أغلب اللاجئين في العالم هم من العرب والمسلمين، وعدد اللاجئين داخل ذات الدول العربية والاسلامية، سواء كانوا من اهل تلك الدول، او انتقلوا الى دول مجاورة، كبير جدا، يضاف اليهم اولئك الذين هاجروا الى دول من خارج منظومة الدول العربية والاسلامية.
عشرات ملايين الافراد، والعائلات، باتت لاجئة، واللاجئ يخسر كل شيء، يخسر استقراره، وهويته، ويتحطم وجدانه، وتتشظى شخصيته، وينقل كل هذه السمات الى افراد عائلته، الذين سيواجهون كلفة اللجوء ولو لاحقا، فاللجوء هنا، انقطاع بين الحبل السري، والام، بطريقة وحشية ومؤلمة وصعبة جدا، تترك ندوبا، يصعب ازالتها.
لكن السؤال الذي لا يسأله احد، يتعلق بطبيعة الاجيال التي جاءت من عائلات لاجئة، ونحن بعد عقدين، سنواجه اجيالا جديدة، قد لا تتصف بالاستقرار النفسي، وعلى الاغلب، هذه اجيال ستأتي غاضبة وحاقدة على منطقتها، جراء ما تعرضت له بسبب اللجوء، وليس بالضرورة، ان تكون هذه الاجيال ممتنة للحياة، لانها حصلت على فرصة اخرى، للنجاة، وليس بالضرورة ايضا ان تكون ممتنة لاوطانها، او لاوطانها المستجدة، فقد يحدث العكس تماما؟!.
التفريغ الديموغرافي بسماته الثقافية والدينية للعالم العربي والاسلامي، يجري بطرق مختلفة، وهو تفريغ يزلزل البنية الانسانية لهؤلاء، والكلام الذي نسمعه عن زلزلة الاحساس بالعروبة، او الارتداد عن الدين، بسبب هذه المحن، بات شائعا، لان الكل يسأل ذات السؤال، عن العدالة فيما تعرضوا له، وبعضهم يذهب بعيدا، للتساؤل عن السبب الذي لم ينصرهم الله فيه، او يمنع البلاء عنهم؟!.
وهكذا اسئلة، قد لا تكون محقة، لان اغلبنا يفترض افتراضات غير دقيقة، فالانسان اولا يزرع ويحصد، ويحتمل نتاج افعاله، وافعال من حوله وحواليه، وهذه هي معادلة الدنيا، لكن وعينا كعرب ومسلمين تأسس بطريقة مختلفة، والمؤسف ان تقرأ وتسمع، ردة قومية ودينية، بين كثيرين، ممن لم يحتملوا هذا التعسف من جانب الحياة، ازاء وجودهم، خصوصا، مع تقديم الآخر، اي الغرب، تحديدا، نماذج مختلفة بشأن صيانة الحياة وحقوق الناس، وحرياتهم الدينية والاقتصادية والثقافية، مما يجعل المقارنة بين تجربتين امرا واردا بكل تفاصيله، مع حفظ الفروقات بطبيعة الحال، بين توقيت وآخر، وبيئة واخرى.
كل هذا يعني اننا امام نوع جديد من اللاجئين، يختلفون تماما عن الفلسطينيين، والسبب بسيط، اذ ان لجوء الفلسطيني جاء جراء احتلال، وليس صراعات داخلية بين اهل البلد الواحد، على اساس الدين والمذهب والمعتقد والصراع على السلطة، كما ان لجوء الفلسطيني جاء الى حاضنات عربية، من دول الجوار، اتسمت بذات السمات الثقافية والدينية والاجتماعية، مما صان الشخصية الفلسطينية ولم يتسبب لها بالاغتراب، بل ساعد في ثبات سماتها، والسبب الثالث والاهم، ان لجوء الفلسطيني كان في «زمن بكر»، لم يعرف فيه الفلسطيني الا العرب، ولم يعرف العرب الا العرب، وكان تدفق المعارف المغايرة والمعاندة للوعي العروبي والديني، قليلة جدا، وغير حاضرة في الحياة اليومية، فبقيت حدة اللجوء على الفلسطيني، اقل مما نراه اليوم في العرب والمسلمين.
اما لجوء العراقيين والسوريين والليبيين وغيرهم من دول عربية واسلامية، فيأتي ضمن ظروف مختلفة تماما، ستؤدي حتما الى انتاج اجيال جديدة، بشخصيات جديدة، ذات سمات مختلفة عن سمات الاباء والاجداد، وعلى الاغلب سوف تتسم بالغضب والحقد على المنطقة واهلها، وتنقلب ولو جزئيا، على معايير تاريخية للدين والعروبة، جراء حدة المحن، من جهة، وجراء غسيل العقل الجاري، لاثبات حقيقة تقول ان هناك امما افضل، وحضارات احسن، بكل معاييرها، اضافة الى ان العدو هنا، ليس محتلا، بل من ذات اهل المنطقة، مما يولد غربة من نوع غير مسبوق، هذا فوق ان حاضنة هؤلاء بعد اللجوء، مختلفة عن حاضنة الفلسطينيين، ولها تأثيراتها الحادة عليهم.
نحن امام كلفة من نوع آخر للجوء، وبهذا المعنى يكون الفلسطيني محظيا، لانه اول اللاجئين، وهو ايضا، آخر اللاجئين الذين قد تتغير شخصيتهم الثقافية والوجدانية والاجتماعية، ولابد من مختصين يحللون مسبقا، بشكل عميق، الفروقات بين لجوء الفلسطينيين ولجوء العرب والمسلمين في السنين الاخيرة، وتأثيرات ذلك على الشخصية الجمعية لكل فئة، بعيدا عن فكرة تناسل الخيم، والمغتربات.