حلمي الأسمر
حوار على ضفاف الحاوية!
التاريخ:1/7/2015 - الوقت: 12:51ص
-1-
حوار جارح جرى بين أم وابنتها، استمعت إليه مكرها، وبدا «عاديا» جدا بينهما، لأنهما اعتادتا على القيام بما يقومان به كل يوم...
= يا ريت كل السنة رمضان، اللهم أدم علينا نعمة رمضان..
= أي والله يا بنتي، الحاويات بدها تتسطّح من الخيرات، شهر خير عن جد..
= الحمد لله، من دخل رمضان، واحنا نتقلب في النعيم، قطايف، ع رز، على لحم على جاج، كأنه أهل عمان، الله يستر عليهم، بشتروا زيادة غراظ مشان يطعمونا!
= ما أظن يا بنتي، هذول مفاجيع، بهجموا ع السوق وهم جوعانين، وبشتروا بالهبل، وبعملوا أكل وهم عيونهم فاظية، ولما يفطروا بوكلوا حاجتهم، وبزيد كثير، بكبوه بالحاويات، مش حب فينا، لأنه ثلاجاتهم تفزرت وما عادت تتحمل أكل بايت، غير أنهم أصلا ما بوكلوا بايت قال!
لم أستطع أن أتابع الاستماع، أو بالأحرى، انتبهت السيدة وابنتها لي وأنا أسترق السمع، فتبادلتا النظرات، وصمتتا، واستمرتا في «نبش» الحاوية، وإخراج ما تحويه من «خيرات»!
-2-
قبل أيام قليلة، رن جرس البيت، انتبهت مفزوعا، وهرعت لفتح الباب، حيث أطلت علي سيدة في منتصف العمر، وبعد التحية، ألقت علي سؤالا لم أتوقعه أبدا: هل لديكم أكل زايد؟
هذا آخر ما كنت أريد سماعه، خاصة بعد استماعي لذلك الحوار بين السيدة وابنتها، وهما تنبشان الحاوية!
للحظات، لم أجد جوابا، ولم أدر ما أقول، شعرت برغبة عارمة بالبكاء، والاعتذار للسيدة، لأنها وصلت إلى درجة أن تسألني سؤالا كهذا!
قلت لها: انتظري، ثم «هَجَمْتُ» على الثلاجة، وأخذت بإفراغ ما وصلت إليه يداي، في وعاء، وأنا في حالة انعدام وزن، فأنا أعرف أن «التسول» أصبح مهنة، في كثير الأحيان، لكن ماذا تقول لمن يطلب طعاما؟ أهو يمتهن التسول فعلا؟ أم أن ثمة ظروفا أخرى ألزمت هذه السيدة، سؤال الطعام؟
-3-
بالمناسبة، يشهد الله، أن إفطاري اليوم، وأهل بيتي، ملوخية بايتة منذ الأمس، وبالمناسبة أيضا، مصروفي في رمضان يقل إلى النصف على الأقل، مقارنة مع أشهُر الإفطار، وأجتهد وأهل بيتي ألاّ نشتري من الأشياء إلا قدر ما يحتاج امرؤ يمتنع عن الطعام والشراب 16 ساعة في اليوم!
(الدستور)