ثمن فك الارتباط..أردنيون من أصل فلسطيني محرومون من الجنسية
التاريخ:27/5/2015 - الوقت: 10:51م
ثمن فك الارتباط..أردنيون من أصل فلسطيني محرومون من الجنسية
تعيش المواطنة سحر الهدري وعائلتها، أزمات حياتية متنوعة، منذ أن سحب الرقم الوطني من زوجها وتم تجريد الأبناء من جنسيتهم الأردنية. تصف الهدري هذه الحياة قائلة "ذقنا الأمرّين، الصعوبات تعترض طريق أبناء العائلة، عند محاولة السفر، أو حتى البحث عن وظيفة، بعد أن تم حرمانهم من التعليم المجاني والتأمين الصحي، ومضاعفة الرسوم عند إصدارهم أية وثيقة رسمية".
بدأت قصة سحر بعد أن رفضت دائرة الأحوال المدنية تجديد الهويات الشخصية لعائلتها ووافقت على تجديد هويتها فقط، عادت إلى دائرة المتابعة والتفتيش في وزارة الداخلية، هناك أبلغوها بسحب الجنسية من زوجها وأبنائها، بسبب سفر رب العائلة إلى الضفة الغربية، في العام الذي صدر فيه قرار فك الارتباط (1988)، وهو السبب الذي اعتبرته سحر كذباً، لأن زوجها لم يغادر الأراضي الأردنية منذ أن اقترنت به في عام 1979.
الأبواب جميعها أوصدت أمام العائلة، أملهم الأخير كان في وزارة الدخلية التي قابلت طلبات استرحام العائلة بالرد "إذا قمنا بتجنيس الفلسطينيين، فلمن ستبقى فلسطين"، تصف سحر الرد السابق بـ"غير المنطقي"، تقول لـ"العربي الجديد": "أبنائي ولدوا بالأردن وعاشوا عمرهم فيها وكانوا يحملون جنسيتها، فكيف يصبحون بين ليلة وضحاها غير أردنيين!". تتساءل "ما الذنب الذي اقترفناه؟"، تجيب "لا نعلم، المعاناة لا تقتصر على زوجي، بل سيرثها الأبناء والأحفاد".
ضبابية في الإحصائيات الرسمية
في محاولة لتوثيق عدد من يعانون سحب جنسياتهم في الأردن، انتظرت "العربي الجديد" لعدة أشهر، رد وزارة الداخلية على كتاب، استفسرت فيه الجريدة عن أعداد المواطنين الذين سحبت منهم الجنسية الأردنية، فيما تساءلت عن دور اللجنة الوزارية التي شكلت في ضوء سحب الأرقام الوطنية وأبرز جهودها في ما يتعلق بهذا الخصوص. لكن على مدار الأشهر السابقة لم تجد كاتبة التحقيق سوى المماطلة والتأجيل من قبل الوزارة، ولم تتمكن "العربي الجديد" من الحصول على رد حول أعداد من تم سحب جنسياتهم.
يرجع المحامي والباحث في شؤون الجنسية أنيس قاسم، تحفظ الحكومة على المعلومات والأرقام المتعلقة بسحب الرقم الوطني والجنسية، إلى وجود عيوب وأخطاء فادحة تحيط بكل ما يخص الأمر، وهو ما يخالف الدستور ما يدفع الحكومة إلى إخفاء هذه المعلومات، التي تطعن في شرعية اجراءاتها، على حد قوله.
لكن الكاتب والصحافي المتخصص في الشؤون السياسية، بسام بدارين، يرى وجود تناقض بين إحصائيات رسمية سابقة قدرت عدد من سُحبت أرقامهم الوطنية بـ 4800 شخص فقط، بنما يقدّر بدارين العدد الفعلي لمن سحبت منهم أرقامهم الوطنية في المملكة بـ 40 ألفاً.
بالمقابل يقدر المركز الوطني لحقوق الإنسان عدد من تقدموا إليه بشكوى من سحب وثائق إثبات جنسيتهم في الفترة ما بين عام 2007 إلى عام 2013 بـ 363 شخصا، كما رد في كتاب رسمي على استفسار "العربي الجديد" بهذا الخصوص، لكن منظمة هيومان رايتس ووتش التي يقع مقرها في نيويورك قالت في تقرير سابق نشر في عام 2010 بعنوان "بلا جنسية من جديد.. الأردنيون من أصل فلسطيني المحرومون من الجنسية" أنه بين عامي 2004 و2008 أصبح أكثر من 2700 مواطن أردني من أصل فلسطيني ضحايا لإجراءات إدارية تعسفية اتخذت دون تحذير مسبق وعلى نحو ينتهك قوانين الجنسية في البلاد.
الجنسية الأردنية فرضت على الفلسطنيين
يشكل الأردنيون من أصل فلسطيني، الذين استقروا في المملكة بعد قيام دولة الاحتلال عام 1948، غالبية السكان الذين يزيد عددهم عن ستة ملايين نسمة. وكان الأردن قد مد سيادته إلى الضفة الغربية، إثر أول حرب عربية إسرائيلية، ومنح جميع سكانها الجنسية الأردنية. إلا أنه في عام 1988 صدر قرار فك الارتباط القانوني والإداري بين الأردن والضفة الغربية، وبالتالي سحب الجنسية الأردنية من الفلسطينيين المقيمين في الضفة في ذلك الوقت.
ويؤكد المحامي والباحث في موضوعات الجنسية، أنيس قاسم، أنّ الجنسية الأردنية فرضت على الفلسطينيين اللاجئين، خلال الفترة بين عامي 1947 و1948 إلى الضفة الشرقية، وفقا لنص القانون رقم 56 الصادر في عام 1949، الذي ينص على أن "جميع المقيمين عادة عند نفاذ هذا القانون في شرق الأردن أو في المنطقة الغربية التي تدار من قبل المملكة الأردنية الهاشمية ممن يحملون الجنسية الفلسطينية يعتبرون حائزين للجنسية الأردنية".
وأضاف قاسم: "في حدود البحث الذي قمت به، وبمراجعة أعداد جريدة فلسطين خلال فترة إصدار تعديل قانون الجنسية، لا يوجد هناك أية إشارة إلى أن وجهاء أو مخاتير أو رؤساء البلديات في الضفة الغربية أو بعضهم طلب من الحكومة إكساء الفلسطينيين بالجنسية الأردنية، لم أجد تماما ما يثبت أن الفلسطينيين طلبوا الجنسية الأردنية من الملك الراحل عبدالله الأول".
يثبت النص السابق للقانون رقم 56 ونص المادة الثالثة من قانون الجنسية وتعديلاته لعام 1954 والمنشور في العدد رقم 1171 من الجريدة الرسمية، صحة كلام قاسم، إذ نص البند الثاني من القانون على أن "كل من يحمل الجنسية الفلسطينية من غير اليهود قبل تاريخ 15 مايو/أيار 1948، ويقيم عادة في المملكة الأردنية الهاشمية خلال المدة الواقعة ما بين 20 ديسمبر/كانون أول 1949 حتى 16 فبراير/شباط، 1954 أردني الجنسية".
يشير قاسم إلى أن المأساة ما زالت تتفاعل وتتفاقم، إذ إن صلاحية سحب الجواز من أردني تمّ التنازل عنها عملياً من مجلس الوزراء إلى دائرة تابعة لوزارة الداخلية تسمى دائرة المتابعة والتفتيش، مشيرا إلى أن هذه الدائرة تتوسع في تحديد الشروط التي تبرر- في رأيها- سحب الجنسية الأردنية من أردني ذي أصل فلسطيني. وفوق هذه وتلك، أغلق باب القضاء في وجه أي دعوى يقيمها مواطن أردني ضد قرار سحب جنسيته، بمقولة إن هذا الأمر يتعلق بأمور السيادة، ولا يجوز بالتالي للقضاء التصدي له.
تجدر الإشارة إلى أن مقولة "عمل من أعمال السيادة" الذي يحظر فيها على محكمة العدل العليا الأردنية التصدي فيها لمسألة تتعلق بالجنسية، مقصورة فقط على أي دعوى يقيمها أردني من أصل فلسطيني على جهة الإدارة التي قررت سحب جنسيته. وللتدليل على صحة هذا القول، فإنه يمكن إيراد المثال التالي: إذ أقام مواطن من أصل سوري دعوى ضد الحكومة الأردنية ادعى فيها أنه استوفى جميع الشروط المطلوبة في المادة (4) من قانون الجنسية لاكتساب الجنسية الأردنية. إلا أن جهة الإدارة رفضت طلبه ضمنياً، فأقام الدعوى ضد الحكومة. وقالت محكمة العدل العليا في قرارها الصادر بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 إن سلطة مجلس الوزراء بمقتضى المادة (4) "هي سلطة مقيدة بشروط هذه المادة"، وحيث فشلت الحكومة في إثبات عدم توفر الشروط المطلوبة لمنح المدعي الجنسية الأردنية، فيكون قرارها "مستوجب الإلغاء".
لم يرد في حيثيات هذا القرار أية إشارة إلى "أعمال السيادة"، بل إن المحكمة أكدت أن سلطة مجلس الوزراء مقيّدة بالقانون، مما يقدح في مقولة أن الجنسية أمر من متعلقات السيادة، بحسب المحامي قاسم.
تعليمات تصاغ بالظلام
يعتقد المحامي أنيس قاسم، في إصدار الحكومات الأردنية المتعاقبة، تعليمات سريّة، لا تنشر في الصحيفة الرسمية، ولا يعلم أحد بها هذه اللحظة، تدور حول كيفية سحب الجنسية من المواطنين الأردنيين من أصول فلسطينية، يقول لـ"العربي الجديد": "الإدارة الأردنية تتصرف حيثما تشاء وكيفما تشاء لغياب الرقابة عليها".
ويتفق مدير مركز هوية للدراسات السياسية والاقتصادية محمد الحسيني مع المحامي قاسم، بوجود "غموض في تعليمات قرار فك الارتباط وتفسيراته في ما يتعلق بحسب الجنسية من الأردنيين من أصول فلسطينية". ويكشف الحسيني لـ"العربي الجديد" عن عدم حصولهم كجهة بحثية على هذه المعلومات رغم وجود قانون ضمان حق الحصول على المعلومة، رغم محاولاتهم المتعددة في الأمر حتى الآن.
ويتابع الحسيني "قرار فك الارتباط، ليس أعلى من الدستور والقوانين والمواثيق الدولية التي كفلت الجنسية وحقوق المواطنة، لمن ظلوا لفترات طويلة يتمتعون بها، وفجأة وجدوا أنفسهم بدونها". يضيف: "من غير المعقول أن يصبح الكرت الأصفر (وثيقة يحصل عليها الأردني من أصل فلسطيني بعد لم الشمل بالغالب ويحق له التمتع بالجنسية الأردنية والعودة للضفة) مرجعية قانونية لمثل هذه القرارات".
ويعترف الكاتب والمحلل السياسي خالد المجالي، بعدم وضوح التعليمات والحاجة إلى قوننة تفسيرات قرار فك الارتباط "للحد من الأخطاء الفردية والإدارية، ووقف تلاعب الموظفين وشكاوى التظلم لمن سحبت أرقامهم الوطنية". لكن وزير الداخلية السابق نايف القاضي، كان قد قال في تصريحات صحافية سابقة: "تعليمات فك الارتباط واضحة، لا لبس فيها وهي كالتالي: "يسحب الرقم الوطني من الأشخاص الذين غادروا الضفة الغربية مروراً بالأراضي الأردنية بقصد السفر إلى الخارج ولا يتوفر لهم إثبات إقامة في المملكة، والذين تمتعوا بالجنسية الفلسطينية وجواز سفرالسلطة الوطنية الفلسطينية، والعاملون لدى أجهزة السلطة الفلسطينية، وفاقدو حق المواطنة في الضفة الغربية وذلك لحين استعادة هويتهم الفلسطينية وتصويب أوضاعهم".
لم تثر تصريحات القاضي، التي لا ترى مشكلة في تعليمات فك الارتباط، أي دهشة لدى النائب البرلماني محمد الحجوج الدوايمة، والذي ذكر لـ"العربي الجديد"، أنه وجه سؤالاً نيابيا إلى الحكومة عن سبب السرية في تعليمات سحب الجنسية، "وأجابته الحكومة بالنفي القاطع لوجود تفسيرات سريّة"، وهو ما دعاه إلى جمع عدد من الحالات التي تم التعاطي فيها داخل مؤسسات الدولة الأردنية عبر تلك التفسيرات السريّة، ومن بعض التفسيرات التي لم تذكر بتاتاً "سحب الجنسية من الذين غادروا الأراضي الأردنية عام 1970 للالتحاق بالمقاومة الفلسطينية، ومن فقدوا أرقامهم الوطنية ولا يحملون هويات فلسطينية ولا بطاقة خضراء ولا صفراء".
وبطاقة الجسور الصفراء هي عبارة عن وثيقة يحصل عليها الأردني من أصل فلسطيني بعد لم الشمل بالغالب ويحق له التمتع بالجنسية الأردنية والعودة للضفة ويستخدمها نسبة كبيرة منهم لتسهيل تنقلهم بين ضفتي النهر، أما بطاقة الجسور الخضراء، فهي وثيقة يحصل عليها من يملك الهوية الفلسطينية ولا يحق له التمتع بالجنسية الأردنية.
الاعتراف وفك الارتباط
عام 1974 أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني باعتراف من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد إلقاء رئيسها آنذاك ياسر عرفات خطابه أمام الأمم المتحدة، وبعد أربعة عشر عاماً من الاعتراف، طالب الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الملك الحسين بن طلال الاستقلال عن الأردن وإنهاء وحدة ضفتي النهر التي بدأت عام 1950 بعد مؤتمر أريحا، ليوافق الملك الحسين على رغبة الجانب الفلسطيني والعربي ويصدر قرار فك الارتباط الإداري والقانوني بالضفة الغربية عام 1988.
يوضح الرئيس السابق لمحكمة العدل العليا الأردنية، فاروق الكيلاني، أن قرار فك الارتباط يميز بين من كان يقطن في الضفة الشرقية ومن أقام في الضفة الغربية، إذ اعتبر القرار الفلسطينيين المقيمين في الضفة الشرقية قبل صدور قرار فك الارتباط أردنيين ولا يجوز سحب أرقامهم الوطنية أو جنسيتهم، أما من كانوا يقيمون في الضفة الغربية قبل قرار فك الارتباط فيعتبرون فلسطينيين.
تعدّ على قرار الملك الحسين بن طلال
بعد قرار فك الارتباط، شددّ الملك الراحل على حقوق المواطنة الكاملة للأردنيين من أصول فلسطينية، إذ قال في خطابه عام 1988: "ينبغي أن يُفهم بكل وضوح وبدون أي لبس أو إبهام أنّ اجراءاتنا المتعلقة بالضفة الغربية إنما تتصل فقط بالأرض الفلسطينية المحتلة وأهلها وليس بالمواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني في المملكة الأردنية الهاشمية في طبيعة الحال، هؤلاء لهم جميعاً كامل حقوق المواطنة وعليهم كامل التزاماتها تماما مثل أي مواطن آخر مهما كان أصله".
يتدخل المحامي قاسم قائلا: "إن التعليمات السريّة لقرار فك الارتباط والإجراءات المتخذة منذ خطاب الراحل الملك الحسين بن طلال إجراءات باطلة بطلانا مطلقا".
لماذا السلطة الفلسطينية؟
يرى النائب الحجوج "أنّ من يعمل في السلطة الفلسطينية ويمتلك الهوية الفلسطينية لا يحق له الحصول على الرقم الوطني الأردني لوجود تمثيل له على أرضه". ومن جانبه يتساءل المحامي قاسم: "لماذا يحرم شخص من الرقم الوطني اذا عمل مع السلطة في الضفة، أما إذا عمل مع وزارة الأشغال مثلا في أي دولة عربية أو مستشاراً قانونياً لشركة بريطانية أو فرنسية أو ضابطاً أردنياً في قوات دولة عربية ما، على سبيل المثال، لا تسحب جنسيته، لماذا فقط تسحب حال خدم في السلطة الفلسطينية".
وتبدو المزاجية جليّة في هذه الجزئية، ففي إحدى مقابلات وزير الداخلية السابق نايف القاضي، شدّد على ضرورة سحب الرقم الوطني من كوادر السلطة الفلسطينية في الداخل والخارج، وعند سؤال قناة نورمينا الأردنية له، عن عدم نزع الجنسية من أحمد قريع رئيس مجلس الوزراء الفلسطيني سابقا، حتى تاريخ اللقاء عام 2011، أجاب القاضي "نعم نحن حكومة ولكن ليس بالضرورة أن نعلم كل أمر، و أنا لا أعلم أن قريع له جنسية أردنية، وفي هذه الحالة يمكن أي مواطن التوجه لرفع دعوى ضد قريع لحمله جنسية أخرى مع الأردنية".
الوطن البديل شماعة
يعتبر المحامي قاسم أنّ "عبارة الوطن البديل حق يراد به باطل لأن المشروع الصهيوني في أساسه يدعو إلى إقامة دولة على ضفتي النهر، والقيادات الاردنية منذ أيام الأمير عبد الله تعلم ذلك وليس هذا بالسر، فالأدبيات الصهيونية تعتبر الأردن جزءاً من فلسطين، ولذلك الضفة الشرقية ليست وطنا فلسطينيا بديلا بكل المقاييس".
الأمر الذي أكدّ عليه الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية سعيد دياب قائلاً لـ"العربي الجديد": "الوطن البديل هو مشروع صهيوني بالأساس، وهو مرفوض فلسطينياً وأردنياً، ومحاربته لا تأتي بتسعير خلاف بين الفلسطينيين والأردنيين بقدر ما يتم توحيد الجهد الفلسطيني الأردني لمواجهة العدو المشترك".
وأضاف: "لا أعتقد أن سحب الأرقام بهذه الطريقة هدفه إحباط فكرة الوطن البديل أو تعزيز حق الناس بالعودة لأن أساليب الدعم لا تأتي بتعذيب الأردنيين من أصل فلسطيني، ومحاربة الوطن البديل تأتي بموقف أردني حاسم وواضح وداعم للشعب الفلسطيني في التمسك بحقوقه الوطنية كحق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة، وليس عبر التضييق على الفلسطينيين أو مصادرة حقوقهم تحت أي ذريعة كانت".
إلا أنّ المحلل المجالي اعتبر أن "كل من يطالب بالرقم الوطني والجنسية الأردنية شخص يحاول الوصول لأطماع شخصية تتماشى مع المخطط الصهيوني لخلق وطن بديل في الأردن"، وأكد أن "نزع الجنسية من الفلسطينيين أمر هام للحفاظ على الهوية النضالية الفلسطينية ولتشجيعهم على الرجوع لأرضهم وتثبيت حقهم بالعودة".
يرد دياب قائلا: "علينا أن نكون صريحين، إن من يريد دعم حق العودة، كان عليه عدم التوقيع على اتفاقية وادي عربة التي نصت في مادتها الثامنه ضرورة العمل على حل مشكلة اللاجئين، وهو ما يعني في ظل المعطيات الحالية دعم دعوات التوطين للاجئين الفلسطينيين في البلاد التي يقيمون بها".
مخالفة للتشريعات الوطنية والدولية
رئيس محكمة العدل العليا سابقاً فاروق الكيلاني اعتبر "أن سحب الرقم الوطني مخالف لنص المادة الخامسة من الدستور الأردني والتي تنص على عدم جواز سحب الجنسية، إلّا بموجب قرار من مجلس الوزراء، وليس من خلال موظفي دائرتي الأحوال والمتابعة والتفتيش".
وحصرت المادة الثامنة عشرة من قانون الجنسية لعام 1954 الحالات التي يفقد بسببها الأردني جنسيته إذ نصّت على: "لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن فقدان أي أردني جنسيته الأردنية إذا انخرط في خدمة مدنية لدى دولة أخرى ورفض أن يترك تلك الخدمة عندما تكلفه حكومة المملكة الأردنية الهاشمية الخدمة فيها، أو إذا انخرط في خدمة دولة معادية، أو إذا حاول القيام بعمل يهدد أمن الدولة وسلامتها". كما ينصّ البند الثاني للمادة الخامسة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على: "عدم جواز حرمان شخص من جنسيته بكشل تعسفي"، وأكّدت عليه المادة "29" من "الميثاق العربي لحقوق الإنسان" الموقع من قبل الحكومة الأردنية.
بدوره، نفى وزير الداخلية الأسبق نايف القاضي في تصريحاته الصحفية السابقة مخالفة التشريعات عند سحب الجنسية قائلا: "ما يحصل هو تصويب أوضاع اخواننا الفلسطينيين في الأردن، وما يجري هو لتثبيت الفلسطينيين في أراضيهم".
تحدّ قضائي
في واقعة لافتة، تحدى رئيس محكمة العدل العليا الدكتور فاروق الكيلاني، الحكومة الأردنية، وقضى في حكم شهير سابق، بأن حرمان الأردني من جنسيته عمل غير مشروع ولا يجوز نزع الجنسية استناداً إلى قرارات الإدارة، ذلك أن القاعدة أن "ما ينظمه المشرع بقانون لا يجوز تعديله إلّا بقانون، ولا يجوز تعديله بقرار إداري أو تعليمات". ويقول الدكتور الكيلاني في كتابه "استقلال القضاء" إنه على أثر ذلك القرار القضائي الذي أصدره، طلب منه وزير العدل آنئذٍ أن يقدم استقالته.
يعلق المحامي المختص في قضايا الجنسية أنيس قاسم على حكم الكيلاني بأن ما أصدره رئيس محكمة العدل العليا السابق صحيح، فالتعليمات الإدارية لا تعلو على القانون لأنه يوجد تراتبية قانونية في التشريعات التي يأتي في مقدمتها من حيث الأهمية والعمل به لدى دوائر الدولة، الدستور ويليه القانون ثم الأنظمة ثم التعليمات، والتفسيرات التي تجيز إسقاط الرقم الوطني تعد من التعليمات والأنظمة، بينما القانون لا يجيز إسقاط الجنسية عن المواطن.
حياة في الهواء
يصف عدد من الأردنيين ممن يعانون قرار سحب جنسياتهم، أنفسهم بأنهم معلقون في الهواء، أحدهم مهند الجعفري وشقيقه، اللذان تم سحب الرقم الوطني من والدهما الحاصل على الكرت الأخضر عام 2006 فيما تم إبقاء جنسيتهما معلقة بين رفض تجديد هويتيهما وعدم سحب الرقم الوطني في الوقت ذاته، ومنذ ذلك الوقت منح مهند وشقيقه جوازي سفر مؤقتين لخمسة أعوام، وعندما حاول وشقيقه تجديد هويتيهما، فوجئا بوجود قيد أمني من دائرة المخابرات يوصي بعدم تجديد الهويات والجوازات لهما، فقاما بتقديم طلب تصويب أوضاع لدى دائرة الأحوال المدنية، وكان الرد بالرفض.
كل ستة أشهر يقدم مهند وشقيقه طلب استرحام لدائرة المخابرات التي "كانت وما زالت ترفض إيجاد حل لمشكلتنا"، يقول مهند لـ"العربي الجديد": ويضيف: "واجهتني صعوبة في العمل وعدم القدرة على فتح حساب بنكي أو إصدار رخصة قيادة بسبب انتهاء الهوية، عدا عن رفض المصادقة على عقد زواج شقيقي بسبب القيد الأمني، نتمنى أن نرسو على بر، إمّا أن يقوموا بسحب أرقامنا الوطنية أو يرفعوا القيد الأمني لنستطيع الاستمرار في حياتنا".
من أغرب الحالات أحمد محمود، الذي أصبح شاغله أن يعرف سبب سحب الرقم الوطني من والده لأسباب أمنية ترفض الجهات الرسمية ذكرها، يقول لـ"العربي الجديد": "أعاني من البطالة والرسوم المضاعفة لأي معاملة أقُوم بها، ممّا اضطرني إلى تعليق شهادتي الدراسية على الحائط والالتحاق بعمال المياومة لتغطية علاج والدي من مرضي السكري و الضغط، لا أعرف ما سبب سحب الرقم الوطني من والدي وما ذنبي، أتمنى فقط معرفة السبب، لمحاولة الطعن به على القرار وإثبات خطئه".
توضح تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان أن سحب الوثائق الثبوتية يتبعه تقييد حرية التنقل للأشخاص وحرمانهم من من العمل المنتظم وكسب العيش، عدا عن الصعوبات التي تواجه أطفال هؤلاء الأشخاص في التمتع بحق التعليم وحق الصحة، وهو ما يعد تدميرا كليا لحياتهم. ورغم ذلك ما زالت الجهات الرسمية تتبنى قراءة منافية لنص قانون الجنسية لسنة 1954، وبين الاتهامات بوجود تعليمات سرية ومزاجية تحكم قرارات سحب الجنسية، والنفي الحكومي لوجود ذلك، تبقى حياة آلاف الأردنيين بلا جنسية. صعوبات بعضها فوق بعض.
(العربي الجديد)