‘‘طرد المراهق‘‘ من المنزل.. آباء يضعون الأبناء على طريق الخطر والعدوانية
البكاء والحزن والانتظار هي المشاعر التي سيطرت على لمياء اسماعيل منذ أن قام زوجها بطرد ابنها المراهق من المنزل لعدة أيام.
عدم رضا زوجها عن سلوكيات ابنها ووصفه "بالمتمرد" وحاجته للتربية من جديد بسبب خروجه طوال الوقت، وعودته في ساعات الفجر للمنزل، وعدم سماع كلام والديه؛ كانت وراء طرده، بعد تكراره لهذه التصرفات.
لمياء لا تنكر أن تصرفات ابنها خاطئة، ولا يمكن التهاون فيها على الإطلاق، خصوصا أنها ووالده لا يعرفان "ماذا يفعل طوال هذه الساعات خارج المنزل"، وبمن يختلط، وما الأمور التي قد يقدم عليها، غير أنها لا تجد أن ذلك كله مبررا لطرده.
وتشير إلى أن طرد الابن بهذا العمر الحرج، سيكون بيئة خصبة له بالاختلاط برفاق السوء، واكتساب سلوكيات سلبية وتصرفات عدوانية، لافتة إلى أنها مدركة تماما أن ابنها سيعود إلى المنزل في النهاية، لكنه ربما يعود أسوأ من قبل، وبشخصية مختلفة.
الأم تدرك جيدا أن والده فعل كل ذلك وكان قاسيا عليه من خوفه على ابنه، لعله يتعلم من هذه التجربة الصعبة، ويعود أفضل من قبل ويلتزم بنصائح والديه، لكنها متأكدة أن ذلك سينعكس سلبيا عليه، وسيتمرد أكثر.
ولعل الحال لا يختلف كثيراً لدى فريال التي مر شهر كامل على قيام زوجها بطرد ابنها مراد (17 عاما) من المنزل، والسبب أنه لاحظ عليه بأحد الأيام أنه عاد غير متزن وتفوح من فمه رائحة المشروبات الكحولية، الأمر الذي تسبب بغضبه على المكانة التي وصل اليها ابنه، فقام بطرده من المنزل.
وفي كل مرة تقوم فريال بنقاش زوجها بالأمر يثور من جديد، حتى أنه منعها من التواصل مع ابنها تماما، فهو برأيه يعرف جيدا كيف يربيه.
وبعد مرور الوقت ومع تدخل الأقارب، تقول فريال أن ابنها عاد إلى البيت، لكنه عاد بوضع أسوأ مما كان عليه، وأصبح يتهرب دائما لرؤية أصدقائه و"شلته" الجديدة، التي تعرف عليها أثناء بقائه خارج المنزل، وأصبح من الصعب السيطرة عليه أو إخضاعه لضوابط أو معايير، بل يهدد دائما "إذا مش عاجبكم بطلع من البيت"، إذ لم يعد والده يستطيع السيطرة عليه.
ولعل هناك كثيرا من الأهالي ما زالوا يعتقدون بأن طرد الابن هو أسلوب تربية يقوم سلوكه ويعيده إلى الطريق الصحيح، غير أن ما يحدث هو العكس تماما، وأن عدم احتواء الابن واتباع طرق أخرى تقوم من سلوكه قد يجعل الأهل يفقدون ابنهم للأبد بهذه الطريقة.
خبراء أكدوا أن الطرد من البيت لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال أن يكون أسلوب تربية أو عقابا صحيحا، بل سيذهب المراهق لبيئات موافقة على سلوكه ولا ترى فيها أي شيء سلبي وتعززها لديه، مما يجعله يرجع بقائمة سلوكات أسوأ من قبل. وأشاروا إلى أنه يكون عرضة للعنف النفسي بالشتم والتحقير من قبل الغرباء أو أصحاب الأماكن التي يعمل بها الأطفال، علما بأن مجرد وجود الطفل خارج البيئة المنزلية، دون تلبية احتياجاته خطر كبير عليه.
وفي ذلك يذهب الخبير في مجال حقوق الطفل والحماية من العنف مستشار أول الطب الشرعي في وزارة الصحة الدكتور هاني جهشان إلى أن الأسباب الرئيسية لعيش الأطفال المراهقين خارج المنزل، هو تعرضهم للعنف والاضطهاد من أفراد الأسرة الآخرين، أو بسبب التفكك الأسري والنزاعات الزوجية ما بين الوالدين، أو معاناتهم من الاضطرابات النفسية أو الإدمان على المؤثرات العقلية.
ويبين جهشان أنه في بعض الحالات يلجأ الأب لطرد ابنه من المنزل بهدف الادعاء ان ذلك يساعده على الاعتماد على نفسه في مواجهة صعوبات وتحديات الحياة، ونوع من العقاب إلا أن هذا المفهوم بالتربية خارج نطاق كافة المعارف المرجعية المسندة في مجال التربية والتعليم وعلم النفس وعلم الاجتماع.
ويلفت إلى أن عيش الأطفال (المراهقين) خارج بيئة المنزل ان كان على قارعة الطريق أو في الأزقة ما بين المنازل أو في المداخل وتحت أدراج الأبنية أو في الأبنية والمنشآت المهجورة أو في أماكن عمل الأطفال كالكراجات أو المقاهي وغيرها، يعرض هؤلاء الأطفال لمخاطر الاعتداءات الجسدية والانتهاكات الجنسية.
إلى ذلك، يكونون عرضة للعنف النفسي بالشتم والتحقير من قبل الغرباء أو أصحاب الأماكن التي يعمل بها الأطفال، علما بأن مجرد وجود الطفل خارج البيئة المنزلية، دون تلبية احتياجاته الأساسية هو شكل من أشكال الإهمال حسب تعاريف الأمم المتحدة.
وتشمل الاحتياجات الأساسية للطفل، ضمان توفر المأوى الآمن وتوفير الغذاء والالتحاق بالدراسة والحماية من العنف وتوفير الرعاية الطبية والوقاية من الأمراض، وترك الطفل خارج المنزل والمدرسة بدون تلبية هذه الاحتياجات هو انتهاك صارخ لحقوق الطفل.
ويشير جهشان إلى أن هناك خطرا كامنا بتعرض الأطفال وخاصة المراهقين للاستغلال الجنسي بكافة أشكاله، وخاصة من منهم في عمر المراهقة المبكرة، وخطر تعرض المراهقين الذكور يوازي تعرض الإناث لهذه المخاطر.
ويعتبر الاختصاصي الأسري والتربوي أحمد عبدالله أن الطرد من البيت لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال أن يكون أسلوب تربية أو عقابا صحيحا، فالفكرة من العقاب هو اشعار صاحب السلوك الخاطئ أنه مخطئ وسلوكه مرفوض، إلى جانب الحد من هذا السلوك الخاطئ وايقافه.
بالتالي، فان الطرد لا يحقق أي من هذه الأسباب، بل على العكس سيجعل المراهق يذهب لبيئات موافقة على سلوكه ولا ترى فيها أي شيء سلبي وتعززها لديه، مما يجعله يرجع بقائمة سلوكات سلبية جديدة.
وبحسب عبدالله، يكون المراهق بنفسية انتقامية من الأب، وهذه المشاعر ستصبح أصيلة لدى الابن إذا تكرر أسلوب الطرد معه، مما ستجعل العلاقة بين الأب وابنه مبنية على أسس خاطئة.
ويعتبر عبدالله أن البيئات في السابق كانت مختلفة، فالشاب كان عندما يطرد من البيت، يذهب لبيت عمه أو جده أو أحد الأقارب الذي بدوره يوبخه على فعلته ويوجهه بطريقة صحيحة، بينما الآن اختلف الحال كثيرا وأصبح هناك بيئات سلبية كثيرة تستقبل "المطرودين"، وتتحكم بمستقبلهم.
ويشير إلى أن سلوك الطرد من المنزل بأي مرحلة عمرية ليس سلوكا تربويا ولا يمكن استخدامه ولا بأي حال من الأحوال.
ويكمن الخطر أيضا، وفق جهشان، بتعود المراهق على المخدرات والكحول والعقاقير المهلوسة والمهدئة والمواد الطيارة، وقيامه بأعمال السرقة والانخراط بعالم المخدرات بهدف ضمان حصولهم على هذه المؤثرات العقلية.
إلى ذلك، هم معرضون للإصابة بالعديد من الأمراض المعدية والمتعلقة بنقص التغذية، وحوادث السير أكثر من غيرهم من الأطفال لأنهم يعيشون ظروفا لا تلائم أعمارهم.
ويلفت جهشان إلى أن الأطفال يتحولون في نزاع مع القانون، إذا ارتكبوا جرائم السرقة أو التهريب أو حتى تهمة التشرد أو التسول، وقد يتم الحاقهم بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، ووجودهم في مثل هذه المؤسسات يشكل مخاطر لتعرضهم للعنف والاهمال بكافة اشكاله.
ويعتبر جهشان أن تُضاعف هذه العواقب أثناء وجودهم في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، إن كان بهدف الحماية والرعاية أو بسبب نزاعهم مع القانون، في حال غياب البرامج المهنية المتخصصة بالتعامل معهم، والتي يفترض في حال وجودها أن تهدف لتأهيلهم نفسيا وجسديا واجتماعيا.
ويؤكد جهشان على أنه لا يجب استغلال أصحاب العمل لهؤلاء الأولاد والعمل على تشغيلهم والذين قد يعرضهم لكثير من المخاطر والإصابات، فالقانون يمنع ذلك وقد نص المادة (73) من قانون العمل لسنة 1996: "لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور".
كما ونصت المادة (74) من نفس القانون: أنه "لا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة".
أما قانون العقوبات فقد أعتبر أن مثل هكذا إصابات هي جريمة يعاقب عليها بنص المادة (289) "كل من ترك قاصراً لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع أو معقول وأدى إلى تعريض حياته للخطر، أو على وجه يحتمل أن يسبب ضررا مستديماً لصحته يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة".