بماذا أخطأ بدران؟!
الخميس 19 شباط / فبراير 2015. 12:08 صباحاً
محمد أبو رمان
أستمتع، كما هي حال الكثيرين في الأردن، بمتابعة مذكرات رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران، على صفحات "الغد"، بإعداد رائع ومتقن من الزميل المبدع محمد خير الرواشدة، الذي ساهمت أسئلته ورؤيته في صياغة هذه المادة التاريخية والسياسية الثرية والجميلة.
بعد عقود من الصمت، إذن، تحدّث مضر بدران. وهو رجل سياسي من طراز رفيع، بل هو مدرسة في السياسة الأردنية، كان لها حضورها خلال العقود الماضية، ومثّل نموذجا في الحكم والإدارة خلال مرحلة الملك الراحل الحسين. وقد تميّز الإيمان بالإصلاح والديمقراطية، والبعد عن الفساد، والاهتمام الكبير بالتفاصيل الدقيقة للاقتصاد التي تهم حياة الناس البسطاء والعاديين؛ إذ من المعروف عنه أنّه كان يراقب يومياً حركة الأسواق وأسعار السلع الأساسية، فهو أقرب إلى قيمة العدالة الاجتماعية منه إلى قيمة حرية السوق الليبرالية في تطبيقاتها المعاصرة.
اعتزل بدران العمل السياسي إرادياً وذاتياً منذ بداية التسعينيات، بعد أن ترأس حكومته الأخيرة خلال حرب الخليج العام 1991. وكان الرئيس الوحيد الذي أعطى حقائب لجماعة الإخوان المسلمين وأشركهم في الوزارة، بصفتهم التنظيمية الحزبية. وخرج من المشهد لموقفه المبدئي الرافض لمفاوضات السلام مع إسرائيل، وما نجم عنها لاحقاً، كما يفترض أن يخبرنا خلال الأيام القريبة المقبلة.
كم تمنيت أن أضع بعضاً من فقرات هذه المذكرات، وما فيها من قصص ذات دلالة مهمة، أمام السياسيين، لنجعلها قيمة سياسية وميزاناً في تقييم وتقويم سلوك السياسيين ورؤساء الحكومات، بخاصة عندما يتطلب أمرٌ جلل وحادث مفصلي مواقف حاسمة صادقة شجاعة من المسؤولين.
لو خرج الرجل من المشهد، فمن الضروري أن نستفيد من تجربته. وإذا كانت هذه المذكرات مهمة في مضمونها وتوقيتها، فإنّ الفائدة من هذه المدرسة وشخصيات لها خبرتها وتاريخها وحكمتها، مثل عدنان أبو عودة ومروان القاسم وعدد من القيادات المعروفة في الدولة، من المفترض أن تمتد حتى للجامعات وكليات العلوم السياسية والتاريخ (الأردني)، ليلتقي الطلبة بهم ويسمعوا منهم الخبرة الحقيقية والسياسات الواقعية المرتبطة بتاريخ الدولة والمراحل المفصلية التي مرّت بها، والمحددات الرئيسة للسياسات الخارجية والداخلية. فهذه الروايات هي الوعاء التاريخي السياسي الحقيقي الذي يفيد الأجيال الجديدة، ويبني الرواية الوطنية.
حتى الحجم الكبير من التنويهات التي نقرأها من شخصيات، تعقيباً وتعليقاً على الرجل، يعد منطقيا وطبيعيا؛ ذلك أنّنا نتحدث عن ذاكرة شفهية بعيدة، ليست مرتبطة بمذكرات مكتوبة في وقتها، وهو ما أكده بدران نفسه. وكذلك لأنّ التاريخ حمّال أوجه؛ فحتى الحادثة الواحدة كلّ يراها من زاويته ورؤيته، وربما يلوّنها كما يفهمها. وهذه ظاهرة طبيعية ومنطقية؛ فما نقرأه هو إضافة للرواية، لا نقضاً أو إضعافاً لها.
بقي أن نأمل من الرئيس بدران والزميل محمد الرواشدة أن نقرأ في نهاية المذكرات رؤية نقدية ذاتية لتجربة الرئيس الشخصية في الإدارة والحكم. فهذه الزاوية النقدية على درجة كبيرة من الأهمية اليوم؛ إذ إننا لا نكاد نقرأ لأي سياسي أو مسؤول أردني سابق أي نقد ذاتي. وهذه إحدى الملحوظات الموضوعية التي نسمعها على المذكرات الحالية، وغيرها، وهي ملحوظة منطقية.
نريد أن نسمع في الحلقة الأخيرة من هذا السياسي الكبير عما يعتقد أنه أخطأ فيه خلال تجربته، وأين أخطأ؟ وبماذا ينصح المسؤولين في البلاد اليوم؟ وما هي رؤيته للأجيال المقبلة؟ فأكثر ما نحتاجه اليوم هو أن نتعلّم من أخطائنا ومن القراءة النقدية.