدأت بتمنع ورفض للتقسيم، ثم ثورة على الأغراب ثورة في إثر ثورة، وشيئا فشيئا، صار التقسيم مطلبا وطنيا، ودارت الدنيا، وتحول كثير من الثوار إلى ممتهني «تفاوض» من أجل التفاوض، طلبا لكمشة تراب، أو متر أرض، لزراعة علم، و»إعلان» دولة تشبه لعب الأطفال، وحتى هذه لم ينلها أحد!
ستة وستون عاما وأنا أرقب المشهد، حتى قبل أن أولد: أرض تنسرب من بين الأصابع، فيبتلعها الغول، أو المغول، وتتحول الاصطلاحات، وتتحور المفاهيم، فتكاد تضيع المعاني، كما يحصل في كريات الآيس كريم الملونة حين تذوب: المجاهد تحول إلى إرهابي (ما رأي الحاج أمين الحسيني لو كان حيا؟!) وتصبح التواطؤات «تنسيقا أمنيا»، والتمسك بالحقوق عبثية أو تطرفا!
ستة وستون عاما في عمر الشعوب لا تساوي شيئا، لكنها في عمر فلسطين وأهلها وأمتها، حولت كل شيء إلى ما يغايره ويضاده ويعاكسه، وصنعت من وطن كان يتشكل للتو إلى أرض غريبة مزروعة باللصوص، الذين يحظون باستقبالات رسمية، وتفرش لهم البسط الحمراء، وتعزف لهم الموسيقى الرسمية التي تليق بضيوف أعزاء، فيما يلهث أبناء الأرض وملحها نحو جواز سفر أو تذكرة رحيل باتجاه واحد، ولا يجدونه/ أو يجدونها، أكثر من ذلك يمنع هؤلاء من دخول بعض الحدود بوصفهم مرضى بالطاعون أو الجرب يخشى من نقلهم العدوى إلى «إخوتهم» في العروبة والدين!
ستة وستون عاما، كأنها كابوس طويل نرفض أن نفيق منه، بمشيئتنا لا بمشيئة الوسواس الخناس، كابوس، ينتهي بالضرورة بنور في نهاية النفق، حسب نبوؤة «الختيار» الميت مؤقتا في رام الله، كي يموت بشكل دائم ذات عام في القدس كما أراد!
كم ستة وستين عاما ستمضي قبل أن نبتسم ابتسامة (لا ضحكة!) صلاح الدين الأيوبي رحمه الله؟؟
لماذا أكتب عن النكبة، في ذكرى السادسة والخمسين لرؤيتي النور في خيمة لجوء؟ لا أدري على وجه التحديد، لكنني أشعر أن بيني وبين النكبة والنكسة والوكسات المتلاحقة، اكثر من وشائج قربى، ربما هو الاندغام مع النكبة، التي حفرت سنواتها على جسدي، وربما هي مشاعر أخرى، تذهب باتجاه آخر، تقول لأبنائي، وأبنائهم، لا تنسوا طولكرم، ولا مخيمه، ولا يافا، ولا الشيخ مونس، مسقط رأس والدي وأجدادي!