إسكافي المهام الصعبة

فاروق أبو شعبان : إسكافي المهام الصعبة

وليد سليمان

لن يختفي الحذاء ..
ما زال هناك إنسان يمشي على الأرض وفي الشوارع ، فإن الحذاء الذي يلبسه الشخص من كبار وصغار ورجال ونساء سيظل موجودا وستبقى عمليات المحافظة عليه مستمرة ودائمة .
إن الحذاء الجميل والجيد الصنع هو من احد مظاهر شخصيته ، وأناقة الإنسان المظهرية الهامة.
وفي مدينة عمان تتواجد الكثير من المحلات الصغيرة والأكشاك الخاصة بتصليح الأحذية وبشتى أنواعها وإشكالها وألوانها والتي لا يمكن للمرء أن يتجاهلها إذا ما حدث وأن عانى من عيب ما في حذائه من فرط أو مزق أو ضيق أو اتساع أو اهتراء نعل أو كعب أو حتى حبال الرباط لحذائه أو بوطه الرياضي مثلا .
وهنا لا بد لمن يتعرض حذاؤه لتلك المواقف من الذهاب إلى وسط البلد في عمان الذي تتكاثر فيها مثل تلك الأماكن لتصليح وتنظيم الحذاء على ما كان سابقا .
رغم أنه قد بدأت تظهر في بعض مناطق جبال عمان السكنية بعض تلك المحلات الخاصة بتصليح وترميم الأحذية بشكل راق وبمحلات أشبه بصالونات مسح وتصليح الأحذية كما في بعض دول العالم الأجنبي !.
وبالرجوع إلى ذاكرة الستينيات من القرن الماضي كان مصلحو الأحذية (الاسكافيون) ينتشرون بكثرة في مواقع معينة وسط البلد فقط ، في كل من منطقة رأس العين و محيط جسر المهاجرين وشارع طلال ودخلاته العديدة , وكذلك في منطقة السيل المكشوف..وكان العديد منهم لا يمتلكون محلات خاصة بهم !! بل يضعون أدوات تصليح الأحذية (البسطة )كالسنديان والمطارق والمسامير وقطع الكاوشوك والجلد على قارعة الطريق او الشارع بجانب احد المحلات .. والقليل منهم من يمتلكون المحلات الصغيرة .
أما الآن فقد صار الغالبية العظمى منهم يستأجرون المحلات والأكشاك لتصليح الأحذية في مناطق شارع سقف السيل وطلوع وادي سرور وبعض الأماكن الأخرى بشارع طلال وشوارع قليلة أخرى في جبال عمان العامرة بالبشر والكثافات السكانية اللافتة للنظر.

فاروق في وادي سرور:
وفي لقاء مع أحد الإسكافيين في منطقة طلوع أو نزول وادي سرور قرب الشارع الطلياني في عمان كان هذا الحديث وتلك المعلومات من مصلح الأحذية صاحب الخبرة ( فاروق أبو شعبان) والذي مرّ عليه أكثر من عشرين عاما في هذه المهنة التي يحبها ويتفنن بها .. وكأنها عمل ابتكاري فيه تحديات الترميم الإبداعي للحذاء الذي يأتي صاحبه مترددا وقائلا في نفسه (( هل يا تُرى يستطيع الاسكافي أن يصلح حذائي ؟! )) وتكون الإجابة في الغالب : نعم بإذن الله ..فالخبرة الطويلة لها دور هام في إيجاد الحلول التصليحية للأحذية .
وعن سؤالنا حول الأدوات والأجهزة التي يستعملها في مهنته أجاب فاروق محمد أبو شعبان إنها كثيرة مثل :الشاكوش، المسامير، الغراء الخاص بالأحذية ، الدهان الخاص بالأحذية لوجه الحذاء الجلدي، والماكينة الضخمة لخياطة النعل السفلي ... الخ .
ومن الذي يأتي للمحل لتصليح حذائه من الزبائن ؟ أوضح فاروق قائلا : من كل فئات المجتمع الفقراء والأغنياء ومتوسطي الحال كذلك . ولماذا يأتي الشخص الغني أو المقتدر لتصليح حذائه ؟! ولماذا لا يشتري غيره إذا خرِب حذائه مثلا ؟! قال فاروق هناك منهم من يكون ثمن حذائه مرتفع السعر كأن يكون ب (50) أو (70) دينارا ً مثلا ويعز عليه أن يرميه فيقوم بإصلاحه بدنانير قليلة ليرجع كما كان جديداً ويستخدمه لسنوات أخرى !!.
ويستطرد أيضا المهني العريق فاروق والذي يعتبر من أقدم الاسكافيين في عمان لطول مزاولته في هذه المهنة منذ الصغر موضحا ً : أن الإقبال على تصليح الأحذية قل نوعا ما عما كان في السابق وذلك بسبب كثرة استيراد التجار للأحذية من الصين لأنها رخيصة الثمن.. وهي للعلم لا تخدم في قدمي الشخص كثيرا فهي تُستهلك بسرعة !! ومع ذلك لقد كثرت محلات تصليح الأحذية ربما بسبب زيادة الإسكافيين في عمان ، بسبب الحالة المادية الصعبة لأصحاب الدخل المحدود من المواطنين في عمان

إنقاذ المواقف:
وحول ذلك شرح لنا فاروق: إننا نقوم بعض الأحيان بإغاثة الملهوف أو المرأة الملهوفة التي أنكسر كعب حذائها الرفيع فجأة في وسط الشارع. ويكون من الصعب أن تواصل المشي بهكذا حذاء.. فنقوم بالحال بتصليح كعب الحذاء النسائي أو الرجالي والزبون جالس عندنا لعدة دقائق ومن ثم يرتدي حذاءه وهو مسرور وقد حُلت مشكلته بكل هدوء.
نقوم أيضاً بواسطة آلات معينة بحل مشكلة لمن يعاني من ضيق حذائه على قدمه الذي تحتك بأصابعه بحرارة مزعجة بوضع حذائه بقالب التوسيع لعدة دقائق أو أكثر ومن ثم يرتدي حذاءه ليشعر بالراحة الجسدية والنفسية .
ومن جهة أخرى فهناك خدمة أخرى يقدمها الاسكافيون للزبائن من كبار وصغار وهي تصليح الحقائب الجلدية أو المصنوعة من اللدائن البلاستيكية اللينة مثل حقائب طلاب وطالبات المدارس ، وحقائب اليد النسائية والرجالية وحقائب السفر الضخمة ...الخ لتصليحها بسبب التمزيق أو الانفراط او تبديل السحابات الخربة بأخرى جديدة بعد خياطتها على الماكينة الجلدية الخاصة .
هذا ويزداد إقبال الزبائن على تصليح أحذيتهم لدى محلات الإسكافية في مواسم معينة منها مثلا عند قرب الأعياد الفطر والأضحى وعند بدء فصل الشتاء وعند قرب افتتاح مدارس الطلاب والطالبات في فصل الصيف أو بداية فصل الخريف .
وفي دراسة للدكتور (ناصر سنة) توقفنا عند ذكر موقفٍ للرئيس السادس للولايات المتحدة الأمريكية ((ابراهام لينكولن )) الذي تولى الرئاسة في منتصف القرن (19) حيث حدث انه في اليوم الأول الذي تولى فيه رئاسة البلاد هناك.. فعندما دخل قاعة مجلس الشيوخ لإلقاء كلمته ..بادره احد شيوخ المجلس ((إن أباك قد دأب على صناعة الأحذية لعائلتي ،فضج الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ بالضحك ..ضانين أنهم سخروا من لينكولن ، فنظر الرئيس الجديد لينكولن لذلك الرجل وقال )): يا سيد !! لقد دأب أبي على صناعة الأحذية لإفراد أسرتك ولآخرين حاضرين هنا ، وقام بمهنته بشكل لا يشبه مهني آخر ! لقد كان أبي خلاقا ً!! ولم تكن أحذيته مجرد أحذية .. لقد سكب روحه فيها !! وفقط أريد أن أسألك ألديك أي شكوى تخصه ؟!.
لأنني على دراية تامة بصناعة الأحذية أيضا وعلى استعداد لصنع زوج منها إذا كانت لديك شكوى !! لكن على حد علمي لم يشتك أحد مما صنع والدي !! فأبي كان عبقريا وإني فخور به)).
هذا وقد وقعت كلمات الرئيس لينكولن على أعضاء مجلس الشيوخ كالصاعقة وساد صمت مطبق!!

الشاعر والإسكافي:
وكان أحد الشعراء العرب يسير في الشارع فانفرط بوز حذائه فجأة ، فأخذ يبحث عن اسكافي ليصلح له الحذاء وكان يردد هذه الأبيات:
أراك فتحت ثغرا يا حذائي
وأخرجت اللسان بلا حياء
إذا ما سرت ألقى منك نوحا ً
كثكلى لا تكف عن البكاء .
وأعلنت التمرد بعد عمر ٍ
وفقدت اللون فيه من الشقاء ِ

» نبيل خريم.. آخر إسكافي بالقدس
» المهام "القذرة"
» طائرة إف - 35 الصاعقة * مقاتلة متعددة المهام مخفية عن الرادار
» العيش في الظروف الصعبة
» مهمات القيادة الفلسطينية الصعبة