ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: بعد الحرب الثالثة مع غزة.. كيف تحاكم إسرائيل نفسها؟ الخميس 26 فبراير 2015, 7:36 pm | |
| بعد الحرب الثالثة مع غزة.. كيف تحاكم إسرائيل نفسها؟بقلم : سعيد عكاشة الأربعاء هـ - 10 سبتمبر 2014معندما كتب رئيس وزراء إسرائيل الراحل، مناحم بيجِن، في صدر مذكراته عبارة: "أنا أحارب إذن أنا موجود"، لم يكن ذلك إلا تعبيراً عن تعقيدات الشخصيتين اليهودية والإسرائيلية في جدلهما مع التاريخ والواقع المعيش، وما نما حولهما من أساطير ونبوءات.ومثل بيجِن الذي حول الكوجيتو الديكارتي "أنا أفكر إذن أنا موجود"، إلى "أنا أحارب إذن أنا موجود"، تجد إسرائيل نفسها؛ دولة عاشت عمرها كله في حالة حرب، ولم تعرف انتصاراً نهائياً في أي معركة خاضتها، ولأنها تخشى نتائج الحرب القادمة على الدوام.فقد اعتادت أن تحاسب نفسها عقب كل معركة علها تكتشف السر في الإخفاق في تحقيق الانتصار النهائي، فتتشكل اللجان التي تتخذ أسماء الشخصيات المكلفة برئاستها، على غرار لجنة "إجرانات" التي شكلت في أعقاب حرب أكتوبر ١٩٧٣، وأصدرت بعدها تقريراً بعنوان "الميحدال" (التقصير)، مظهرة الكثير من الأخطاء التي قادت إلى فقدان الجيش الإسرائيلي قدرته على التنبؤ، ومواجهة العبور الناجح للقوات المصرية لقناة السويس. وفي العام ١٩٨٢، وعقب غزو إسرائيل للبنان ومحاصرتها بيروت، ثم قيامها بتسهيل مهمة الموارنة اللبنانيين في ارتكاب "مذبحة صابرا وشاتيلا"، تشكلت في نوفمبر من نفس العام لجنة "كاهانا" لتصدر تقريراً بعدها عن أخطاء الحرب، ومن ضمنها قيام وزير الدفاع أرئيل شارون بخداع الحكومة وإخفاء أهداف الحرب الحقيقية عنها! وتكرر الأمر نفسه في لجنة "فينوجراد"، التي تشكلت في سبتمبر ٢٠٠٦، لكتابة تقرير عن أسباب الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة والقيادات العسكرية في الحرب مع "حزب الله"، وأطاح تقرير اللجنة بوزير الدفاع ورئيس الأركان في الحال، ومن بعدهما بأشهر قليلة برئيس الحكومة نفسه!الآن وبعد المواجهة الثالثة مع قطاع غزة، وبعد حرب دامت أكثر من خمسين يوماً بين إسرائيل وحركة "حماس" وبعض التنظيمات الفلسطينية، وبعد كل هذا التاريخ الطويل من لجان التحقيق أو على غرارها؛ فإن السؤال المطروح الآن: كيف حاسبت وتحاسب إسرائيل نفسها حتى قبل تشكيل اللجنة الجديدة، لمناقشة ما جرى في حرب غزة؟ حين نقول إسرائيل فإننا نعني ثلاث جهات مختلفة، لكل منها حساباتها وتوقعاتها قبل الحرب وبعدها، الأولى هي الحكومة ومعها قيادة الجيش، والثانية النخبة الحزبية والسياسية ومعها المعلقون في وسائل الإعلام، والثالثة والأخيرة هي الرأي العام في إسرائيل، التي ستكون الجهة الأكثر تأثيراً في بلورة الرؤية النهائية للطرفين الآخرين في تقييم نتائج الحرب. الجدل حول الحرب في الجيش والحكومة قبل الحرب كانت هناك تهديدات من جانب بعض الأحزاب المشاركة في الائتلاف، للخروج من الحكومة والدعوة لانتخابات مبكرة، وفي منتصف الحرب كانت هناك أصوات غاضبة في مجلس الوزراء المصغر (وهو مجلس يضم قادة أحزاب الائتلاف والوزراء المسؤولين عن الشؤون الأمنية)، بسبب إصرار ناتانياهو على عدم اطلاعه على تطورات الاتصالات التي كان يجريها دولياً وإقليمياً لوقف القتال، واعتماده الورقة المصرية كخطة وحيدة يتم التعامل معها لتحقيق هذا الهدف. أيضاً دار الخلاف بين ناتانياهو وكل من قادة أحزاب "البيت اليهودي" و"إسرائيل بيتينو" و"يش عتيد" لأسباب مختلفة، فعلى حين كان الحزبان الأوليان يرفضان القبول بأي مطالب لحركة "حماس" مقابل وقف إطلاق النار، ويصران على استمرار القتال حتى إسقاط حكم "حماس"؛ كان الحزب الثالث ينتقد إدارة ناتانياهو للحرب، ويطالب بانتهاز الفرصة لفتح مسار التسوية مع أبو مازن مجدداً.وفي ما يبدو لم تغير هذه الأحزاب مواقفها بعد الحرب، وان كانت قد تراجعت عن تهديدها بترك الائتلاف والدعوة إلى انتخابات مبكرة، فزعيم حزب "إسرائيل بيتينو" أفيجدور ليبرمان، قال عقب وقف القتال: "كان بالإمكان الانتهاء من العملية خلال فترة أقصر ومع خسائر أقل، لكن موقف رئيس الحكومة كان مختلفاً، لكن رأيي لم يتبدل". ولكنه علق على سؤال حول مدى صدق نيته في الخروج من الائتلاف بقوله: "لست سعيداً في الائتلاف الحالي، إلا أن المصلحة الوطنية تستدعي الإبقاء عليه"، وإن إجراء انتخابات في الوقت الراهن أمر لا داعي له، خصوصاً في ظل التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط. في ما يخص موقف نفتالي بينت، وزير الاقتصاد وزعيم حزب "البيت اليهودي"، فقد انتقد قرار نتانياهو بوقف القتال دون الرجوع للمجلس الوزاري المصغر، بمعنى أنه عملياً لم يكن ليمانع إلا بسبب ما أسماه انفراد ناتانياهو بالقرار، كما أنه لم يتعرض بانتقادات لرئيس الحكومة مرة أخرى، وتوقف عن التهديد بالخروج من الائتلاف. أما يائير لبيد، زعيم "يش عتيد"، فقد ظل يحذر من المخاطر التي تحيق بإسرائيل بعد الحرب، بسبب توقف عملية السلام ومحاولات نزع الشرعية عن إسرائيل بسبب قصف المدنيين في غزة، وهو ما أعاد تكراره مؤخراً في تصريحات له في مؤتمر اقتصادي في مطلع سبتمبر الجاري، حيث قال: "إن إسرائيل خرجت من الحرب على غزة لتواجه صعوبات دولية"، وأكد أن إسرائيل بحاجة إلى إدارة سياسة حكيمة، وليس خلق أزمات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وأضاف: "لا يمكن إنهاء حملة الحرب على غزة بوقف لإطلاق النار، وإنما بعقد مؤتمر إقليمي للدول التي تخشى من الإسلام المتطرف". وأنه يجب نزع السلاح من غزة قبل إعمارها.النتيجة التي يمكن التوصل اليها إذن: أن الخلافات داخل الائتلاف قد تقلصت قياساً على الفترة السابقة على الحرب، وأن الأحزاب الشريكة في الائتلاف لا تنوي الاستمرار في محاكمة ناتانياهو على إدارته للحرب، بعد أن اقتنعت أن النتائج التي تمخضت عنها تبدو جيدة بالنسبة لإسرائيل. في ما يتعلق بالجيش كانت الخلافات داخله أقل، كما أن بني جانتس، رئيس الأركان، أعلن في لقاء مع قادة سلاح الطيران في ٢٨ أغسطس الماضي؛ أنه يقدر استجابة الحكومة لمطالبه بعدم الدفع في اتجاه غزو بري كامل للقطاع لأجل إسقاط حركة "حماس"، واعتبر أن الجيش الإسرائيلي حقق جميع أهدافه من هذه الحرب، دون الحاجة إلى احتلال غزة كما كان يطالب غلاة اليمين في الحكومة، وهو ما اعترف به وزير الأمن الداخلي، يتسحاك أهرونوتفيتش من حزب "يسرائيل بيتينو"، في تصريحات له في ٦ سبتمبر الجاري، بقوله: "إن المجتمع الدولي وفر لإسرائيل شرعية واسعة، لإلحاق الهزيمة بحركة "حماس" لو دخلنا إلى قطاع غزة"، وإن الانتقادات يجب ألا توجه إلى الجيش أو رئيس أركان الجيش، وإنما إلى السياسيين، وإلى المجلس الوزاري المصغر والحكومة. مشيراً إلى أن "الجيش نفذ ما طلب منه المستوى السياسي". أما الانتقادات الأكبر في إطار تقييم نتائج الحرب، فقد كانت من نصيب أجهزة الاستخبارات، ففي ما يتعلق بالأجهزة الاستخبارية التي تتبع رئيس الحكومة مباشرة ("الموساد" و"الشاباك") أو وزير الدفاع ("أمان")؛ ظهرت خلافات في ما بينها بشأن ما جرى في الحرب، وكان السؤال الأهم بشأن ما خططت له حركة "حماس" قبل بدء المواجهات العسكرية، وما إذا كان نشوب الحرب قد نجم عن خطوة محسوبة من قبل "حماس"، أم أن ما حصل كان نتيجة غير محسوبة؟ وعلى حين ادعى "الشاباك" أن خطوات حركة "حماس" كانت مدروسة، كهجوم مخطط قاده الجناح العسكري "كتائب القسام"، فإن الاستخبارات العسكرية ترى إن ما حدث هو نتيجة "دينامية التصعيد"، والذي كانت تتوقع القيادة في غزة أن يتوقف، ولم تتوقع نتائجه. ويرى عاموس هرئيل، المحلل العسكري لـ"هآرتس" في مقال له في ٦ سبتمبر الجاري، أن هناك قضية واحدة ليست محل خلاف بين "أمان" و"الشاباك"، ويجمع عليها جميع المستويات القيادية الميدانية، وهي أن القوات كانت تتلقى أثناء القتال معلومات استخبارية عملانية بمستوى عال من النوعية، الأمر الذي سهل ضرب أهداف حماس وإنقاذ حياة جنود إسرائيليين. وأن التعاون بين "أمان" و"الشاباك" والهيئات الاستخبارية الأخرى، كان يجري بصورة جيدة وسريعة. ولكن الجدل حول كيفية تعامل الحكومة مع التقارير الاستخبارية، ربما سيكون الموضوع الوحيد الذي يمكن أن يخلق مساراً حقيقياً لمحاسبة بعض المسؤولين على قراراتهم في الحرب، سواء ناتانياهو كرئيس للحكومة، أو بوجي يعلون كوزير للدفاع، فقادة "أمان" و"الشاباك" يعتقدون أنهم أدوا واجبهم على أكمل وجه، وأن أي تقصير سيتم كشفه لا يجب أن تتحمله الأجهزة الاستخبارية التي اتهمها مركز "هرتزيليا" في ورقة تقييم قدمها في ٢ سبتمبر الجاري (نشرت في موقع مدار www.madarcenter.org )، بأنها قدمت معلومات غير كاملة عن حجم الأنفاق في غزة ومخاطرها على الجيش والأمن في المدن الإسرائيلية. فيما يشير عاموس هرئيل في المقال الذي سبق الاستشهاد به، إلى أنه كان لدى "أمان" و"الشاباك" معلومات كثيرة ومفصلة بشأن الأنفاق. وفي أبريل الماضي أصدر "الشاباك" وثيقة تحذيرية للمستوى السياسي والهيئات الاستخبارية، يحذر فيها من أن حركة "حماس" تنوي تنفيذ عملية واسعة النطاق في إسرائيل، ومن المرجح أنها قد تكون ضد مستوطنات ومواقع للجيش في منطقة "كيبوتس كيرم شالوم". وبحسب تقديرات "الشاباك" فإن "حماس" ستحاول اختطاف جنود ومدنيين، بهدف إلزام إسرائيل ومصر بمناقشة تغيير الوضع وتخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة. وكان التحذير مبنياً على أساس تحليل وضع حركة "حماس"، إضافة إلى معلومتين مهمتين، الأولى دلائل على نشاط مكثف في اللواء الجنوبي لـ"كتائب القسام" في محيط نفق في منطقة رفح، والثانية الحديث في داخل "حماس" عن شهر يوليو - رمضان كنقطة تحول محتملة.ووفقاً لهذه المعلومات - إذا ما ثبتت صحتها - يمكن توقع أن يدور عمل أي لجنة ستشكل لتقييم الحرب، حول فحص مدى دقة معلومات أجهزة الاستخبارات من ناحية، ومدى جدية تعامل قيادة الجيش ورئيس الحكومة في التعامل معها، خاصة أن معظم خسائر الجيش جاءت بسبب معارك الأنفاق. جدل النخبة حول الحرب امتلأت الصحف ومحطات التليفزيون الإسرائيلية، بآراء مئات المعلقين والمحللين حول تقييم نتائج الحرب في غزة، وعكست الآراء الانقسامات الطبيعية في المجتمع الإسرائيلي، بين أغلبية تنتمي سياسياً وفكرياً لليمين المتشدد ويمين الوسط، وبين أقلية تتبنى مواقف يسارية. مال الإجماع العام إلى أن الحرب التي دخلتها إسرائيل كانت حرباً مفروضة عليها، وبالتالي فهي حرب مشروعة بعد أن قامت خلية من "حماس" باختطاف ثلاثة مستوطنين وقتلتهم في يونيو الماضي، وبعد أن ردت "حماس" على الغارات الانتقامية ضد القطاع بإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على المدن الإسرائيلية. وبالتالي لا نجد أي فرق بين اليمين واليسار في تأييد حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها.أما الاختلاف فقد جاء على خلفية السياقات التي قادت لنشوب القتال، فالأصوات في اليمين بجميع تنويعاته رأت أن "حماس" دفعت إلى الأزمة متعمدة، للتخلص من الحصار المضروب من حولها، ولجذب تعاطف الشارع العربي معها بعد أن فقدت الكثير منه عقب سقوط حكم "الإخوان" في مصر، كما أن أيديولوجيتها المعلنة لا تترك مجالاً للشك في استهدافها اليهود كيهود بدوافع دينية واضحة، ومن ثم فإن الواجب كان يحتم على الحكومة أن تكون أكثر جرأة، وأن تخطط لإنهاء الحرب بعد إسقاط حكم "حماس"، وليس بالعودة مرة أخرى لسياسة توقيع اتفاقات التهدئة، التي لم ولن تجلب الهدوء والأمن لمواطني الدولة. بمعنى آخر كانت الأصوات الغاضبة في اليمين تنتقد نتائج الحرب، على أساس ما افترضته هي من أنه أهداف لم يتم تحقيقها، وليس على أساس قناعتها بأن إسرائيل خسرت الحرب بالمعنى السياسي والعسكري. أما الأصوات الناقدة في اليسار، فقد اعتبرت أن عرقلة ناتانياهو وحكومته لعملية السلام مع السلطة الفلسطينية، هي التي شجعت "حماس" على الذهاب للحرب ضد إسرائيل، في ظل إحباط عام للفلسطينيين، سواء في الضفة أو غزة، ولكن نفس هذه الأصوات لم تقم بإدانة ناتانياهو على قراراته في الحرب، بما في ذلك تلك التي أدت لسقوط مئات الضحايا من النساء والأطفال الفلسطينيين، معتبرين أن "حماس" هي التي تسببت بذلك كونها اتخذت من المدنيين دروعاً بشرية لمقاتليها، كما أيدت حق إسرائيل في المطالبة بنزع سلاح غزة في أي اتفاق تهدئة سيتم التوصل إليه، إذا تعذر استئناف المفاوضات مع أبومازن والسلطة الفلسطينية. وفي حين يميل المعلقون في اليمين إلى المطالبة بالتشدد في المفاوضات مع "حماس"، والإصرار على نزع سلاح المنظمات الفلسطينية مقابل رفع الحصار عن غزة، يرى نظراؤهم في اليسار أن الحرب فتحت نافذة فرصة جديدة لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، لتحقيق حل نهائي للصراع بين الطرفين، بما يضع "حماس" والمنظمات التي تتبنى العنف في موقف صعب، خاصة مع تأييد مصر والسعودية والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لاستئناف عملية السلام وتوحيد الفلسطينيين تحت راية السلطة الفلسطينية. كما يرى معلقو اليسار أن استئناف عملية السلام سيجنب إسرائيل احتمالات محاسبتها دولياً على الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين، أثناء الحرب. الرأي العام الإسرائيلي خاض ناتانياهو الحرب على غزة، مصراً على أن أهدافها لا تخرج عن منع إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على المدن الإسرائيلية، وتوجيه ضربة شديدة لإمكانيات "حماس" العسكرية ومخزونها من الصواريخ والذخائر، وتدمير الأنفاق التي شيدتها بين غزة وجنوب إسرائيل، وبالتالي كان ناتانياهو حتى اليوم الأخير في الحرب يرى أن غزو غزة برياً، أو محاولة إسقاط حكم "حماس" في القطاع؛ لم يكونا أبداً أهدافاً من أهداف الحرب.ورغم ذلك بدا الرأي العام الإسرائيلي غير راضٍ عن النتائج التي تمخضت عنها المعركة، وقد فسر الكاتب الإسرائيلي إسحاق بن إسرائيل، في "يديعوت أحرونوت" (2 سبتمبر الجاري) ذلك؛ بأنه ناتج عن توقعات غير واقعية من جانب الجمهور، الذي كان يتمنى أن يشهد نهاية تنظيم "حماس" وحكمه في القطاع. واعتبر أن خلافات اليمين واليسار في أوساط الرأي العام هي المسؤولة عن هذه التوقعات، التي لم يكن يساندها خطاب الحكومة الإسرائيلية على الإطلاق. وتشير نتائج استطلاع نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" في نهاية أغسطس الماضي، إلى أن الجمهور الإسرائيلي، علي الرغم من إحباطه بسبب استمرار حكم "حماس" في غزة؛ إلا أنه يعطي تقييماً إيجابياً لأسلوب ناتانياهو في إدارة الحرب، وذلك عبر تعبيره عن الثقة المرتفعة في الأحزاب اليمينية التي كانت تطالب باستمرار الحرب حتى إسقاط حكم "حماس"، بما في ذلك "الليكود" الذي يرأسه بنيامين ناتانياهو. فقد أجاب من تم استطلاعهم عن سؤال: لمن سيصوتون لو جرت الانتخابات الآن؟ على النحو التالي: حزب "الليكود" اليميني (الحاكم)، سيحصل على 32 مقعداً مقابل 19 مقعداً الآن، و"البيت اليهودي" (يمين) برئاسة وزير الاقتصاد نفتالي بنيت، سيحصل على 18 مقعداً مقابل 12 مقعداً الآن، و"إسرائيل بيتينو" (يمين) برئاسة وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان، سيحصل على 17 مقعداً مقابل 12 مقعداً الآن، فيما سيحصل حزب "الاتحاد القومي" (يمين) على 10 مقاعد مقابل 7 مقاعد الآن، أما حزب "شاس" الديني اليميني فسيحصل على 7 مقاعد مقابل 11 مقعداً الآن.أما في ما يتعلق بالأحزاب اليسارية والوسط والعربية، فسيحصل حزب "العمل" (وسط) المعارض برئاسة يتسحاق هرتسوج على 12 مقعداً مقابل 15 مقعداً الآن، وسيحصل حزب "هناك مستقبل" (وسط) برئاسة وزير المالية يائير لابيد على 9 مقاعد مقابل 19 مقعداً الآن، في حين سيحافظ حزب "ميرتس" اليساري على 6 مقاعد كما هو الوضع الآن، أما الأحزاب العربية فستحصل على 9 مقاعد مقابل 11 مقعداً الآن. وبحسب الاستطلاع أيضاً، فإن حزب "الحركة" (وسط) برئاسة وزيرة العدل تسيبي ليفني، لن يحصل على أي مقعد مقابل 6 مقاعد الآن، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب "كاديما" (وسط) برئاسة وزير الدفاع الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز، الذي لديه مقعدان. والواقع أنه لا يمكن فهم هذا التناقض في موقف الرأي العام الإسرائيلي، بين إحباطه من نتائج الحرب وإعطائه ثقة أكبر لليمين ولناتانياهو، إلا بفهم طبيعة الشخصية الإسرائيلية التي تبلورت حول قناعة رئيسية، بأن قدرها أن تعيش منبوذة في الشرق الأوسط، رغم محاولات تحقيق السلام والتطبيع مع العرب، وأن الحرب ستبقى خياراً مستقبلياً للفلسطينيين، مادامت تتعارض أمانيهم القومية والدينية مع متطلبات الأمن الإسرائيلي، ومادام بقي لديهم أمل في إخراج اليهود بالقوة المسلحة من أراضيهم، وهو ما سبق لزعيم الحركة الصهيونية التصحيحية "جابوتنسكي" - في الأربعينات من القرن الماضي - أن تنبأ به في مقاله الأشهر "الحائط الحديدي"، حينما رأى أن الحروب بين اليهود (لم تكن الدولة العبرية قد قامت بعد، حيث توفي جابوتنسكي في العام ١٩٤٠) والعرب سوف تستمر، وعلى اليهود أن يقيموا دولتهم، وأن يتسلحوا خلف جدار متوهم من القوة العسكرية وثقافة الجيتو (تتمحور هذه الثقافة حول فكرة استحالة قبول الأغيار باليهود، مهما حاولوا التصالح مع هؤلاء الأغيار)، حتى يقتنع العرب بأنهم غير قادرين على هزيمة دولة اليهود، وحينها فقط يمكن أن يتحقق السلام بين الطرفين! بمعنى آخر أن الرأي العام الإسرائيلي بعد حرب غزة، وحتى من قبلها، كان يتجه بشدة نحو تبني المواقف اليمينية، وهو يفصل بين انتقاده لقيادته في هذه الحرب وبين قناعة راسخة لديه بأنه مادام أن السلام لا يزال بعيد المنال، فإن وجود اليمين المتشدد في الحكم هو الضمان الحقيقي لأمن إسرائيل. وبالتالي ومنذ نهاية التسعينات في القرن الماضي كان من المنطقي أن يصعد نجم تلاميذ جابوتنسكي، من شارون إلى أولمرت إلى ناتانياهو، وأن يوليهم الجمهور الإسرائيلي ثقته المطلقة، حتى لو لم يكن راضياً بشكل كامل عن نتائج الحروب التي خاضوها. خلاصة ونتائج لم تؤد حرب إسرائيل في غزة إلى انقسامات ذات بال في صفوف الحكومة أو الجيش أو النخبة والرأي العام. بل إنها على العكس من ذلك، أدت إلى تقوية اليمين الإسرائيلي الداعي إلى استعمال القوة ضد جماعات المقاومة في غزة، مع عدم السماح بانجرار إسرائيل إلى عملية تسوية مع السلطة الفلسطينية، في وقت تتزايد فيه المخاطر على أمن الدولة العبرية، نتيجة انتشار الفوضى والجماعات الجهادية الإسلامية على حدودها.كما أدت الحرب أيضاً إلى تراجع الانقسامات داخل الائتلاف الحاكم، وابتعاد شبح تفككه الذي كان مهيمناً قبل نشوب الحرب. وعلى الجانب الأهم لم تتلق إسرائيل رغم طول مدة الحرب إدانة دولية، رغم الوحشية التي تعاملت بها في ردها على صواريخ "حماس" الموجهة لمدنها، بل إن بعض البلدان الأوروبية الأشد انتقاداً لموقف ناتانياهو من عملية السلام مع السلطة الفلسطينية، مثل فرنسا وألمانيا، أعلنتا بوضوح قناعتهما بحق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها. ويعتقد في أوساط الأغلبية الإسرائيلية، رسمياً وشعبياً، أن جولة أخرى من العنف ستنشب بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأن الاستعداد لها هو ما ينبغي أن ينشغل به الجميع، على أن يكون هدف الحرب القادمة إنهاء حكم "حماس" في القطاع بأي ثمن.وفي الناتج النهائي تحوم شكوك كثيرة حول إمكانية تكوين لجنة رسمية، على غرار ما حدث في بعض الحروب السابقة، لتقرير مواطن التقصير في هذه الحرب، وإن كانت اللجان المتخصصة في الكنيست قد بدأت بالفعل في إجراء تحقيقات تفصيلية وموسعة لتقييم نتائج الحرب، دون أن يكون معروفاً هل ستظهر نتائج هذه التحقيقات رسمياً أم لا. |
|