[rtl]أبدعتم! هذا ما يريده "داعش"[/rtl] [rtl]2/10/2015 10:30:00 PM[/rtl] محمد ابو رمان
بدأت نبرة خطاب تنتشر في أوساط ثقافية وسياسية وإعلامية، زادت حدتها بعد استشهاد معاذ الكساسبة؛ تخلط الحابل بالنابل، وتوسّع نطاق الحرب الدائرة ضد التنظيم على الصعيد المحلي، لتشمل الشريحة الكبيرة الواسعة من التيار المتديّن اليوم، وتلغي المساحة الواسعة الفاصلة بين الحرب الراهنة مع هذا التنظيم وقضية الإصلاح الديني المطلوب!
أصبح موضوع "داعش" أقرب إلى حالة الهلوسة أو الوسوسة، لدى هذه النخبة. فأصبح الحديث ضد التنظيم مرتبطاً بتغيير جذري في المناهج، ومراقبة خطب الجمعة. وبعضهم يتحدث عن إلغاء كليات الشريعة، وآخرون يهاجمون فتاوى فقهية معروفة ومنتشرة، باعتبارها امتدادا لداعش.هذا الخلط يحدث، أحياناً، بحسن نيّة، لكن مع جهل وعدم إدراك للفرق الكبير بين المعركتين؛ المواجهة الراهنة مع "داعش" والإصلاح الديني. وأحياناً أخرى، تقف وراءه أجندات وتوجهات أيديولوجية وشخصية، تزيد الأمر سوءاً وتقلب وجه المعركة الراهنة؛ فبدلاً من أن تكون معركة وطنية يتوافق فيها الجميع على المواجهة مع تنظيم "داعش" وأنصاره داخلياً وخارجياً، تتحول إلى انقسام وانشطار داخلي عنيف، بين تيار متديّن عموماً كبير وممتد، وبين نخب معادية له. وهذا أخطر ما في الأمر، وأفضل هدية تقدم لتنظيم "داعش" في هذه اللحظة التاريخية الراهنة!
ما هي الدعاية السياسية لداعش؟ هي أنّ التنظيم يخوض حرباً دفاعاً عن الإسلام السُنّي في مواجهة أعدائه من العلمانيين والقوى الدولية والأنظمة العربية. وعندما تأخذ المعركة بعداً معادياً لكل الثقافة الإسلامية السائدة والمنتشرة اليوم، ذات الطابع المحافظ دينياً واجتماعياً وفقهياً، فإنّ هذه المعركة تخدم دعاية "داعش" وأجندته، وتعززها. وعلى المدى المتوسط، ستقنع شريحة من الشباب بأنّها فعلاً حرب على الثقافة الإسلامية عموماً!من الضروري، إذن، أن نفرّق بين مستويين رئيسين؛ الأول، هو تنظيم "داعش" في الخارج، باعتبار أنّنا في حالة حرب معه، وتنظيم "داعش" وشبكته في المنطقة، الذي يتبنّى أيديولوجيا واضحة تقوم على تكفير الأنظمة والدساتير، وتبني الطريق المسلّح في التغيير. وهو تيار من المفترض اجتراح طريق مثلى لمواجهته داخلياً عبر المسار القانوني والثقافي والمجتمعي. أما المستوى الثاني، فهو معركة الإصلاح الديني والتنوير والثقافة والمناهج. وهي معركة ضرورية، بلا ريب، ومهمة، لكنّها بعيدة المدى، تحتاج إلى نَفَس طويل وعملية متدرجة، يقودها فقهاء وعلماء مستنيرون، لأنّها ترتبط ببنية فقهية ثقافية شعورية موروثة.
هناك اتجاه فقهي كبير يقدّم فتاوى سائدة ومهيمنة على ثقافة الناس الدينية، تحرّم الموسيقى والفن، وتأخذ موقفاً متحفظاً من الحداثة والتعددية الدينية، وترفض الاختلاط. وهناك فتاوى وآراء دينية أخرى تختلف معها، لكن ليس من السهولة تغيير قناعة هذا الاتجاه الفقهي العريض الذي يمتلك حضوراً وتأثيراً اجتماعياً كبيراً، بخاصة في السنوات الأخيرة، عبر الهجوم المباشر والنبرة الحالية، بل ذلك سيدفع به وبتلك الشريحة الواسعة إلى موقف دفاعي وشعور بالتهديد، وهذا أخطر ما في الأمر!
من ناحية أخرى، صحيح أنّ الثقافة الفقهية تساهم في نمو الأيديولوجيا المتطرفة وبنائها، لكنّ العامل الثقافي يبقى ثانوياً مع الشرط السياسي المجتمعي. فنمو "داعش" ليس لأسباب متعلقة بالمناهج أو الثقافة في كل من سورية والعراق، بل لوجود ظروف استثنائية قاهرة، خلقت شعوراً لدى السُنّة بالتهديد والقلق الوجودي مع بروز النفوذ الإيراني والتلكؤ العالمي، ما أعطى مصداقية لخطاب "داعش" ودعايته السياسية التي تقوم على هذه الثيمة الأيديولوجية. فقبل ذلك لم يكن السوريون ولا العراقيون أنصاراً ولا متعاطفين مع هذا التنظيم، وما دفع بنسبة كبيرة منهم إلى هذا الخيار هو ظروف الحرب الداخلية القاهرة.
نعم، نحن بحاجة إلى إصلاح ديني عميق؛ إلى غربلة المدونة الفقهية؛ إلى إعادة نظر في المناهج؛ إلى تطوير ثقافة الناس الدينية. لكن كل ذلك عملية بعيدة المدى هادئة، بعيداً عن قروع طبول الحرب على تنظيم "داعش"، حتى لا نخسر المعارك جميعاً!
(الغد)