الحلقة السادسة عشرة من "سياسي يتذكر"
بدران: هذه قصة "الشيك" السعودي ثمن صواريخ "الهوك"
محمد خير الرواشدة
*تعرضنا أواخر السبعينيات لضغوط اقتصادية لإلزامنا بتسوية للصراع مع اسرائيل
عمان- ينقل رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران اليوم القارىء الى اجواء نهاية السبعينيات من القرن الماضي، حيث واجه الاردن في تلك الحقبة تحديات اقتصادية وتنموية ضخمة، ترافقت مع ضغوط سياسية واقتصادية عربية واميركية، انهالت على المملكة، ما كان يشي بأنها ضغوط تمهد للقبول بتسوية سياسية ما للقضية الفلسطينية.
ويدخل بدران، في الحلقة السادسة عشرة من سلسلة "سياسي يتذكر" مع "الغد"، اليوم في تفاصيل عديدة حول عمل الحكومة بتلك المرحلة، خاصة مع تدشين مشاريع اقتصادية ضخمة او افتتاحها، بمناسبة احتفالات المملكة باليوبيل الفضي للمملكة، مستعرضا قصة نجاح الاردن، رغم كل الظروف الاقتصادية والسياسية، في انشاء مشاريع طريق المطار الدولي، وتوسعة البوتاس واقامة صوامع القمح، وميناء العقبة واقرار قانون الضمان الاجتماعي.
وباسلوب روائي مشوق، يروي مدير المخابرات الاسبق اليوم قصة شيك سعودي للاردن بقيمة 140 مليون دولار، وكيف حول للمملكة بهدف دعم صفقة صواريخ "هوك" اميركية، الا انها ذهبت الى تمويل واستكمال مشاريع تنموية ضخمة.
وتكشف حلقة اليوم، كما غيرها من حلقات، طبيعة العلاقات العربية في فترة السبعينيات، وحجم التداخل سلبا وايجابا في تلك العلاقات، وكيف تأثر الاردن او استفاد من ذلك التداخل والتعقيد.
وكان بدران تحدث في حلقة الأمس عن تفاصيل تشكيل حكومته لأول مرة، وكيف أن الراحل الحسين ألزمه بتشكيلها خلال وقت قصير.
وكان بدأ أيضا بالحديث عن أبرز التحديات، التي كانت تواجه الأردن، وكيف أن تلك التحديات كانت ضاغطة بشكل اقتصادي كبير.
وتناول بدران ايضا بدء حالة الانقسام بين رجالات الدولة، وتوزعهم على معسكرين، بين زيد الرفاعي وبدران، حيث اشار الى انه لم يكن يؤيد ولا راغبا بذلك، بعد خروج الوزراء المحسوبين على حكومة الرفاعي من حكومته.
كما كشف بدران امس قصة مساعدة عراقية كبيرة للاردن نهاية السبعينيات، بلغت قيمتها 30 مليون دولار، انقذت الخزينة من العجز، ومكنتها من دفع رواتب الموظفين لذلك الشهر.
وفيما يلي نص الحلقة السادسة عشرة
* في العام 1977، احتفلت المملكة باليوبيل الفضي لتأسيسها، كيف كانت الاحتفالات والموازنة فارغة، وبماذا افتتحت العهد الذهبي للمملكة؟
- أنا في مثل تلك القضايا لا أهتم كثيرا. لكن قمت بتشكيل لجنة، وكان كل همي أن لا تأتي المناسبة، إلا وأنا محتاط، لعدد من المشاريع المهمة، التي ندشن فيها مرحلة جديدة من عمر الوطن.
وفعلا، فقد وضع الملك الحسين حجر الأساس لبعض تلك المشاريع، وافتتحنا جزءا منها، في غمرة احتفالاتنا بالمناسبة.
وكما قلت لك، فقد حاولت أن استثمر تلك المناسبة، في تدشين عدد من المشاريع الوطنية المهمة.
بدأنا عمل الحكومة بمطار الملكة علياء، وبدأنا فعلا بتحسين أدائه وكفاءته، كما وسعنا طريق المطار، واستملكت الحكومة 100 متر، بشكل عرضي على طول الطريق الواصل للمطار، وقد استفدت من فكرة اسرائيلية، كنت قرأتها في احدى اوراق الحكومة الاسرائيلية، اثناء عملي في المخابرات، وكانت تشير إلى الاستفادة من الاستملاكات، وزيادة عرض الشوارع على سبيل الاحتياط للمستقبل، فمطار اللد، عندما تصل إليه من القدس، عرض الشارع الموصل اليه يبلغ 100 متر.
طبعا، كان القرار مستهجنا، لأن القانون كان يقول باستملاك 40 مترا فقط للطرق، وهو أمر لم اتوقف عنده، نظرا للحاجة المستقبلية لطريق المطار، وأهمية أن يكون بعرض مريح.
ففعلنا طريق الخدمات على طريق المطار، وجئنا بسياج وضعناه على جانبي الطريق، حتى لا يسطو أحد على أرض الدولة، وشجرت كل تلك الطريق، حتى أمنع في المستقبل أي احتمال للاستيلاء عليها.
ثم افتتحنا مشروع البوتاس، وأقررنا قانون الضمان الاجتماعي، ومشروع ميناء العقبة.
* أريد العودة لعدم التزام الدول العربية بمساعدة الأردن، وكيف تنبأت بذلك وكيف تصرفت؟
-لما تسلمت الحكومة من أبي سمير (الرفاعي)، يومها أعطاني قائمة بالمساعدات العربية، غير المدفوعة، وهي المساعدات التي كانت آخر قمة عربية قد أقرتها للأردن.
ومنذ أول يوم لي في الحكومة، بدأت أسأل إن وصلت أي من تلك المساعدات للخزينة، وهي مساعدات من السعودية والكويت والإمارات وقطر، لكن لا جواب لدينا.
حتى شهر أيلول "سبتمبر" من العام الذي تسلمت به الحكومة، كانت الدول العربية لم تتقدم بأي من تلك المساعدات، بدأنا كما قلت لك، بزيارة لعدد من دول الخليج، مرة بمعية الحسين رحمه الله، ومرات كنت أذهب أنا ورئيس الديوان عبد الحميد شرف.
وكل نتائج زياراتنا لم تحقق أي شيء، عندها قلت للراحل الحسين، بأني أشعر بأن الضغط الاقتصادي علينا مقصود، لأمر سياسي مطلوب منا، لم يعلق الراحل الحسين على الأمر، لكن أظن بأني شغلت تفكيره بعد ذلك.
وفي احدى الزيارات إلى دولة الإمارات، واللقاء بالشيخ زايد ال نهيان، كنت أنا وعبد الحميد شرف مع الراحل الحسين، وكان الحسين يدعوني إلى الاجتماع المغلق، بينه وبين أي زعيم، عندما يبدأ الحديث عن الوضع الاقتصادي للأردن.
في تلك الزيارة، طلب الحسين أن أدخل، للاجتماع مع الشيخ زايد، وإذ بجلالته منفعل كثيرا ويقول للشيخ زايد، رحمه الله،: "أنا الزعيم العربي الوحيد الذي كان يحضر للامارات، عندما كان مطارها على التراب".
صعقت من الأمر، وخرجت فورا من المكتب، فالحسين لا يغضب أبدا، ولا يسيء لأحد، حتى لأصغر العاملين معه رتبة. مباشرة دخلت
لعبد الحميد شرف، وقلت: العلاقات الأردنية الإماراتية "رح تخرب"، وقلت له ما سمعت.
بعدها خرج الحسين، وذهبنا معه إلى مقر إقامته، وقال: إن الاخ الشيخ زايد قال لي: من حقك أن تغضب". وقد سأله الحسين عن سبب عدم مساعدة الإمارات للأردن، فقال بأن الضغط قادم من شخصية سعودية.
بعدها زرنا السعودية، وتحدث الراحل الحسين للأمير فهد عن الأمر، وقال معاتبا: "لا ترحمون وما تخلو رحمة الله تنزل"، فنفى الامير فهد ان يكون هناك مثل هذه الضغوط، لكننا تأكدنا فيما بعد من وجودها.
حاولت أن أظهر بمظهر من يقاوم تلك الضغوط الاقتصادية، طبعا بحيل بسيطة، فقد اتصل معي زيد بن شاكر، وكان قائدا عاما للجيش، وطلب مني فتح الطريق بين قيادة الجيش الجديدة، التي كان مقررا مكانها إلى جانب المدينة الطبية، ويريد فتح الطريق عبر الشارع الواصل من أم أذينة لشارع المدينة الطبية، وهو شارع مكة الآن، وسألته إن كان باستطاعة سلاح الهندسة القيام بفتحه، فقال يمكن ذلك، وطلبت منه التنسيق مع أمانة عمان، وفعلا هذا ما جرى.
خلال ذلك المشروع، خطر لي أن نوسع الطريق من الدوار الثامن إلى المدينة الطبية، وطلبت أن يحال العطاء على مقاول مليء ماليا، وباستطاعته أن يصبر على الحكومة، حتى تصلنا أي مساعدات.
وفعلا، هذا ما جرى، وبدأت ورشتا العمل، تحفران وتعبدان الطريق، وقد جاءني أمين عام مجلس التخطيط القومي حنا عودة، يقول بأن السفارة الأميركية تسأل عن مصادر تمويل مشاريع فتح الطرق هذه، وعندها تأكدت تماما، بأننا تحت ضغط اقتصادي، كمقدمة لأمر سياسي ما.
*وأمام شعورك بالتحدي الاقتصادي في سبيل الضغط السياسي علينا، ماذا فعلت، وكيف أكملت مسؤولياتك، والمشاريع التي كنت تحلم بها، فيما الخزينة خاوية من الأموال؟
-قلت لك بأني قدرت الأمور، وكانت تقديراتي في مكانها، فقد كان الضغط الاقتصادي هو مقدمة لضغط سياسي، وأبلغت الراحل الحسين بالأمر.
مباشرة في جلسة من جلسات مجلس الوزراء، طلبت من الوزراء، عدم السؤال عن قرار اتخذته بخصم 10 % من موازنات الوزارات، وانه لا أريد لأحد أن يناقشني في الأمر، أو أن يعترض عليه.
واعترض بعد الاجتماع، وزير الصحة، الدكتور زهير ملحس، واعتبر أن القرار هو قرار عرفي، ورد عليه أحد الوزراء، بأنه متأكد من أن القرار يأتي نتيجة لظرف استثنائي، لا يعرفه سوى رئيس الوزراء.
لما علمت بالأمر، اجتمعت بالمجلس، وأبلغتهم بأن الوضع الاقتصادي يحتاج منا لتحمل الظروف العامة، وعلينا أن نواجه ذلك بصبر وثبات، حماية لمواقفنا ومصالحنا.
بعد ذلك بأيام قليلة، وإذ بمحافظ البنك المركزي محمد سعيد النابلسي، يطلب مقابلة مستعجلة، وعند مقابلتي له أبلغني بأن هناك "شيكا" بقيمة 140 مليون دولار، وصل البنك المركزي ومصدره الديوان الملكي السعودي.
استغربت كثيرا من الأمر، وطلبت من النابلسي، أن يضع الشيك في حساب خاص، وأن لا يعلم بالأمر سوى نائبه ميشيل مارتو وأنا.
حتى أني لم أبلغ الراحل الحسين، حتى أتمم عملية صرف الشيك، على المشاريع التي أخطط لها، وكان تقديري بأن الشيك وصلنا عن طريق الخطأ، ولا أريد أن ينكشف الأمر حتى أنجح بإنفاق آخر دولار منه.
كنت من موقعي، كوزير خارجية، التقي وزير الخارجية المصري اسماعيل فهمي، ووزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام، وقيادات من منظمة التحرير الفلسطينية، ونتباحث في شأن تأخر المساعدات الخليجية لنا.
طبعا، كما قلت لك، بأني قدرت بأن الأموال، وصلت عن طريق الخطأ، فكنت أتذكر وأنا رئيس ديوان ملكي، وزيد الرفاعي رئيسا للوزراء، بأننا كنا في زيارة بمعية الراحل الحسين للسعودية، وقال لهم الحسين، بأنه يريد شراء صواريخ روسية، لأنها أرخص ثمنا، وأن الروس يقبلون بالشراء، بنظام التقسيط، فقال السعوديون، بأنهم سيشترونها لنا من الولايات المتحدة، وسيدفعون الأموال، بشكل مباشر للمالية الأميركية، وقدرت أيضا، لما وصلت الأموال عبر الشيك المذكور، بأنها هي قيمة تلك الصواريخ كدفعة، بينما كان المطلوب من السعوديين، كمساعدة للأردن 142 مليون دولار.
للتأكد من الأمر، ولضمان عدم مساءلتي بالأمر لاحقا، انتظرت طلب السفير الأميركي في عمان توم بيكرنك ليقابلني طويلا، ولما طلبها، وافقت فورا، ولما دخل علي وجلس قلت له: إن السعودية هي من ستدفع لكم قيمة صواريخ الهوك؟، فقال: نعم، فقد أرحناكم من الأمر.
هنا قلت، بقي علي أن أُذكر السعودية بالأمر، ليطمئن قلبي وارتاح. طلبت بعدها اجتماعا لنا كوزراء خارجية الأردن ومصر وسورية والمنظمة، مع دول الخليج الداعمة، السعودية والكويت والامارات وقطر.
ذهبنا للاجتماع في السعودية، وأبلغني الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، بأن الملك خالد، طلب أن أترأس الاجتماع، فرفضت لأنهم أحق بالرئاسة مني، بصفتهم الدولة المضيفة للاجتماع، لكن لما أبلغني برغبة الملك خالد التزمت، لشدة اعجابي بعروبية هذا الرجل، وصفاته الرجولية الحقيقية.
أدرت الجلسات، وكنت انقل الكلام من دولة لدولة، ومن دون أن اتحدث بشيء يخص الأردن.
مباشرة، قال وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام: "أنت لم تتحدث ابو عماد".
فقلت: أنا أرأس الجلسة فقط، ولا يحق لي الحديث. فقال: إذا، يذهب حقك إن بقيت صامتا.
فقلت: أنا ليس لدي سوى الشكر والتقدير للأشقاء في المملكة العربية السعودية، الذين غمروا الأردن بفضلهم، وهم ما قصروا معنا أبدا، والأردن لن ينسى جمائلهم، وبقيت أشكر لكن من دون أن أعلم أحدا، على ماذا أشكر، وطلبت من الآخرين، أن يتحدثوا ويطلبوا ما يشاؤون، ولا يتدخلوا بأمري.
كنا مدعوين على عشاء رسمي، فذهبوا وأبلغوا الأمير فهد، بما قلته خلال الاجتماع، وكانوا يعرفونني جيدا، بأن لساني طويل، ولا أقصر بطلب المساعدات، ولحوح بها، من أجل الأردن.
بعد العشاء، جاء رئيس التشريفات السعودي سيد عبد الوهاب، وطلب أن نذهب لبيته لنكمل السهرة عنده.
وافقت، والتقيت هناك محمد أبا الخيل، وزير المالية السعودي، ود.حسن فرعون المستشار السياسي للملك خالد، واستغربت الأمر. جلسنا وبدأوا الحديث معي، وبقيت على موقفي، واستمررت بالشكر للسعودية، وخدام يصرخ بي، على ماذا تشكرهم! وأقول له: ما دخلني فيك.
المهم، شعرت بأنهم وصلوا لنتيجة، بأني لا أعرف بشيء، وإني مغيب عن كل ما يخططون ويفكرون به.
*وهل أنفقت قيمة الشيك السعودي كاملة، من دون أن تبلغ السعوديين بالأمر؟
-بعد ذلك بدأت أفكر بالطريقة، التي سأنفق بها الأموال، على المشاريع، بعد أن أبلغت الراحل الحسين، وفعلا فقد قمت بتنفيذ مشاريع صوامع الحبوب في عمان وإربد والعقبة، وتوسعة طريق المطار بأربعة مسارب، ومشروع البوتاس، الذي كان متعثرا، وكان مدير الشركة علي الخصاونة، صاحب الخبرة الواسعة بهذا المجال، وطلبت منه الاستعجال، فقال بأنه لا يستطيع الاستعجال بسبب الاجراءات البيروقراطية، بينه وبين مجلس الإدارة، وقال بأنه لا يستطيع الاستعجال، إلا أن جمع موقعي المدير العام ورئيس مجلس الإدارة لشركة البوتاس.
فقلت له، لكن أنا ضد الجمع بين الموقعين، فقال بأن موقفي سليم إن كانت الشركة عاملة، أما ما دامت تحت التأسيس، فعلي أن أسهل مهمته بتنفيذ طلبه، على أن يعود الفصل بين الموقعين بعد بدء العمل بالمشروع.
وافقت، وإذ بالانجاز تطور بطريقة مذهلة، خصوصا وأننا وفرنا الأموال اللازمة للإنفاق على مراحل المشروع المختلفة.
طلبت الشركاء العرب لاجتماع، وكان ممثل الليبيين يعارض بعض مراحل المشروع، فقلت له عليك، أن لا تعترض، لأن دولتك لم تدفع حصتها في المشروع، وبأني جاهز لأشتري حصة بلاده، وأي دولة عربية تتأخر في دفع المستحقات، فأنا جاهز لأشتري حصتها، فاستغرب الجميع، من أين لي بالمال لأقوم بذلك.
في مشروع الصوامع، كان وزير الزراعة والتموين صلاح جمعة، وكان رجائي المعشر وزيرا للاقتصاد، ولما مرض جمعة، في روما خلال اجتماعات الفاو، جاء المعشر وزيرا بالوكالة.
في أحد الأيام دخل المعشر على مكتبي، وبدت عليه ملامح القلق والتوتر، فسألته ما الأمر؟، فقال بأن مخزون القمح في المملكة لا يكفي سوى لمدة أسبوع، وإنه قلق من الأمر، وأن باخرة القمح في طريقها لميناء العقبة، وتصل بعد أسبوع، فسألته ماذا لو جنحت الباخرة في البحر؟ فقال ستكون كارثة.
عندها، وهو في مكتبي، اتصلت برئيس الوزراء السوري عبد الرحمن الخليفاوي، وقلت له بأني أريد قمحا من سورية في أسرع وقت، فعلا في اليوم التالي، بدأت قوافل من القمح السوري تصل إلى الرمثا، عندها صرت مطمئنا.
ولا أعرف لماذا حدث معي ذلك، لكن بعد أسبوع جاءني المعشر وأخبرني بأن الباخرة فعلا جنحت في البحر كما توقعت، في ميناء ليماسول القبرصي، عندها حمدت الله بأن العلاقات مع سورية كانت على ما يرام، وهذا سر احتفاظي بعلاقات جيدة مع دول الجوار، ولذلك سعيت دوما لعلاقات مستقرة وجيدة مع سورية والعراق ومصر، والخليج، وتعمدت أن لا أكون سببا في تأزيم العلاقات أو توترها، لكن شريطة أن لا يكون ذلك على حساب شرط من شروط السيادة الوطنية الأردنية على أرضها وقرارها.
وصلت الباخرة بعد نحو 15 يوما من دخول المعشر علي قلقا، عندها اقتنعت بأن أمر الصوامع لا بد من حسمه بالسرعة الممكنة.
وسألت بعدها رئيس المجلس القومي للتخطيط حنا عودة عن مشروع الصوامع، وقال بأنه بصدد وضع دراسات الجدوى الاقتصادية، وان هناك خبيرا أميركيا يقيم في المملكة للقيام بمهمة دراسة الجدوى، لبناء صوامع في مدينة العقبة، وسألته عن الوقت الذي سيستغرقه ذلك فقال نحو 22 شهرا، واستهجنت المدة، كما استهجنت إنها فقط لدراسة صوامع العقبة، وقلت بإذن الله، سأكون بنيت الصوامع، وهو ما يزال يجري دراساته.
دعوت أصحاب المطاحن الكبيرة، وحاولت حثهم لتبني مشروع الصوامع، لكنهم قالوا بأن هذه ليست من وظيفتهم، فهم يشترون من الحكومة الحبوب، وليسوا هم من يستوردونها.
كانت سورية سبقتنا في بناء الصوامع، فذهبت إلى رئيس وزرائها الخليفاوي، وطلبت منه أن يكلف من بنى لهم صوامعهم ببناء صوامع عندنا، فقال بأن هذا قرار للرئيس الأسد، وليس له أن يتخذه.
ولما قابلت الأسد طلبت منه الأمر، فقال إن كان لكم، فهذا أمر مقبول، ويذهب فورا لمباشرة العمل، لكن سبب قرار منعه لمصمم الصوامع السورية بالسفر، كان بسبب قرار سابق للخليفاوي بخروج المصمم إلى الجزائر، وهي بلد الأصل للخليفاوي.
وبعدها، طلبت تصاميم صوامع طرطوس لاستنساخها في العقبة، ودمشق لاستنساخها في عمان، ودرعا لاستنساخها في اربد، وذلك توفيرا للوقت، ما دامت الطبوغرافيا متشابهة بين تلك المدن.
فعلا، بعد مدة من الزمن، أنشأنا الصوامع الثلاث بقدرة تخزينية بلغت 300 ألف طن من الحبوب، كما أنشأنا مطحنتين، وبكلفة إجمالية، بلغت نحو 16 مليون دينار، بما في ذلك ثمن التصاميم وإشراف يعقوبيان في ذلك الوقت.
وكانت أوامري واضحة، بأن أي عمل انشائي، يتوقف إن كان على حساب السرعة في بناء الصوامع، حتى لو كان ذلك المشروع قصرا ملكيا، وذلك بسبب أزمة الاسمنت، التي كنا عانينا منها في تلك المرحلة.
في تلك الأيام ذهبنا في زيارة مع الراحل الحسين إلى الرياض، وكان رحمه الله يقود الطائرة، وشعرت بأنه يحوم في سماء الرياض، فأخبروني بأن الملك خالد سيتأخر قليلا قبل وصوله المطار، لاستقبال الحسين، فما كان من الحسين إلا المماطلة في الهبوط، وفعلا رأينا موكب الملك خالد، باتجاه المطار يسير بسرعة فائقة.
ولدى وصولنا أرض المطار، واستقبال الملك خالد للملك حسين، فاعتذر عن تأخره، وانتظار الحسين له في الجو، لأنه كان يفتتح صوامع الغلال بالرياض، والتي تستوعب 30 ألف طن من الحبوب، ونصحنا بعملها لأنها تقي من الأزمات.
نظرت للحسين، لكي لا يعلمهم بما قمنا به، لأن ذلك من الأموال التي لا يعرف السعوديون بأنها وصلتنا، وأنفقناها على مشاريع أضخم من مشاريعهم.
بعد نحو أربعة أشهر، وإذ بالسفير الأميركي في عمان توم بيكرنك، يطلب لقائي بصفة مستعجلة، وقال بأن المالية الأميركية تسأل عن الشيك بقيمة 140 مليون دولار، والذي وصل البنك المركزي، وسألني بأن عدم تسليمه لهم، سيسيء للعلاقات الأردنية مع الولايات المتحدة ومع السعودية، لأن الشيك هو دفعة من حساب صواريخ "الهوك" الأميركية.
فقلت له بمنتهى البرود، بأني سألته، وأكد لي بأن أقساط تلك الصواريخ ستدفعها السعودية بشكل مباشر للأميركيين، ثم أبلغته بأن حصتي من المساعدات السعودية، هي 142 مليونا، وقد وصلني شيك بـ140 مليونا، وهو ما يفسر بأنها مساعدات مباشرة للموازنة الأردنية، وهو بمثابة التزام سعودي بالوعود، التي يقطعونها لنا في كل زيارة، وفعلا وقد شكرتهم على المساعدة في اجتماع لوزراء الخارجية في الرياض.
ثم سألته: ألم تبلغكم مصادركم في البنك المركزي عن وصول الشيك، ولماذا لم تطلبوه عندها، فقال بأنه سألهم، وأكدوا له بأنه لا وجود لشيك بهذا الرقم، فتأكدت عندها بأني كنت على حق في وضع الأموال في حساب خاص، ومن دون علم موظفي البنك المركزي، وكنا أنا ومحافظ البنك النابلسي ونائبه ميشيل مارتو فقط من يعرف بالأمر.
ثم عرفت بأن الملك خالد كان سعيدا بحيلتي، وقال لمسؤوليه، كنتم تسخرون منه، وإذ به هو من سخر منكم.
وفي زيارة أخرى لاحقة للسعودية، اشتكى مني الأمير فهد للملك الحسين، وعندما دخل الحسين في اجتماع خاص، طلبت منه أن يذكر الملك فهد، بأن هناك 2 مليون دولار بقيت من المساعدات السعودية لم تصل بعد.
فعلا، لقد أجبرني الأمير فهد، على الإقامة في فندق بعمان لمدة ثلاثة أيام متواصلة، مكثت فيها بغرفتي، لم أخرج أبدا، فقد قال لي ونحن نغادر الرياض، متجهين إلى مسقط، بأنه سيتصل بي حيث أكون، ليبعث لي شيكا بمساعدات سعودية للأردن، ولم أخرج من غرفتي وانا انتظر هاتفه، ولم يتصل، لكني أخذت حقي منه لاحقا.
تنويه ثان من المحامي هاني الدحلة
السادة جريدة الغد الغراء...
تحية واحتراماً وبعد،
ارجو نشر هذا الرد على ما ورد في ذكريات السيد مضر بدران، عملاً بحق الرد:
اشارة لما ورد في عدد جريدتكم، يوم 6/2/2015، من تعليق السيد مضر بدران حول التنويه الذي تم نشره في ذلك العدد.
فانني ابدي أن السيد بدران، مع السادة أديب طهبوب ومختار جرار وكمال البورنو (من غزة)، كانوا قد رشحوا حسب ما قيل حينها، من رئيس الديوان الملكي، لدخول الجيش كحقوقيين، وعندما جرت الموافقة على دخول السيد مضر بدران للجيش - حسب ما ذكرت سابقا- فان قائد الجيش حينها اضاف الآخرين ودخلوا الجيش معاً.
اما بالنسبة للكتلة، التي شكلت من الطلبة الأردنيين، برئاستي، فإن ذلك منشور في كتابي "رماد السنين" - صفحة 85، سنة 1997 ، وهناك نسخة منه عند السيد مضر بدران، فلماذا تأخر في بيان ذلك سبع عشرة سنة؟
لذلك فالمعلومة التي قلتها، معلومة صحيحة، ومن يقول غير ذلك، فهو قد نسي أو تناسى.
المحامي هاني الدحلة