دراسة: سلوك "داعش" على الأرض.. يفك "ألغازها" المحيّرة!
التاريخ:7/2/2015 - الوقت: 4:03م
دراسة: سلوك "داعش" على الأرض.. يفك "ألغازها" المحيّرة!
نقلاً عن صحيفة الشرق القطرية
إعداد: براء وأنس عبد الرحمن
أولاً: النشأة:
يعتقد كثير من المراقبين والمحللين السياسيين أن جذور نشأة تنظيم "داعش" تعود إلى جماعة "التوحيد والجهاد"، التي أسَسها الأردني أبو مصعب الزرقاوي عام 2004م في العراق، إثر الاحتلال الأمريكي للعراق، ولكن الحقيقة تكمن في أن جذور نشأتها تتبع لـ "دولة العراق الإسلامية"، التي قام شخص يدعى بــ "أبي عمر البغدادي"، (الذي كان يعمل في سلك الأمن العراقي حتى عام 1995م)، بتأسيسها في الموصل وقوامها 10000 مقاتل في عام 2006م.
وقد ظن غالبية الناس حينها، أن المقاومة العراقية وصلت مرحلة كبيرة من القوة، أصبحت قادرة فيها على تأسيس مقرات ومراكز نفوذ، والسيطرة على مدن كاملة، ولكن الحقيقة أن تأسيس "الدولة" كان هدفه تقديم البغدادي وتنظيمه الجديد كحلفاء للمقاومة العراقية، واستغلال حاجاتها للسلاح، من أجل اختراقها والعمل على تصفية قادتها، وهو ما حصل فعلاً، بعدما استطاع تنظيم "الدولة" بناء علاقات مع جميع فصائل المقاومة تحت تحالف سمي بــ"مجلس شورى المجاهدين".
وبعد أقل من شهر على تأسيس "مجلس شورى المجاهدين"، استطاع الاحتلال الأمريكي وحكومة المالكي أنذاك توجيه ضربات كبيرة لقادة المقاومة العراقية، حيث تم تصفية البنية التحتية لها، واغتيال أغلب أعضاء "مجلس شورى المجاهدين"، وتم التركيز على تنظيم "القاعدة" تحديداً، من أجل تصعيد قيادات جديدة مجهولة الهوية بدلاً من السابقة، وصولاً لحل التنظيم بشكل نهائي.
وقد تم تتويج هذا الاختراق بتصفية زعيم تنظيم القاعدة "أبومصعب الزرقاوي" في 7 حزيران/ يونيو 2006م. وبعد مقتله مباشرة قام الزعيم الجديد للتنظيم "أبوحمزة المهاجر" بحل التنظيم و"مجلس شورى المجاهدين"، والاندماج مع تنظيم "دولة العراق الإسلامية"، فقام بمبايعة "أبوعمر البغدادي" أميراً، وأصبح هو نائباً أوّل له.
وقد أثيرت عدة علامات استفهام حول شخصية "أبو حمزة المهاجر"، ففي عام 2006م، وضعت أمريكا مكافأة بقيمة 5 مليون دولار لمن يدلي بأي معلومة عن "أبي حمزة المهاجر" بعدما أعلن عنه كخليفة لـ"الزرقاوي"، ثم بعدها بعدة أشهر قامت بتقليص المكافأة إلى 100 ألف دولار، ثم قامت بإلغاء المكافأة تماماً، بعد أن وصلت إلى استنتاج بأن الرجل ليس له أي قيمة على الأرض، على الرغم من أنه النائب الأول للبغدادي!
وبعد قيام الاحتلال الأمريكي بتصفية قادة المقاومة العراقية، بعيد اختراقهم عن طريق "دولة العراق الإسلامية"، قامت "الدولة" باستكمال العملية، وتصفية ما تبقى من الأفراد على الأرض، فدخلت باشتباكات مسلحة مع جميع فصائل المقاومة العراقية دون أسباب واضحة كما يحصل في سوريا الآن، حيث تمكّنت من هزيمة أغلب فصائل المقاومة، بسبب التسليح القوي الذي كانت تتمتع به، وفي ذلك الحين ظن الإعلام وعامة الناس في العراق أن "القاعدة" هي من دخلت المعارك مع المقاومة العراقية، ولكن الحقيقة أن تنظيم القاعدة قد كان وصل إلى حالة التفكك، ولم يعد له وجود فاعل، حيث كانت الاشتباكات تجري بين “دولة العراق الإسلامية”، التي كان أغلب أفرادها من الأمن العراقي والميليشيات الشيعية، إذ انتهت المعارك إلى هزيمة المقاومة العراقية وانتصار "الدولة" ونظام المالكي!
وعقب التخلّص من قادة فصائل المقاومة العراقية، بدأ تنظيم "دولة العراق الإسلامية" بتشويه صورة المقاومة العراقية، وضرب الحاضنة الاجتماعية لها عبر اغتيال العلماء، وأئمة المساجد، وملاحقة الناشطين وتعذيبهم، وذلك من أجل تمهيد الطريق نحو تشكيل "الصحوات"، وإقناع السنة بالدخول بالعملية السياسية، وهو ما حصل فعلاً حيث اختفت "دولة العراق الإسلامية" من المدن بشكل مفاجئ، وحلّت مكانها "الصحوات"، التي أكملت مهمة القضاء على المقاومة.
وفي 19 نيسان/ أبريل 2010، قامت القوات الأمريكية بإغلاق ملف "دولة العراق الإسلامية" بشكل كامل عقب عملية عسكرية في منطقة "الثرثار"، أثمرت – بحسب الرواية الأمريكية - عن مقتل أبوعمر البغدادي أمير “دولة العراق الإسلامية”، وزعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو حمزة المهاجر (نائب الأمير ووزير الحرب)، إضافة إلى اعتقال أغلب القيادت العسكرية بعد محاصرتهم في محافظة صلاح الدين!!
وقد أثارت هذه العملية علامة استفهام كبيرة حول حجم الاختراق داخل ما يسمى بـ" تنظيم الدولة الإسلامية"، فمثلاً عندما تم قتل أسامة بن لادن، لم يوجد معه أحد من أفراد تنظيم القاعدة سوى زوجاته وأولاده، فكيف تمّت محاصرة كل قيادات "الدولة" في مكان واحد، واعتقال أغلب القيادت العسكرية بعد محاصرتهم في محافظة صلاح الدين؟!.. وكيف يجتمع هذا العدد الكبير من القيادات في مكان واحد، وكأنهم داخل دولة حقيقية؟!
حتى شخصية "أبوعمر البغدادي"، فقد أثير حولها الكثير من علامات الاستفهام، فقد أعلنت السلطات العراقية القبض عليه في عام 2009م، وقامت بعرض صور له مع شريط لاعترافاته، وبعدها بساعات، أعلنت أمريكا والعراق أن هذا ليس أبوعمر البغدادي!!.. وبرّرت الحكومة العراقية إعلانها بالتمويه، حيث ذكرت أن "الدولة" قامت بمبايعة الرجل الذي ظهر في الشريط على أنه أبوعمر البغدادي، ولذلك تظاهرت الأجهزة الأمنية بأن الخدعة انطلت عليها!!.. وهي قصة تثير علامات استفهام كبيرة، إضافة إلى أنها تثير الضحك!!
وفي 19 أيار/ مايو 2010، سارعت الدولة الإسلامية إلى إعلان "أبو بكر البغدادي" أميراً للدولة بدلاً من "أبو عمر البغدادي"، بعد ما تم عقد مجلس شورى الدولة الإسلامية، ولكن التنظيم ظل بدون أي قيمة حقيقية حتى اندلاع الثورة السورية وتحوّلها إلى ثورة مسلّحة.
وفي التاسع من نيسان/ أبريل 2013، وبعد سقوط الرقة، بيد المعارضة السورية بستة أيام، قرّر البغدادي توحيد "دولة العراق الإسلامية" مع سوريا بكيان جديد، سمّاه "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، الذي عرف إعلامياً بـ "داعش"، حيث نشبت منذ ذلك الوقت خلافات بينها وبين "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة"، التي أعلنت عن انزعاجها من قرار البغدادي، ورفضت الالتحاق بهذا الكيان، وأرسل "الظواهري" رسالة إلى "البغدادي"، طالبه فيها بإلغاء هذا الاندماج، ولكن البغدادي رفض ذلك، وهنا بدأ الخلاف.
وبالفعل دخل القرار حيز التنفيذ بعد شهر من الخلاف، ودخلت عناصر من تنظيم "داعش" إلى مدينة الرقة المحرّرة على أساس أنها تريد منها الانطلاق نحو بقية المدن لمواجهة النظام السوري، ولكن المشكلة كانت بقلة الأعداد التي يملكها التنظيم، ولذلك لجأ التنظيم إلى الهجوم على سجن أبوغريب في شهر تموز/ يوليو 2013م، وقام بإخراج آلاف السجناء في عملية مثيرة للشبهات، فالوضع الأمني في العراق لم يكن متردياً بشكل يسمح للتنظيم بتحرير السجن، كما أن السجن محصّن بالطائرات والدبابات، وهو سجن قريب من بغداد، وكان يسمى سابقاً بـ"سجن بغداد المركزي"!
وبعد بضعة أسابيع، ومع دخول شهر آب/ أغسطس 2013م، بدأت التعزيزات الهاربة من سجون نظام المالكي بالوصول إلى سوريا، لتعزيز قدرة التنظيم البشرية، وبدلاً من أن يبدأ التنظيم في مواجهة النظام السوري، قام التنظيم بالهجوم على "لواء أحفاد الرسول" المسيطر على مدينة الرقة، وبدأ معه معركة شرسة لم تستمر أكثر من أسبوع واحد، استطاع خلالها تنظيم "داعش" من السيطرة الكاملة على مدينة الرقة، وكانت قوة التنظيم وتسليحه وسرعة حسمه للمعركة ملفتة للأنظار، وقد قال حينها التنظيم: إن سبب المعركة هو تصرفات "لواء أحفاد الرسول" المعادية للمجاهدين، وشتم الذات الإلهية من قبل عناصره!
وفي ذات الشهر، استغل التنظيم عدم اهتمام فصائل المعارضة بمعاركه في الرقة، بسبب انشغالها في مواجهة النظام السوري، وبدأ يتمدّد نحو الشمال السوري، حيث قام بإنشاء قواعد في ريف إدلب وريف حلب، ودخل بالتنسيق مع فصائل المعارضة على خط المواجهة ضد النظام السوري، وتحديداً في ريف حلب الشمالي، وشارك مع فصائل المعارضة في محاصرة مطاري "منغ" و"كويرس" العسكريين.
وقام التنظيم بتنفيذ هجوم كاسح على مطار "منغ" العسكري، وهو مطار قامت المعارضة السورية بحصاره قرابة 8 أشهر، وتمكّنت من تحرير 90% من مساحته، والغريب أن ما تبقى من قوات النظام قامت بالانسحاب بشكل كامل من المطار، على الرغم من أنه محاصر، ولا يوجد أي مكان للهرب، وهو ما يعني فعلياً أن التنظيم قام بتأمين الانسحاب لقوات النظام داخل المطار، ولم يحرّره.
والأغرب أن التنظيم قام بعد شهرين فقط، باتهام لواء "عاصفة الشمال" بتأمين هروب قوات النظام من المطار، ودخل معهم في مواجهة شرسة استمرت لعدة أسابيع، حيث أسفرت عن قيام التنظيم بالسيطرة على مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، ودفعت لواء "عاصفة الشمال" لتسليم الرهائن اللبنانيين، بعدما قامت بالغدر به، وقتل المئات من عناصره، وسط حياد من فصائل الثورة، التي حاولت التدخل لإيقاف "داعش"، وحلّ المشكلة، ولكنها لم تستطع.
ومع نهاية عام 2013م، بدأ التنظيم بالتوسّع والهجوم على قرى أخرى بالريف الشمالي، كالأتارب - قبتان الجبل - الجينة - إبين - كفر نوران، وسط حياد سلبي من فصائل الثورة، ولكن يبدو أن التنظيم لم يكن معنياً كثيراً بحياد الفصائل من عدمه، وقام بتوسيع رقعة العداء له، وقتل قيادي في حركة أحرار الشام في ريف إدلب والتمثيل به.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الكثير من الفصائل الإسلامية ذات القوة الكبيرة، وتحديداً فصائل الجبهة الإسلامية، وجبهة النصرة، ظلّت تتخذ موقفاً محايداً من حرب "داعش" في الريف الشمالي، التي كانت تستهدف غالباً ألوية تابعة للجيش الحر، مستغلاً السمعة السيئة لبعضها، كما استهدف بعض الفصائل الإسلامية، مثل: "كتائب نور الدين الزنكي الإسلامية"، "لواء الأنصار"، "لواء الحرية الإسلامي - إدلب"، "لواء أمجاد الإسلام"، "لواء أنصار الخلافة"، "حركة النور الإسلامية"، ولكنه ظل يتجنّب الاحتكاك بالفصائل ذات الحجم الكبير.
وعلى الرغم من ذلك، فإن سياسية التنظيم لم تستمر طويلاً بهذا الشكل، حيث بدأ التنظيم مع مطلع عام 2014 بالهجوم على جميع مدن الريف الشمالي لحلب، مستغلاً هجوم النظام السوري على الثوار في الريف الجنوبي، فأصبح النظام من أمام الثوار، بينما أضحى التنظيم يطعن بهم من الخلف، ودخل في مواجهات مع لواء التوحيد، وحركة أحرار الشام، وحاول إرباك معارك الثوار في المدينة، ولكن قوة الثوار في الريف الحلبي، وفي الشمال تحديداً، جعلته يخسر أغلب المعارك، فقام التنظيم في منتصف آذار/ مارس بالانسحاب من جميع مدن ريف اللاذقية، وريف إدلب، وبعض مدن الريف الشمالي لحلب كأعزاز، ولم ينسحب منها جميعاً، فظل يحافظ على بعض القرى، وتحديداً قرية دير حافر المتاخمة لمطار "كويرس" العسكري.
وفي الوقت الذي ظن فيه الجميع أن تنظيم "داعش" يتجه نحو الانحسار الكامل، والانسحاب باتجاه العراق، فوجئ الجميع أن التنظيم حوّل بوصلته من الهجوم على ثوار الشمال، إلى هجوم على ثوار الشرق، حيث دخل في نهاية آذار/ مارس بمعارك عنيفة مع ثوار ديرالزور وجبهة النصرة، استمرت قرابة الثلاثة أشهر. وفي منتصف شهر حزيران/ يونيو استطاع التنظيم قتل أكثر من 500 مقاتل من جبهة النصرة وحدها، وسيطر على أغلب ريف وأحياء محافظة ديرالزور، وقام فعلياً بفك الحصار عن قوات النظام في مطار دير الزور العسكري.
وبينما كان التنظيم يتوسّع في شرق سوريا، كانت الأوضاع الأمنية في العراق تزداد سوءاً، حيث كانت قوات الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي تخوض قتالاً شرساً مع العشائر العراقية في مدينة الفلوجة والأنبار، بعدما قام الجيش العراقي بفض اعتصام العشائر، وكانت الرقعة التي تسيطرعليها الحكومة تتقلّص بشكل تدريجي، إلى أن حصلت إحدى أكبر المفاجآت في شهر حزيران/ يونيو، عندما انهارت قوات الجيش العراقي بشكل كامل، بعدما هاجم التنظيم مدينة الموصل في معركة لم تستمر يومين، حيث أعقب هذه السيطرة فقدان الحكومة العراقية السيطرة على أغلب المحافظات السنية، في مشهد لم يستطع أحد تفسيره حتى الآن!
ومع ترقب الجميع لتوجه "داعش" نحو وسط البلاد من أجل السيطرة على بغداد، وإسقاط حكومة المالكي، توجّه التنظيم إلى الشمال الشرقي نحو كردستان العراق، وبدأ بالتنكيل بالأكراد بشكل صادم للجميع، حيث قام بعمل مذابح بأبناء الطائفة الأيزدية، على الرغم من أن الأكراد، وقفوا ضد المالكي، وأيّدوا سيطرة العشائر على المدن العراقية.
وقد أثار تقدم التنظيم نحو مدينة أربيل ذعر الولايات المتحدة الأمريكية، التي أقرّت تدخّلاً جويّاً سريعاً في العراق، حيث استطاعت خلال أيام من قلب الموازين لمصلحة الأكراد، الذين استعادوا أجزاء كبيرة من المدن الكردية التي سيطرت عليها "داعش"، وقاموا باستعادة سد الموصل من براثن التنظيم.
ويبدو أن فشل التنظيم في معاقبة أكراد العراق، والتدخل الأمريكي لمصلحتهم، دفع بالتنظيم للهجوم على أكراد سوريا!!.. فقام التنظيم بشكل مفاجئ، بتحويل بوصلة معاركه في ريف حلب الشمالي نحو القرى الكردية، حيث استطاع احتلال 60 قرية كردية في أسابيع، ومحاصرة مدينة عين العرب "كوباني"، ثالث أكبر المدن الكردية في سوريا، وهو ما دعا الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل تحالف دولي، وضرب التنظيم داخل سوريا من أجل إنقاذ الأكراد.
بتاريخ 29 حزيران/ يونيو 2014م، أعلن تنظيم الدولة قيام ما وصفه "بالخلافة الإسلامية"، وتنصيب أبو بكر البغدادي إماماً وخليفة للمسلمين، ودعا الفصائل الجهادية في مختلف أنحاء العالم لمبايعته، كما أعلن التنظيم، أنه تم إلغاء الإسم القديم ليقتصر على "الدولة الإسلامية"، وهو قرار اتخذه أهل الحل والأعيان والقادة، بحسب المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني، وبعدها دعا أبو بكر البغدادي المجاهدين للهجرة إلى "دولة الخلافة".
ثانياً: ارتباطات "داعش" الإقليمية والدولية وشبهات الاختراق:
إيران والنظامان السوري والعراقي: من أكثر مظاهر الشبهة، التي أثيرت حول علاقات "داعش" كانت باتجاه ارتباطه بمكوّنات تحالف (إيران، والنظام السوري، وحكومة المالكي)، حيث استندت هذه الآراء على الشواهد التالية:
1. تعود العلاقة مع النظام السوري إلى مرحلة قتال تنظيم "دولة العراق الإسلامية" ضد الاحتلال الأمريكي، حيث حظي التنظيم بدعم غير مباشر من قبل النظام، من خلال تسهيل حركة تنقَل مقاتلي "الدولة" عبر الحدود العراقية السورية، حيث كان يقطن أبو حمزة المهاجر النائب الأول للبغدادي في فترة من الفترات بسوريا.
2. ومن ثمّ تعززت العلاقة في مرحلة سيطرة "الصحوات"، حيث قام النظام السوري حينها باحتضان التنظيم، وحصل تعاون وتنسيق بين التنظيم والمخابرات السورية، التي تولَت تسهيل مهمة تهريب مقاتلي التنظيم، وتوفير الحماية لقادته في المنطقة الحدودية، ومن ثم جرى استخدامهم في العديد من الملفات والعمليات الأمنية لصالح النظام، خاصةً في لبنان والمخيمات الفلسطينية فيه.
3. وبغرض إحكام السيطرة على التنظيم، جرى القبض على عدد من قياداته، وزُجّ بهم في السجون السورية، حيث أُخضعوا لمساومات ومقايضات، ومع اندلاع الثورة السورية تم إطلاق سراحهم ضمن تنسيق ودور مرسوم.
4. في مشهد مشابه، أثيرت شبهات حول قيام رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي" بتسهيل هروب قادة التنظيم من السجون العراقية، ضمن صفقة وخدمات متبادلة ( تحرير سجن أبوغريب المشار إليه في الأعلى)
5. أما بالنسبة لإيران، فعلاقتها مع قيادات في التنظيم، تمتد إلى مرحلة سابقة، وتحديداً لدى لجوء مجموعات من مقاتلي القاعدة إلى إيران للاحتماء من الضربات الأمريكية في الحرب الأفغانية، حيث أجريت هناك تفاهمات على أنواع من التقاء المصالح، ومن ضمنها تجنًب استهداف المصالح الإيرانية.
6. انعكاس تلك الارتباطات، ظهر في الأداء الميداني لـ"داعش" في سوريا والعراق، حيث لم يخض التنظيم أي معارك جدية مع النظام السوري (باستثناء استهداف بعض المواقع العسكرية للنظام من مطارات ومواقع بهدف استكمال السيطرة الجغرافية)، وفي المقابل لم يتم استهدافه بضربات جويّة وبريّة مركزة وموجعة من قبل النظام، بعكس ما جرى مع فصائل المعارضة الأخرى. من ناحية أخرى، فإن معظم عمليات التنظيم هي في المناطق المحرّرة، وضد فصائل المعارضة السورية كما تابعنا. وعموماً، فقد خدم تنظيم "داعش النظام السوري في ناحيتين: الأولى ضرب المعارضة، واستنزاف قدراتها ومقاتليها، فتشير التقديرات بأن ما يقارب 17000 مقاتل من المعارضة، قتلوا على أيدي داعش، والثانية في وصم إظهار المعارضة بـ"الإرهاب" أمام الرأي العام العالمي.
7. أما في العراق، فقد نشط عناصر تنظيم "الدولة"، عندما برزت مؤشرات ثورة سنية ضد "المالكي" في الأنبار وغيرها، فعمل تنظيم "داعش" على حرف الأنظار عن نواة تلك الثورة بتدخله فيها في حينه، ثم عندما تقدّم التنظيم فيما بعد، وسيطر على الموصل في منتصف العام 2014 وغيرها من المناطق العراقية بشكل مشبوه، كما أن عدم تقدم التنظيم إلى حدود محافظات النفوذ الإيراني ذات الكثافة الشيعية، أثار الريبة حوله.
التقدير والاستخلاص: من خلال قراءة تاريخ وواقع تنظيم "الدولة الإسلامية"، فإن ما يمكن استنتاجه، هو أن التنظيم لم يكن وفق مسار واحد وارتباط محدد، وإنَما مرَ بأكثر من مرحلة حتى الآن وفق التسلسل التالي:
- في مرحلة "أبو مصعب الزرقاوي"، استطاعت مخابرات عربية وأمريكية، أن تحقّق اختراقات في صفوف التنظيم بالتعاون مع النظام العراقي، ولكن بعد مقتله، قام التنظيم باستبدال العنصر القيادي الأردني بآخر عراقي، وهو ما أضعف الإحاطة الاستخبارية بالتنظيم، التي كانت تشكّل أحد النوافذ الأساسية للمخابرات الأمريكية على التنظيم، حيث ترافق مع ذلك حالة من الفتور الاستخباري بالتنظيم، "إذ لم يعد مصدر تهديد ذي أولوية".
- الحالة الراهنة لـ"داعش"، هو وجود سيطرة واضحة من النظامين السوري والإيراني على تحركات التنظيم في العموم، مع عدم وجود اختراقات واضحة في الصفوف المتوسطة لدول أخرى.
ثالثاً: هيكليّة "داعش" التنظيمية:
بحسب تقرير ورد عن الهيكلية الداخلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" وكذلك ما حصلت عليه الاستخبارات العراقية من عملياتها ضد التنظيم داخل الأراضي العراقية)، حيث يتكوّن التنظيم من التشكيلات التالية:
- المجلس العسكري: وهو ما يقابل أركان عمليات التنظيم، بقيادة "أبو أحمد العلواني"، مع إدارة ثلاث ضباط آخرين (أغلبهم من ضباط الجيش العراقي السابق)، مهمتهم التخطيط وإدارة القادة العسكريين ومتابعة المعارك.
- مجلس الأمن والاستخبارات: بزعامة "أبو علي الأنباري" (ضابط سابق في الاستخبارات العراقية قبل 2003)، وهو مسؤول أمن البغدادي وأمن التنظيم من الاختراق.
- مجلس الشورى: يتزعَمه "أبو أركان العامري"، ، وهو مكوَن من (11 إلى 19) عضواً، يتم انتخابهم من قبل البغدادي!.. وهو أمر غريب ، فالأصل أن مجلس الشورى في الحركات الإسلامية يتم انتخابه من الأعضاء وليس الرئيس، لأنهم لاحقاً هم من ينتخبون الأمير بعد وفاته.
- الهيئات الشرعية: يرأسها "أبو محمد العاني"، مهمته الإرشاد والدعوة ومتابعة الإعلام.
- مؤسسات الإعلام: بزعامة "أبو أثير الشامي"، من أصل سوري، يتابع إدارة الإعلام الالكتروني والمواقع الجهادية الإعلامية التابعة للتنظيم، غالباً من الخليج وشمال أفريقيا.
· وبحسب ما أظهره رسم توضيحيّ، نشرته صحيفة تلغراف البريطانيّة، فإن هيكل "الدولة الإسلامية" ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي: (الوزراء، ومكتب الحرب، والمحافظين)، ويقع على رأسهم أبو بكر البغدادي، وفي المركز الثاني مباشرةً، نائبه "فاضل الحيالي" المعروف باسم "أبو مسلم التركماني" (ضابط جيش سابق من تلعفر). أما في تفصيل هذه الأقسام، فأوردت الصحيفة التالي:
- القسم الأول. وزراء داعش:
1. أبو عبدالرحمن البيلاوي، واسمه عدنان إسماعيل نجم، وهو ضابط سابق في الجيش. والمسؤول العسكري الأول، وقد قُتل في الموصل في 5 حزيران/يونيو الماضي.
2. أبو قاسم، واسمه عبدالله أحمد المشهداني، وهو مسؤول عن استقبال العرب وتجنيدهم.
3. أبو هاجر العسافي، واسمه محمد حميد الدليمي، وهو مسؤول البريد في التنظيم.
4. أبو صلاح، واسمه موفق مصطفى الكرموش، وهو مسؤول المالية في التنظيم.
5. أبو علي، ويعرف أيضًا بـ"أبو لؤي"، اسمه عبدالواحد خضير أحمد، وهو المسؤول الأمني العام عن التنظيم.
6. أبو محمد، واسمه بشار إسماعيل الحمداني، وهو مسؤول ملف السجناء.
7. أبو عبدالقادر، واسمه: شوكت حازم الفرحات، وهو المسؤول الإداري العام في التنظيم.
- القسم الثاني. "مكتب الحرب":
1. أبو كفاح، واسمه خيري عبد حمود الطائي، وهو مسؤول تفخيخ المتفجّرات.
2. أبو سجى، واسمه عوف عبدالرحمن العفري، وهو مسؤول الشؤون الاجتماعية في التنظيم، ومسؤول عن أسر الشهداء والنساء.
3. أبو شيماء، واسمه فارس رياض النعيمي، وهو مسؤول مخازن السلاح في التنظيم.
- القسم الثالث. المحافظون:
1. أبو ميسرة، واسمه أحمد عبدالقادر الجزاع، وهو مسؤول التنظيم في بغداد.
2. أبو مهند السويداوي، واسمه عدنان لطيف السويداوي، وهو مسؤول داعش في الأنبار، وهو ضابط سابق في الجيش.
3. أبو جرناس، واسمه رضوان طالب الحمدوني، وهو مسؤول داعش على الحدود بين العراق وسوريا.
4. أبو فاطمة، واسمه أحمد محسن الجحيشي، وهو مسؤول داعش في محافظات الفرات الأوسط.
5. أبو فاطمة، واسمه نعمة عبد نايف الجبوري، وهو مسؤول التنظيم في محافظة كركوك.
6. أبو نبيل، واسمه وسام عبد زيد الزبيدي، وهو مسؤول التنظيم في محافظة صلاح الدين.
رابعاً: القدرات العسكرية والأمنية للتنظيم:
· أبرز التقديرات التي تناولت تعداد مقاتلي تنظيم "داعش" هي:
- تقديرات الجيش الأردني لأعداد تنظيم "داعش" مع لحظة سيطرته على المناطق العراقية في حزيران/ يونيو 2014م، بأنهم نحو (9 إلى 10) آلاف مقاتل، منهم (5 – 6) آلاف مقاتل بالعراق، وهو رقم قليل جداً مقارنة بالمساحات التي يسطير عليها التنظيم.
- قدّرت المخابرات الأميركية (C.I.A) بتاريخ 12 أيلول 2014 ،عدد مسلّحي تنظيم داعش في العراق، وسوريا، بنحو 31500 مقاتل، استناداً إلى مصادرها خلال الأربعة أشهر الماضية، لافتة إلى أنّ العدد يعكس وجود زيادة في العناصر بسبب قوة عملية التجنيد، التي ازدادت منذ شهر حزيران، عقب النجاحات التي حققها، ما أدى إلى زيادة نشاطه في أراضي المعركة، ومضاعفة قدرته الاستخبارية، ولكن هذه الأعداد قليلة مقارنة بتنيظم يهاجم دولاً، ومدناً، ويسيطر عليها، فالموصل وحدها تحتاج إلى 10 ألاف مقاتل على الأقل للسيطرة عليها.
- أما مجموعة "سوفان" المتخصصة في أعمال الاستخبارات، ومقرّها نيويورك، فقدّرت في شهر حزيران الماضي، أعداد مجمل المقاتلين الأساسيين والمساندين في صفوف "داعش" بحوالي 120 ألف مقاتل من 81 بلدا مختلفاً، من بينهم حوالي 3000 مقاتل من جنسيات أوروبية، وهو رقم كبير جداً يستحيل أن يستطيع تنظيم جديد تجنيده بهذه السرعة.
تقدير واستخلاص: لا شك أن هذه التقديرات المنشورة في الإعلام، لا تستند إلى أي معلومات دقيقة أو استخبارية، فالأعداد التي تتحدث عنها الوكالات الاستخبارية، هي أعداد لا يمكن لها السيطرة على هذا الكم الكبير من المناطق، فإذا كانت قوات النظام السوري بكل أعدادها والميليشيات المساندة لها وجميع طائراتها، احتاجت شهوراً للسيطرة على بلدة صغيرة مثل المليحة، فكيف يستطيع تنظيم من 30 ألف مقاتل السيطرة على الرقة ودير الزور، وأكثر من نصف مساحة العراق، أما التقدير الذي يتحدث عن وجود 120 ألف مقاتل، فهو يثير لغزاً كبيراً، فكيف تمكّن التنظيم من تجنيد هذا العدد الكبير بسرعة، فجميع فروع تنظيم القاعدة على مر التاريخ، بما فيهم جبهة النصرة، لم تستطع تجنيد أكثر من 20 ألف مقاتل بأفضل الأحوال!!
· نوعية السلاح الذي يمتلكه تنظيم "داعش":
- مقاتلو "داعش" يتسلَحون عموماً بسلاح فردي عبارة عن:
1. رشاشات كلاشينكوف أو أمريكية الصنع.
2. رشاشات متوسطة طراز BKC و BKT
3. قنَاصات "دراغانوف".
4. قاذفات طراز RBJ .
5. مواد متفجِرة من أحزمة ناسفة وعبوات.
- ويستخدم المُقاتلون إجمالاً سيارات رباعية الدفع مجهّزة برشاشات ثقيلة من نوع "دوشكا"، أو (23)، أو غيره من المضادات الأرضية. كما أنه يمتلك مجموعة من المعدات والآليات والأسلحة الثقيلة والمتطورة، التي تركها الجيش العراقي بعد تركه لمواقعه (دبابات وصواريخ وسيارات مصفحة وسيارات رباعية الدفع وأسلحة المتنوعة)، وكذلك ما تركه النظام السوري في الفرقة (17).
وبالتالي أصبح يملك حالياً:
1. عربات مدرعة طراز BMB1/2.
2. سيارات مسلحة من طراز "همر".
3. صواريخ طراز "شيلكا".
4. قواذف من طراز"كورنيت".
- ومن الأمور المثيرة للانتباه، هو سرعة استخدام "داعش" لهذه الأسلحة بسرعة في المعارك اللاحقة، وهو ما يدل على أن هناك تدريباً وتخطيطاً، وأن الأمر لا يقتصر على الجانب العفوي كما يحاول أن يوحي الإعلام، كما أن المعلومات تشير إلى أن تدريب التنظيم يتولّاه ضباط سابقون من الجيش العراقي.
- ومن الأمور الأخرى المثيرة للاستغراب كذلك، هي التقارير الأمريكية التي تشير إلى حصول التنظيم على أسلحة مضادة للدبابات، والصواريخ، ومدافع الهاون، ودروع وأجهزة اتصالات من بعض دول أوروبا الشرقية في عام 2013، وطبعاً لا يمكن للتنظيم أن يحصل على مثل هذه الأسلحة، إلا عن طريق دول، وهو ما يؤكد الشبهات حول آلية تسليحه.