(زنوبيا) او (الزباء) ملكة فاح اريجها عبر التاريخ
(زنوبيا) او (الزباء) (ملكة سريانية) كانت ملكة تدمر (بالميرا) والشام والجزيرة وهي الزباء التي قيل عنها انها بنت عمرو بن الظرب بن حسان ابن أذينة بن السميدع أمها إغريقية اي يونانية كما جاء ذلك في المدونات العربية بعد قرون من الزمن، وقد كانت زوجة لأذينة ملك تدمر المملكة الشامخة ايام عصرها في وسط سوريا، واذينة الملقب بسيد الشرق الروماني وملك الملوك، امتدت سلطته على سوريا وآسيا وكان في صراع مع الفرس وردهم على اعقابهم في فترة من التاريخ وكان الصراع قائما بين الساسانيين والرومانيين، وكان إذا خرج إلى الحرب أناب عنه الملكة (زنوبيا) لتحكم تدمر بدهاء لا مثيل له. كانت تدمر (بالميرا) مدينة تجارية تقع في وسط سوريا في بادية الشام وقد قامت بها حضارة عظيمة تميزت بفخامة مبانيها ومعابدها حيث ان المدينة نافست روما، وتحيط بها الجبال، وكانت محط قوافل التجارة قبل الميلاد ومحطه تجارية هامه على طريق الحرير. كانت الملكة زنوبيا ربة حسن وجمال فائق كانت تجيد الفروسية والصيد والقنص. وكانت ربة هيبة وجمال وكانت العظمة تلوح على محياها قوية اللحاظ ذكية في اقصى درجات الذكاء وكانت أسنانها بيضاء كاللؤلؤ وصوتها قوياً جهوراً، وجسمها كامل الكيان والابتسامات لا تفارق ثغرها، عاشت عظمة الملوك كملوك الأكاسرة وكأكبر ملكات المشرق، كانت تضع قبعة اقرب الى العمامة على رأسها وتلبس ثوباً أرجوانياً مرصعاً بالجواهر وكثيراً ماكانت تترك ذراعها مكشوفة كـ (التماثيل والمنحوتات التدمرية). تثقفت (زنوبيا) بالثقافة اليونانية القديمة (الهيلينية) وكانت جيدة الآرامية السريانية لغة الشرق وبعض اللاتينية (الرومانية) والقبطية وكانت على احاطة بتاريخ المشرق والغرب وكانت تقرأ هوميروس وافلاطون والفت مخطوطا عن تاريخ المشرق وآسيا.
عندما اغتيل اذينة (عام 267 م) زوج (زنوبيا) بطريقة غامضة، تولت المُلك بإسم ابنها وهب اللات، واصبحت زنوبيا ملكة الملكات وتولت عرش المملكة وازدهرت تدمر في عهدها، وانشأت جيشا قويا فاستولت على العديد من البلدان واصبحت تدمر طريقا تجاريا تاتيها القوافل من كل حدب وصوب فزاد ثراءالمدينة فنافست روما في العظمة فهددت مكانتها فسآءت العلاقات بينها وبين الإمبراطور الروماني فأرسل الإمبراطور جيشا للإستيلاء علي تدمر فهزمت جيشه شرهزيمة، بعدها تابعت جيش الرومان فاحتلت مصر ومنعت جيوش الرومان من الاتصال بروما، اثرها عززت علاقاتها التجارية مع الحبشة والجزيرة العربية. توسعت مملكتها فوصلت جيوشها المملكة البيزنطية فاتسع ملكها من شواطئ البوسفور حتى النيل. وأطلقت علي مملكتها الإمبراطورية المشرقية (مملكة تدمر)، الإمبراطور الروماني (اورليانس) اعترف اولا بقوة (زنوبيا) فحاول (اورليانس) التفاوض مع الملكة زنوبيا لوقف زحف جيوشها مقابل الإعتراف بألقاب ابنها وامتيازاته.
من اعمال (زنوبيا) الرائعة في مملكة ذاك الزمان انها صكت النقود في انطاكيا والاسكندرية عليها صورة (وهب اللات) وعلى الوجه الثاني صورةالإمبراطور (اورليانوس)، لكن بعد ان عينت ولدها ملكا عل مصر أزالت من النقود صورة الإمبراطور تميزا للنقود التدمرية على روما، ووسعت مملكتها وضمت الكثير من البلاد، الا ان الإمبراطور كان مصرا على التصدي لدولة تدمر المهددة لسلطانه فأرسل جيشاً جرارا رومانياً بقيادة القائد (بروبوس) إلى مصر في 271 م، وجيشاً آخر بقيادة الإمبراطور (اورليانوس) نفسه الذي توجه به إلى سوريا وآسيا الصغرى اي تركيا الآن فالتقي الجيشان ودارت معركة كبيرة بين مملكة تدمر والامبراطورية الرومانية احتل (بروبوس) مصر وبلغ الإمبراطور اورليانوس انطاكيا، فانهزمت زنوبيا، انسحبت لتدمر ليتعقبها أورليانوس حتي بلغا مدينة حمص، فدارت بينهما معارك شرسة، وانهزم جيشها، فوصل (أورليانوس) تدمر فحاصر أسوارها المنيعة حصاراً محكما حتي نفدت مؤن الطعام بها في المدينة، وكانت قد حصنت المدينة ووضعت على كل برج من أبراج السور إثنين أو ثلاثة مجانيق تقذف الحجارة على الجنود المحاصرين لأسوارها فتمطرهم بقذائف النفط الملتهبة، والتي كانت تعرف بالنار الإغريقية، قاومت الغزاة بشجاعة معلنة القتال حتي الموت. عرض (اورليانوس) على (زنوبيا) التسليم وخروجها سالمة من المدينة دون ان تمس باذى الا انها رفضت وحاولت (زنوبيا) الهروب ووصلت نهر الفرات غير أنها وقعت في الأسر واقتيدت إلى (أورليانوس) فأحسن معاملتها عام 272 م ثم اقتادها اسيرة إلى روما ولم يقتلها بل قتل بعض كبار قادتها ومستشاريها بعد محاكمة أجريت لهم في حمص. وضعت (زنوبيا) في منزل في (تيبور) أعده لها اورليانوس فآثرت الانتحار وليس هناك من مصادر تروي ماحدث لها في الاسر من اهانات لامرأة عاشت العز كملكة ثم وقعت اسيرة في ايدي الاعداء، بعدما حكمت مملكة امتدت من العراق ومصر حتى آسيا الصغرى، بيد انه كان القدر القاسي.
(زنوبيا) التي فاح اريجها عبر التاريخ كاحدى النساء اللواتي اقتحمن التاريخ في زمن كان فيه الرجل سيد الاسياد اما (زنوبيا) فكانت حكيمة في السياسة وفي قيادة العساكر وهي التي يمكن وضعها دون تردد الى جانب (سميراميس) و (كليوباترا)، وقد جمعت في عبقريتها السياسية، وقيادة الجيش وخاضت غمار حروب ضروس واتت من الحكمة ما لم ينله الكثير من الرجال الذين اقتحموا التاريخ. تضاربت مدونات المؤرخين في اصل (زنوبيا) قيل انها ابنة رئيس احدى العشائر العربية (عمرو بن ضارب بن حسان) وقال آخرون انها يهودية والارجح انها كانت سريانية لان السريانية كانت الامة السائدة في المنطقة قبل الاسلام وفي سوريا كان امتزاج السريان باليونان والرومان كبيرا على عكس العراق فقد بقيت السريانية على حالها لعدم امتزاجها بالفرس. (زنوبيا) كانت تزعم أنها من سلالة ملوك مصر المقدونيين. (الزباء) أو (زنوبيا) وزوجهاالامير (اودنائس) الذي كان مترأسا عددا من القبائل الصحراوية يبدو من الاسم، انه لم يكن عربيا او سريانية ونما ترأس المنطقة موحا من الرومان، قيل عنه انه كان سيد المشرق عرفوه بـ (قائد المشرق) لانه انتصر على الفرس مرتين وتعقبهم حتى أصفهان قاعدة الفرس غير ان ابن أخيه ذبحه لسبب مجهول في وسط غزواته فانتقمت (زنوبيا) لزوجها، ولما كان أولادها الثلاثة صغارا ولا يصلحون لتولي الحكومة، فقد حكمت في أول الأمر باسمهم ثم أعلنت نفسها بعد ذلك ملكة على مقاطعات زوجها ووضعت تاج الملك على رأسها.
والمشاع انها كانت تتحدث السريانية واللاتينية واليونانية والمصرية، كما كانت مخطوطات الشاعر اليوناني (هومر) والفيلسوف (أفلاطون) تتواجد في بلاطها وكانت قد جمعت تاريخ المشرق ونسقته لنفسها وكانت تتبع زوجها في الصيد ولا ترهب الحيوانات المفترسة أسدا كان أو نمرا ولما حكمت البلاد اتسم حكمها بالعدل وعاملت الرعية بالرحمة، فكانت اذا اضطرت ان توقع جزاء، سلكت الرحمة، قاومت عوامل الانتقام، وهي في غير ذلك كانت تعطف على الرعية عطفها على الأمراء الصغار وبلغت (بالميرا) ايام عزها العظمة والجمال والقوة فجعلتها قبلة المشرق والغرب حيث اقامت عمارات المرمر، والحدائق الغناء. وامتد حكم (الزباء) من مصر الى البحر الأبيض المتوسط حتى الفرات بما في ذلك القدس وانطاكية ودمشق مما اثار حقد أمبراطور روما فكان يرسل اليها جيشا مرة بعد مرة فكانت تهزمه في كل مرة شر هزيمة. وحين صار (أورليان المفترس) امبراطورا على روما أغضبه تجرؤ امرأة على مخالفة روما وتحديها لسلطانه، فحوّل جيشا كبيرا الى هذه الملكة التي اطلقت على نفسها (أوجينيا) وألبست أولادها ملايس ملوك الرومان الارجوانية. أرسل (أورليان) اليها الرُسل لاقناعها الإذعان فرفضت بشجاعة وقالت لهم (استمعوا الي وكما تسمعون انقلوا القول الى موفدكم، قولوا له اني كيفما أكون فقد كونت، وان الامبراطورية التي رفعتني الى العرش قد صاغها زوجي معي، انها ليست منحة ولكنها ميراث وغزو وتملك، ولو تخلى مرسلكم عن ممتلكاته او بعضها لمجرد السؤال سأتخلى عن مصر وعن شواطئ البحر الابيض المتوسط، قولوا له اني كما عشت ملكة، فان شاء الله سأموت ملكة). صرفت رسله ولم تنتظر حتى يأتي امبراطور الغرب الى بلادها فسارعت الى لقائه واصطدمت معه في معركتين عظيمتين قادت فيها الجيوش بنفسها ولكنها هزمت في الموقعتين، واضطرت للعودة الى حدود (يالميرا) وهناك أقامت تحصينات مهمة وعادت فنازلت (اورليان) فهزمته في أول المعركة الا انه فرض الحصار على المدينة فلم تستطع الصمود، فكرت الملكة (الزباء) الفرار طلبا المساعدة من الجوار لتستطيع رد بلادها، فامتطت جوادا وصلت به شواطئ الفرات فاقتفوا أثارها حتى أسروها وجاؤا بها الى االامبراطور الروماني فسألها (كيف تجرأت على تحدي سلطة روما) فأجابته (انها احتقرت ان تعترف برجال "كأورولس" و "جاللينس" سادة لها أما أورليان فهي تخضع له كغالب ومليك). اختلف المؤرخون في حياتها بعد الأسر، فقال بعضهم إنها قتلت نفسها جوعاً، حتى لا ترى بعينها مصرعها، ومصرع بلادها، وقال بعضهم ان الامبراطور وهبها داراً وحديقة عاشت فيها معززة مكرمة، وزوجت بناتها من اشراف العائلات الرومانية وصار ابنها الأصغر ملكا على جزء من أرمينيا. وقد ماتت الملكة (الزباء) عام 260 م.
يروي المدونون التاريخ بعد قرون في العصر الاسلامي اشياء كثيرة عن الملكة (الزباء) حيث بعد قرون من الزمن تنقلب الحوادث ورواياتها عبر الازمان المتباعدة، على ان اسمها من اسماء الاميرات وبنات الكبراء وزوجات وامهات القادة الملكة (الزباء) كانت أميرة عربية قيل كان اسمها (الفارعة) وقيل انها (ميسون) أو (نائلة بنت مليح بن البراء) وهي من عمات المناذرة ملوك العراق المسيحيين. وقال مدونون تاريخيون آخرون انها (بنت زباي) متحدرة من سلالة السميدع العربية وكان الكثير من القبائل العربية على المسيحية كبني تغلب وبني تميم وغيرهم. تزوجت ملك ملوك تدمر (أذينة الحيراني) الذي ساد المشرق في العهد الروماني، أنجبت منه 3 أولاد. وعندما توفي زوجها (أذينة) خلفه ابنه (وهب اللآت) القاصر فتولت (الزباء) الوصاية عليه، واستطاعت أن تستقل بتدمر من الدولة الرومانية. فأزالت اسم الأمبراطور اورليان عن النقود، ولقّبت إبنها (أوغسطس) ويقولون كانت (الزباء) كثيرة الأعتماد على الرجال العرب والأرمن حيث تناسي المدونون العرب، السريان الذين كانوا سادة الشرق الاوسط قبل الاسلام. واثر سقوط (الزباء) استولى (أورليان) على خزائن (تدمر) المليئة بالخزائن والمال والكنوز. على اي حال فحوادث التاريخ يموت اغلبها خاصة عندما يبدأ المنتصر مهمة تسجيل التاريخ وما يتبقى من حوادث يموت اغلبه في الروايات والمحكيات او يتبدل مع الزمن وفق مايراه الروات او يكتب على الواح من الكذب وما يأتينا لابد ان نقول انه الصحيح. هذا مذهب التاريخ صدقا ينمحي وكذبا يغدو صحيحا.